إن شعرت بأنك مستنزف فإليك الأسباب

انسياد

2019-11-26 04:00

بقلم: مانفريد كيتس دي فريس

أعط أهمية لمستوى الطاقة التي تشعر بها كونها تعكس سعادتك الداخلية

عندما قابلت ديرك، رئيس تنفيذي في قطاع البنوك أعرفه منذ بعض الوقت، سألته لماذا يبدو محبطاً. أجابني بسيل من الكلمات أنه يشعر بالإرهاق. فكان يتوجب عليه حضور العديد من الاجتماعات في العمل، وغالباً ما تكون تلك الاجتماعات مع أشخاص لا يرتاح بالجلوس معهم. ولكن بالنظر لمنصبه، شعر ديريك أن خياره الوحيد هو محاولة ارتداء قناع الإيجابية، لكن ذلك القناع تقمصه. فقد كان يعاني من الأرق حتى ساعات النوم القليلة التي يحصل عليها كانت مليئة بالكوابيس. من الواضح أن ديرك لم يكن في حالة عقلية جيدة.

سألت ديريك إذا ما استخدم دفتر يوميات لتسجيل الأمور التي يتوجب عليه إنجازها بشكل يومي. فقد تساعده على معرفة أسباب استنزافه بهذا الشكل. وقد يستطيع تحديد الأمور السلبية والإيجابية الملحوظة في مقياس الطاقة. فإدراكه للأمور التي تؤثر عليه سلباً قد يساعده على إيجاد طرق لتفاديها.

حملني لقائي مع ديريك للتفكير بالعادات والأوضاع السيئة التي تستنزف طاقتنا عادةً. والتي قد تؤثر علينا جميعاً. ولكن هل نحن على علم بالأعراض ولدينا الرغبة بفعل شئ حيالها؟

المسببات الشائعة لاستنزاف الطاقة

لمعرفة المزيد حول مسببات استنزاف الطاقة، سـألت التنفيذين خلال ندوة التنفيذيين السنوية التي تقام بكلية إنسياد، حول العادات أو المواقف أو طرق التفكير التي تؤثر على صحتهم العقلية. وجاءت القائمة مثيرة للاهتمام.

الإدمان على الانترنت وغيرها من وسائل الأعلام السلبية

لم يكن مفاجئاً أن معظم التنفيذيين يشتكون من إدمانهم على الانترنت. ولم يتوقف الأمر على الكمية الهائلة من المعلومات التي تشعرهم بالضغط، ولكنهم اعترفوا أنهم يقضون وقتاً طويلاً على وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الأنشطة، مما يتسبب بتشتيتهم عن مهامهم الأساسية. وصرح آخرون أنهم يقضون ساعات في مشاهدة التلفزيون أو خدمات البث.

عدم القدرة على إدارة الوقت

اعترف العديد من التنفيذيين أن أسلوبهم في تحديد الأولويات غير ناجع. وأنهم يقضون وقتاً عصيباً في محاولة ترتيب الأمور المهمة ومحاولة التمسك بالجدول الزمني. كما يواجهون مشاكل في رسم الحدود ويشعرون أن وقتهم تحت رحمة أولويات الآخرين. ومن المثير للاهتمام أنه في حين يشتكي بعض التنفيذيين من نقص التنظيم في حياتهم، يقول البعض أن حياتهم تسير بشكل مخطط ولا يمتلكون الحرية للبحث عن الأمور التي تشحذ طاقتهم.

رفع سقف التوقعات بشكل مبالغ

يشعر بعض التنفيذيين أحياناً أنهم يحاولون إرضاء الجميع. ويستسلم عدد أكبر من التنفيذيين إلى الكمال. وكانوا يقسون على أنفسهم وغير قادرين على تقبل فكرة أنهم قد يرتكبون أخطاء (كطريقة للنمو والتطور). عوضاً عن ذلك، تخصص البعض في تعذيب نفسه والتركيز على أشياء لا يستطيعون التحكم بها.

الاستمرار في علاقات غير منتجة

هناك شكوى شائعة بكون التنفيذيين مجبرين على التعامل مع الأشخاص السلبيين. وشرح البعض كم هو مرهق أن تلعب هذا الدور بحيث يأتي الجميع إليك ليرمي مشاكله أمامك. لاحظ آخرون أنهم كانوا مفرطين في الحساسية تجاه بعض الأشخاص الذين يعرفون كيفية الضغط عليهم ويصعب تفاديهم، مثل المدير وأفراد العائلة. أدت هذه الملاحظة إلى إدراك البعض أنهم ظلوا لفترة طويلة في علاقة غير سعيدة. وعلى الرغم من استنزافها لهم إلا أنهم لا يعلمون بالضرورة كيفية الخروج منها.

