منظور الوراثة السلوكية

الوحدة البايولوجية الأساسية في الشخصية

د. حمزة هاتف عبد الجبوري

2021-02-11 07:38

تحاول دراسة الوراثة السلوكية تحديد الى اي درجة يكون الفروق السلوكية بين الناس ناشئة عن الوراثة وكذلك عن الفروق البيئية وجهة النظر البايولوجية في الشخصية تدمج كذلك الوراثة السلوكية لتختبر الى اي درجة تتمدد جوانب مختلف في الشخصية، مثل الانبساط والبحث عن الإحساس، عن طريق الوراثة والعوامل البيئية بحوث الوراثة السلوكية تختبر ايضا دور الوراثة في بنية الشخصية واتساق الشخصية والتباين اثناء الطفولة وعبر مدى الحياة.

جذور الوراثة السلوكية توجد في عمل مندل الرائد، فورقة العمل الكلاسيكية التي قدمها مندل عام 1866 عن السمات النوعية لأنواع مختلفة من نبات البازيلياء (تجارب في تهجين النبات) قد أهملت في البداية، لكنها فيما بعد وضعت اطار للكثير من البحث المعاصر في وراثة السلوك.

- التأثير الوراثي في الشخصية:

اداة بحث قيمة في دراسة الاسس الوراثية للخصائص البدنية هي التولد الانتقائي، وفي تجارب التولد الانتقائي ثم انتقاء الكائنات الحية مثل الفئران أو الطيور التي تكون ذات خصائص معينة مثل (لون العين أو النسيج الوراثي) وجعلها التوالد للتحديد بدقة كيفية انتقال هذه الخصائص من جيل الى أخر. لان التولد الانتقائي في البشر لتحديد انتقال سمات الشخصية هو غير أخلاقي، الباحثون الذين يستعملون توجه الوراثة السلوكية لدراسة الشخصية يتوجب عليهم أن يستعملوا طرائق اخرى مثل دراسات العوائل ودراسات التوائم المتماثلة النموذج.

1- دراسات العوائل:

في دراسات العوائل، يتفحص الباحثون تاريخ العائلة لتحديد الى اي درجة خصائص شخصية معينة تظهر أكثر بين أعضاء العائلة (مثل الأم، الجد، ابن العم الثالث) اكثر مما في السكان العام. اصحاب هذه الدراسات يشيرون الى ان العلاقة كلما كانت الأقرب بين الأفراد (الوالد- الطفل مقابل الغريب – الطفل) كلما كانت البنية الوراثية المشتركة اكبر وكلما كانت الشخصيات أكثر تشابها على سبيل المثال، بالرغم من ان احداث الفصام هو تقريبا (1%) في عموم السكان، فانه (9%) تقريبا لدى الاطفال ذوي الاباء الفصامين وحوالي (4%) لدى الاطفال ذوي الاجداد الفصامين من نسبة من يعانون من الفصام.

من أوجه القصور في دراسات العوائل، أن أعضاء العائلة لانهم لا يشتركون في الجينات فقط لكن في البنية الاجتماعية أيضا، فمن الصعب تحديد كم من تشابه العائلة في الشخصية ناشئ عن مجموع الجينات العام (الطبيعية) كمقابل لبيئة المنزل العامة (التربية) لذلك دراسات العوائل تعد انها تقدم الاضعف فيما يتعلق بوراثة خصائص الشخصية.

2-دراسة التوائم:

التوائم يمكن أن تكون متطابقة أو أخوية، التوائم المتطابقة تتطور من نفس البيضة المخصبة ويتشاركون بنيه وراثية جينية متطابقة. اما التوائم الاخوية فتتطور من بيضتين مخصبتين منفصلتين وليس في بنيتها الوراثية الجينية أكثر من تشابه أي أخوين اثنين.

الباحثون في الوراثة السلوكية الذين يستعملون دراسات التوائم يقارنون تشابه الشخصية للتوائم المتطابقة مع تشابه الشخصية للتوائم الاخوية لان التوائم الاخوية والتوائم المتطابقة يتربون سوية يتشاركون البيئة ذاتها فإن اي زيادة في التشابه في الشخصية بين التوائم المتطابقة يمكن أن ينسب الى العوامل الوراثية درجة التشابه بين اي مجموعة من التوائم في اي بعد من ابعاد الشخصية يشار اليها على انها معدل التطابق أو نسبة التطابق.

في دراسة للانبساط عبر الحضارات تتضمن توائم من كندا والمانيا وجد الباحثون ان التوائم المتطابقة اظهروا درجة اعلى من التشابه الشخصية (معدل التطابق متوسط الارتباط = 0،47 أعلى من التوائم الأخوية، معدل التطابق: متوسط الارتباط = 0،21). من اوجه القصور في دراسات التوائم هي ان التشابه الاكثر في الشخصية الذي تم ايجاده لدى التوائم المتطابقة يمكن ان ينسب ايضا الى احتمالية انه بسبب تشابههم، تتم معاملة التوائم المتطابقة بصورة متشابهة من قبل الوالدين والاخوة والاقارب الاخرين والمدرسين اكثر من التوائم الاخوية.

