شخصياتنا في مواجهة الأزمات
د. اسعد الإمارة
2020-04-06 08:07
الحياة ساحة صراع غير محدودة، الصراع من أجل البقاء والمطاولة، أحد طرفاه الإنسان – الفرد بوجوده المادي والمعنوي، النفسي والشخصي، إذن هي أنا بمواجهة آخر، من هو الآخر؟ الطبيعة، الفرد، الوباء، الزلزال، الهزة الأرضية، النزوح القسري، الهجرة والإنتقال إلى بيئة ومجتمع جديد، الخسارة المادية، فقدان شخص عزيز"الام، الزوجة، الابن، الاخ، ابن العم، أو الخال، لا بل أنا شخصيًا بمواجهة الموت، صدق الفيلسوف الوجودي "جان بول سارتر" حينما قال: ليست المشكلة مشكلة الموت، وإنما المشكلة هي إني أموت. هنا يكون المحك هو الإنسان بمواجهة الموت، الأزمة التي من المحتمل أن تفضي به إلى الموت.
سنحاول في هذه الصفحات أن نسبر أغوار واحد من تخصصنا النفسي وهو علم النفس الفارقي، ويسمى أيضا سيكولوجية الفروق الفردية، ونتعرف على كيفية أن يتعامل الإنسان السوي في مواجهة الازمة، لا نحاول التطرق إلى الشخصية غير السوية قدر المستطاع، سبق وإن كتبنا في هذا التخصص من علم النفس كتاب بعنوان علم النفس الفارقي، سيكولوجية الفروق الفردية في العام (2012) وصدر في عمان-الاردن.
الشخصية في علم النفس كما تعرف بأنها: شخوص أي ظهور حضور في حضرة الآخرين وفي مواجهتهم، هي تواجد في حضرة الآخرين، حضور أمام النظارة-المشاهدين. وهي أيضا ذلك التنظيم الدينامي الثابت نسبيًا، القابل للتغيير، ويشبه "البورت" بتعريفه للشخصية بالتنظيم الدينامي داخل الفرد للأجهزة النفسية الفسيولوجية التي تضمن توافقه الخاص مع بيئته. أما "دانيال لاجاش" يطرح رأي التحليل النفسي في الشخصية بقوله: ان الأنا هو الذي يوجه وينظم عمليات توافق الشخصية مع البيئة والتوترات التي تحفز الشخصية وتحقيق إمكانياتها.
هذه الكثرة الكاثرة من التعريفات الخاصة بالشخصية وبالأخص في علم نفس الشخصية لا تهمنا بقدر ما يتعلق بها من ارتباطات بالفروق الفردية قبل وأثناء وبعد التعامل مع الأزمات والصدمات النفسية. ويذكرنا هذا الترابط القوي بإحدى الدورات التي دخلناها في السويد بمركز الازمات والصدمات النفسية في العام (2005) في مركز محافظة اوريبرو، حيث تخصص المركز الأكاديمي التابع لمستشفى الجامعة بدراسة الاضطرابات النفسية بأنواعها، فضلا عن قسم الضغوط النفسية، هذا الترابط بين الشخصية وبين ما تحمله من فروق في التعامل بمواجهة الأزمة، هذا هو تخصص التخصص، ليس بجانبه النظري فحسب، وإنما بجانبه الميداني العملي أمام المحك.
تواجه الشخصية الإنسانية مواقف متعددة في سياق حياتنا اليومية قد تكون مواقف إحباط، أو افراح ومسرات، كيف يتعامل معها الفرد؟ سيعود بالتأكيد إلى تكوين شخصيته ونمطها Patterns ولذا ستكون معالجته على وفق ما تكونت شخصيته وأطرها المرجعية، وبناءها وتكوينها الذاتي–النفسي، وكيفية استخدام الآليات النفسية الدفاعية وانواعها، وتؤكد دراسات علم النفس أنه يتحدد تأثير الأزمة ونتائجها الناتجة عنها على وفق شخصيات الأفراد المختلفين.
وعليه بالتأكيد ستكون ردود أفعال مختلفة باختلاف الشخصيات، فالأزمة تؤثر على الناس بطرق مختلفة، فمثلا ما يزعج أحدًا من الناس ربما لا يضايق آخر، ومن أساسيات الفروق الفردية هو أن هناك من الافراد لو أخفق في حل مشكلة واحدة تواجهه فإنه يتوقع أن المشكلة الاخرى ستكون متضاعفة في صعوبتها وستتزايد في أزمته، وستربكه، وتغير اتزانه النفسي، فيطرأ عليه سلوك التبرم والضيق، والانطواء وربما التخاذل من داخل نفسه، وربما تصل به المبالغة إلى اللجوء إلى نوع من التعميم المطلق ويرى نفسه عاجز تماما، وإذا ما ذهب أعمق فإنه ينكر على نفسه فرصة أخرى تساعده في تنمية مهاراته اللازمة في التعامل مع مشكلاته وأزماته.
