النظر إلى التحديات من زاوية إيجابية

شبكة النبأ

2023-07-18 05:58

من الاستراتيجيات السهلة نسبيًّا لتغيير طريقة تفكيرنا بهدف زيادة شعورنا بالسعادة، أن نعيدَ تصوُّر تحديات الحياة اليومية بالانتباه للخيرِ فيها بدلًا من الشَّر. لدى أحد أصدقائي استراتيجيةٌ ممتازة للعثور على شيءٍ إيجابي أثناء الزحام الضروري المحبط الناشِئ عن حادثة سيارة: فإنه يذكر نفسه أنه في وضعٍ أفضلَ بكثير من الشخص الذي تعرَّض لتوِّه للحادثة.

أصحاب الرؤية الإيجابية قادرون كذلك على رؤيةِ بعض الفكاهة، حتى عند التكيُّف مع ظروفٍ صعبة. فكما وصف أرثر بروكس، كاتب العمود الصحفي في صحيفة «نيويورك تايمز» ردَّ فعلِ زوجته تجاه اجتماعٍ صعب بين الآباء والمعلمين بشأن أحد أبنائهم المراهقين، «على الأقل عرفنا أنه لا يغش.»

العثور على الفكاهة يُساعد الناس على التكيُّف مع المكدِّرات الصغيرة في الحياة اليومية، لكنه مهمٌّ بصفة خاصة للتأقلم مع ظروف الحياة الخطيرة. فالمصابون مثلًا بالألم العضلي الليفي - وهو حالة مُنهكة ومُزمنة تتَّسم بألمٍ مُنتشِر في جميع أنحاء الجسم - الذين يعتمدون على الابتسام والضحك للتكيُّف مع مكدرات الحياة اليومية الصغيرة - مثل أن يسكب النادِل الماء عليك - يشتكون من مستوياتٍ أدنى من الضيق النفسي وأعراض جسدية أقل. هذه القدرة على تقبُّل الأمورِ بهدوء تُقلِّل الضغط النفسي وآثاره الفسيولوجية السلبية على الجسم، قد يكون الضَّحك، في بعض الحالات على الأقل، هو أفضل دواء.

في المرة القدمة حين تواجه موقفًا غيرَ سارٍّ، ابحث عن أي فائدة، مهما كانت صغيرة، وانتبِه إليها بكل طاقتك. إليك بعض الأمثلة على الطرق التي يمكن أن تبدأ بها رؤيةَ التجارب السلبية من زاوية أخرى:

مضطرٌّ للانتظار في المطار؟ نشتكي جميعًا من أنه لم يتسنَّ لنا قط وقتٌ لأنفسنا، فاستغِل هذه الفرصة واتَّصِل بصديقٍ أو اقرأ كتابًا جيدًا.

تجاوزَتك ترقية؟ هذا هو الوقت الأمثل لصقل سيرتك الذاتية أو استكشاف خيارات مهنية أخرى ربما تكون مجزية أكثر.

ليس لديك خططٌ لليلة رأس السنة؟ لا تحزن؛ فهي ليست ليلةً آمنة للخروج من الأساس. ولست وحدَك مَن ستقضيها في المنزل. فاستجمَّ أمام التلفزيون وشاهِد الاحتفالات في هدوء، أو ابدأ من الصباح الباكر في تنفيذ قرارك للعام الجديد، وهو أن تصير مُنظَّمًا وتوضِّب تلك الخزانة المتراكمة.

رغم أن هذه حلولٌ بسيطة لمكدِّرات صغيرة من واقع الحياة، فإن طريقة التفكير التي نتبنَّاها في مواجهتها قرارُك أنت، ورؤيتها من زاوية إيجابية ستُحدِث اختلافًا كبيرًا فيما تشعر به.

تقبَّل المشاعر السلبية.. ثم تجاوزِ الأمر

أحد الفروق الرئيسية بين أصحاب التفكير الإيجابي وأصحاب التفكير السلبي هو القدرة على التغاضي عن الموقف السيئ. أصحاب التفكير الإيجابي يستطيعون؛ وأصحاب التفكير السلبي عامةً لا يفعلون. ولزيادة الطين بِلة، فإن الناس الذين يؤنِّبون أنفسهم لشعورهم بالاستياء غالبًا ما يزداد شعورهم سوءًا على سوء، ولا ريب.

سأل الباحثون في إحدى الدراسات أكثرَ من ١٣٠٠ شخص ما إن كانوا يَنزعون لتأنيب أنفسهم على أفكارهم ومشاعرهم السلبية. كان الأشخاص الذين يستاءون من مشاعرهم السلبية لديهم مستويات أعلى من الاكتئاب والقلق، ومستويات أدنى من الرفاه النفسي والرضا عن الحياة. فإنهم باختصار يدورون في دائرة سلبية، حيث يستاءون من أفكارهم ومشاعرهم السلبية، ثم ينغمسون في هذا الشعور بالاستياء. وسريعًا ما تصير هذه دائرة مفرغة كما يمكنك أن تتخيَّل.

تريد اختبارَ نزعتك نحو هذا النوع من السلبية؟ وضع باحثون من جامعة كنتاكي استبيانًا لليقظة الذهنية يمكننا تطويعه لقياس مقدارِ نزوعنا لانتقاد أنفسنا. حدِّد درجةَ اتفاقِك مع كل جملة من الجمل الواردة في الجدول التالي.

اجمع درجاتك في هذه النقاط الخمس لترى مقدارَ نزوعك إلى انتقاد نفسِك. كلَّما علتِ الدرجات زاد مقدار انتقاد النفس. إذا اكتشفت أن لديك نزعةً للاستغراق في هذا النوع من انتقاد الذات، فإن أولى الخطوات الهامة الواجب اتخاذها هي مُحاولة قبول هذه الأفكار والمشاعر، وعدم تأنيب نفسك عليها. فكما تقول بريت فورد، أستاذة علم النفس في جامعة تورنتو: «اتَّضحَ أن للأسلوب الذي نتعامل به مع ردود أفعالنا العاطفية السلبية دورًا بالغ الأهمية في حالتنا الصحية في العموم. الناس الذين يتقبَّلون هذه العواطف دون انتقادها أو محاولة تغييرها قادرون على التأقلم مع ضغطهم النفسي بنجاح أكبر.»

من ثَم، إذا وجدت أنك تُمعن التفكير في شجار مع صديق، أو موقف صعب في العمل، أو الحالة الراهنة للسياسة الأمريكية، فجرِّب أسلوبًا جديدًا: تبيَّن هذه الأفكار والمشاعر السلبية وتقبَّلها. فقد تُحدِّث نفسك على سبيل المثال قائلًا: «أشعر بالوحدة»، أو «لست موفَّقًا في عملي.» اعترف بما تشعر به، وتقبَّله، ثم امضِ قُدمًا.

ابحث عن أصدقاء سعداء

ربما تَعرف سلفًا أن السعادةَ، مثلها مثل الإنفلونزا، مُعْدية. لدى العديد منَّا أصدقاء وأحباء يبدون دائمًا في حالة مزاجية طيبة، وترتفع معنوياتنا حين نقضي معهم الوقت.

واحدة من أوضح الدراسات التي تُؤكد تأثير سعادة الآخرين على سعادتنا تفحَّصت بيانات صادرة عن دراسة لشبكة اجتماعية كبيرة. كان الباحثون في هذه الدراسة قد جمعوا بياناتٍ من أكثر من ٥٠٠٠ شخص يعيشون في فرامينجهام، في ولاية ماساتشوستس، على مدار ٣٠ عامًا (من ١٩٧١ حتى ٢٠٠٣). رغم أن الدراسة كانت مصمَّمة خصيصًا لقياس عوامل الخطر المرتبطة بأمراض القلب (السِّمنة والتدخين وتعاطي الكحول)، فإن الباحثين المشاركين سألوا عن «علاقاتهم الاجتماعية» أيضًا. شملت هذه العلاقات الاجتماعية الأقارب (الوالدان والزوج والأشقاء)، والأصدقاء وزملاء العمل والجيران. سجَّل المشاركون في هذه الدراسة أسماء الأشخاص الذين تشملهم دائرة حياتهم حتى يستطيع الباحثون تقصي شبكاتهم الاجتماعية الأوسع وكذلك درجة قرب معارفهم؛ أي مدى قرب سكنهم من الشخص الذي في الدراسة. (تذكَّروا أن هذه الدراسة بدأت عام ١٩٧١، قبل أن يتمكَّن الناس من الاعتماد على الهواتف المحمولة والبريد الإلكتروني والرسائل النصية ليظلُّوا على اتصال بالأشخاص الذين يعيشون بعيدًا).

تشير نتائج تحليل هذه الشبكة الاجتماعية إشارةً واضحة إلى أن السعادة مُعدية. بعبارة أدق، يبدو على الناس الذين يُحيط بهم العديد من الأشخاص السعداء، ارتفاعٌ في درجة السعادة مع الوقت. فعلى سبيل المثال، تزداد سعادةُ الشخص الذي يعيش على بُعد ميل من صديقٍ سعيد بنسبة ٢٥ في المائة. كما أن الزواج من شخص سعيد والعيش بجوار جارٍ سعيد والشقيق السعيد (الذي يعيش على بُعد ميل) يؤدِّي إلى ارتفاعٍ في نسبة السعادة.

بل ولعل الأعجب من ذلك حتى أنه من الممكن أن نضاعف شعورَنا بالسعادة بطريقة غير مباشرة؛ وذلك عن طريق علاقات أوسع داخل الشبكة الاجتماعية. فالصديق السعيد مثلًا يَزيد من مقدار سعادتك بنسبة ١٥ في المائة. لكن أن يكون لك صديق له صديق سعيد (حتى إن لم يكن صديقك نفسه شخصية سعيدة) فهذا من شأنه أن يَزيد من شعورك بالسعادة بنسبة ١٠ في المائة تقريبًا. وحتى العلاقات الأبعد بوسعها أن تمنحنا السعادة: أن يكون لك صديق له صديق له صديق سعيد من الممكن أيضًا أن يزيد من سعادتك بنسبة ٥٫٦ في المائة.

رغم أن تحليل هذه الشبكة الاجتماعية قد انصبَّ على مزايا أن يكون لدينا أشخاص سعداء في شبكاتنا الاجتماعية، فإنه من الممكن أن يكون تأثير هذه العلاقات بالعكس كذلك. ربما تعلمون سلفًا من تجارب الحياة أن مُخالَطة السلبيِّين من الممكن أن تجعلكم مُغتمِّين. في الجدول السابق، اقضوا دقيقتين في إعداد نوعين من القوائم: الأشخاص الذين يجعلونكم في مزاج طيب، والذين يُعكِّرون مزاجكم. ثم حاولوا أن تقضُوا مزيدًا من الوقت مع الذين في المجموعة الأولى، متى استطعتم.

في اختبارٍ مُبتكَر لقُدرة التجارب السَّلبية على الانتشار داخل الشبكة الاجتماعية، رصد الباحثون في إحدى الدراسات كيف يمكن للحزن أن ينتشر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. في هذه الدراسة بدأ الباحثون بتقييم كلٍّ من العواطف الإيجابية والسلبية المبثوثة في منشورات الناس على موقع «فيسبوك». ثم قارَنُوا بين تَكرار هذه التعبيرات العاطفية وكمية هطول الأمطار في مدينة صاحب كل منشور. وكما قد تتوقَّعون، يميل الناس إلى المبالغة في نشر المشاعر السلبية والتقليل من المشاعر الإيجابية، في الأيام المُمطِرة. فإن اليوم الممطر في مدينة كبيرة، مثل نيويورك سيتي يسفر عن ١٥٠٠ منشور سلبي إضافي ينشره المقيمون في تلك المدينة مقارنةً باليوم غير الممطر.

لكن ما يستدعي الاهتمام أكثرَ حتى من ذلك في هذه الدراسة أن الباحثين بعد ذلك تحرَّوا كيف يمكن لمنشورِ شخصٍ ما على «فيسبوك» أن يؤثِّر على التعبيرات التي ينشرُها أصدقاؤه في مدنٍ أخرى. تعطينا هذه النتائج مرةً أخرى دليلًا قويًّا على تأثير العدوى العاطفية داخل الشبكة. بعبارةٍ أخرى، حين ينشر شخص منشورًا سلبيًّا على «فيسبوك» يَزيد احتمال أن ينشر أصدقاؤه منشورًا سلبيًّا ويَنخفِض احتمالُ أن ينشروا منشورًا إيجابيًّا. بالعودة إلى مثال نيويورك، اليوم المُمطِر في مدينة نيويورك لا يسفر فقط عن ١٥٠٠ منشور سلبي إضافي يَنشُره الذين يعيشون في المدينة (ويتعرَّضون للمطر) وإنما عن ٧٠٠ منشور إضافي ينشره أصدقاء يعيشون في أماكن أخرى (ولم يتعرَّضوا للأمطار بالضرورة).

رغم أنك لا تستطيع دائمًا التخلُّص من الأشخاص السلبيين في حياتك - فقد يكون من أفراد الأسرة أو جارًا أو زميلَ عمل - فباستطاعتك أن تعمد إلى قضاءِ وقتٍ أكبرَ مع مَن يجعلك سعيدًا، ووقت أقلَّ مع مَن لا يفعل ذلك. وهذه الاستراتيجية نصيحة مناسِبة خصيصًا لمن لا يتبنَّون طريقةَ تفكير إيجابية من تلقاء أنفسهم. لقد بدأت هذا الفصلَ بوصفِ رؤية زوجي المتفائلة لحالةِ ابنتنا الصحية، حتى حين كنت غارقة في القلق والحزن. ربما بإمكانكم الآن أن تفهموا لماذا اخترت أن أتزوَّجه!

* مقتبس بتصرف من كتاب التحول الإيجابي: تحكم في طريقة تفكيرك وانعم بالسعادة والصحة والعمر المديد، للمؤلفة: كاثرين إيه ساندرسون، أستاذة علم النفس في أمهرست كوليدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية

ذات صلة

التقية المداراتيّةأثر التعداد السكاني على حقوق المواطنينبناء النظرية الدينية النقديةأهمية التعداد العام للسكان في داخل وخارج العراقالأيديولوجية الجندرية في عقيدة فرويد