الثقافة العربية.. مرآة المعاناة والصراعات

عبد الامير رويح

2016-05-14 12:20

الثقافة العربية وفي ظل المتغيرات والاحداث المهمة التي شهدها ويشهدها العالم العربي، من انهيارات السياسية وصراعات وحروب داخلية، تعيش اليوم وبحسب بعض المتخصصين تحديات اضافية اثرت بشكل كبير على واقع وطبيعة الثقافة والمثقف العربي، الذي سعى ومن خلال كتاباته المختلفة الى نقل بعض مظاهر العنف والقسوة والاحداث المفجعة التي يشهدها العالم العربي، وتجسيدها بشكل مثير حيث تطبع الاحداث الدامية والتحولات السياسية والاجتماعية الكبيرة وكما تنقل بعض المصادر، الرواية العربية التي واكبتها تحليلا ونقدا، لتصبح اشبه بوثيقة اجتماعية تلاقي اهتماما بترجمتها الى اللغات الاجنبية ويقول الشاعر والصحافي اللبناني يوسف "قبل عقود، كانت التجارب الذاتية او المحلية الضيقة والتجارب النضالية اليسارية محور أعمال الروائيين العرب، و لم تكن الرواية تتناول تجربة المجتمعات بكاملها". ويضيف "اما اليوم فتبدو الروايات العربية قبل الثورات وخلالها وبعدها، وكأنها تلاحق الحدث حتى في الوقت".

فالمسافة الزمنية تتقلص بين الحدث في سوريا والانتاج الروائي الذي يتناوله، اما في مصر فالثورة استمرت اسابيع لكن الروايات المستوحاة منها لم تتوقف، بينما شهدت تونس "انفجارا" روائيا منذ لحظة الثورة، وفقا لبزي. فالكاتب "يعيش في مجتمع يشهد تغيرات اقتصادية وسياسية وثورية او عكسها، ويتأثر بشكل مباشر او غير مباشر مما ينعكس على عمله" ويشكل التشابك الراهن "بين الرواية العربية والحدث السياسي والاضطراب الاجتماعي والعنف العابر للاوطان"، بحسب بزي، "جزءا اساسيا من الحماسة الى ترجمتها من دون اغفال تطور اللغة الادبية للرواية العربية".

ويبدو ان الاضطرابات التي تعيشها المنطقة تترك بصماتها على اسلوب التعبير الروائي ايضا، كما في سوريا التي تمر الرواية فيها بمنعطف في الوقت الحالي، وتزداد غنى بفعل الحرب، بحسب الروائية السورية مهى حسن. وتوضح قائلة "لا يمكن لأي كاتب سوري ان يكتب رواية من دون ان يتطرق الى ما يحدث، ولا يمكن ان يتجاهل العنف والدم، فالقتل والجثث باتت من يومياتنا، وبالتالي باتت مفردات الرواية اكثر قساوة وفجاجة". ويذهب الكاتب العراقي علي بدر أبعد من ذلك، واصفا الرواية العربية بأنها "الممثل الحقيقي اليوم لحركة المجتمع العربي وتحولاته" وبنها صارت بديلا عن العلوم الانسانية التي "دمرت بسبب ارتباطها بالدولة وبقوى اجتماعية وسياسية ودينية". ويشير علي بدر الى ان الرواية العراقية الحديثة "هي رواية المنفى، بعضها يتكلم عن العنف الديني وعن الاثنيات، عن الارمن في العراق والاقليات الدينية والقومية".

العيش بات اصعب

على صعيد متصل رأى الكاتب اللبناني الفرنسي امين معلوف ان عيش الناس مع بعضهم البعض بات أصعب مما كان يتصور، مؤكدا ان على المثقفين العمل لتصور عالم مختلف على رغم هذه المرحلة من "الضياع الفكري والعنف". وخلال لقاء في ابوظبي تطرق الكاتب الى مسائل الهوية والانتماء والاشكاليات الاجتماعية في عالم اليوم.

وقال معلوف "انا نشأت في لبنان، وفي لبنان عندنا هاجس دائم هو جعل الناس يعيشون مع بعضهم البعض (...) هذه مسألة غير سهلة في أي مجتمع، لا في المجتمع اللبناني ولا في مجتمعات عربية اخرى ولا في مجتعمات اوروبية". واضاف "هاجسي ان نتمكن من جعل الناس يعيشون مع بعضهم البعض، ولم اكن اعتقد يوما ان المسألة سهلة، وقد يكون انطباعي في الفترة الاخيرة انها اصعب حتى مما كنت اتصور، ومن الواضح اننا لا نسير في هذا الاتجاه اليوم".

ورأى انه "علينا ان نسير في هذا الاتجاه، ولا خيار لنا الا ان نسير في اتجاه جعل الناس يعيشون مع بعضهم البعض. لكن المسألة كانت صعبة، وما زالت صعبة، والمستقبل يحمل طبعا صعوبات جديدة لا شك". وعكس معلوف في مؤلفاته، نشأته المتعددة الثقافة خصوصا ولادته في لبنان في شباط/فبراير العام 1949، وعمله في المجال الصحافي، قبل هجرته الى فرنسا بعيد اندلاع الحرب الاهلية في بلاده عام 1975. ولاقت مؤلفاته بالفرنسية انتشارا عالميا، ومنها "الهويات القاتلة" (1998) الذي طرح فيه مسألة الانتماءات المتعددة والتعايش في ما بينها، وبدا فيه مدافعا عن لاحتمية التصادم بين الثقافات والهويات من الشرق والغرب.

الا ان الظروف الراهنة تجعل من نظرة معلوف لواقع تعايش الهويات اكثر قتامة، من دون ان تدفعه الى ان يبدل من قناعاته. وتشهد دول شرق اوسطية عدة منذ اعوام نزاعات دامية ادت الى مقتل مئات الآلاف خصوصا في سوريا والعراق، حيث بات تنظيم داعش يسيطر على مساحات واسعة. وتبنى التنظيم خلال الاشهر الماضية هجمات في قلب اوروبا، خصوصا في باريس وبروكسل، اودت بالعشرات، وفتحت نقاشا اجتماعيا اوروبيا حول الهوية واندماج الاقليات الدينية وغيرها.

ويقول "كل المجتمعات بما فيها المجتمع الفرنسي، بما فيها المجتمعات الاوروبية، بما فيها المجتمعات العربية، تمر في مرحلة صعبة دقيقة قد تهدد المبادىء التي بنيت عليها المجتمعات، قد تهدد القيم التي بنيت عليها المجتمعات، وهذا جزء اساسي من المشكلة التي نعيشها في هذه المرحلة العصيبة والتي تتميز بالضياع الفكري وبالعنف". وعلى رغم امله بانه تكون "المراحل المقبلة أقل صعوبة"، يشدد الكاتب على ضرورة ان يقوم "المسؤولون في مختلف المجتمعات، المسؤولون السياسيون، الثقافيون، التربوين... ان يقوموا بواجبهم في محاولة بناء التعايش في (...) قلوب الناس، وهذا مشروع لسنوات وربما لأجيال".

وتطرح الاشكاليات الراهنة اسئلة عن الدور الذي يمكن ان يحظى به المثقفون في ظل صراعات لا تبقي ولا تذر. الا ان معلوف الذي تعهد لدى دخوله الاكاديمية الفرنسية في العام 2012 خلفا للكاتب الفرنسي الراحل كلود ليفي-ستروس، بالعمل على تحطيم "الجدار" الذي ينشأ في البحر المتوسط بين الهويات الثقافية التي ينتمي اليها، يدعو المثقفين الى عدم التخلي عن دورهم، وان بات هذا الاخير اكثر صعوبة ومحدودية.