وهذا يمكن تفسيره كدليل داعم للإسهام البيئي في الشخصية. الداعمون لموقف الوراثة السلوكية يناقشون ان التوائم المتطابقة بالرغم من ان معاملتهم تكون بتشابه اكثر من التوائم الأخوية، فان هذه المعاملة الخاصة ليست عاملا مهما فهي الدرجة الاكثر في التشابه السلوكي وتشابه الشخصية الموجودة لدى التوائم المتطابقة كمقابل لما لدى التوائم الاخوية.

3- دراسات التبني:

لتجنب التشوش من العوامل البيئة الذي يحدث عندما تعيش التوائم في البيئة نفسها، تدرس الوراثة السلوكية ايضا التوائم التي تربت في بيئات مختلفة نتيجة التبني. في دراسات التبني، يقارن الباحثون شخصية الطفل مع شخصيات والديهم البايولوجيين وشخصيات والديهم الذين تبنوهم. بالرغم من ان الطفل المتبنى يشارك والديه الذين تبنوه البيئة الاجتماعية، فإنه يشارك والدية البايولوجيين البنية الجينية. لذا شابهت شخصية الطفل شخصية والده الذي تبناه، فإن دليل التأثير البيئي يعد قويا. من جانب آخر إذا كانت شخصية الطفل أكثر تشبها بشخصية والده البايولوجي، فإن هذا يشير الى تأثير وراثي قوي.

يدمج الباحثون كذلك منطق دراسات التوائم ودراسات التبني عن طريق مقارنة شخصيات الراشدين من التوائم المتطابقة الذين تم فصلهم عند الولادة وتربيتهم في عوائل مختلفة. وهناك احتمالية ان الراشدين مع اطفالهم قد يقررون أيضا لتبني أطفال آخرين. في مثل هذه الحالات، من الممكن مقارنة درجة التشابه بين شخصيات الأطفال البايولوجين والأطفال المتبنين والــــــوالدين لتحديد تأثيرات البيئة على الافراد ذوي البيئة الوراثية المختلفة. كلما كـــــان التشابه في الشخصية أكثر بين الأطفال المتبنين والأطفال البايولوجين كان الدليل اقوى على الموقف البيئي.

أن التحيزات في الاختيار أو الاجراءات المستعملة في دراسات التبني في انتقاء عوائل التبني في توزيع الأطفال الى تلك العوائل، ترتبط بدراسات التبني، الشك هنا هو أن المعلومات المتحصلة من دراسات التبني قد تكون قائمة على اساس تأثيرات كون الطفل متبنى من بيئات أكثر تفضيلا وثراء، هنا تحيز آخر هو ان وكلاء التبني يميلون لوضع الاطفال مع والدين يشابهونهم في ابعاد مثل العرق والخصائص البدنية والذكاء. هكذا، أي إسهام بيئي يرتفع الى الحد الاقصى عن طريق احداث مقدار معين من التشابه مع الوالدين المتبنين منذ البداية. عند تقيم متغيرات الشخصية هذا التأثير ينخفض الى الحد الادنى.

4- ملائمة الأنموذج:

هو إجراء رياضياتي لاختبار العلاقة المفترضة بين متغيرات متنوعة في الوراثة السلوكية يتم تجميع النموذج ليعكس الاسهام النسبي لعوامل وراثية وبيئية متنوعة ومقارنتها مع علاقات ارتباطية ملاحظة.

على سبيل المثال ثلاثة نماذج تقدم تأثير العوامل البيئية المشتركة (E) مثل المنزل للوالدين المتبنين والعوامل الوراثية (G) مثل الوالدين البايولوجين على شخصيات (أ) فردين تم تبنيهما يفترض النموذج ان العوامل البيئية هي المحددات الوحيدة للشخصية من جزئه الأول، وفي جزئه الثاني يفترض ان العوامل الوراثية هي المحددات الوحيدة للشخصية، ويشير الجزء الثالث الى ان العوامل البيئية والعوامل الوراثية ذات أهمية، تم اختبار هذا الانموذج عن طريق حساب العلاقة الارتباطية المنفصلة ومقارنتها احصائيا لتحديد اي جزء هو الاقرب لتفسير العلاقات الملاحظة.

والمنفعة الرئيسية لملائمة النموذج هي تمكين الباحثين من دمج متغيرات من انواع عديدة مختلفة من المعلومات مثل دراسات العائلة والتوائم والتبني على سبيل المثال تحليل ملائمة النموذج لمقارنة توائم مختلفة (مثلا مطابقة مقابل أخوية تمت تربيتها سوية مقابل تمت تربيتها بصورة منفصلة) والتبني (مثلا غير الذين متبنين وذريتهم مقابل الذين متبنين وذريتهم).

وتنتج تقديرات وراثية لحوالي (50%) من الانبساط وحوالي (40%) من العصابية أوجه القصور في ملائمة النموذج لأنه ارتباطي اصلا يمكن استعماله لتحديد تأثيرات سببية محددة للعوامل الوراثية أو البيئية يمكن استعماله فقـــــــــط فــــي تحديد مدى جودة النموذج المفترض في تفسير العلاقات الملاحظة عند مقارنة مع نماذج اخرى.

...................................
المصدر:
الخيري، اروه محمد ربيع (2015)، محاضرات في منظورات متطورة في الشخصية.

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة