من هو حمد الذي يتهمه العراقيون بأحوالهم؟
اندبندنت عربية
2022-01-16 04:18
بقلم: غفران يونس
هاشتاغ" حمل آلاف الرسائل الساخرة من النخبة السياسية والأوضاع الاجتماعية"
البعض يعتقد أن "حمد" هو مؤشر مهم لحركة احتجاج مقبلة في العراق
حمد أعطى للعقل الجمعي الصامت مساحة شاسعة للتعبير
ألف العراقيون طعم الفكاهة والسخرية في الأيام العجاف. فالكوميديا السوداء حاضرة في حياتهم، ولعلها الوسيلة الوحيدة للهرب من واقع يزداد صعوبة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
فقد تحولت الكوميديا السوداء في العراق أسلوباً للاعتراض على قضايا سياسية مصيرية تطال شخصيات من الطبقة السياسية الحاكمة، وغالباً ما يتم استدعاء شخصيات خيالية أو أمثالاً شعبية ليتم من خلالها توجيه سهام النقد، وفي الوقت نفسه التفلّت من التبعات القانونية أو ملاحقات المليشيات والعشائر.
وفي خلال الأيام الماضية، انتشر "هاشتاغ" حمد، الذي أصبح وسيلة للسخرية بطريقة الشعر الشعبي. فالأشعار الساخرة تتهم بالعلن حمد وحمود، ولكن المهتم الحقيقي يبقى مجهولاً ومعلوماً في أن واحد.
فما هي قصة حمد وحمود؟
رحلة البحث عن حمد وحمود
قالوا في المثل الشعبي "حمد شابع تفك وحمود شابع صيت". والتفك هي البندقية، التي تمثل الإنسان الشهم المضحي والمغبون حقه والمقاتل، لكن المنجز يحسب لغيره. وقصه هذا المثل هي لأخوين هما حمد وحمود، كانا يرعيان الغنم فهجم عليهما قطّاع طرق لسرقتهما، فسارع حمود واختبأ خوفاً، أما حمد فقاوم اللصوص وراح يستنجد بأخيه الذي رد عليه قائلاً "آني أهوسلك وانت قاتل". و"أهوسلك" تعني أشجّعك. فحمد هنا الشخص القوي والمضحي، وحمود هو المتخلي عن مسؤولياته.
ويرد اسم حمد في إشارة إلى قصيدة للشاعر مظفر النواب "الريل وحمد"، التي غناها الشاعر ياس خضر. وتشير القصيدة إلى قصة حب بين امرأة وابن عمها، لكن العادات والأعراف القبلية تمنع تزويجهما، فاضطرت المرأة إلى الهرب من جنوب العراق إلى بغداد، وعاشت حياتها هناك، وكلما صعدت قطار الجنوب الذي يمر في مضيف حبيبها تعود بها الذكريات. القصة تحمل أيضاً صورة الخيانة. فالحبيب، هنا لم يلتزم بالوعود، بل تركها تجابه المعاناة وحدها على الرغم من اتفاقهما على الهرب معاً.
إذاً، يشير الاسم حمد إلى الشخص الخائن الذي لا يلتزم الوعود. وتحت هذا الهاشتاغ نجد السخرية من شخصيات سياسية كانت في مواقع المسؤولية متهمة بالتقصير في تحمل المسؤوليات.
ومما انتشر تحت هذا "الهاشتاغ":
"حمد من جان حارس ضاع ثلث الدار!
هسه أصبح مقاوم بيده كومة احجار!
ما ينطيها حالف يطلب أهله بثار.
الجان تاجر بالسبح هيهات ينطيها!"
وتركزت القصائد على استغلال المنصب لمصالح شخصية، منها:
"حمد من شاف المناصب بيها فرهود (الفرهود هو السرقة)
حمد خله الحلبوسي للرئاسة يعود".
كذلك حضر انتقاد ظاهرة العمالة لإيران، وغالباً ما أُرفقت بصورة قاسم سليماني، وهو يقود غرفة العمليات لقمع تظاهرات حراك أكتوبر (تشرين الأول).
