لماذا نكذب؟

عزيز ملا هذال

2021-05-30 07:06

الكذب هو تحوير او تزيف للحقائق كليا او جزئياً وربما يتطور الامر الى خلق روايات واحداث جديدة وهمية بقصد تحقيق منفعة خاصة او تحقيق هدفاً مادياً ونفسياً واجتماعياً، وهو عبارة عن مناورة دفاعية يكون سببها الخوف من العقاب أو فقدان حاجة لا يستطيع تحقيقها بأسلوب مباشر ولكن سيحققها بطرق ملتوية، وقد يكون الكذب بسيطاً في بعض حالاته او بداية ظهوره عند الانسان لكنه يتحول بالاستمرار الى اسلوب حياة وفي هذه الحالة يمكن ان نطلق عليه بالكذب المرضي ومن صوره الغش والسرقة والنصب والاحتيال، كما يستخدم في بعض الادوار الدبلوماسية والحرب النفسية الإعلامية.

علماء النفس يضعون معتادي الكذب في خانة المرضى النفسيون الذي تتسم شخصياتهم بالجبن وعدم امتلاك القوة لمواجهة الكثير من المواقف الحياتية بالصدق والشفافية والوضوح، والكاذب في الغالب شخص لم توصله قدراته الشخصية لاكتساب نصيبه من التقدير والاحترام المجتمعي فيحاول ان يستدر احترام وهمي عبر صنع مكانة وهمية من صنع مخيلته المريضة لكن ذلك سيبان وسرعان ما يعاقبه المجتمع المحيط به بعدم تصديقه في أي شيء يتكلم فيه حتى ولو كان صادقا فيه.

متى يصبح الكذب ظاهرة؟ حين يكون سلوكية معتادة ولا تشكل في نفس فاعلها خلل معين ولم يندم عليها او يكف عن استخدامها حتى في اتفه المواقف، فقد يحرج الكثير من الاشخاص عند الاستعلام عن مستواهم الدراسي او المادي او العائلي وطبيعة عملهم وغيرها من حقائق يكون في إخفائها أو الكذب فيها التأثير عند وقوع الفأس في الرأس كما يحدث في الحياة اليومية وتجد هذا النوع من الكذب يحصل لدى طبقة الشباب اكثر من الناس الاخرين، وهذا الامر بانتشاره بهذه الكيفية يمكن ان يطلق عليه ظاهرة واسعة الانتشار.

ثمة من يقول بوجود كذبة بيضاء واخرى سوداء، يمكن ان يصح الى حد بعيد فالكذبة البيضاء هي الحيلة التي تستخدم لأجل مصلحة عامة وليست شخصية وقد تكون مهارة تنم عن ذكاء لتمرير بعض المواقف الخلافية او اطفاء فتنة او مشكلة ممكنة الحصول فيصار الى التكتم عليها والميدان الاكثر استخداماً لهذا النوع من الكذب هو ميدان العمل كما يستخدم في المنزل بين الازواج خلال بعض المجاملات العابرة، كما يستخدم هذا الاسلوب المصلحين الاجتماعين بغرض انهاء نزاع او مشكلة معينة.

على النقيض من ذلك يوجد ما يعرف بالكذبة السوداء التي تختلف في اغراضها واثارها ايضاً فبعد ان وقعت الاولى دون حلول مشاكل او حل مشاكل تسببت هي بحدوث مشاكل وتركت اثار وخيمة كأن يهدم علاقات وينشئ اخرى غير صحيحة او يحدث مشاكل بين اطراف او كما الغش في السوق والغش الامتحان وكل خداع في التعاملات العامة والخاصة يعد كذباً اسوداً.

الكثير من الاسباب التي تجعل الانسان يكذب ومنها ان الفرد يكتسب سلوكية الكذب ممن حوله على سبيل المثال ان الاب يأمر ابنه بأخبار من يطرق الباب بأن ابيه غير موجود في البيت وبهذه الحالة هو قاده الى الكذب ربما من دون قصد، ومن الاسباب التي تدفع الانسان الى الكذب ايضاً هو استخدامه للكذب كحيلة دفاعية يلجأ إليها عندما يوضع في مواقف محرجة وهنا يمارس الكذب تحت يافطة (أنا لا اكذب ولكني أتجمل).

كما قد يحدث الكذب بدافع ادعائي ويلجأ اليه الانسان لتحسين صورته وتعظميها، كما يحدث عندما يوصف الفرد الكاذب تجاربه الخاصة فيجعل من نفسه بطلا ينتزع الإعجاب ويكون مركزا لجذب انتباه من حوله وفي العادة يحدث ذلك لدى الشباب في الجامعات وغيرها من اماكن الاختلاط بين الجنسين غير الناضجين، واخيرا يحدث الكذب بدافع الانتقام نتيجة للانفعالات الحادة التي يتعرض لها الطفل والتي تهز من ثقته فيمن حوله، ويغلب هذا النوع عند الأطفال الذين يشعرون بالغيرة والغبن وعدم المساواة في المعاملة ويتركز علاجه حول بناء الثقة في النفس.

العلاجات التي من الممكن ان تعدل من سلوكية الكذب هي: تربية الاطفال على الثقة والوضوح بينهم وبين آبائهم لان خوف الطفل من العقاب القاسي سيضطره الى اخفاء الكثير من الحقائق وهذا احد اساليب التربية الخاطئة التي ينتهجها الاهل مع ابناءهم، كما يفترض تنمى سلوكية الصدق لدى الاطفال في المدارس لتصبح مع تقادم الزمن ثقافة مجتمعية جميلة، والمجتمع هو الاخر يمكن يقوض مساحة الكذب عبر مقاطعة الكاذبون وعدم التعامل معهم وهو ما يجعلهم يشعرون بعدم التقبل والاحترام وبالتالي تجنب هذه السلوكية غير المريحة، بهذه السلوكيات المضادة لسلوكية الكذب يمكن ان نحد ولو بالممكن من هذا المرض الاجتماعي الخطير.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي