كتمان المشاعر داء سرطاني في جسد العلاقات

فهيمة رضا

2017-11-07 04:10

قد يحب المرء ولكن بطريقة صامتة ولم يتكلم عن حبه، ويتحول هذا الحب إلى دمار وخراب نفسي أو معنوي ينعكس على حياته ونشاطه الذهني والعملي، وقد يفقد من يحب لأنه لم يبحْ له بمشاعره الصادقة وبحبه له، وقد يخسر الإنسان الكثير من أعزائه بسبب كتمانه لمشاعره، وبعد أن يخسر من يحب، سوف يندب حظه العاثر، ويلوم نفسه كثيرا، لأنه لم يتكلم عن مشاعره ولم يخبر الطرف الآخر في الوقت المناسب!.

ربما يحب الرجل ابنته أكثر من أي شخص في هذا العالم، لكنه لا يبوح لها بذلك ولو لمرة واحدة في حياتها، لأسباب قد تكون اجتماعية أو تربوية أو نفسية، فهناك رجال يكتمون محبتهم لأبنائهم وبناتهم من دون سبب ظاهر، وقد يؤدي هذا الأمر التمنّع عن إخبار البنت مثلا إلى انتحارها وقد تكون الابنة الوحيدة للأب، لأنها لا تعرف ما دوامة المشاعر التي تحتشد في قلب والدها، وقد تشعر البنت بالخيبة تجاه هذا العالم البارد القاسي بسبب إحجام الأب عن البوح بمشاعره الصادقة لابنته كونه قد يستحي من مثل هذا العمل، ولكن ليس هناك سبب مقنع لهذا التمنّع أو إحجام الأب عن إظهار ما يدور في رأسه وقلبه من محبة صادقة لابنته.

وقد يلجأ الولد المدلل بالنِعَم والأموال إلى أصدقاء السوء والمخدرات، لأنه لا يشعر بالانتماء إلى عائلته التي قدمت له كل شيء إلا "الحب"، لذا سوف يشعر بالضياع في هذا العالم الكبير الذي يحتوي على أنواع الجراثيم الفكرية والميكروبات البشرية، وعندما لا يشعر الابن بمحبة أبيه له، فسوف يكون هناك فراغ معنوي ونفسي، قد يكون سببا في انحراف الابن الباحث عن ملء فراغ الحب الذي امتنع الأب عن البوح به لإبنه.

والإنسان بطبيعته يحتاج في أي مرحلة من مراحل عمره الى مشاعر الحب، ويتمنى أن يكون محبوبا ومتميزا ومرغوبا به، وأول بيئة لهذا الحب هي العائلة التي تشكل المحيط الاجتماعي الأصغر للابن أو البنت، يحتاج الشاب الى ذلك لكي يعيش بشكل طبيعي ويمارس حياته الطبيعية.

وقد يدفع حب المال بالإنسان إلى تحمل الصعوبات والعمل القاسي، لذلك يحتاج الشاب (ذكرا أو أنثى) الى حب العائلة التي تدفعه الى التفاني في العمل والتميز في المجال الذي ينشط به، كونه متمكن معنويا ومستقر عاطفيا ومتوازن، وبالنتيجة سوف يساعد عائلته ماديا ويدعمهم بكل ما يستطيع لأنها وفرت له الحب والدعم المعنوي، فيسامحهم على أخطائهم مهما كانت مؤلمة وكبيرة.

وكما هو معروف للجميع، يخبرنا التاريخ بصفحاته المضيئة، والواقع بصفحاته الواضحة، بأن حب الإنسان لوطنه يجعله من أشد المدافعين عنه، ولا يستكثر على الوطن حتى نفسه وحياته وهي أغلى ما يملك، حيث يندفع الشاب إلى ساحات الوغى ويتحمل مخاطر وأهوال الحروب بأبشع صورها، وهكذا ينسحب هذا الأمر على جميع الأمور في حياة الشباب ذكورا وإناثا.

لذلك يجب أن يؤخذ هذا الأمر (البوح بالمشاعر للأبناء) بعين الاعتبار، فربما يكون هو السبب الأساسي الذي يؤدي إلى فشل العلاقات، ولابد من ترك أسلوب كتمان المشاعر وعدم البوح جانبا، فعندما يتربع الصمت على عرش المشاعر في القلب بدلا من إظهار المشاعر الجياشة، فربما تقرع أجراس الرحيل من دون رحمة.

ربما يرحل الإنسان عن بيته، وربما عن مدينته وأحياناً يرحل أحدهم عن حياتنا.....

فقد أظهرت الدراسات أن "الفشل في التعبير عن المشاعر من الأسباب التي تؤدي إلى الوفاة المبكرة". وبينت أن "قمع المشاعر المختلفة، وعدم البوح بها وكبتها في الصدور من الأسباب التي تقود المرء إلى حدوث الأمراض النفسية على الخصوص، والمؤدية إلى الوفاة في أغلب الأحيان"، فكبت المشاعر يؤذي الإنسان من جانب، حيث يؤدي به ذلك إلى الإنهيار العصبي والتعب العام والإرهاق وضيق التنفس والتوتر الدائم وتراجع نسبة المناعة.

ويؤذي من لهم صلة به من جانب آخر، لأنهم يشعرون بالضياع وعدم أهمية وجودهم في حياة هؤلاء الذين يكبتون مشاعرهم، وسيؤدي هذا الأمر إلى فشل العلاقات والجفاف العاطفي الذي بات يشكل خطرا كبيراً على المجتمعات والأشخاص بصورة مرعبة.

وقد يؤدي كبت المشاعر الى الهلاك:

وقد يعتز المرء بنفسه ويدفع به ذلك الى التحمل والصبر، فيكبت مشاعره المختلفة، ولكن لا يعرف بكل هذه المشاعر والإخفاقات، وربما لم تظهر الآن ولكنها تختفي من السطح فقط، وتختفي في العقل الباطن لتتمرد في يوم ما وتغادر الإنسان بطريقة أو أخرى، وتفقد سيطرتها كي تستعيد عافيتها ولكن في هذه الأثناء يتهدم كل ما بناه الإنسان في السابق وقد يجرح الآخرين بقسوة، وهذا ما يحدث كثيرا في تعامل الأشخاص مع من لهم صلة بهم.

كما يحدث مثلا في الحياة الزوجية، وأحيانا بين العامل ومديره في مجال العمل، أو بين الوالد وأبنائه، لذلك يتحملون الصمت لفترة طويلة، ثم تثور مشاعرهم كالبركان وتقضي على كل شيء، على (العائلة، العمل، السعادة)، ولكن عندما يعبر الإنسان عن مشاعره بطريقة صحيحة سيكون أكثر اتزاناً في حياته ويساعد نفسه والآخرين في ممارسة حياة طبيعية بعيدة عن التطرف والعدوانية.

فلنعرف مشاعرنا ونحترمها، وذلك من خلال البوح بها في الوقت المناسب، كي لا تتجمع لتصبح مثل "أحجار الكره الثقيلة" الجاثمة فوق صدرونا وتقضي على أنفاسنا دون رحمة، لذا احترم نفسك والآخرين، وعبّر عن حبك لهم، فهذا العالم يحتاج إلى كثير من الحب كي يستطيع الإنسان أن يتحمل قسوته ومصاعبه، ويعيش حياة أجمل إن أصبحت لغة الحب هي اللغة الأولى في العالم، فيُستحسَن من كل شخص أن يتعلم البوح بمشاعره في الوقت المناسب.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي