المنظمات غير الحكومية: سد الفجوة بين الشمال والجنوب
شبكة ايرين الانسانية
2015-06-13 02:30
إنها قصة قديمة عن المال والسلطة التي تولد عدم الثقة والاستياء، ولكن هل يمكن تغيير العلاقات بين الجهات المانحة الرئيسية في الغرب والمنظمات الإنسانية المحلية في الجنوب العالمي من أجل تحقيق المنفعة للجميع؟
يتمثل التحدي الرئيسي في التصور السائد أن الجهات المانحة في الشمال والغرب غالباً ما تفتقر إلى الثقة في قدرة الجهات الفاعلة الجنوبية على تقديم المساعدات على نحو فعال؛ وأنه نظراً للرقابة المالية الصارمة على نحو متزايد، يعتبر إعطاء المنظمات الصغيرة أو "المحلية" أموالاً سائلة بمثابة مخاطرة كبيرة جداً لأنها لا تستطيع إثبات كيفية إنفاق تلك الأموال.
في الوقت نفسه، تتحسر المنظمات غير الحكومية الجنوبية على ميل المنظمات الشمالية للاندفاع في الأزمات متجاهلة المعرفة والسياقات المحلية وتطبيق حلول غير عملية دون استشارة المجتمع المحلي بالشكل المناسب.
وتشمل الشكاوى الأخرى: اصطياد المنظمات غير الحكومية الدولية لأفضل موظفي المنظمات المحلية (مما يمنع الجهات الفاعلة الأصغر حجماً من بناء قدراتها وتأثيرها)، واستحواذ الجمعيات الخيرية الشمالية على أضواء وسائل الإعلام رغم قيام "الشركاء" بالعمل، وعقد كافة الاجتماعات التنسيقية باللغة الإنجليزية أياً كانت اللغة المحلية.
شبكة جديدة
وفي محاولة لمعالجة بعض هذه الاختلالات، المتصورة أو غير ذلك، يجري تداول اقتراح بإقامة شبكة عالمية جديدة للمنظمات غير الحكومية الجنوبية، وقد تم الإعلان عن هذا الاقتراح الأسبوع الماضي في منتدى إنساني رائد بمدينة نيويورك.
واشتكت ديغان علي، المديرة التنفيذية لمنظمة حلول التنمية الأفريقية (Adeso) ومقرها نيروبي، وهي واحدة من القوى الرئيسية وراء هذه الفكرة، من أن "الأزمات والاحتياجات تكون على المستوى المحلي في المناطق المحلية، مع ذلك، فإن التمويل يأتي من الحكومات الأجنبية إلى المنظمات الأجنبية في كثير من الأحيان".
وأضافت في حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد أصبحنا ننظر إلى المنظمات غير الحكومية الغربية باعتبارها دولية وبقية دول العالم باعتبارها محلية. عندما تشترك ما تسمى المنظمات غير الحكومية الشمالية مع الجهات الفاعلة الجنوبية، نادراً ما تكون هذه شراكة، بل تكون أقرب إلى عقد من الباطن".
وتريد علي، التي تدير منظمتها برامج المساعدات والتنمية في الصومال وكينيا وجنوب السودان، أن تتغير العلاقة وتوازن القوى، ولذلك تقود الدعوة إلى إنشاء شبكة عالمية جديدة للمنظمات غير الحكومية غير الشمالية.
وتتمحور فكرة الشبكة، التي قالت أنها تأمل في تدشينها رسمياً خلال القمة العالمية للعمل الإنساني في اسطنبول في شهر يونيو من العام المقبل، حول الجمع بين المنظمات غير الحكومية غير الغربية وغير الشمالية معاً لأغراض الدعوة، وبناء القدرات، وتخصيص التمويل في مرحلة لاحقة.
"إحدى أكبر المشاكل هي عدم وجود مقعد لنا [نحن الجهات الفاعلة الجنوبية] على الطاولة التي يتم اتخاذ القرارات عليها،" كما أفادت، مضيفة أن الوقت قد حان لتوجيه المزيد من المال مباشرة إلى المنظمات المحلية، وليس من خلال الوكالات الأجنبية.
وتساءلت علي قائلة: "كيف سنعلم المنظمات غير الحكومية المحلية أن تكون وصية على الأموال وأن تكون مسؤولة، إذا كنا دائماً نخضع لإدارة تفصيلية ولا نُمنح فرصة لإدارة تلك الأموال بأنفسنا؟ كيف تعلم شخصاً ما أن يسبح إذا كنت لا تسمح بنزوله إلى حمام السباحة؟"
معالجة الاختلالات
ويأتي الإعلان عن الشبكة بعد مشاورات مكثفة بين المنظمات غير الحكومية الجنوبية التي عبرت عن إحباطها إزاء نظام المساعدات في تقرير صدر في مايو 2015 بتكليف من منظمة حلول التنمية الأفريقية.
ومن بين المنظمات التي تدعم الفكرة، الجمعية الساحلية لصندوق التحول الاجتماعي (COAST) التي تتخذ من بنجلاديش مقراً لها. وأشار المدير التنفيذي للجمعية رضاء الكريم شودري إلى أن "شبكة المنظمات غير الحكومية الجنوبية ضرورية لجعل صوت المجتمع الجنوبي مسموعاً في الخطاب السياسي الدولي، ولتصحيح اختلال ميزان القوى في جهود المساعدات الإنسانية".
ويقع التمويل في قلب هذا النقاش. فوفقاً لبحث أجرته منظمة جمع البيانات المعروفة باسم مبادرات التنمية ومقرها المملكة المتحدة، تلقت المنظمات غير الحكومية المحلية والوطنية 1.6 بالمائة فقط من المساعدات الإنسانية المقدمة من قبل المانحين الدوليين بين عامي 2009 و2013، أي ما يعادل 0.2 بالمائة من إجمالي التمويل الإنساني خلال تلك الفترة.
وهذا على الرغم من الزيادة الملحوظة في نشاط الجهات الفاعلة المحلية التي تستجيب لحالات الطوارئ مثل الحرب في سوريا، وإعصار هايان في الفلبين، وزلزال هايتي.
اتفق دانانجايان سريسكانداراجاه، الأمين العام لشبكة المجتمع المدني العالمية المعروفة باسم التحالف العالمي من أجل مشاركة المواطنين (CIVICUS)، مع الرأي القائل بأن على المنظمات الجنوبية أن تلعب دوراً أكبر، وتكون أكثر انخراطاً في الاستجابات الإنسانية والإنمائية، وأن تحصل على المزيد من التمويل المباشر.
وأكد أن "الغالبية العظمى من موارد المنظمات غير الحكومية تتحكم فيها أو تديرها المنظمات التي يتم تأسيسها وتمويلها في الشمال".
وأضاف أنه "في السنوات الأخيرة، حدثت تغييرات كبيرة في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي العالمي، ولكن إذا نظرتم إلى المجتمع المدني ومن يسيطر على المال والموارد والسلطة والصورة الذهنية، يبدو أن هذا تغير بقدر أقل كثيراً ... إننا متأخرون قليلاً في المجتمع المدني مقارنة مع ما يحدث في مجال الأعمال التجارية أو السياسة الدولية".
واعترف سريسكانداراجاه المقيم في جوهانسبرج بأن بعض المنظمات الشمالية تحرز "تقدماً كبيراً". واستشهد بمنظمة أكشن ايد (Action Aid)، التي نقلت أمانتها الدولية إلى جنوب أفريقيا ولديها عدد من مراكز العمليات الأخرى في الجنوب، كمثال، لكنه قال: "لا تزال هناك مجموعة يمثل لها هذا (التحرك باتجاه الجنوب) مشكلة".
"إن الأمر يحتاج إلى جهد أكثر وعياً منا جميعاً في المجتمع المدني لتبني استراتيجية تدعو تقريباً إلى التوجه جنوباً. إنه شيء نحن بحاجة إلى تحقيقه بوعي. إن الأمر يتعلق برعاية المنظمات الجنوبية، ومنحها الموارد والقدرات، وتمكينها من العمل،" كما أفاد.
واعتباراً من عام 2017، تعتزم منظمة أوكسفام الدولية أيضاً تقسيم مقرها، الذي يقع حالياً في جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، بين نيروبي وبانكوك من أجل تحقيق توازن أفضل بين الشمال والجنوب.
المال لتطوير القدرات
وفي حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال أحمد فيصل بيرداوس، رئيس منظمة ميرسي ماليزيا (Mercy Malaysia)، أنه على الرغم من التزام الجهات المانحة الشمالية والغربية الكبرى "فلسفياً وعقائدياً" بدعم المنظمات المحلية، لا يزال المال يُعطى فقط لمجموعة صغيرة من المنظمات غير الحكومية الدولية (عادة غير الجنوبية) بهدف السماح له بأن ينساب إلى الجهات الفاعلة المحلية.
وقال بيرداوس، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس المجلس الدولي للمؤسسات الخيرية (ICVA)، أن نهج الانسياب التدريجي ليس ناجحاً، وأنه في حين لا يجب أن تكون جميع المنظمات غير الحكومية كبيرة، فإن المنظمات الأصغر حجماً تحتاج إلى فرصة لتنمية قدراتها لكي تكون قادرة على توسيع نطاق عملها وتحسين نفسها.
في نهاية المطاف، يتعلق الأمر بالثقة
وأضاف أن "المنظمات غير الحكومية الجنوبية ليست بريئة تماماً لأن عدداً قليلاً جداً منها يقوم فعلاً باتخاذ خطوات استباقية لتحسين قدرته بنفسه دون انتظار مساعدة من الخارج".
من جانبها، أوضحت علي أنه على الرغم من أن الشبكة المخطط لإقامتها ستركز في البداية على المناصرة وبناء القدرات، لكنها تأمل أن تصبح الشبكة أيضاً "وسيط" تمويل للمساعدة في توجيه المال من الجهات المانحة الكبرى إلى المنظمات غير الحكومية الجنوبية الأصغر حجماً، التي غالباً ما يتم تجاهلها نظراً لعدم توفر معلومات كافية عنها أو المخاطر المتوقعة.
"لن نتمكن من معالجة قضايا السلطة والموارد والتنفيذ ما لم نعالج أيضاً مسألة التمويل،" كما أوضحت، مضيفة: "لقد تعبنا من التدريب الذي توفره المنظمات غير الحكومية الشمالية ووكالات الأمم المتحدة. ما نحتاج إليه حقاً هو مال لا يخضع لقيود من أجل تطوير قدراتنا. نحن بحاجة إلى المال الذي سيساعد على دفع الإيجار، وأن نتواجد على المدى الطويل، وليس فقط لتنفيذ مشاريع سريعة".
وأحد العوائق التي تمنع المنظمات غير الحكومية الجنوبية - المحلية والدولية - من الحصول على المال من الجهات المانحة الشمالية هو إدراك المخاطر، وعدم القدرة على الامتثال لإجراءات العناية الواجبة والمساءلة الصارمة.
وقال سريسكانداراجاه: " في نهاية المطاف، يتعلق الأمر بالثقة. هناك خطر في كل ما نقوم به، وفي مرحلة ما، ينبغي عليك أن تثق في أن الأوغنديين، على سبيل المثال، سيكونون قادرين على ترتيب الأمور بأنفسهم دون الحاجة إلى منظمة ما في لندن لكي تدير المنحة أو توزع الأموال أو تقدم التقارير إلى الجهات المانحة".
تغير ايجابي أو سلبي؟
وعلى الرغم من أن بيرداوس رحب بفكرة إقامة الشبكة التي اقترحتها منظمة حلول التنمية الأفريقية من حيث المبدأ، لكنه قال أن لديه بعض التحفظات حول مدى نجاحها في الممارسة العملية.
"على الرغم من أنني لا أظن أنك ستجد أي شخص يعترض بشدة عليها، سواء كانوا في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، فإنني أعتقد أنك قد تجد الناس يتشككون في الغرض منها، وقضايا الاستدامة والسلامة والجدوى. ربما نستطيع العثور على جهة مانحة واحدة أو اثنتين لمدة سنة، ولكننا هل سنتمكن من تأمين دعمهم على المدى الطويل؟"
من جهته، حذر بيرداوس من أن الجنوب ليس كياناً واحداً متجانساً، ومن أن الاختلافات الثقافية بين مختلف المنظمات الإقليمية يمكن أن تخلق تحديات في عملية القيادة.
وتساءل قائلاً: "عندما نتحدث عن الجنوب العالمي، عن أين نتحدث بالضبط؟ شرق أفريقيا؟ جنوب شرق آسيا؟ غرب أفريقيا؟ الشرق الأوسط؟ وسط وجنوب آسيا؟"
وأضاف: "سيتعين دراستها بعناية فائقة لضمان أنها تعمل لمنفعة النظام بأكمله، والمنظمات غير الحكومية الجنوبية على وجه التحديد، وليس على حسابه".
"الحقيقة الواضحة التي يتم تجاهلها هي أنه سيُنظر إلى هذه الشبكة نظرة سلبية في نهاية المطاف، ليس فقط من قبل الناس في الغرب والشمال، ولكن من قبل المنظمات الجنوبية كذلك. يمكن لذلك أن يزيد من انقسام النظام ولن يحل المشاكل،" كما حذر.
هذا الأمر لا يتعلق باستبدال المنظمات غير الحكومية الغربية بالمنظمات غير الحكومية الجنوبية. إنه يتعلق بتغيير الطريقة التي نعمل بها
وفي حديث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت أن ستريت، رئيسة قسم السياسات الإنسانية في الوكالة الكاثوليكية للتنمية الخارجية (CAFOD)، التي تناصر بشدة تمويل المساعدات بشكل محلي أكثر وساهمت في إعداد تقرير نُشر مؤخراً بعنوان تمويل المساعدات الإنسانية في المستقبل: "أؤيد بشدة فكرة تشكيل شبكة جنوبية قوية. من الواضح أن تنفيذها سيستغرق بعض الوقت، وسوف تحتاج إلى قيادة حذرة، لكنني حقاً أدعم هذا المفهوم والتفكير الذي أدى إليه. هناك حاجة إليها بالتأكيد".
وقد ظهرت المناقشات حول سد الفجوة بين المنظمات غير الحكومية الشمالية والجنوبية وتحسين تدفقات التمويل بشكل بارز في المشاورات التي تسبق عقد القمة العالمية للعمل الإنساني، بما في ذلك المنتدى العالمي لتحسين العمل الإنساني، الذي عُقد الأسبوع الماضي في نيويورك.
وأخبرت علي شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) قائلة: "إن الهدف الضمني للمساعدات الإنسانية هو القوة الناعمة، وحتى نعالج ذلك، وحتى ننشئ نظاماً إنسانياً يعمل من أجل خير البشر في جميع أنحاء العالم، لن نتمكن من تغير أي شيء... هذا الأمر لا يتعلق باستبدال المنظمات غير الحكومية الغربية بالمنظمات غير الحكومية الجنوبية. إنه يتعلق بتغيير الطريقة التي نعمل بها".