العادات الغذائية السيئة

بالنظر للضغوطات الكبيرة التي يتعرضون لها، يجد العديد من التنفيذيين أنفسهم مع عادات أكل سيئة. حيث يتناولون الكثير من الوجبات السريعة أو يأكلون بشكل مفرط. كان عدد قليل يعاني من مشاكل تتعلق بزيادة الوزن. أخبرني البعض أنهم يعالجون أنفسهم بنفسهم (من خلال الشرب أو تناول الأدوية) للتخلص من الألم العاطفي.

بحسب العديد من المديرين التنفيذيين، جعلتهم أعباء العمل وجداول السفر المزدحمة فريسة "للإصابة بالمرض". تماما مثل الأرنب الأبيض في قصة أليس في بلاد العجائب، شعروا دائمًا بالاستياء، كما لو أن الوقت ينفد.

بصراحة، أقر عدد من المديرين التنفيذيين أن العديد من الأنشطة التي تستنزف الطاقة، كانت لتجنب مشاكل أكبر في حياتهم. وفضلوا اللجوء إلى "الدفاع الهوسي"، وهو نمط سلوكي يحاول من خلاله الأشخاص بإلهاء أنفسهم بالعديد من الأنشطة أو ادعاء عكس ما يفكرون أو يشعرون به. يقول البعض أنهم يميلون إلى إخفاء الأمور غير المحببة داخل صناديق في عقولهم. بالطبع تظهر تلك الأمور فيما بعد بطرق أبشع وأكثر استنزافاً للطاقة في أوقات غير متوقعة.

الالتزام بتصحيح الخلل

بعيداً عن استنزاف طاقتك، فإن جميع الأنشطة والمواقف المذكورة تستهلك أيام وساعات ودقائق، بالإمكان تكريسها لتعزيز تلك الأنشطة. كيف يبدو "مقياس الطاقة" لديك؟ هل تتأثر بعض المواضيع المطروحة أعلاه؟ إذا كان الأمر كذلك، فماذا تفعل حيال ذلك؟ بإمكانك إعادة هيكلة حياتك للتركيز على الأنشطة التي من شأنها رفع مستوى طاقتك، مثل:

المشي في الهواء الطلق

الرياضة

قضاء الوقت مع الأصدقاء والعائلة

الأنشطة الإبداعية

بحسب التنفيذيين، يوجد أمر آخر تم تجاهله وهو القراءة. من المؤسف ذلك كون القراءة تحث على التعاطف وتأتي بالعديد من الفوائد النفسية والعصبية الأخرى.

كتب أرسطو عن السعادة، وهي مفهوم يعزى إلى خير الإنسان ويصف الحياة التي تهدف إلى زيادة الشعور بالسعادة من خلال الفضيلة. يمكن تحقيق حياة ذات معنى من خلال الانخراط مع الآخرين سواء كانوا أصدقاء أو أفراد من العائلة أو آخرين، في أنشطة مفيدة للطرفين. حدد الفيلسوف اليوناني لاحقاً الاختلافات بين الشعور بالطمأنينة، والشعور بالسعادة، وهو السعي لتحقيق رفاهية الذات عبر الملذات التي يوفرها الطعام والجنس والتفاعلات الاجتماعية. ويرى أن كليهما أمر ضروري لعيش حياة سعيدة ومرضية.

إذا كنت تتهرب من الشعور بالرفاهية والسعادة، فتذكر أنك يجب أن تضع قناع الأكسجين أولاً قبل مساعدة الآخرين، تمامًا كما كنت ستفعل على متن الطائرة في حالة الطوارئ. يجب علينا أن نعتني بأنفسنا قبل أن نعتني بالآخرين كي نحافظ على طاقتنا. الاستشهاد أو التحلي بالشجاعة دائماً ليست الحل. لن تنقص من ذاتك إذا ما كنت غير كاملاً او طلبت المساعدة. أن تكون منفتحاً حيال عدم شعورك بالسعادة كما فعل ديريك هو الخطوة الأولى نحو تجديد طاقتك.

* مانفريد كيتس دي فريس، أستاذ متميز في تطوير مهارات القيادة والتغيير التنظيمي، ومؤسس مركز انسياد العالمي للقيادة ومدير برنامج "تحديات القيادة
https://knowledge-arabia.insead.edu

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي