الحرب النفسية في الحرب العالمية الاولى
مروة الاسدي
2022-04-23 07:05
مقدمة:
شهدت بدايات القرن وتحديدًا العام ١٨٩٦ ثلاثة مخترعات جديدة شكلت بؤرة ونواة ولادة ثورة الاتصالات، إذ أسست في بريطانيا أول صحيفة يومية توزع على نطاق واسع والتي كانت تهتم بالجيل الجديد من العاملين (daily mail) وعلى مستوى الجماهير وهي صحيفة (والقارئين)، كما شهد ذات العام ١٨٩٦ أول عرض سينمائي تجاري في باريس , حيث نشأ فن التصوير السينمائي، وأيضا في ذات العام ظهرت إمكانية التطبيق العلمي للإرسال البرقي اللاسلكي، وهكذا فقد شهد هذا العام نشأة الوسائط الرئيسية الثلاثة للاتصال الجماهيري وهي الصحافة والإذاعة والسينما، والتي سيكون على عاتقها حمل ونقل الحرب النفسية بمختلف أدواتها وأشكالها.
وبذلك دخلت السينما بشكل كبير في الحرب النفسية أثناء الحرب العالمية الأولى، خصوصًا في أمريكا، إذ استغلت بشكل كبير لتعبئة الرأي العام ضد الألمان، وأنتجت عشرات الأفلام التي تظهر وحشية الألمان في الحرب وإنسانية الحلفاء.
الحرب النفسية في الحرب العالمية الأولى:
شهد بداية القرن العشرين تغيرًا في نمط الأعمال الحربية، وذلك بتوسعها بدرجات كبيرة، حتى صارت تطال كافة أفراد المجتمع، فيتأثر المدنيون بها بشكل مباشر ويشاركون فيها، واصبحت شأن كل فرد من السكان، وتعني النضال من أجل البقاء والحفاظ على الهوية القومية، ومع هذه التغييرات في مجال الحرب النفسية، فقد اتسعت لتلائم مجتمع الحرب الذي يشارك في المعركة، وأصبح أمر الروح المعنوية للنساء والأطفال والشيوخ في المنازل، وهو رصيد المعنويات العسكري الذي يمد الجنود في المعركة، وقد ساهم تطور شكل القتال و وسائل الاتصال الجماهيري إلى الحرب النفسية كعلم ومدارس فكرية، وأصبحت الحرب النفسية ذات أهمية قصوى في شتى المجالات, وبرزت أهميتها الكبرى في عوامل الوجود.
وتعد الخطوة البريطانية الأولى في الرد على احتلال ألمانيا لبلجيكا وفرنسا من أهم المعارك النفسية التي شهدتها الحرب العالمية الأولى والخطوة الأكثر تأثيرًا على نتائج الحرب، إذ قامت سفينة الكابلات البريطانية بقطع خط الكابلات المباشر الواصل بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية عبر المحيط الأطلسي، وهكذا كسبت بريطانيا معركة الحرب النفسية الموجهة للولايات المتحدة الأمريكية للتأثير عليها وكسبها إلى طرفها, فضلاً عن الأسلوب الألماني في الحرب النفسية والطريقة الفظة المستعملة لإقناع الجمهور الأمريكي بشرعية القضية الألمانية.
لقد كانت بريطانيا واعية تمامًا لأهمية الحرب النفسية والدعاية في بداية الحرب، فأسست مكتبًا سريًا مختصا وكانت هذه الأداة من أكثر الوسائل البريطانية فاعلية بين عامي (١٩١٤-١٩١٧)، وقد تميزت هذا المكتب والشبكات المرتبطة به بالعمل الهادئ الذي يركز إلى انتقاء كلمات ومفردات وموضوعات مؤثرة في الطرف الاخر، ويعتمد أساليب لإقناع وليس التحريض والإنشاء الخطابي، مع سيطرة البريطانيون على أخبار المعارك، بفعل رقابة متينة ومدروسة تعتمد الحقائق والمصداقية، أو القابلية للتصديق، إذ ركزت الدعاية البريطانية وحربها النفسية الموجهة للولايات المتحدة على الذين يشغلون مناصب حكومية مؤثرة وعلى أساتذة الجامعات والطبقات المؤثرة وصنّاع الرأي العام ، فضلاً عن سيطرة بريطانيا على مصدر الأخبار الأمريكي الذي كان يأتي من خلال خط الكابلات البحري كما تقدم أعلاه، الذي تسيطر عليه بريطانيا، وقد تمكنت بريطانيا أيضا من استغلال الكثير من الأخطاء الألمانية في الحرب وقامت بتضخيمها وإظهارها وكأنها أعمال وحشية همجية تستهدف إبادة البشرية.
لقد قامت بريطانيا بتشويه وتأليف عشرات القصص عن الألمان، ومنها ما نشرته إحدى الصحف البريطانية، من أن ألمانيا تقوم بسلق جثث الجنود القتلى وتحويلهم إلى حساء، إلاّ إنّ الحدث الأبرز الذي ساهم في إدخال أمريكا بشكل مباشر الحرب إلى جانب الحلفاء، هو عمل نفسي دعائي عسكري، حيث استخدمت الجاسوسية لالتقاط رسالة من وزير الخارجية الألماني (زيمرمان) إلى السفير الألماني في الولايات المتحدة يعلمه فيها ببدء حرب الغواصات الشاملة، وقد استغلت بريطانيا هذه الرسالة وقامت بنشرها علنًا وتسويقها للجانب الأمريكي على أنها تهديد مباشر لمصالحها التجارية، الأمر الذي أدى إلى دخول الولايات المتحدة الحرب ضد ألمانيا بدخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب، وبذلك فقد خفت حدة الدعاية والحرب النفسية البريطانية الموجهة للشعب الأمريكي، وتحقق اهدافها، وصار لزماً على أمريكا تشكيل إدارتها الخاصة للحرب النفسية، فأقامت ما أسمته لجنة الإعلام العامة، كهيئة مسؤولة عن الرقابة والدعاية، وقد قسمت هذه الهيئة إلى قسمين:
1. المحلي: موجه إلى الشعب الأمريكي وإقناعه بضرورة الاشتراك في المعركة حتى وإن كانت بعيدة في قارة أخرى، وضرورة محاربة النظام الألماني الوحشي الذي يقتل ويغتصب الراهبات ويسرف في بالقتل دون سبب، , إذ ركزت الحرب النفسية الأمريكية المحلية على أن الحرب موجهة ضد النظام الألماني الحاكم , وليس ضد الشعب الألماني الصديق المجبر على العيش تحت ظل سلطة ديكتاتورية.
2. الخارجي: حيث تم افتتاح مكاتب في أكثر من ثلاثين دولة، قامت بطباعة وإنتاج ملايين الكتيبات التي تشرح الموقف الأمريكي ومشروعية دخوله الحرب، وأن أمريكا تخوض الحرب من أجل السلام ومن أجل العدالة والحرية للشعوب وأولهم الشعب الألماني.
وفي كتابه (كفاحي) خصص الزعيم الألماني هتلر فصلين كاملين لموضوع الدعاية والحرب النفسية، حيث لم يخف إعجابه بالحملة النفسية البريطانية وأبراز أهم النقاط التي ارتكزت عليها، مثل اهتمامها بالتوقيت وبالتأثير المتراكم والتكرار، إذ كتب يقول (في العام ١٩١٥ بدأ العدو دعايته بين جنودنا، وبدءًا من العام ١٩١٦ أصبحت الدعاية أكثر كثافة بشكل متزايد، وفي العام ١٩١٨، كانت قد أصبحت كالسحابة العاصفة، ويستطيع المرء أن يرى آثار غوايتها التي ظلت تنمو بالتدريج، فقد تعلم جنودنا أن يفكروا بالطريقة التي أرادها العدو).
إذ كانت الدعاية الألمانية في الحرب العالمية الأولى سيئة التنظيم والتنسيق مع أنه كان قد خصص للدعاية والحرب النفسية مكتبًا صحافيًا خاصًا وظيفته إمداد الصحافة الألمانية بأنباء الحرب ورعاية شؤون المعركة ورفع معنويات الجنود، إلاّ إنّ تداخل التخصصات أثر سلبا على فعالية الحرب النفسية الألمانية، والتي اهتمت بالحرب النفسية الهجومية ولم تهتم بالحرب النفسية المضادة، مما أثر سلبًا على معنويات الجنود والتي بدأت تتراجع شيئا فشيئا.
وقد استخدم البريطانيين والحلفاء بشكل عام المناشير والبيانات النفسية الموجهة للجنود في ساحة المعركة، وخصوصًا بعد بدء الحصار البحري على الألمان، حيث كانت هذه المنشورات ترسل بالبالونات، وحتى أنها كانت توضع في زجاجات وترسل عبر الأنهر، وكانت الكثير منها إبداعية تستخدم الاستمالات العاطفية والعقلية الاقناعية، مثل تلك التي كانت تصور قوائم الطعام الموجودة على الموائد في المطاعم البريطانية، تعبيرًا عن فشل ألمانيا في محاصرة بريطانيا وفشل حملة الغواصات، وفي عام ١٩١٨ وزع الحلفاء قرابة ٦٠ مليون نسخة من منشورات وبيانات الحرب النفسية، والتي أدت بالنتيجة إلى استسلام آلاف الجنود الالمان على اثرها.
ومن جانب آخر داخلي فقد شهدت بريطانيا أول حملة حرب نفسية منظمة داخلية إلى مواطنيها المدنيين بهدف إقناع الشباب بالتجنيد بداية ، ومن ثم الضغط على السكان للتجنيد الإجباري، وإلى إعادة الفارين من الخدمة العسكرية، إذ كانت توضع اللافتات في الشوارع والتي تدعو للدفاع عن بريطانيا , ولافتات أخرى تدعو العائلات البريطانية لدفع أبنائها للقتال من أجل العزّة والحرية والكرامة، وقد وضعت دعايات الحرب هذه في كل مكان على علب السجائر والأماكن العامة والخاصة , وانتشرت في المحاضرات والتظاهرات، وكلها تصب في باتجاه واحد، وهي أن تذهب للقتال أكثر وطنية وقبولا اجتماعيًا من أن تبقى.
تحولت الحرب النفسية في هذه الحرب مـن وسيلة عرضية إلى أداة عسكرية رئيسية حتى قيل إن الحرب النفسية كانت السلاح الذي كسـب الحـرب, بل إن أولئك الذين كانوا لا يولون أمر الدعاية في صفوف الحلفاء , راحـوا يؤكدون الاقرار بأن تصوراتهم كانت قاصرة، وأن القتال العنيف الذي جرى في الخنادق لم يكن بأكثر من شل حركة الجانبين المتضادين على كل حال، وهذا لا يغفل أهمية دور الحرب النفسية في الحروب, أما ما نسبة هذا الدور فهذا مرجعه إلى الجيوش نفسها وعقيدتها، وأخلاقها، وقوتها، وإعدادها، والمهم في هذا العرض التاريخي للحرب النفسية وأسلحتها الفتاكة في الحرب مثل الدعاية والشائعة وغيرهما، وقد تطورت الدعايـة بشكل خاص – خلال الحرب العالمية الأولى - لتصبح علماً مـن العـلـوم التي يقوم على أسس عامة, وأعيد تنظيمها بعد الحرب من قبل الحلفاء وأنشأوا إدارة خاصة للدعاية ضد العدو، وكونوا لجنة مؤلفة من عدة دول لهذه الغرض مكونة من المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا.
هذا وقد نشطت الدعاية البريطانية بشكل خاص منذ بدء الحرب عام ١٩١٤م، وكانـت تهـدف لتحقيق غايـات ثـلاث:
1. أن تقنع أبناء البلاد في الداخـل بعدالة قضيتهم في الحرب.
2. إقناع الدول الصديقة والمحايدة بـأن النصـر سـوف يعقـد لهـا آخر الأمر.
3. القاء اليأس والقنوط في قلوب الألمان.
مرتكزات الدعاية البريطانية:
ومـن النقاط الرئيسة التي ركزت عليها الدعاية البريطانية لتحقيق الهدف الأول وهو إقناع الشعب بعدالة قضيتهم، ما يأتي:
أ-أن الاعتداء الألماني على بلجيكا لم يكن إلا اعتداء القوي على جارٍ ضعيف لا حول له ولا قوة.
ب- ذيوع الروايات عن قسوة الألمان ووحشيتهم، ومنها إعدام الأسرى، والأعمال الوحشية ضد النساء والأطفال ورجال الدين، وإشاعتها في بريطانيا.
ج- أن الألمان أعلـنـوا عـدم اعترافهـم بأي قواعد قانونية حربية، واستعمالهم الغازات السامة في الحرب.
وقد نجحت هذه الدعاية، وصدقها الناس، وبتكرارها أكثر من مرة وانتشارها بين الناس أصبحت حقيقة لا شك فيها.
وقد كان لدور الصحافة أثراً في ذلك، عبر تضخيم الأخبار والمبالغة فيها حتى أيقن الناس بصدق الشائعات، ممّا عبأهم نفسياً للقتال ضد العدو الألماني، ولتحقيق الهدف الثاني وهـو إقناع الـدول الصديقة والمحايدة بأن النصر حليفهم وذلك بتحويل الرأي العام الأمريكي بشكل خاص، إذ ركزت الدعاية عليه لأنه الأمل في مستقبلها وانتصارها على الألمان.
وقد اتبعت الدعاية البريطانية الحذر والحكمة، والطرق العلمية المنظمة لمحو الشكوك الـتي سـاورت الأمريكيين عـن مـوقـف الحلفاء، مع العلم أن كثيراً من الأمريكيين ناصروا الألمان في بداية الأمر، كما اعتبروا بريطانيا لا حق لها في محاصرة الموانئ الألمانية لمخالفة ذلك لحرية البحار , وهكذا أعد الخبراء الدراسات الخاصة بالصحافة الأمريكية دون إزعاج للقارئ الأمريكي العـادي، وتجنبوا المغالاة، وأظهروا الحقائق عن أعمال الألمان، دون تدخل ظاهر ودون القيام بمحاولات عنيفة لكسب الرأي العام الأمريكي.
ومن جانب آخر فقد ساعدت الدعاية الألمانية في نجاح الدعاية البريطانية، إذ إنها وقفت موقف المدافع للرد على دعايات الحلفاء، وهذا نوع سيئ من الدعاية لأنه يذكر المستمع أو القارئ برأي العدو، فضلاً عن أن محاولة الرد على هذه الدعايات حملت الناس على الظن بأن الألمان يحاولون استثارة العطف عليهم فضلاً عن أن وكالات الأنباء البريطانية والحليفة استطاعت أن تتوصل إلى نتائج بعيدة المدى في كسب الرأي العام في مناطق كثيرة من العالم إلى جانب الحلفاء.
- أمـا تحقيق الهدف الثالث وهو إلقاء اليأس والقنوط في نفوس الألمان، عن طريق توجيه الدعاية إلى العدو، فقـد اعتمدت على المطبوعات والنشرات التي تلقيها الطائرات على صفوف الأعداء، والجدير بالذكر أن هذه النشرات كانت تحتوي على حقائق ولكن ليس كل الحقائق، وغايتها كسب ثقة الأعداء.
- تفعيل دور الجواسيس داخل بلاد الـعـدو , ومساهتمهم في نشر النشرات، وكتابة الشعارات العدائية على الجدران، ونشر الشائعات التي تفت في عضد الأعداء, وكانت هذه الوسيلة الوحيدة للنشر قبل اختراع المذياع, وقد نجحت دعاية الحلفاء في الأهداف الثلاث مما اضطر الألمان إلى الجنوح إلى السلم بعد أن صار موقفهم الحربي غاية في السوء مما هدد بوقوع كارثة.
شهدت الحرب العالمية الأولى تحولاً جذرياً في وسائل العمليات النفسية، فبعدما كان استخدامها عرضياً أصبح فناً وعلماً قائماً بذاته، حتى أن البعض قد ذهب إلى القول بأن كسب الحرب العالمية الأولى يعود الفضل فيه للعمليات النفسية، ومهما يكن من مغالاة في هذا القول فإن العمليات النفسية كانت سلاحاً بین الأسلحة الحاسمة في حرب (1914- 1918م)، وقد لعبت سياسة الحلفاء الملطفة ونقاط ويلسون الأربع عشرة، وطابع الإهمال الذي اتصف به القيصر غيلوم، ثم انبعاث القوميات البولندية والفنلندية والتشيكية دوراً حقيقياً في استسلام ألمانيا عام (1918م).
وقد لعبت الحرب النفسية دوراً كبيراً في هذه الحرب لأن الدول المشتركة فيها ركزت على وسائل الاتصال الجماهيري وجعلته جزءاً من حياتها المدنية، فقد كان للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى وكالتان مسؤولتان عن الدعاية، الوكالة المدنية للمعلومات والتي عرفت باسم "لجنة كريل"، ثم الوكالة العسكرية التي لها قسم للدعاية أو العمليات النفسية في هيئة العمليات بمركز رئاسة الحملة الأمريكية.
لجنة كريل:
لقد كان للجنة "كريل" حظاً طيباً في فوزها برئيسها (جورج كريل) الذي كان يتمتع بثقة الرئيس الأمريكي، وقد مكنه موقعه في الإدارة من المشاركة في السياسة القومية وتنسيق نشاطات دعايته مع الوكالات الحكومية الأخرى، لقد أنشأ " كريل" دائرة جديدة في واشنطن كانت مهمتها توفير المواد لاستهلاك الصحافة المحلية، ومعالجة مواد الدعاية للبعثات الدعائية في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا التي تنشر الرأي العام الأمريكي عن الحرب وغطت هذه اللجنة كل مراحل أعمال الدعاية , إذ كان لكل قسم فيها مجال مسؤوليته الذي كان يتضمن الإعلان والأفلام، والصحافة باللغات الأجنبية والمنظمات النسائية ومكاتب استعلامات... الخ.
وأعدت "لجنة كريل" متحدثين متطوعين يتحدثون في كل المجتمعات الأمريكية، وظهرت لافتات كتب عليها بالإنجليزية ما معناه أن المتحدث لا يتكلم غير أربع دقائق وأعدت أفلاماً للدعاية عرضت على كل أنحاء العالم، وجاء وقت هدد "كريل" شركات العرض السويسرية بمقاطعتها ما لم تعرض أفلام الدعاية الأمريكية , كما أرسل مبعوث الحرب النفسية إلى فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وهولندا وأسبانيا والمكسيك وغيرها من بلاد أمريكا اللاتينية وكذلك الصين وروسيا، أما في مسرح العمليات فقد ركزت الحرب النفسية العسكرية الأمريكية على إنتاج المنشورات إذ إن أجهزة الراديو لم تكن موجودة كوسيلة اتصال جماهيري ومكبرات الصوت ما زالت بدائية، وركزت كذلك منشورات الدعاية الأمريكية على خفض الروح المعنوية للعدو، عن طريق استخدام المبادئ الفطرية، وقد نجح هذا الأسلوب في استسلام عدد كبير من قوات العدو خاصة بعد استخدام أساليب توزيع المنشورات البريطانية والفرنسية وتحسينها باستخدام البالونات والطائرات كوسائل أساسية في التوزيع.
ألمانيا في الحرب العالمية الأولى:
لم ينجح الألمان في دعايتهم في الحرب العالمية الأولى ولاسيما في الجبهة الداخلية، ومع هذا فقد استفادت ألمانيا الهتلرية من هذا الدرس , إذ وصلت النازية إلى السلطة عن طريق استمالة الرجل العادي وطبق "هتلر" هذا التكتيك في الميدان الدولي بادئاً بتملق الجماهير في كل مكان، وقام بالعروض التي تدل على القوة ثم انتهي إلى الوحشية الباردة التي لا يهمها ما يحدث في سبيل تحقيق أهدافها.
بريطانيا في الحرب العالمية الأولى:
أنشأت وزارة الخارجية البريطانية مكتباً للدعاية عام 1914، ولكن الجزء الأكبر من الجهد كان يتم بواسطة المؤسسات الخاصة، ونتيجة للصعاب التنظيمية التي قابلها الإنجليز أصبح لديهم في نهاية الحرب وكالتان منفصلتان: الأولى تتكون من "وزارة الاستعلامات" تحت رئاسة ( لورد بيفربوك) ومعها "إدارة المخابرات" تحت رئاسة (الكولونيل بوكان) للقيام بأعمال الدعاية خارج بريطانيا، أما الوكالة الأخيرة فهي "اللجنة القومية لأغراض الحرب" وتقوم بأعمال العمليات النفسية داخل بريطانيا.
الثورة البلشفية: جاءت الثورة البلشفية في السنة الرابعة للحرب، واستندت هذه الثورة إلى الحرب النفسية، ثم استمرت الدعاية السلاح الرئيسي الفعال في أيام البولشفيك، ثم عند التحول إلى الشيوعية، وقد استخدمت الدعاية البولشيفية الوسائل الآتية:
- تنظيمات الحزب الشيوعي.
- اتحادات العمال.
- المنظمات السرية.
- البعثات التجارية والقنصلية.
- النشرات التي ترسل بالبريد.
- الملصقات والكتب والصحف.
- الأفلام والراديو.
والواقع أن ما حققته الشيوعية في ميدان الحرب النفسية كان يعد دائماً جزءاً خاصاً من توجهات الماركسية، ولم ينظر إليه على أنه فن يمكن أن تتعلمه أو تستخدمه أية شعوب لا تدين بالشيوعية، وكذلك اعتبر الاكتساح التاريخي الذي قامت به الجيوش الصينية الوطنية بين عام 1922 - 1927 مسألة صينية بحتة، وأغفلت الدروس التي كان من الممكن تعلمها من الحرب النفسية التي قام بها الشيوعيون الصينيون.