مفاهيم أدبية: تعريف مفهوم الاستعارة
علي حسين عبيد
2023-05-14 05:29
لكل نص أدبي أو فكري شكل ومضمون، الشكل يتعلق باللغة وفنونها وبالأسلوب وبالقدرة على التصوير اللغوي المتميز عبر فنون البلاغة المختلفة، ومنها قوة البيّان، والمجاز، والاستعارة والتورية والجناس، وكل هذه المفاهيم تهدف إلى تقديم شكل فني يرتفع بالنص جماليا بالدرجة الأولى، فالنصوص بمختلف أنواعها، من الأفضل أن تُقدَّم للقرّاء في أشكال جميلة، كما يُقدَّم الطعام في طبق جيد وجميل.
كذلك حين يظهر الإنسان خرج بيته في مهمة ما، زيارة لصديق أو عيادة مريض أو للتسوق أو لأي هدف كان، لابد أن يكون شكله مقبولا ,من الأفضل أن يكون جميلا، كذلك النص من الأفضل أن يتم تقديمه للقارئ في شكل فني رائع، ومن ضمن الفنون والمفاهيم التي تشترك في تقدم النص الكتابي الجيد الاستعارة، وكلما برع الكاتب في استخدامه للاستعارة بطريقة جيدة، كان أقرب لصناعة الشكل الأدبي المقبول والجيد.
وقد عرّف المعنيون الاستعارة اصطلاحًا بأنها مجازٌ قائمٌ على علاقة المشابهة بين المستعار منه والمستعار له، ومعنى ذلك أنّ الاستعارة تكون العلاقة فيها بين المعنى المنقول منه وبين المعنى المنقول إليه هي علاقة مشابهة، ومن ذلك قولهم: "التقيتُ بحرًا يعطي الفقراء" فقد عُقدت مشابهة في الجملة السّابقة بين الرجل الكريم والبحر، وقد حُذف الرجل الكريم وبقي لفظ "البحر" وهذا اللفظ بمعناه الحقيقي هو مكان المياه المالحة، ولكنّه لم يستخدم بمعناه الحقيقي في الجملة السّابقة إنّما استخدم بمعنى مجازيّ.
كيف عرف القدماء الاستعارة؟
العلاقة التي حكمت هذا المجاز والاستخدام المجازي هي علاقة المشابهة، أمّا القرينة التي منعت المعنى الحقيقي لكلمة "بحر"، وأوجبت المعنى المجازي هي كلمة "يعطي". لا بدّ للاستعارة لتكون استعارة أن تستخدم لفظة في غير موضعها، وأن يجمع بين هذه اللفظة وبين ما أسندت إليه علاقة مشابهة تحكم هذا الاستخدام المجازي للفظة، أمّا القرينة فلا بدّ منها لمنع إرادة استخدام المعنى الحقيقي للكلمة وتحويلها إلى المعنى المجازي، وللقرينة نوعان: لفظية: وهي التي يدلّ عليها لفظٌ في الجملة، يصرف اللفظ عن معناه الحقيقي إلى معناه المجازي، وذلك على نحو قولهم: خرج الأسود في القتال، فإنّ القرينة التي دلّت على منع المعنى الحقيقي لكلمة "الأسود"، هي لفظ "في القتال"، فهي لفظية ظهرت في الجملة. حالية: وهي التي يدلّ عليها أمرٌ خارجٌ عن اللفظ يفهم فهمًا، ومن ذلك قوله تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ففي الآية السابقة استعارتان، فالأولى: ميتًا، وقُصد بها الضّلال، والثّانية: أحييناه، وقصد به الهداية، ودلّ على استخدامهما المجازي السياق.
أما تعريف الاستعارة عند البلاغيين القدماء، فقد عرّف الجاحظ الاستعارة بأنّها إطلاق اسمٍ على شيءٍ معيّن غير اسمه الأصلي، وذلك إذا حلّ مكانه. وعرّف ابن المعتز الاستعارة بأنها أخذ كلمةٍ من شيءٍ يختصّ بها إلى شيءٍ آخر لا علاقة له بها، أما عبد القاهر الجرجاني فقد عرّف الاستعارة على أنّها ما اكتفي باللفظ المستعار عن اللفظ الأصلي في الجملة، وذلك بأن يكون بين اللفظ المستعار واللفظ المستعار له في الجملة تناسُبٌ بحيث لا يحدث من اجتماعهما أي تنافر.
وهذا يعني أهمية التقارب في التشبيه بين المستعار له والمستعار منه، ولا يصح استخدام الاستعارة من المعاني والكلمات المتناقضة، فوصف الرجل بالشجرة أمر غير مستحسَن بلاغيا، لكن يمكن استعارة لفظ الشجرة وما توحي به لوصف المرأة من حيث المنتج المثمر لها، أو من حيث منحها الديمومة للحياة.
تنمية القيم التربوية
وهكذا يتم استخدام الاستعارة لتجميل الشكل اللغوي وتقديم المضمون الفكري بأفضل الصور والكلمات كي يُقبِل عليها القارئ بشغف ونهم ورغبة، وما تميّز الشعراء عن بعضهم البعض إلا في قدرتهم على استخدام الفنون اللغوية والبلاغية أفضل من بعضهم بعضا.
الاستعارة إذا أحد أهم الفنون اللغوية التي تساعد الأديب (شاعرا أو كاتبا)، كي يقدم نصا متميزا في أسلوب رفيع، يتميز فيه بالاستعارة الجمالية العالية، وهذا ينعكس على جمال النص، ومن ثم تقديم المضمون في صور لغوية مستعارة بطريقة مختلفة، مما يسجل نجاحا لهذا الكاتب أو ذاك عن أقرانه.
ولهذا السبب تختلف الاستعارة في كتابة النصوص الموجَّهة للأطفال عن الكبار، فما يستعيره الشاعر أو الكاتب في نص للأطفال لا يمكن أن يستعيره في نص يكتبه للكبار، والكتابة للأطفال مثلا تتطلب استعارات قريبة من وعيهم واستيعابهم الذهني، كذلك يجب أن يضع الكاتب أو الشاعر في حسابه الجانب الفكري والتربوي للطفل، فلا يفضّل الشكل على المضمون بل يقدم للطفل نصا متوازنا في الشكل والمضمون بما يساعد الطفل على فهم الحياة وتنمية القيم التربوية العالية عنده.