وبالعكس تماما نجد شخص آخر يستمر بالمواجهة رغم النكسات الواحدة تلو الاخرى ولكنه يستمر بالمطاولة مع مشكلته رغم ما يتحمله من إحباط حتى يحلها فيكتسب الثقة بنفسه من نفسه، ويتعلم مهارات القوة بالتحمل، وتضيف له هذه القدرة في الخروج من الأزمة ثقة في النفس وعليه فإن قدرتنا على مواجهة المشكلات والأزمات تنبع من قدرتنا على تحمل الاحباط وتزيدنا الأزمة قدرة أقوى وأشد، وليس نقيضها عند بعض الأشخاص.
وهنا تبرز الفروق الفردية في أساليب التعامل مع الازمات أو الضغوط الحياتية بأنواعها، الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية ومنها التهجير والاضطرار بالنزوح والهجرة الدائمة بلا عودة للمجتمع الاصلي.
ان ما نتحدث عنه في هذه السطور بالنسبة لمواجهة الأزمات وحل المشكلات الفردية ينطبق تماما على العلاقات بين الافراد في المجتمع، فالشخص الذي لم يستطيع التوافق مع مجتمعه واختلاطه مع الناس ربما يتصور أن بعده وإنسحابه عن كل تواصل إجتماعي هو أسهل طريق للهروب من معاناته وما يعيشه من مآزق داخلي، فإذا اختار هذا الطريق فإنه يقع في مشكلة التوفيق بين إنطوائه هذا وبين رغبته في إشباع حاجاته مع التواصل مع المجتمع والاختلاط مع الناس.
إنها أزمة نفسية تحددها الفروق الفردية في داخل نفس كل منا، وهذه الاختلافات في الفروق الفردية هي إختلافات في القدرات، أو الكفاءات المكتسبة، أو الفطرية بين الناس، وهذه هي ايضا لها تأثير في قدرته على مواجهة الأزمات وحل المشكلات وكذلك في درجة مرونة الاساليب المتبعة بالحل، فربما يستخدم البعض منا طريقة واحدة تَعودَ عليها في مواقف معينة، ولكنه قد يكون عاجز أمام أية احتمالات أخرى للحل.
ومن المحتمل أن يتمسك الفرد بهذا الحل الوحيد وتصبح (عادة) سلوك لا يستطيع تغييره لدرجة أنه يصاب بالفشل في إيجاد الحلول الجديدة الاخرى فيزداد لديه الإحباط وتزداد خيبة الأمل عندما لا يصل إلى حل أزمته، أو مشكلته بالطريقة المألوفة حينئذ يتكون ويولد شعور عظيم بالقلق وعدم الكفاءة، ومثل هؤلاء الافراد من المحتمل انهم فقدوا كفاءتهم مع المرونة وهو يؤدي إلى فقدان التكيف مع الحياة وصعوباتها وأزماتها.
وهذا سيقود حتمًا إلى التوافق المرضي بإستخدام أساليب لاستعادة التوازن ولو مؤقتًا، وقبل أن ننهي هذه الاوراق نود أن نقول أن للأزمات نتائج إيجابية رغم أن لها نتائج سلبية، ومن هذه النتائج أن الفرد قد يتفاعل مع المواقف الصعبة والايام القاسية، والساعات الثقيلة بشكل لم يعهده من قبل، وتكون النتيجة إكتساب مهارات وأوجه نشاطات جديدة لمواجهة المواقف القادمة بعد أن تكون الأزمة قد عدت ومضت وتركت الأثر النفسي فيستعد لمواجهة جديدة ولكنه استطاع أن يطور طرق واساليب جديدة للوصول لحل الأزمات.
وهذه هي الحياة ساحة صراع غير محدودة زمانيًا ولا مكانيًا، لذا فإن ردود الفعل الناتجة عن الازمة تعتمد إلى حد كبير على قدرة الفرد على تحمل المواقف التي تسبب الازمة ومواجهتها واتخاذ الاساليب السلوكية السوية دون اللجوء إلى الاساليب السلوكية غير السوية "المرضية".