الفساد ووظيفة كلب الحراسة لوسائل الاعلام الخبرية
حليم عبد الامير خماش
2016-02-25 05:21
Sheila Coronel
ترجمة: حليم عبد الامير خماش
تعد فكرة وصف الصحافة ككلب حراسة الى ما قبل اكثر من 200 عام. و لا تزال فكرة الاعلام اليقظ الذي يقوم بمراقبة الحكومة و فضح تجاوزاتها تحظى بالمزيد من الاهتمام في اجزاء كثيرة من العالم. ان العولمة و سقوط الانظمة الاستبدادية و الاشتراكية عملت على تغذية الاهتمام المتجدد بوظيفة الكلب الحارس للاعلام.
برهن المنظرون الليبراليون الكلاسيكيون منذ نهاية القرن السابع عشر ان شيوع المعلومات و الانفتاح يوفران الحماية الافضل من تجاوزات السلطة. ان فكرة وجود الصحافة كمؤسسة تراقب أولئك الذين يعملون في الوظائف العامة كانت مبنية على افتراض ان من الواجب منع الدول القوية من تجاوز حدودها. ان الصحافة التي تعمل بشكل مستقل عن الحكومة حتى و ان كانت تحصل على حريتها من قبل الدولة ستكون قادرة على ضمان ذلك.
و لكن هل ان عمل الصحافة ككلب حراسة مرغوب دائماً؟ في البلدان التي يعاني فيها الاعلام من قيود حكومية دراكولية او التي يقود الاعلام فيها ضرورات الاسواق المهووسة بالربح ، هل يكون هكذا دور ممكناً؟ و اذا كان الامر كذلك ما هي الظروف التي تمكن صحافة الكلب الحارس من اداء وظيفتها ؟ اخيراً ما هو التأثير الذي تسببت به المراقبة الاعلامية في ضمان مساءلة الحكومة؟ هل ان صحافة الكلب الحارس هي المفتاح لاصلاح الحوكمة ام ان المجتمع المدني او الحكومة المستجيبة او النخبة المثقفة هم من يدفعون باتجاه الاصلاح؟ حتى و ان كانت الصحافة كلب حراسة مثالي – بدلا من كونها كلب مطيع او كلب شرس على السلطة – هل يمكنها ان تحدث فرقاً لا سيما في مجتمعات تبدو مقاومة او غير قادرة على التغيير؟.
وجوه متعددة للتغطية الخبرية لوظيفة كلب الحراسة
ان فكرة اعتبار الاعلام عيون وآذان المجتمع و ليس فقط مسجل سلبي للاحداث في الديمقراطيات القديمة و الجديدة هي الفكرة الاكثر قبولاً في العالم اليوم. ان اسطورة الصحفي الجريء الذي يتابع باصرار اثر الافعال الخاطئة لا تزال حية في الاعلام و في التقاليد الشعبية. تم برهنة انه لا يمكن تحميل الحكومات المسؤولية اذا كان المواطنون يفتقرون للمعلومات عن الأنشطة و المسؤولين و المؤسسات. تغطي التغطية الخبرية لكلب الحراسة مدى واسعا من الانواع المختلفة للصحافة . بشكل روتيني تراقب صحافة كلب الحراسة الاعمال اليومية للحكومة و بذلك فهي تساعد المواطنين على تقدير كفاءة ادائها.. و تعد الصحافة التي تذهب بعملها لما وراء ما يقوله المسؤولون او الناطقون باسمهم لتفحص الاداء الحكومي شكلا من اشكال هذا النوع الصحفي.
ان صحافة الكلب الحارس هي صحافة كشف الفضائح . و فيما يتعلق بالمعايير الاخلاقية و معايير نشر الاخبار فقد تكون عالية او منخفضة . ما يميز صحافة كلب الحراسة هو فضح الافعال التي تتسبب بالاضرار بالمصلحة العامة. ان الدافع بالنسبة للصحفي او منظمات الاخبار التي تنشر تقارير الفضائح (muckraking) ليس مهما هنا ، ما يهمنا هو ان الاعلام يحذر المواطنين من اولئك الذين يسببون لهم الاذى و يزودهم بالمعلومات التي يجب عليهم معرفتها. قد تكون صحافة كلب الحراسة عرضية كما هو الحال في حالات الكشف عن الفضائح المنفردة التي قد يكون لها او لا يكون لها تاثير على المجتمع – و قد تكون مستدامة و مستمرة حيث يكرس الصحفي جهوده لفضح المخالفات و انتاج سلسلة مستمرة من التقارير عن الافعال المشينة.
هل صحافة الكلب الحارس مرغوب فيها؟
تضمن صحافة الكلب الحارس بقاء الافراد و المؤسسات الذين من المفترض ان يخدموا المجتمع شفافين و خاضعين للمساءلة. لذلك فان الصحافة اليقظة هي المفتاح للحوكمة الجيدة. على الاقل هذا هو المعتقد الليبرالي الديمقراطي. هذا المعتقد لم يبق دون ان يتعرض لتحد. بالنسبة لغير المؤمنين بها يجب ان تبقى صحافة كلب الحراسة بمرتبة ثانوية بالنسبة للانواع الاخرى من الصحافة. الآراء اللينينية التي سادت في الانظمة الاشتراكية كانت تنظر الى الصحافة على انها داعية او محرض جماعي و شريك في بناء الاشتراكية بدلاً من النظر اليها ككيان مستقل عن الحكومة ومراقب لها. و هناك رؤية ذات علاقة بهذه الآراء نشطت في السبعينات و هي مدرسة الصحافة التنموية التي نادت بضرورة ابعاد الاعلام في البلدان الفقيرة عن التركيز الغربي على الصراع و الكوارث و التوجه بدلا من ذلك نحو تشجيع الاهداف التنموية. من هذا المنظور تعمل الصحافة بشكل رئيسي كمجهز للمعلومات ومشجعة على دعم الاجندات التنموية.
حتى في التقليد الليبرالي هناك تردد فيما يتعلق بان تحظى صحافة الكلب الحارس بالاولوية. يناقش بعض الباحثين و النقاد في مجال الاعلام ان الطبيعة العدائية للتغطية الخبرية تقضي على الثقة و الدعم للحكومة. حيث تشير الدراسات فيما يتعلق بالتقارير الاخبارية التلفزيونية كمثال ان الاخبار التلفزيونية تقدم صورة عن الحكومة على انها غير كفوءة و مصدر هدر و ان هذا الوابل المستمر من نشر التقارير عن اخطاء الحكومة قد يقود الى جعل الجمهور ضعيف التحسس للحالات الحقيقية لسوء السلوك من قبل المسؤولين الحكوميين. يقول الباحثون الغربيون الذين ينتمون لمدرسة (الاعلام المزعج) لتأثيرات الاعلام ان الافراط في نشر التقارير السلبية يقوض من دعم المسؤولين الحكوميين ما يجعل من الصعب عليهم اداء مهام الحكم بشكل فعال . و يشيرون كذلك الى ان هذه الممارسات قد تقود الى ارتفاع حالة عدم الرضا عن الحكومات و قد يصل الامر الى عدم الرضا عن المؤسسات الديمقراطية و الديمقراطية نفسها. و في اماكن اخرى بالتحديد في المجتمعات التي تعيش صراعاً قوياً ، رفعت الكثير من التساؤلات حول فيما اذا كان الاعلام يعرض التماسك الديمقراطي للخطر و يحرض على الفوضى.
من جهة اخرى، هناك انتقادات اكثر راديكالية للاعلام تقول العكس : بان الاعلاميين بعيداً عن تطرفهم في الانتقاد نادراً ما يؤدون ادوارهم ككلاب حراسة او القيام بالتساؤل حول النظام الاجتماعي الحالي. و بذلك فهم يطرحون تساؤلاً حول وجوب ان يكن هدف الاعلاميين و المبدا المنظم لاعمالهم مبنياً على ما لا يقومون بادائه في اغلب الاوقات. ان مذهب كلب الحراسة على أي حال يعود بتاريخه الى عهد تألف فيه الاعلام بشكل كبير من رسائل اخبارية عاطفية و كانت الدولة مهيمن عليها من قبل الطبقة الراقية الارستقراطية. كان الجدل اذن يتعلق بان الملكية الخاصة هي التي قامت بحماية الصحافة من التدخل لكن الملكية الخاصة لم تتمكن من حمايتها من ضغوط السوق ما تسبب بالتقليل من شان تغطية كلب الحراسة لصالح صحافة التسلية. بمعنى آخر بينما يجب ان تعمل الصحافة المستقلة عن الحكومة مثل كلب الحراسة نظرياً فانه لا يمكنها فعل ذلك باعطاء القيود التي يفرضها الاعلام الذي يقوم على اساس السوق. و بذلك فان العقيدة الليبرالية العالقة في الرومانسية أي نظريات القرن الثامن عشر المتمثلة بالاوراق الصغيرة التي تحارب الاوتوقراطية تعطي الحق لدور كلب الحراسة للاعلام في مواجهة الدولة بينما تضع في نفس الوقت الصحافة في خدمة سلطة الشركات.
