المثقف العراقي: مجرد يقترح
وجدان عبد العزيز
2020-01-16 04:30
المثقف في المقام الاول تشغله قضية الحقوق والحريات، ثم انه يلتزم الدفاع عن القيم المجتمعية او الكونية، كما قال عنه الكاتب علي حرب، ويتمثل هذا في كتاباته كمواقف تستحق منه التضحية والثبات عليها، وقد يستطيع توجيه الرأي العام لقضايا امته وشعبه، وهذه صفة المثقف ومهمته، بل هذه مشروعيته ومسؤوليته.
والمثقف العراقي عاش عقود من المفاهيم والثقافات المستبدة، التي لا تعير أي قيمة اعتبارية للإنسان سواء كانت فكرية أو غيرها، وتجسدت خير تجسيد وتجسيم في عهد الدكتاتور الأكبر صدام حسين، الذي ربط كل شيء في الحياة العراقية بمؤسسة القائد الأوحد وأصبحت ثقافة الإرهاب والتسلط والتعسف هي الغالبة، وأصبح مبدأ انا ربكم الأعلى، هو الذي يتحكم بكل نبضات الشارع العراقي وقدم الشعب خلال هذا قوافلا من الشهداء ومئات من الانتفاضات، حتى حان صبح الحرية بسقوط الصنم الدكتاتور، لتصبح ساحة الفردوس انطلاق التغيير، لكن مقابل هذا سادت فوضى التخلص من هذا العهد وأقول فوضى، بسبب انفتاح الأبواب على مصاريعها ولكل قوى الشعب الايجابية والسلبية، مما أدى إلى تصادم هذه القوى، ولابد أن يحدث هذا التصادم الانفعالي.
وبدأ الشعب العراقي يقدم قوافلا اضافية من الشهداء، الذين سقطوا بسبب الاحتقان الطائفي، أو بسبب الإرهاب، والمجاميع التكفيرية، وعصابات السطو والسرقة، وتعرض المجتمع لهزة التغيير، ولابد من فترة تُستعاد فيها يقظة الشعب ووعى المثقف، وبدأت مفاهيم الثقافة الديمقراطية وقبول الآخر تسود، خاصة في الأوساط الثقافية والإعلامية، اضافة لثقافة الدستور الدائم وحمايته والانتخابات.
ولكن كان ايقاع أداء أجهزة الدولة والبرلمان وأداء القوى الفاعلة، التي حكمت البلاد من خلال صناديق الاقتراع بطيئا جدا، لأسباب منها التركة الثقيلة من النظام السابق، ومنها المحاصصة التي بُني على أساسها اداء الدولة، اعتقادا بأنها تمتص الاحتقان الطائفي والقومي، وهي لاشك امتصت القليل منه، ولكن الأداء انعكس سلبا على بناء المؤسسات والبنية التحتية للدولة، وكانت الامتيازات للسلطة المنتخبة.
قد ساهمت في سلبيات الأداء الحكومي، لكون هناك إحساس بالغبن لدى موظفي الدولة الآخرين وافراد الشعب، فسادت نوبة وبائية من الفساد الإداري والمالي وعدم احترام المال العام، وهذا بدوره انعكس بالسلب على الأداء الحكومي أيضا، ومع الأسف لم تنتبه القوى السياسية الفاعلة، لهذه الأخطار، بل راحت تساوم بعضها على الامتيازات وتركت البناء الأساسي للدولة، وحتى نكون منصفين لا ننفي أن هناك بناء ينهض.
وهناك دولة تنهض بهمة خلال سنوات ما بعد سقوط الصنم، (وان نجاح هذه الدولة يكمن في إعادة تنظيم صفوف مسؤولياتها الإدارية والتنظيمية من خلال تأمين جدية الفاعليات الكفؤة مهنيا وإجرائيا وإعادة رفع الشعار القديم "الموظف المناسب في المكان المناسب)، ونكرر الأسف بسبب بقاء المزايدات والحزبيات، والمحاصصات السائدة، وهذا زاد من احتقان آخر غير الاحتقان الطائفي، وهو الاحتقان الاجتماعي بشعور الغالبية الاجتماعية بالغبن نتيجة العوز والفقر ونقص الخدمات، والتي كانت تأمل من التغيير بعد 9/4/2003 ان تكون في حال افضل وبقي الامر على حاله وساء اكثر.
وهذا الاحتقان حذرنا منه نحن المثقفين بكتاباتنا وعلى صفحات كبرى مطبوعاتنا اليومية وغيرها، حتى أصبح هذا الاحتقان مطالبات، ثم مظاهرات وتكررت هذه المظاهرات، لان المواطن ملّ الكثير من وعود ستة عشر سنة بعد التغيير، ولا ننسى أن هناك أعداء متربصين بالعملية السياسية والديمقراطية في العراق.
وهم بكل تأكيد يحاولون توجيه مطالب الشعب وتحريفها عن مسارها الديمقراطي المشروع، والا فانها مطالب ليست مضادة لتوجهات الدولة العراقية الجديدة صاحبة المشروع الديمقراطي الضامن لحقوق الجميع، وعلى الدولة في المقابل إدارة هذه الأزمة بروح التعاطي وتوظيف الاختلافات وتعزيز المشتركات والتحول من حالة الصراع والاحتقان إلى حالة الاتفاق وخلق انسجام بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وجعل الدالة الوطنية والوطن هي الدالة العليا، ليحس المواطن بالأمان، وكفى مشاحنات ومزايدات بين القوى السياسية بإعلان سلم وظيفي عادل لايغري المسؤول يكون قانون ثابت ووفق الدستور الذي يطالب بالعدالة... ونحن نلمس بان كل القوى السياسية الفاعلة تطالب بتطبيق الدستور وبناء الدولة المدنية، وعلى هذه القوى ترجمة مطالباتها على ارض الواقع بما يخدم المواطن والوطن وتطبيق الدستور، وسيبقى المثقف والمواطن الواعي يطالب بحقوقه وفق خطوط الديمقراطية المنسجمة ومواد الدستور.