ويقول "واضح ان الجدار لم يتحطم، وهو قد يكون اليوم اعلى مما كان في الماضي. هل أنا سأغير موقفي؟ طبعا لأ. هل أنا سأحاول جهدي للمساهمة في تحطيم هذا الجدار؟ بالطبع (...) هل أتوقع ان يتحطم في المستقبل القريب؟ لا، لكن أملي كبير بأن نتمكن من تخطي هذه المرحلة في المستقبل على الاقل ليتمكن ابنائي واحفادي ان يعيشوا في عالم أفضل من الذي يعد لهم اليوم".

ويسأل "هل هذا يعني ان على المثقف ان يتوقف عن العمل من اجل الاهداف، من اجل الآمال التي يعيش من اجلها؟ في رأيي انا ان على المثقف ان يعرف مدى صعوبة مهمته اليوم، ان يواصل العمل، ان يواصل الكتابة (...) ما يمكن له ان يفعل، ما يمكن له ان يحقق كان دائما محدودا، وهو اليوم محدود، لكن دوره ضروري، ضروري ان يتصور عالما مختلفا، مجتمعا مختلفا، ضروري ان يعمل لحل المشكلات". بحسب فرانس برس.

ويؤكد الكاتب الحائز جائزة "غونكور" الادبية الفرنسية المرموقة عن رواية "صخرة طانيوس" (1993)، ان الانسان "لا يغير قناعاته لان الوضع صعب. قناعاته تبقى ويحاول ان يساهم في اصلاح الامور. هل سيتمكن من اصلاحها؟ طبعا لا، لكن واجبه ان يحاول". ويشدد على ان اليأس في ظل هذا الواقع ليس خيارا، قائلا "اليأس لا يقود الى أي حل. اليأس ليس حلا. الافضل (للانسان) ان يأمل ويخطىء، بدلا من ان ييأس ويكون على حق".

جوائز ثقافية

في السياق ذاته توجت رواية (مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة) للفلسطيني ربعي المدهون بالجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" 2016 وقيمتها 50 ألف دولار أمريكي إضافة إلى ترجمة العمل للغة الإنجليزية. والمدهون هو أول فلسطيني يفوز بالجائزة التي سبق ووصل إلى قائمتها القصيرة في 2010. وكانت (مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة) بين ست روايات بلغت القائمة القصيرة للجائزة ضمت إلى جانبها (نوميديا) للمغربي طارق بكاري و(عطارد) للمصري محمد ربيع و(مديح لنساء العائلة) للفلسطيني محمود شقير و(سماء قريبة من بيتنا) للسورية شهلا العجيلي و(حارس الموتى) للبناني جورج يرق. بحسب رويترز.

وحصلت كل رواية وصلت للقائمة القصيرة في التاسع من فبراير شباط الماضي على عشرة آلاف دولار. وجاء الإعلان في أبوظبي عشية افتتاح الدورة 26 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب والذي يقام في الفترة من 27 أبريل نيسان إلى الثالث من مايو أيار. وتشكلت لجنة تحكيم الجائزة برئاسة الكاتبة والناقدة الإماراتية أمينة ذيبان وعضوية كل من الصحفي والشاعر المصري سيد محمود والأكاديمي المغربي محمد مشبال والناقد اللبناني عبده وازن والمترجم منير مويتش من البوسنة. وهذه الدورة التاسعة للجائزة التي أصبحت بمرور السنين إحدى أبرز الجوائز الأدبية عربيا من حيث القيمة والمشاركة. ترعى الجائزة (مؤسسة جائزة بوكر) في لندن بينما تقوم هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في الإمارات بدعمها ماليا.

من جانب اخر كرمت "جائزة الشيخ زايد للكتاب" في نسختها العاشرة، سبع شخصيات في مجالات ثقافية وادبية، أبرزهم الكاتب اللبناني الفرنسي امين معلوف الذي اختير شخصية العام الثقافية. وقال معلوف في كلمة مقتضبة بعد تسلمه الجائزة "كلمة واحدة في ذهني هذه الليلة: من الكتب تبدأ اعادة البناء، بناء العقول والقلوب، العقول النيرة، والقلوب المتآلفة، بناء الامل، بناء الثقة بالنفس، الثقة بان المستقبل ليس فقط للآخرين، بل هو ايضا لنا، لابنائنا وبناتنا، وهو لكل من يعشق العلم والفكر والفن والادب، لكل من يعشق المعرفة والابتكار والابداع". واضاف "المستقبل لمن يعشق الكتب، اي لمن يعشق الحياة".

واضافة الى معلوف، حاز الاماراتي جمال سند السويدي "جائزة الشيخ زايد للتنمية وبناء الدولة" عن كتابه "السراب"، والمصري ابراهيم عبد المجيد "جائزة الشيخ زايد للآداب" عن كتاب "ما وراء الكتابة: تجربتي مع الابداع"، و"جائزة الشيخ زايد للفنون والدراسات النقدية" للمغربي سعيد يقطين عن كتاب "الفكر الادبي العربي: البنيان والأنساق"، و"جائزة الشيخ زايد للترجمة" للعراقي كيان احمد حازم يحيى عن ترجمته لكتاب "معنى المعنى" لأوغدن ورتشاردز، و"جائزة الشيخ زايد للثقافة العربية في اللغات الاخرى" للمصري رشدي راشد عن كتاب "الزوايا والمقدار" الصادر بالعربية والفرنسية. اما "جائزة الشيخ زايد للنشر والتقنيات الاخلاقية" فمنحت لدار الساقي للنشر اللبنانية.

وتأسست الجائزة في العام 2006 وتحمل اسم مؤسس دولة الامارات العربية المتحدة، وتمنح سنويا "للمبدعين من المفكرين والناشرين والشباب تكريما لمساهماتهم في مجالات التأليف والترجمة في العلوم الإنسانية". وتأسست الجائزة بدعم ورعاية هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث وتشرف عليها لجنة عليا وهيئة استشارية. وتضم الجائزة عشر فئات بينها شخصية العام الثقافية. واستثنيت هذه السنة فئات أدب الاطفال والناشئة، والمؤلف الشاب، والفنون والدراسات النقدية. وتبلغ القيمة الاجمالية للجوائز سبعة ملايين درهم اماراتي (ما يناهز مليوني دولار اميركي). وينال الفائز في كل فرع من فروع الجائزة 750 الف درهم، بينما تخص شخصية العام الثقافية بمليون درهم.

عاصمة الثقافة العربية

الى جانب ذلك تسلمت مدينة صفاقس التونسية مشعل "عاصمة الثقافة العربية" من مدينة قسنطينة الجزائرية في حفل أقامه مشروع العواصم الثقافية العربية المقام تحت مظلة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو). وتسلمت وزيرة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية سنيا مبارك "المشعل الرمزي" من نظيرها الجزائري عز الدين ميهوبي في قاعة زينيت بمدينة قسنطينة وسط حضور عدد من فناني ومثقفي البلدين مثل زياد غرسة وصوفيا صادق وجمال الشابي من تونس والشابة يمينة وعبد الله مناعي وعبدو درياسة من الجزائر.

وتضمن بيان لوزارة الثقافة التونسية عن مبارك قولها خلال الاحتفال إن الحدث الثقافي العربي يسعى إلى "تحقيق التميز العربي وإبراز التنوع الثقافي الذي تنطوي عليه الفنون والآداب والرؤى الجمالية والخصوصيات الحضارية العربية في مختلف تجلياتها وتنوعاتها." وصفاقس التي توجت عاصمة للثقافة العربية 2016 هي ثاني أكبر المدن التونسية وعرفت حديثا بأنها عاصمة الجنوب التونسي. تقع صفاقس على بعد 270 كيلومترا جنوب تونس العاصمة.

وتقوم كل مدينة تحظى بهذا اللقب بتنظيم العديد من الأنشطة الرامية إلى النهوض بالعمل الثقافي العربي المشترك مثل المعارض وورش العمل والأسابيع الثقافية والعروض السينمائية والمسرحية والعمل على الترويج للصناعات الثقافية وتشجيع مبادرات القطاع الخاص لدعم الثقافة والاهتمام بالصناعات الإبداعية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا