الثقافة والسياسة أيّهما يصنع التغيير في ملتقى النبأ الاسبوعي
عصام حاكم
2016-10-03 05:11
ضمن نشاطات مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، قدم المركز ورقته المعنونة (الثقافة والسياسة أيّهما يصنع التغيير)، في ملتقى النبأ الاسبوعي..
يعتقد حيدر الجراح مدير المركز ان هذا التساؤل لا يقتصر على العراق وحده، بل يشمل جميع بلداننا العربية والإسلامية، وأخيرا شمل حتى الاوربية أيضا.
ففي ازمة اليورو الاوربية وازمات أخرى واجهها الاتحاد الأوربي، نبه عدد من الصحافيين في وسائل الإعلام في ألمانيا إلى جانب من الأزمة لم يلق إلا انتباهاً ضئيلاً حتى الآن: إن أزمة اليورو ليست مجرد مؤشر على فشل المصرفيين المركزيين في أوروبا، بل أزمة اليورو تشير إلى فشل شامل من قبل المثقفين الأوروبيين، لماذا لا يدافع هؤلاء المثقفون عن الإنجازات العظيمة التي حققها التكامل الأوروبي؟ لماذا لا يتقدمون برؤى جذابة عن مستقبل القارة الأوروبية بدلاً من تضييع إرث عظيم من الثقة والتفاهم المتبادلين بين الأوروبيين غذتهما عقود طويلة من السلام والاستقرار؟
المثقف والسياسي..
الأول صاحب السلطة المعرفية (المفترضة) عبر نتاجاته المتنوعة، والثاني صاحب السلطة الواقعية من خلال فعل القرار والتأطير اليومي للمصالح والمنافع التي لها علاقة بالمجتمع..
ادوار المثقف العراقي
مر المثقف العراقي باربعة ادوار هي:
المثقف الليبرالي – المثقف اليساري – المثقف القومي – المثقف الديني..
الاول ساد في فترة العهد الملكي وانقرض بعدها، لعب دور المدافع عن مبادئ وتطبيقات السياسة الليبرالية بما تأتي به من ديمقراطية دستورية مشابهة إلى حد كبير للممارسة الليبرالية الأوروبية. إبان تلك الحقبة لعب المثقف دور الموجه والمجدد، وكان دوراً مقدَّراً ومحترماً من قبل العامة.
والثاني ظهر في منتصف ذلك العهد بعد ظهور المعسكر الاشتراكي كقوة سياسية فاعلة في اعقاب الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.. عندما صعد نجم الدولة العربية الوطنية الشعبوية بشعاراتها القومية الثورية واليسارية، انغمس المثقف بكليته في النضال السياسي وحاول أن يلعب دور المثقف العضوي الغرامشي الملتزم بقضايا أمته ووطنه.
في هذه الحقبة اقترب المثقف من السلطة إلى حد خطر وتناغمت أدواره مع أهداف السلطة إلى حدود الذوبان في داخل كؤوسها. وعندما وعت العامة أخطاء وخطايا الدولة الشعبوية انعكس ذلك سلباً على نظرة العامة للمثقف العربي ومكانته.
والثالث ظهر بعد ربيع الانقلابات العسكرية وصعود الجمهوريات العسكريتارية في بلداننا.. وهم مثل السياسيين اعتقدوا دائمًا بوجود وحدة قومية في الماضي، فجعلوا من الماضي مبدأ مقارنة سياسية وعلى الرغم من تأثرهم بالفكر القومي الاوروبي، فإنهم في بيئتهم الثقافية المتخلفة طوروا لفظية ثورية ولم تدرس الحاضر بل احتقرته وأرادت تغييره بالقوة"، والرابع ظهر بعد فشل الدول الوطنية واجهاض الاحلام المجتمعية في العدالة الاجتماعية والمساواة.. "وهم سيّسوا الدين في صراع يائس ضد الحداثة والتقدم، وحولوا الدين إلى سيرة فقهية عقائدية فاقدة للحياة. هذه النماذج الثلاثة مارست دورها في العراق ولم تستطع غير إرجاعنا إلى الخلف، مقدمة خيارات فاشلة في كل شيء، فالمثقفون لم يكونوا لاعبين كبار بل ملتحقون في هذه الأطر".
النماذج الثلاثة الاخيرة هي التي مارست دورها في العراق ولم تستطع غير إرجاعنا إلى الخلف، مقدمة خيارات فاشلة في كل شيء، فالمثقفون لم يكونوا لاعبين كبار بل ملتحقون في هذه الأطر".
بعد ذلك طرح مدير الجلسة سؤالين على الحاضرين الذين شاركوا في الملتقى الاسبوعي:
السؤال الاول: هل توجد ثقافة عراقية قادرة على اختراق السياسة وتغييرها ؟
الدكتور علاء الحسيني، اشار" الى ان الموضوع يحمل خصائص جدلية ومحل اهتمام كونه يمس الواقع الثقافي العراقي، ومدى قدرة ذلك المثقف على اختراق الواقع السياسي، خصوصا وان الثقافة العراقية شانها شان اي قطاع اخر، حيث يمر المثقف بأزمة هوية وهو يعاني ايضا من الاهتزاز، بسبب ذلك استطاعت الاحزاب السياسية ان تخترق مجتمع المثقفين وتكسب البعض منهم كي يكونوا وعاظ سلاطين ".
واوضح احمد جويد مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات" ان هناك جملة من التساؤلات تطرح ذاتها، كان يكون هل السياسي مثقف وهل المثقف يستطيع العمل بالمجال السياسي او يمتلك ثقافة سياسية"؟.
يجيب جويد" نحن اليوم بحاجة لتعريف المثقف وبحاجة الى تعريف الثقافة السياسية، فالثقافات متعددة الان، والسياسيون يعتقدون بان السياسة فن الممكن، وعلى هذا الاساس يتهم السياسي بالكذب والمراوغة، وبطبيعة الحال هنا يبرز سؤال من هو اكثر كذبا السياسي ام المثقف". الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، أكد" ان مصطلح المثقف مصطلح فضفاض وواسع، ولا يوجد هناك اتفاق جامع على مفهوم الثقافة او المثقف، لاسيما وان الثقافة لها معاني كثيرة واتجاهات متعددة فهناك ثقافة دينية واخرى سياسية وغيرها اقتصادية".
يضيف الحسيني" علينا اولا ان نحدد الثقافة ومن ثمة ننطلق، الى جانب ذلك فالعراق بلد التناقضات وان المشكلة الاعظم تكمن في وجود صراعات داخلية وعدم القبول بالاخر، وهذا مما افقد المثقف قدرته على التأثير بالسياسي.. بالمحصلة دور المثقف والثقافة محدود جدا ".
هذا وقد وافق الاستاذ حامد عبد الحسين خضير الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية " على ان الثقافة هي التي تحدث التغيير، لكن العراق فاقد للطبقة الثقافية القادرة على احداث التغيير وان وجدت فهي بنسبة بسيطة جدا، اضف الى ذلك ان مستوى تأثيرها محدود ايضا وهناك خلط بين الثقافة والمثقف".
الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حمد جاسم فكانت مداخلته، تقول" الثقافة السياسية هي جزء من الثقافة العامة للمجتمع، بيد ان ذلك لا يغير حقيقة ان السياسي في العراق هو صاحب السلطة والمثقف يدور في فلك ذلك السياسي".
يضيف حمد" الثقافة العراقية كانت ولا زالت تعيش ازمة الوجود في الظل، اما بالنسبة للتيار الديني والثقافة الدينية رغم وجودها على الساحة وبشكل واسع غير انها لم تمنح فرصة لإثبات ذاتها، اما المثقف فكان دائما ما يطلب منه ان يكون له دور ودور كبير اكبر من امكانياته".
القاص والروائي (علي حسين عبيد) فقد ذهب الى وصف" الثقافة على مستوى العالم الاوربي على وجه التحديد تتفوق بكثير على الانشطة السياسية والفعل السياسي".
يضيف عبيد" وهذا امر بديهي سيما اذ استذكرنا جمهورية ديغول الفرنسية ومدى اهتمامها بالثقافة والمثقف، وقد اسند وزارة الثقافة لروائي معروف جدا وبالتالي تميزت فرنسا بتلك الفترة وحققت انجازات ثقافية مهمة ترقى الى مستوى الانجازات السياسية".
يكمل عبيد" ان الثقافة العراقية التي اتت بعد (2003) هي نموذج مستنسخ من الثقافة التي سبقتها، فقط حدث تغيير شكلي والامر يحتاج لفترات زمانية اطول لكن يجب ان نعترف ان الثقافة هي التي تقود المجتمع".
واوضح الباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث محمد الصافي، بان" الكل يتمنى للثقافة بان تأخذ دورها في قيادة المجتمع، الا ان واقع العراق لم يفسح المجال لهكذا امنية، فمنذ العصر العباسي والى الان لم يتمكن الفلاسفة وصناع التغيير من طرح ما يأملون كما هو حال عصر التنوير وما شهده العالم الغربي، لذلك من الصعب ان تأخذ الثقافة دور المبادرة، السياسة على طول الخط هي تفرض ما تريد على الواقع".
في السياق ذاته تحدث مدير تحرير شبكة النبأ المعلوماتية (كمال عبيد)" على ان تعريف الثقافة يلخص بانها مجموعة من العقائد والقيم التي تتجسد بالسلوك وليس الثقافة المعلوماتية، لذلك من الطبيعي ان يكون لدى المجتمع ثقافة ايجابية واخرى سلبية".
يضيف عبيد" لذلك فالمجتمع العراقي كان دائما يتبنى ثقافة سلبية مرتبطة بالنظام السياسي، خصوصا وان المحرك الاساسي في عملية التغيير هي الثقافة، لأنها بدورها تضع اصبعها على القيم التي توجد في المجتمع، السؤال المهم هو كيف للثقافة ان تصنع التغيير وكيف للسياسة ان تصنع التغيير".
هذا وقد ذهب الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام" الى توضيح فكرة بعينها كون علم الاجتماع الغربي دائما ما يميل الى انضاج حقيقة ان الثقافة هي الاساس في صنع السياسة لذلك قادت الثقافة قطار التقدم في الغرب وهي عكس التفكير في العالم الشرقي كون السياسة هي التي تصنع الثقافة".
واشار ايضا" الى ان الامام الشيرازي الراحل لديه قول في كتابه الفقه السياسة يتحدث عن ذات الموضوع فيقول ( الاستبداد هو مستنقع الرذائل)، هذا القول يعبر عن تلك القضية فالنظام السياسي هو من يمارس دورا كبيرا في صنع القيم الاجتماعية الموجودة".
يكمل معاش" وبالتالي المجتمع العراقي عندما حصل التغيير ورث العديد من الاخلاقيات المشوهة والمستبدة خصوصا وان السلطة الحالية حاولت الاستفادة من ذلك الموروث لخدمتها وخدمة اغراضها السلطوية.. الانظمة الشمولية هي دائما تتبنى مسخ الثقافة الاجتماعية لاجل مسخ الهوية الإنسانية وتشكيل مجتمع خانع للسلطة.
السؤال الثاني: ما هو شكل العلاقة المقترحة بين المثقف والسياسي على ضوء الدور والوظيفة للمثقف خارج اطر الثنائيات السائدة؟
الدكتور علاء الحسيني، قال" ان العلاقة بين المثقف والسياسي في العراق اخذت ابعاد كبيرة، فلو رجعنا الى الوراء لوجدنا المجتمع العراقي يتطبع بطباع الدولة الشمولية والنظام الدكتاتورية القائم آنذاك".
يضيف الحسيني" بعد العام(2003) لم يتغير الامر كثيرا فالقابضين على السلطة حاولوا تسويق ثقافات معينة تخدم اهدافهم، فحكومة السيد المالكي على سبيل المثال حاولت ان ترسخ بعض المفاهيم من اجل بقائها في السلطة، لذلك الان السيد العبادي يعاني من سياسات السيد المالكي، ومن جانب اخر المثقفون هم ايضا يشعرون بالتهميش لان المجتمع العراقي يفتقر للقراء ولا يوجد متابع لكتاباتهم لذا هناك اختلالات بالثقافة وفي سلوكيات المثقفين فاليوم العراقي يعيش في مرحلة البحث عن هوية للثقافة العراقية".
احمد جويد، يعتقد" ان من يحدد شكل العلاقة بين المثقف والسياسي هو المثقف نفسه وليس العكس، لان السياسي يحاول دائما ان يضع كل شيء لغاياته الذاتية، والغريب ان غالبية الشعراء وقعوا في فخ تمجيد وتخليد القائد السياسي عراقيا او عربيا".
الدكتور قحطان الحسيني من جانبه قال" من الصعب تحديد رؤية لعلاقة تكاملية ومنتجة بين المثقف والسياسي، فالمعروف ان السياسي هو صاحب السلطة المادية الزمنية بالتالي يرفض السياسي ان يكون تابعا لمثقف يمتلك سلطة معرفية فالقضية هنا مرهونة بالمثقف هل يسمح لنفسه ان يكون تابع للسياسي، الخيار الاخر المتاح امام المثقف ايضا ان يكون مستقل برايه حتى تكون آرائه محل احترام".
الاستاذ حامد عبد الحسين خضير اتهم" المثقف بانه دائما في محل التابع للسياسي مقابل المردود المالي".
حمد جاسم، يرى ان " المجتمع انعكاس للثقافة السياسية وبالتالي فالمثقف لا يؤثر بثقافة المجتمع خصوصا وان السواد الاعظم من المثقفين يسيرون تحت عبادة السياسيين",
علي حسين عبيد، يجد" العلاقة محكومة على الدوام لصالح السياسي وهي علاقة شائكة".
كمال عبيد، يعتقد" بوجود مجموعة سلطات اخرى كالسلطة الدينية والعشائرية يضاف اليها الغزو الثقافي الخارجي كل تلك العوامل هي عناوين مؤثرة الى جانب السلطة الحكومية، اما بالنسبة لشكل العلاقة فهي ذات وجهين ".
يضيف عبيد" فالمثقف يرى بعين صغيرة للسياسي وبالعكسي السياسي يرى المثقف خطر عليه، اما الوجه الاخر ممكن ان يكون تكاملي فعندما تكون الثقافة بحاجة الى السياسة للاتصال بالواقع والتفاعل والسياسة بحاجة الى الثقافة للاتصال بالمعرفة والارتباط".
الشيخ مرتضى معاش من جانبه يستشهد بالآية الكريمة" ( ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم )، فالأغلال هنا هي مجموعة القيم الفكرية المتخلفة، فالشيء الاساسي هو تحرير الانسان من ذاته".
يضيف معاش" فالمثقف يتحمل مسؤولية اكبر لان السياسي مشروع سلطة والمثقف هو من يحمل راية التغيير، لكن المثقف العراقي يعيش اشكالية العمل ضد المجتمع بالوان متعددة.. من يصنع التغيير هو المثقف المستقل الذي يستطيع ان يحدد مواطن الخلل.. فنحن نحتاج الى مثقف يدرك حجم رسالته في المجتمع".
التوصيات
1- ضرورة الابتعاد عن الثقافة السلبية والاتجاه نحو الثقافة الايجابية.
2- المثقف لابد ان يكون مستقلا ماديا عن السياسي.
3- اعادة قراءة الثقافات السائدة في المجتمع وتشخيص السلبي منها ومحاولة تغييره.
4- الحاجة لثقافة جامعة.
5- حملات جماعية لتطوير الجهد الثقافي.
6- تنمية المشاريع الثقافية الجامعة وتطويرها.
7- غرس قيم ثقافية نهضوية في المجتمع.
8- العمل على تثقيف السياسي الوطني ومواجهة الغزو الثقافي.
9- صناعة بنى فوقية تسهم في تنمية المجتمع.
10- النهوض بقيم الحرية والنظام واللاعنف والاتقان بالعمل والحرص على المال العام وقيم اخرى من خلال وسائل مختلفة كالتعليم والمنبر الحسيني.
11- بناء نظام اقتصادي حر متوازن قائم على الانتاج وتكافؤ الفرص، يساهم في تشكيل ثقافة مستقلة عن السلطة.
12- منظمات المجتمع المدني والمراكز البحثية لابد ان تساهم في تفعيل هذه المقترحات.