هل تريد أن تسيطر على العالم؟

اعرف نفسك

فهيمة رضا

2018-01-30 05:00

في بداية نشوء الخلق والعصور الأولى، كانت السلطة هي عبارة عن القدرة الجسدية، ومن يكون أكثر سرعة وقدرة هو الذي يتسلط على الآخرين، وبعد ذلك ظهرت السلطة بحلة جديدة وأصبحت متوارثة بين، الناس فالشخص كان يحكم على الآخرين وهم يقومون بتلبية أوامره ويخضعون لأقواله ومتطلباته هو الأقوى، وبعد ذلك يأتي دور الاخرين في السلطة، وكلما كانت قدرة تواصل الاخرين بهذا "القائد" اكثر كانوا ينالون منصبا أعلى من غيرهم، فالعاديون كانوا يستمدون سلطتهم من الارتباط والصلة بالشخص الذي هو أعلى منهم وهو رأس السلطة، ونعني به القائد حينذاك.

هذه السلطة كانت لا نزاع فيها لأنها مقبولة من قبل الجميع، فلم يكن باستطاعة احد أن يغير الأمر أو يقدم شكوى ضد هذه القيادة إلا إذا حيكت بالمؤامرات بطريقة ما، أو إذا كانت تقترن بالظلم حينها ينقلب الجمهور ليضعوا حداً للفساد، ليقودهم قائد آخر وتصبح السلطة ملكاً لعائلته الى سنوات، بل احيانا الى قرون اخرى، ولكن بعد ذلك تغير العالم قليلا وتغير مفهوم السلطة حيث أصبحت هناك ثورة صناعية ليقبل الجمهور على نظام رأسمالي، عندئذ أصبح القائد من هو "الأغنى" والمال أصبح الرقم واحد على رأس القائمة، واهم من القوة والوراثة حيث أصبح الناس ينجذبون نحو الشخص الأغنى لأنه كان يتحكم في العملية الصناعية.

ولكن تغير اليوم مفهوم السلطة تغيرا جذرياً لأن العالم تغير أيضاً بطريقة مدهشة، حيث يعيش الفرد في عصر تتغير فيه المعلومات والافكار في أية لحظة، وهناك تحديث مستمر للمفاهيم والمعلومات، فاليوم أصبح المال والقدرة من الأمور الجانبية في قضية النجاح لأنها ليست في رأس القائمة، كما كانت في السابق، فلم تعد القدرة والثقافة الصناعية في المقام الاول بل عالم اليوم عالم المعلومات، واليوم من يملك المعلومات لديه السلطة، فهذا ما يميز الإنسان الحديث عن القديم لأن السلطة أصبحت متاحة للجميع، بالطبع من لديه القدرة افضل من غيره ومن لديه المال باستطاعته ان يصل الى ما يريد أسرع من غيره، ولكن في الزمن القديم ربما كانت السلطة حلم الأكثرية وكانت بمثابة أمنية لا يمكن ان تتحقق ابداً ولكن اليوم الفرصة متاحة للجميع، فربما يأتي ولد لا يبلغ عمره عشر سنوات يستطيع ان يقود فئة ما عن طريق قدرته في التحكم بالمعلومات، بل ربما يقود العالم بهذه الطريقة ومن يمتلك المعرفة ويعرف كيف يستخدمها "يمتلك ما كان لدى القادة من قبل الا وهو السلطة المطلقة".

يقول جون كينيث:ان المال كان وقود المجتمع الصناعي أما في مجتمع المعلومات فإن المعرفة هي الوقود وهي السلطة، لقد ظهر هيكل طبقي جديد يميز بين من يملكون المعرفة ومن يجهلونها وتستمد هذه الطبقة قوتها ليس من المال والأطيان بل من المعرفة.

المعرفة جوهر النجاح والسلطة في عالم اليوم والمعرفة الأساسية التي يحتاجها الانسان، هي المعرفة بالنفس، لذلك علماء اليوم يدققون النظر ويركزون على نفس الانسان، لأن مفتاح السعادة والشقاء بيد الانسان وهو وحده يستطيع ان يلقن نفسه ليختار ان ينجح أو يفشل، يستطيع الانسان عن طريق التركيز على افكاره وعقله أن يفعل امورا خارقة عن العادة، كما ان هناك ندوات تسمى بـ (ثورة العقل) وفي هذه الندوات يتعلم الناس كيفية ادارة عقولهم بأقصى درجة من الفاعلية، الى كيفية الأكل والتنفس من اجل الارتقاء بقدرتهم الشخصية الى اقصى درجة لها.

وقد صممت الندوة لتعلم الناس كيفية القيام بالأفعال والاعمال بدلا من ان يعوقهم الخوف، وفي نهاية الندوة تكون هناك فرصة للمشاركين في الندوة للسير فوق عشرة الى اثني عشر قدما على الفحم المشتعل، وفي المجموعات المتقدمة يسير الحاضرون فوق أربعين قدما على الفحم، وقد اذهل السير على النار وسائل الاعلام بالدرجة التي خشي المؤسس أن تؤدي الى ضياع فحواه، فليس السير على النار هو بيت القصيد، لأن ليس هناك منفعة اقتصادية او اجتماعية كبيرة من السير فوق طبقة من الفحم المشتعل، فهذه العملية هي تجربة للقدرة الشخصية ومجالا للقدرات وفرصة للناس كي يحققوا نتائج كانوا يظنونها من قبل مستحيلة!*1

يقول امير المؤمنين علي عليه السلام: رحم الله امرئ عرف قدر نفسه.

فالشخص الذي يعرف قدر نفسه يحشد طاقاته على القيام بأعمال ذات فاعليه مهمة، بداية من نفسه ومن ثم بالنسبة للعالم حوله، فالفرق بين الناجح وغيره من الناس ليس امتلاك المعرفة فقط، بل ان معرفة الشخص الناجح وعلمه مقرون بالعمل.

يقول الإمام الصادق عليه السلام:

"ولا معرفة إلَّا بعمل، فمن عرف دلّته المعرفة على العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له"

ويضع امير المؤمنين الإمام علي -عليه السلام- خطة إستراتيجية للنجاح حيث يقول: (رحم الله امرأ أعد لنفسه، واستعد لرمسه.. وعلم من أين، وفي أين، وإلى أين).

فالشخص الذي لديه المعرفة باستطاعته ان يعمل ويحصل على ما يريد، لان الانسان عندما يعرف في أي نقطة يقف يستطيع ان يعرف ماذا يريد بالضبط؟ وهل هو راضٍ عن نفسه؟ أو ماذا يحتاج كي يغير الأمور ويحسن وضعه لينجز ما يريد.

لان الوصول إلى السعادة والنجاح يحتاج إلى المعرفة والعمل، كما قال الإمام عليّ عليه السلام لكميل: "يا كميل ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة".

فالنجاح لا يأتي هباء وهناك انماط وسلوك وطرق تؤدي الى النجاح ولكن على الانسان ان يتعلم كيفية توظيف هذه الطاقات كي يشارك في ثورة العقول، وباستطاعة الانسان ان يفعل المستحيل ويسيطر على العالم، فقط عليه ان يعرف نفسه ويعمل!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
‎1-قدرات غير محدودة ص19

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة