في رمضان: لماذا نفتقر لوجود برامج تلامس واقع المجتمع؟
مصطفى ملا هذال
2020-05-03 03:35
مع اقتراب حلول شهر رمضان المبارك، تأخذ القنوات التلفزيونية بالإعلان عن حزمتها البرامجية التي أُعدت ليتم عرضها خلال أيام الشهر، ولم تتهاون في تكرار الإعلانات حرصا منها على إقناع المشاهد بان ما تقدمه هو أفضل بكثير من المُقدم على شاشات التلفاز الأخرى، وكأنها تقول انه العمل الوحيد الذي يستحق المشاهدة.
بعد ان حل الشهر الكريم وأخذت القنوات تعرض ما كانت تعلن عنه، تسربت خيبة الأمل لدى الكثير، ذلك بسبب الأعمال المقدمة والتي لا ترتقي لان تقدم في مثل هذا الشهر الذي يحمل طابعا دينيا مختلفا عن باقي الشهور، فهو الشهر الذي انزل فيه القرآن وأصبح دستور الأمة الإسلامية برمتها.
من المعروف ان الفن احد اهم الأساليب التي تدعم الثقافة المجتمعية، اذ يُمارس دور كبير للحفاظ على العادات والتقاليد السائدة بالمجتمع، وبالتالي فهو يأتي بمثابة اداة لضبط او تشخيص الظواهر السلبية التي تحصل ومن ثم العمل على معالجتها بصورة ادبية لائقة.
اما الذي حصل في العصر الحالي هو انحدار الفن بشكل غريب، وعدم تلائمه مع الذوق العام، اذ نرى الكثير من المشاهد غير مقبولة من الناحية الأخلاقية، وتعمل على هز اركان المنظومة القيمية، بدلا من المحافظة عليها من الهبوط وتدعيمها، وكنا نتلهف للأعمال الدرامية والبرامج المجدية والمؤثرة في المجتمع بجميع طبقاته وفآته.
نعرف جيدا ان عنصر الفكاهة من العناصر المهمة التي تعمل على شد الجمهور والترويح عم كربه وهمومه، لكنها تصبح عبئا عليه عندما تتجاوز الخط المسموح وتنحدر بالذائقة العامة، فهي بذلك لم تعالج الظاهرة السلبية بل اضافت سلبية اخرى الى ما هو موجود بالمجتمع.
فبات استخدام النكتة او ما يعرف بالتحشيش، استخداما مبتذلا، غير نافع بالنسبة للجمهور المتابع، فمن المفترض ان تؤدي النكتة او الفكاهة بصورة عامة غرضين أساسيين، الأول هو الخروج من الأجواء الكئيبة التي يعيشها الفرد، والثاني هو تسليط الضوء بأسلوب ساخر على السلبيات او الإخفاقات التي تقع بها العديد من الجهات ومن بينها الحكومية، ومعنى ذلك تحولت الفكاهة من اداة لأضحاك الجماهير الى وسيلة لفضح المقصرين.
اغلب القضايا التي تم التركيز عليها من قبل المحطات التلفزيونية هي المتعلقة بتعامل الأفراد مع النساء بصورة عامة، سواء في المنزل او بأماكن العمل، وكذلك الجامعة، في حين نراها تركت المعالجات واكتفت فقط بالتشخيص، وهذا بحد ذاته يجعل الأعمال الدرامية تفتقد لواحد من اهم اركان العمل الدرامي.
والسؤال الذي لابد من طرحه هنا هو، لماذا تكرس جميع المحطات التلفزيونية اعمالها وبرامجها المتنوعة في شهر رمضان تحديدا؟، ونراها ايضا تركز على نمط محدد من أنماط السلوك الفردي غير الملتزم، بينما هي ذاتها لم تُعير الكثير من الظواهر والحالات السلبية في أيام السنة المتبقية، فهل من الصحيح ان يتم عرض هذه الأعمال بشهر الطاعة؟.
ليس معيب ان تقدم البرامج ذات الاسلوب الفكاهي وتحمل مضمونا اجتماعيا، يعني على التنشئة الاجتماعية، لكن المعيب هو الا يتماشى ما يتم عرضه مع الأخلاق السائدة بالمجتمع، ومن ثم تؤدي الى غرس مفاهيم وقيم دخيلة في نفوس الأطفال او الناشئين الذين لم يتمكنوا بعد من مواجهة بعض الأفكار المنحرفة.
واذا اردنا ان نحصر كلامنا حول الدراما العراقية الرمضانية، وكذلك البرامج الكوميدية، فيمكن القول بأنها بائسة ودون مستوى الطموح، فلا تزال اغلب البرامج تجتر الماضي ولم تتمكن من الخروج نحو أفق جديد، أفق مملوء بالسعادة والحث على ترك الخلافات والظواهر السلبية، بالإضافة طي الماضي وعدم تقليبه بأي شكل من الأشكال.
صراحة لم نعرف لغاية الآن أين يمكن الخلل، هل بكتاب السيناريوهات؟، ام هبوط حاد بذوق الجمهور الذي اخذ يستسيغ هذه الأعمال ويراها في قمة الجودة؟، بينما يمكن ان يقيمها البعض الآخر على انها جوفاء خالية من المضمون والهدف الساميين.
او يمكن ان يكون انحدار مستوى الفن بصورة عامة، هو جزء من تخطيط ممنهج للقضاء على عراقة الفن العراقي، وجعله يتخلف كغيره من القطاعات الأخرى، فمثلما تراجع التعليم بشكل ملحوظ، وتخلفت الصناعة وصولا الى انعدامها، وهُملت الزراعة بشكل غريب، فلابد يصح ان يبقى الفن يؤدي رسالته المجتمعية ويُحدث التغيرات الإيجابية.
من المعقول ان نخلق نوع من التوازن في ظل حجم الكم الهائل من الأخبار السلبية والأعمال التي تحث على تعميق الكراهية، فالتوازن هنا يكون عن طريق تقديم أعمال فكاهية لا تخلو من الإنزال والموضوعية، وبعيدا عن الاستخفاف بذوق الجمهور، الذي هو احد هم نجاح الأعمال، وهو من يصدر الحكم بالنهاية على استمرار هذا النمط من الإنتاج او التراجع عنه بصورة تدريجية.
فالقصور الحاصل من قبل القنوات العراقية جعل من الجمهور يغادرها الى القنوات العربية، التي لم تراعي المحظورات في اي مجتمع من المجتمعات، وهنا نكون بين نارين اما ان نعزف عن المشاهدة وننطوي على أنفسنا، او نتابع مجبرين ما يتم عرضه عبر الشاشات العربية.
من البديهيات ان الإفراط بشيء ما، يؤدي بنتائج سلبية، وما أتاح للأعمال الفكاهية غير المتزنة الانتشار هو غياب الجاد الرصين، اذ يمكن القول ان تفشي هذا النوع المبتذل يعد بمثابة موت للثقافة والذوق بصورة خاصة، وما يواجهه المجتمع اليوم من مشاكل مختلفة وعلى أصعدة شتى، يحتم على الجميع لاسيما المهتمين بالشأن الأدبي والإنتاج التلفزيوني، ان يعطون الأمر اكثر أهمية ويتعاملون بدقة وعقلانية، للتخلص من ما الصق بالفن العراقي من شوائب شوهت صورته الناصعة.