"حمد يذبح بولدي لعين جيراني"
حمد عاف العراق وصار إيراني".
ومع انتشار "هاشتاغ" حمد، سعى العراقيون لمعرفة من هو حمد وحمود، بل إن البعض خصص جوائز رمزية لمعرفة من يمثل حمد ومن هو حمود.
حمد حركة احتجاج
يرى المدون حمزوز أن اسم حمد يُطلق على شخصيات ومواضيع عدة، فتارة يُطلق على موضوع سياسي وطوراً عنواناً لنقاش في موضوع ديني أو رياضي. ويطلق على شخص يراد ذكره من دون تحمل التبعات القانونية أو العشائرية أو الدينية".
ويرى الكاتب الناشط الاجتماعي سعيد ياسين موسى أن "انتشار هذا الهاشتاغ بسرعة يعود إلى سببين، الأول سياسي يتناول الحالة العامة والمجريات وتداعيات الجلسة الأولى لمجلس النواب، والثاني رمزي لكون استخدام اسم حمد يحمي من يكتب تحته من المساءلة والضغوط".
يضيف موسى أن "الاحتجاج عبر وسائل التواصل الاجتماعي يهدف إلى توجيه الأنظار إلى أن استمرار الأوضاع العامة من دون تغيير غير آمن"، متوقعاً "استمرار الجمهور باستخدام هذا الهاشتاغ لنقد السياسات والفئة السياسية الحاكمة والظواهر العامة المستجدة".
وفي السياق ذاته، يعتقد الصحافي جواد كاظم أن "هاشتاغ حمد أعطى للعقل الجمعي الصامت مساحة شاسعة للتعبير، وهو تعبير صوتي قد تتبعه تعبيرات أخرى تأخذ الطابع السلوكي الظاهر علناً. فقد انخرط جمع غفير في الكتابة عن حمد حتى أصبحت تلك الموجة ظاهرة تستهدف جميع القوى السياسية بالتساوي، وأصبحت الإشارة بحمد تشمل جميع الساسة من شمال العراق إلى جنوبه".
ويضيف كاظم أن "حمد هو مؤشر مهم لحركة احتجاج قوية مقبلة تشبه تشرين أو تفوقها".
مؤشر للشعور بالإحباط والخيبة
يلاحظ أستاذ علم النفس السياسي والاجتماعي حيدر الجوراني أن "ما شهدناه من توظيف للشخصية الافتراضية حمد على منصات التواصل الاجتماعي هو سلوك يعكس رأياً عاماً، وهو وفقاً للدراسات والبحوث يعد سلوكاً احتجاجياً نوعياً، بل تذهب بعض البحوث إلى اعتباره أقوى أشكال الاحتجاجات كونه مؤثراً نتيجة الإحباط والشعور بالخيبة والحرمان".
يتابع الجوراني أن "ظاهرة الدعابة السياسية ليست لقياس الرأي العام إزاء موضوع سياسي اجتماعي فحسب، بل يشير الباحثون إلى أنها ذات تأثير في الرأي العام وصناعته، إذ يميل الأفراد إلى الاقتناع بالمحتوى الساخر أكثر من المحتوى الجاد، وتوصف النكتة السياسية بأنها بوابة تأثير حتى على أولئك الذين قد لا يكونون مهتمين بالمحتوى أو الأخبار السياسية. بالتالي، فإنهم ينجذبون إلى النكتة ويتأثرون متفاعلين معها كما لاحظنا في ظاهرة حمد بالمحتوى العراقي".
ويقول الجوراني "هناك عوامل تفاعلية عدة تلعب دوراً في إعادة إنتاج النكتة السياسية، وهو ما أدى إلى إسقاط شخصية حمد على النخبة السياسية المتنوعة وفقاً لنقمة الجمهور وسخطه، فجرى تداول المفهوم الساخر وأعاد معرفياً كتعبير عن الرفض والاحتجاج على السلوك السياسي".