تأثير الحرمان الاجتماعي في نمو المراهقين
وصحتهم العقلية في ظل جائحة كورونا
د. حمزة هاتف عبد الجبوري
2021-02-20 04:02
تُعد التفاعلات الاجتماعية حاجة انسانية اساسية مماثلة الى الاحتياجات الاساسية الاخرى مثل تناول الطعام أو النوم. وان عدم الارتباط الكافي بالآخرين يكون له نتائج سلبية عقيمة ودائمة على الصحة الجسدية والعقلية، ويؤدي إلى زيادة معدل الوفيات.
وتتطلب الجهود الحالية لاحتواء تفشي COVID- 19، تباعداً جسدياً بصورة واسعة، ومفروضا بنحو مفاجئ، ما ادى الى ازالة العديد من الوسائل المنتظمة للتواصل الاجتماعي من حياة الناس.
ومن المؤكد ان يكون لمثل هذه التدابير تأثيراً كبيراً ليس فقط على الاقتصاد والمجتمع، ولكن أيضاً على الصحة العقلية للأفراد ورفاهيتهم من خلال انخفاض الاتصال مع الاخرين. ومن المحتمل ان تمتد اثار هذا الحرمان من التواصل الاجتماعي الى ما بعد فترة التباعد الجسدي، وقد تؤثر على السكان لسنوات قادمة.
وتكون الآثار السلبية للتباعد الجسدي والحرمان الاجتماعي معقدة بنحو خاص بالنسبة للمراهقين الذين تتراوح اعمارهم من 10-24 سنة، إذ تمثل مرحلة المراهقة فترة حساسة في التفاعل الاجتماعي لهم. وإن وجهة النظر هذه تناقش الدليل على أن المراهقين أشد حساسيةً للمحفزات الاجتماعية، والآثار السلبية للاستبعاد الاجتماعي.
وهنالك أشكالاً شديدة من الحرمان الاجتماعي بما في ذلك العزلة الاجتماعية الكاملة خلال فترة المراهقة والتي لها آثاراً ضارة في نمو الدماغ والسلوك، ومع ذلك فقد حدثت الأزمة العالمية في وقت كان فيه الكثير من المراهقين في وضع جيد.
وللتخفيف من بعض أوجه القصور الاجتماعية باستخدام وسائل الاتصال الرقمية. فإن وجهة النظر هذه تجمع النتائج العلمية من التخصصات المتعددة المتعلقة بالمعالجة الاجتماعية للمراهقين والعزلة الاجتماعية والسلوكيات الاجتماعية الرقمية وتسليط الضوء ايضا على كيفية تأثير المراهقين بنحو خاص بالحرمان الاجتماعي خاصة الحد من الاتصال بين الاقران وكيف يجب ان يؤخذ في الاعتبار عند النظر في العواقب طويلة المدى لتدابير الوقاية من COVID-19 العالمية.
- المراهقة هي فترة حساسة من فترات التنمية الاجتماعية:
ان التغيرات الهرمونية والبيولوجية المرتبطة بالبلوغ تعتبر المراهقة فترة تحول نفسي واجتماعي عميق خلال فترة المراهقة يصبح العالم الاجتماعي وتفاعــــــــلات الاقران والتي يمكن ان تكون ذات اهمية متزايدة مقارنة مع الاطفال (أقل من 10 سنوات) ويقضي المراهقون وقت أطول مع أقرانهم أكثر ما يقضونه مع عوائلهم وتشكل علاقاتهم مع اقرانهم أكثر تعقيدا.
وتزداد أهمية الحصول على القبول الاجتماعي من قبل الأقران ويزداد ايضا تأثير الأقران في مرحلة المراهقة. وفي الحقيقة يكون المراهقون أكثر حساسية بنحو ملحوظ لقبول الاخرين ورفضهم وموافقتهم من الاطفال أو البالغين وتسهل عملية اعادة التوجيه هذه نحو الاقران نمو الشباب ليصبحوا بالغين مستقلين تمكنهم من تعزيز احساس أكثر اكتمالا بالهوية الذاتية الاجتماعية وفي نفس الوقت بناء روابط اقوى مع مجموعة اقرانهم وكذلك القدرات المعرفية مثل المعالجة المرجعية الذاتية، والسيطرة التنفيذية والعقلية تتحسن عبر مرحلة المراهقة وتمكن الشباب من فهم عقول الاخرين بنحو أفضل واخذ وجهات نظر الاخرين.
ويوفر تطوير العمليات المعرفية عالية المستوى للمراهقين آلية عقلية للتفكير في أنفسهم والاشخاص الاخرين والتنقل عبر الشبكات الاجتماعية التي تبدو على انها غير مستقرة وأقل تبادلا للمثل وتصبح تدريجيا أكثر دقة ومعاملة بالمثل طوال فترة المراهقة.
- الرسائل الرئيسية:
1- أدت تدابير التباعد الاجتماعي لاحتواء تفشي COVID-19 إلى ازالة العديد من الوسائل المنتظمة للتواصل الاجتماعي وجها لوجه من حياة الناس ما قد يؤثر على الصحة العقلية للأشخاص، لا سيما في مرحلة المراهقة وهي فترة من الحياة تتميز بالحاجة المتزايدة للتفاعل بين الاقران.
2- تشير الأبحاث التي أجريت على الحيوانات الى وجود تأثيرات فريدة للعزلة الاجتماعية والحرمان الاجتماعي على الدماغ والسلوك في مرحلة المراهقة على الرغم من ان العزلة في هذه الدراسات أكثر تطرفا للتفاعل الاجتماعي المنخفض المرتبط بالتباعد الجسدي فإن هذه الادبيات تشير الى أن المراهقين قد يتأثرون بنحو خاص بالحرمان من احتياجاتهم الاجتماعية.
3- قد يخفف استعمال المراهقين للتقنيات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي من بعض الآثار السلبية للتباعد الجسدي.
4- زيادة الحساسية أثناء استجابة COVID-19 لاحتياجات المراهقين، الذي يعد تفاعل الأقران جانبًا حيويًا من جوانب التنمية.
تعد المراهقة فترة حساسة للتنمية الاجتماعية والتي قد تعتمد جزئياً على تطور الدماغ الاجتماعي شبكة مناطق الدماغ المشاركة في الإدراك الاجتماعي والإدراك الذي تسمح لنا بفهم الآخرين، كما هو الحال مع معظم المناطق داخل القشرة المخية البشرية، فإن بنية الدماغ الاجتماعي تتطور بشكل كبير خلال فترة المراهقة، إذ أظهرت دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الطولية المتعددة أنه عبر القشرة الدماغية، يتراجع حجم المادة الرمادية، التي تتكون في الغالب من أجسام الخلايا والمشابك، منذ أواخر الطفولة إلى منتصف العشرينات.
ان حجم المادة البيضاء التي تتكون من محاور نقية تزداد تدريجيا ويعتقد أن هذه التغيرات الهيكلية الكبيرة تتوافق مع آليات النمو العصبي على مستوى البنية المجهرية بما في ذلك تكوين النخاع ونمو المحاور وإعادة التنظيم المتشابك والتي تعتمد جزئيا على المدخلات البيئة وتتضمن الاليات من المرونة العصبية التنموية وهكذا.
كما ان التنمية الصحية تعد مدخلات الوالدين ومقدمي الرعاية مكونا رئيسا خاصة اثناء التطور المبكر بينما يصبح تأثير الاقران في وقت لاحق عنصرا اضافيا ومهما في البنية الاجتماعية وتعد المراهقة هي ايضا فترة من التعرض المتزايد لمشاكل صحية وعقلية، إذ افاد حوالي 75% من البالغين الذين عانوا من حالة صحية ونفسية بانهم عانوا من الاعراض لأول مرة قبل سن 24.
وهناك أدلة على أن المشكلات المتعلقة بالعلاقات مع الأقران ورفض الأقران، والتنمر، والشعور بالوحدة من عوامل الخطر لتطور الحالات العاطفية مثل الاكتئاب في مرحلة المراهقة بالمقابل من ذلك يبدو ان علاقات الاقران عالية الجودة تحمي من مشاكل الصحة العقلية وتعزز قدرة المراهقين على الصمود. ويترتب على ذلك حدوث تغيرات واسعة النطاق في البنية الاجتماعية، مثل الابتعاد الجسدي الاجباري وتقليل التواصل الاجتماعي وجها لوجه مع الأقران. وقد يكون له تأثير كبير على نمو الدماغ والسلوك أثناء فترة المراهقة.
أن التباعد الجسدي قد لا يؤثر على جميع المراهقين بنفس الطريقة على سبيل المثال، المراهقون الذين يعيشون مع أسر عالية الأداء ولديهم علاقات إيجابية مع الوالدين أو مقدمي الرعاية والأشقاء قد يكونون أقل تأثراً بالبعد الجسدي من المراهقين الذين ليس لديهم علاقات أسرية إيجابية أو الذين يعيشون بمفردهم ولأن قواعد التباعد الجسدي تختلف حسب البلد والمنطقة وعبر الوقت، فقد يُسمح ببعض الاتصالات وجهًا لوجه مع أفراد من خارج الأسرة لبعض المراهقين ومع ذلك، فإن العديد من الشباب حول العالم لديهم حاليًا فرص أقل للتفاعل وجهًا لوجه مع أقرانهم في شبكاتهم الاجتماعية مما يعرض احتياجاتهم الاجتماعية لخطر عدم تلبيتها في وقت حرج من التنمية الاجتماعية.