كليبتومانيا: السرقة من اجل السرقة
عزيز ملا هذال
2022-02-23 06:23
ربما اغلبنا سمع او قرأ عن قيام شخص ما بسرقة اشياء لا يحتاجها وقد تكون تافه للغاية ويعتبر الخبر صدمة لمتلقيه، وحين نصدم نتسائل لماذا يسرق ابن فلان الغني؟، هل انه محروم ام انه استدرج من قبل أصدقائه المراهقين؟، ولماذا يسرق كبار السن رغم كونهم مكتفين؟، قارئنا الكريم هل سمعت بهذا من قبل وماذا تسمى هذه الحالة؟
هذه الحالة تدعى في علم النفس بأنها (هوس السرقة) او وفق الاسم العلمي لها (كليبتومانيا) وهو مرض نفسي شديد الندرة وأغلب المصابين بها من الإناث، وتعرف منظمة الصحة العالمية هوس السرقة بأنه: فشل متكرر من الشخص عن مقاومة الاندفاع نحو سرقة اشياء لا يحتاجها لاستخدامه الخاص أو لكسب مال، بل إن هذه الاشياء قد يتم التخلص منها أو توزيعها أو تخزينها.
وهوس السرقة يكون بدافع مرضي للسرقة حيث يتلذذ صاحبه في الاستحواذ على اغراض الغير وقد ناتج عن عوامل نفسية، اي انه مكتسب ولا علاقة للجينات به وانما له علاقة بتكوين الشخصية، والشخص المصاب بهذا المرض لا يستطيع مقاومة نزعة السرقة لدية، اذ يشعر بقلق وضغط داخليين إذا لم يسرق، ويكون الهدف من السرقة هو ممارسة السلوكية بحد ذاتها وليس لأي هدف اخر، وإذا سألت هذا الشخص عن الدافع الذي يدفع به إلى السرقة يعجز عن اجابة منطقية.
وننوه الى ضرورة التفريق بين السرقة العادية وهوس السرقة فالسرقة العادية يكون مخطط لها باندفاع وتعمد ووعي بأهيمه وقيمة ما سيسرق اما هوس السرقة فأنه يكون بتلقائية وليس لغرض الانتفاع من المادة المسروقة.
يعود تاريخ الظهور الاول لهذه الحالة المرضية للعام 1838م اذا قام طبيبان فرنسيان هما (اسكيرول، مارك) بأطلاق هذا المصطلح لوصف السرقة التي تتم بتلقائية وبصورة غير ارادية حيث لا يستطيع الفرد مقاومة رغبته او يرفضها وينصاع لها انصياع كامل حتى اتمام العملية ومنذ ذلك التاريخ اصبح يشار إلى هوس السرقة في البحوث العلمية، وفي عام 1952م شمل الدليل التشخيصي الإحصائي الأول هوس السرقة بوصفه مصطلحاً تكميلياً بدلاً من كونه تشخيصاً مستقلاً ثم عاود الظهور سنة 1980م، اذ تم تصنيفه ضمن اضطرابات التحكم في الاندفاع وبقي على هذا النحو ف الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع المنقح الصادر عام 2000م.
اسلفنا ان المرض نادر نسيباً اذا ما قورن بالأمراض النفسية الاخرى، فبض الاحصائيات التي نتجت من دراسات نفسية نشرها موقع (Very Well Mind) اشارة إلى نسبة 0.3 إلى 0.6% من الناس، وفي دراسة اكثر حداثة قالت ان نسبة المصابين به تصل بين 3.4 و28%، أيضاً أشارت التقارير إلى اصابة 6 أشخاص من كل ألف شخص في الولايات المتحدة، أي أن 1.2 مليون شخص أمريكي مصابون بهذا الهوس، أن هوس السرقة يمثل 5% من جميع عمليات السرقة من المتاجر، مما يُترجم إلى خسارة اقتصادية سنوية تبلغ حوالي 500 مليون دولار.
جملة اسباب تؤدي بالفرد الى الاصابة بهوس السرقة يتعلق بعضها بالنشئة وبعضها الاخر في عوامل اخرى سنذكرها كما يلي: يؤدي السيروتونين وهو ناقل عصبي على تنظيم الحالة المزاجية والعواطف، وتعد المستويات المنخفضة من السيروتونين شائعة لدى الأشخاص ذوي السلوكيات الاندفاعية مثل هوس السرقة، كما تؤدي اضطرابات الادمان التي تدفع الى السرقة الى افراز هرمون الدوبامين الذي بدوره يشعل المتعة في نفس السارق مما يجعله يكرر المشهد كثيراً.
والعامل الاخر الذي يتسبب في وجود هذه الظاهرة السلوكية غير الحميدة هو الدوافع النفسية اذ يقول منهج التحليل النفسي ان السبب الاكثر اهمية وراء هذا النوع من السرقة هو رغبة بعض الأشخاص في الحصول على هذه الأشياء كتعويض رمزي عن نوع من الخسارة أو الإهمال المبكر من أسرته والمحيطين به الذي تعرض له في مراحل عمرية متقدمة، كما ان البيئة التي يعيش فيها الانسان لها الاثر في نشوء المرض اذا يتعرض الطفل للحرمان وانه يشعر بالعجز أو الإحباط او انه يعاني انفصال والديه، كما تقلب عدم ثبات نوع التربية من قبل الوالدين وتضارب آرائهما في التربية يؤدي بالضرورة الى ضهور المرض.
العلاجات لها عدة ابواب توصلنا اليها وليست بالضرورة ان تعمل جميع العلاجات مع جميع المرضى بل من الممكن ان يعمل نوع واحد مع كل مريض، وهذه العلاجات هي اولا العلاج النفسي الذي يستهدف تغير الافكار وبالتالي تغير السلوكيات ويساعد هذا العلاج على فهم الدافع من السرقة ومن ثم مساعدة المريض من القيام بسلوكيات أخرى تخفف من توترهم وتمنعهم من القيام بالسرقة مع الوقت، وحين لا تنفع العلاجات النفسية سيجبر المعالج على استخدام العلاج بالأدوية (العقاقير) فقد أظهرت مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية بالإضافة إلى مضادات الاكتئاب الأخرى فاعليتها في علاج أعراض هوس السرقة، ومن الممكن الجمع بين التحليل النفسي والعقاقير الطبية، مع القليل من المرونة في التعامل والتي تتمثل بعدم الإملاء على المريض بشكل قسري، إضافة إلى الكثير من الصبر الوسيلة الأكثر فعالية لتحقيق خير نتائج العلاجات.