تأثير صحافة كلب الحراسة
يحمل انصار صحافة كلب الحراسة آمالاً كبيرة بما يمكن لهذا النوع من الصحافة ان تفعله لا سيما في مجال مراقبة الفساد. و يشير هؤلاء الى ان الصحافة بعملها على فضح السلوك الخاطئ تعجل باجراء التحقيقات مع اولئك المتورطين بارتكاب الاعمال المحظورة و تحفز على اجراء التغييرات في الانظمة و القوانين. و هي تساعد ايضا على تشكيل الراي العام ضد الحكومات الفاسدة و تولد راياً عاماً معادياً للذين يسيئون استخدام مناصبهم. حيث وجد باحثوا الاعلام في الولايات المتحدة ان الصحافة الاستقصائية قادرة على انتاج ثلاثة انواع من التاثيرات على السياسة : اولا التاثير التداولي و يعني ان التقارير تتسبب بالتزامات رسمية لمناقشة المشكلات المرفوعة و الحلول الممكنة و هكذا فان الدراسات تتم عن طريق التكليف او قد تبادر الهيئات الحكومية على اثرها الى جلسات استماع لمبادرات الاصلاح التشاورية. وهناك النتائج الفردية التي تحدث عند تطبيق العقوبات ضد افراد او مؤسسات تجارية متهمة بارتكاب الافعال المشينة. ايضا هناك الاصلاحات المادية و تحدث عندما تتسبب التحقيقات بتغييرات ملموسة في القوانين و التنظيمات و الاجراءات او السياسات او تشكيل هيئات او وحدات حكومية جديدة او اعادة تخصيص صناديق تمويل عامة.
الجانب المظلم لصحافة كلب الحراسة
هناك ايضا آراء معارضة. لا ينظر البعض الى الفضائح كجزء من فضائل الاعلام و الاصلاحات السياسية بل يعدوها كجزء من سياسة الفضيحة الدائمة التي تمثل الديمقراطيات الحديثة. بهذه الرؤية فان اعلاماً تنافسياً مع مؤسسات و هيكليات ديمقراطية لمراقبة الافعال الخاطئة سيكونان سوية بيئة ساخنة لسياسة الفضيحة. يصبح هذا النوع من السياسة ملمحاً دائمياً للديمقراطيات و لا ياتي بالضرورة بحكومات اكثر نزاهة او باعلام اكثر مسؤولية. على العكس تقود الفضائح الى السخرية بدلا الالتزام المتجدد بالقيم و المؤسسات الديمقراطية. لذلك تعتبر هذه الممارسات غير ذات فائدة بل انها تبعد انتباه الراي العام عن قضايا اكثر اهمية. في الكثير من البلدان النامية و المجتمعات الانتقالية لعبت الاتهامات بالفساد دوراً مهما كجزء من ترسانة التنافس السياسي. حيث اصبح توجيه التهم بارتكاب الاعمال المحظورة من قبل منظمات اعلامية على علاقة جيدة بموجهي الاتهامات من الاعمال المعتادة لوسائل الاعلام. وِيذكر اندراس ساغو " حتى و ان كانت هذه التهم صحيحة فان ذلك سيشوه السياسة الديمقراطية حيث يتركز التنافس السياسي على اظهار عدم نزاهة الخصوم" مما يعرقل معالجة قضايا اخرى تهم الجمهور. و يضيف ان المجتمعات الانتقالية بالتحديد ميالة لهكذا تشويه لان الكثير من اللاعبين المحليين و الدوليين مهتمون بفضح و تمويل عمليات فضح الفساد في تلك البلدان.