هل يؤثر فهمنا لشخصيتنا على صحتنا النفسية؟

عزيز ملا هذال

2020-12-28 08:02

كثيراً ما ترد على مسامعنا بصور متكررة جمل كلامية قبيل ان فلاناً ذو شخصية قوية او شخصية مرحة او منجزة اي ان صاحبها حقق اهدافه بصورة مثالية او سريعة ...الخ، هذه الانطباعات على الشخصيات لم تأتي من فراغ انما جاءت نتيجة لمعطيات سلوكية للشخصية ادت بالضرورة الى اصدار الحكم بحقها وميزتها عن اخواتها، فهل تجبر الشخصية السلوك على طاعتها ام انها منقادة اليه؟

اليوم نحن بصدد تسليط الضوء على الشخصية الانسانية والعوامل المؤثرة فيها نجاحها من عدمه، وتعريفاتها التي اختلف فيها علماء النفس حتى نتمكن من معرفة وفهم شخصياتنا ونتعامل معها حسب قدراتها وصفاتها وبما يتفق مع طبيعتها لان تعديل السلوك الانساني ليس هيناً بالمرة.

يذهب النفسييون الى تعريف الشخصية على انها مجموعة افكار وسلوكيات ومشاعر تفرد كل انسان عن قرينة بصفات مختلفة تماماً، لذا من الطبيعي القول ان الشخصية هي من تحدد سلوك الفرد وليس الفرد من يحدد شخصيته، فشخصية الانسان هي منظومات متناغمة مع ذاته تتأثر بالعوامل الخارجية ومايرث من صفات ايجابية كانت او سلبية، وفي الوقت الذي يميل فيه بعضهم الى القول ان العوامل المحيطة فقط هي من ترسم ملامح الشخصية.

ويفترض مناوئيهم ان ذات الانسان (كينونته) ايضاً هي مصنع لشخصيته مبررين ذلك بوجود عوامل نفسية تنشأ من الانسان ذاته في ظروف معينة تسهم في ثباتها لفترات طويلة من حياته، او ربما تتغير بعض صفاتها كنتيجة لتعرضها لمواقف حياتية مختلفة وبمراحل عمرية مختلفة.

نحن نتفاعل مع الاحداث والاشخاص حولنا بحسب محددات شخصياتنا، فيفترض ان نختار نوع دراستنا وبعدها نوع المهنة التي نمتهنها بناءً على تفضيلات شخصية نابعة من الطاقة الذاتية (الوقود) الذي يوصلنا الى نقطة رسمناها في مخيلتنا، فماذا سيحصل في حال نفذ وقودنا ونحن على مسافات كبير تفصلنا عن حلم الوصول الى الهدف؟، حتماً سنبقى في حيرة كبيرة او ربما يصادفنا من يتفضل علينا بكم من الوقود لا يسفعنا الا لمسافة قصيرة اخرى، وهنا احتمالية الوصول باتت ضئيلة لعدم تقديرنا لما يكفينا، على سبيل المثال نفضل اختيار الفرع الاحيائي في الدراسة الاعدادية لهوسنا في ان نكون اطباء مثلاً لكن امكاناتنا الذاتية لا تسفعنا في تحقيق تحصيل عالي في هذا الفرع وهو ماي عيق دخولنا كلية الطب وربما فشلنا في دخول الكلية ايضاً بسبب وجود هوة كبيرة بين ما نطمح اليه وبين ما نقدر عليه.

من بين ابرز المسببات التي تدفع بالشخصية الى الاضطراب هي عدم تقبلنا او ادراكنا لإمكاناتنا وقدراتنا، و ذهابنا عبثاً لمقارنة انفسنا مع الغير المختلف في الجوانب النفسية والفكرية والجسدية، مما يقوض امكانية الهضم لفكرة قائمة على مستوى الطاقة التي يمنحها الله الى الانسان فهو لم يكلف نفساً الا وسعها، ولو حصل فهو على سبيل الاختبار لا اكثر، ولا يلمونك احد لو اخترت ما يلائمك وان كان اقل من الاخرين في التقديرات العامة غير السليمة في الكثير من الاحيان وانت عارف لحدود قدراتك.

بحثنا عن مقبولية شعبية او مرتبة اكاديمية او رياضية او اقتصادية والى غير ذلك امر طبيعي ومقبول من حيث المبدأ لان الانسان مجبول على حب الشهرة وحب الانجاز ولكن بطريقة مشروعة وبمراحل متسلسلة وفق محدد زمني مقبول، فمن غير المنطقي ان اسعى لأكون ملماً بعلم النفس بمرتبة استاذي الذي درسني مادة (الفروق الفردية) في السنة الاولى من مرحلة البكالوريوس في الجامعة المستنصرية وانا لازلت في سنتي الاولى التي لا اعرف فيها طريقة استعارة الكتاب الذي اكتب منه تقرير علمي بسيط، او ان يجهد لاعب كرة قدم نفسه في الوصول الى مستوى الشهرة والنضج الكروي الذي وصل اليه (ليونيل مسي او كرستيانو رونالدو او نيمار) وغيرهم من كبار اللعبة من خبرات سنوات وعمل رياضي مجهد وهو لايزال في عمر الثالثة عشر من عمره ويلعب في نادي مغمور لا يمده بأبسط مقومات النجاح، ففي مثل هذه الحالات التي نسعى من خلالها الى انجاز عالي لا يتوافق مع ما نمتلك سنرهق انفسنا ونفشل وبالتالي يغرقنا الاحباط والسلبية.

حتى نسهم ولو بشيء جزئي في حل مشكلة اضطراب الصحة النفسية لابد من ان نعرف حدود شخصيتنا، وعدم اغراقها في اماني واحلام غير واقعية صعبة التحقيق او مستحيلة، والصواب ان نختار نوع الدراسة والمهنة بما يناسب كفايتنا، وترك الاهداف تتحقق مع الزمن من دون اللجوء الى التسرع الذي ربما تكون نتائجه سلبية فالصعود السريع قد يعقبه سقوط، واخيرا لابد من الوثوق بأننا سنصل في حال التخطيط للأهداف بشكل سليم ، فاذا ما التزمنا بهذه الجزئيات نحافظ على صحتنا النفسية التي يخفضها التفكير المفرط غير المدروس للإنجاز العلمي والمهني والثقافي وغير ذلك من الامور التي تحتاج الى انجاز في كافة الصعد الحياتية.

نخلص الى ان كل انسان له شخصية لا تطابق اية شخصية في هذا الكون الوسيع، وهي ايضاً من تؤثر على سلوكيات الفرد وطرق تعامله مع بيئته ومع نفسه، وتعطي صورة واقعية للفرد عن نفسه وبذا يحصن الانسان نفسه من الازمات النفسية التي تعتريه على مبدأ ( كل واحد يتمدد على كد غطاه).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي