مساع لمحاكمات دوليّة بحق قتلة المتظاهرين العراقيّين
المونيتور
2019-12-16 04:10
بقلم: مصطفى سعدون
تسعى منظّمات محليّة عراقيّة ودوليّة إلى اتّباع آليّات دوليّة لمحاسبة قتلة المتظاهرين العراقيّين، رغم أنّ العراق ليس عضواً في المحكمة الجنائيّة الدوليّة.
في بيان مشترك بعد اجتماع بين رئيس وزراء تصريف الاعمال عادل عبد المهدي وسفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا في السابع من ديسمبر، أدان السفراء الأوروبيون "الجريمة الفظيعة" ضد المتظاهرين العراقيين، وحثوا عبد المهدي على "وجوب توقيف مرتكبيها وتقديمهم للمحاكمة وكذلك العمل بدقة من أجل تجنب حدوث مثل هذه الجرائم مرة أخرى".
ومع استمرار فشل الحكومة في اتخاذ إجراءات ضد الجناة، فإن الدعوات إلى الملاحقة القضائية الدولية ترتفع بشكل كبير.
فقد هدّد رئيس الوزراء العراقيّ الأسبق أياد علاّوي في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، باللجوء إلى القضاء الدوليّ لمحاسبة قتلة المتظاهرين العراقيّين، في حال تغاضت الحكومة العراقيّة عن ذلك وساهمت في إفلات الجناة من العقاب. ويأتي تهديد أياد علاّوي، في وقت تشير الأرقام والإحصائيّات إلى أنّ أعداد القتلى من المحتجّين تجاوزت الـ300 قتيل في أقلّ من شهرين، وأعداد الجرحى والمصابين بالاختناق نتيجة الغاز المسيّل للدموع وصلت إلى نحو 16 ألفاً. ولقد حصل "المونيتور" على معلومات من مصادر حقوقيّة دوليّة في جنيف تشير إلى وجود تحرّك من قبل منظّمات حقوقيّة عراقيّة ودوليّة للضغط باتّجاه تدويل قضيّة المحتجّين لمحاسبة قتلتهم.
ومن ضمن الآليّات التي سيعتمدها الحقوقيّون، إقامة دعوى قضائيّة ضدّ رئيس الحكومة العراقيّة عادل عبد المهدي باعتباره المسؤول الأوّل عن القوّات المسلّحة العراقيّة، وكذلك وزير الدفاع نجاح الشمري، إضافة إلى وزير الداخليّة ياسين الياسري المسؤول الأساسيّ عن الملف الأمنيّ الداخليّ.
وقالت المصادر الحقوقيّة لـ"المونيتور": "إنّ هناك إمكانيّة للبدء بهذه الخطوات خلال الأسابيع المقبلة. وفي حال لم نر أيّ تحرّك جادّ وحقيقيّ من قبل القضاء العراقيّ لمحاسبة قتلة المتظاهرين، فيمكننا رفع دعاوى قضائيّة في المحاكم الأوروبيّة ضدّهم، في حال لم يتعامل القضاء العراقيّ مع القضيّة بمهنيّة".
وتتطابق معلومات "المونيتور" مع ما نشرته وسائل إعلام محليّة عراقيّة، في 3 تشرين الثاني/نوفمبر الحاليّ، عن "وجود مساع من قبل فريق حقوقيّ لرفع دعوى قضائيّة ضدّ رئيس الحكومة ومسؤولين أمنيّين على أساس ارتكابهم جرائم إبادة وقتل بحقّ المتظاهرين السلميّين على جسريّ الجمهوريّة والسنك وفي ساحة التحرير وبقيّة مناطق الاحتجاج بشكل متعمّد ومباشر وباستخدام الرصاص الحيّ أحياناً والقنابل المسيّلة للدموع في أحيان كثيرة".
وقال الخبير القانونيّ في منظّمة "محامون بلا حدود" معاذ المومني لـ"المونيتور": "إنّ اللجوء إلى القضاء الدوليّ لمحاكمة قتلة المتظاهرين في العراق بحاجة إلى قرار أمميّ، على اعتبار العراق ليس عضواً في نظام روما الأساسيّ"، وهذا يؤكّد إمكانيّة الضغط على الأمم المتّحدة لدفع مجلس الأمن باتّجاه الطلب من المحكمة الجنائيّة الدوليّة النظر في القضيّة وبدء الإجراءات للتحقيق فيها.
تطمئن الحكومة العراقيّة حاليّاً إلى عدم وجود إمكانيّة للذهاب إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة في لاهاي، على اعتبار أنّ العراق ليس عضواً في نظام روما الأساسيّ عام 1998 الذي تشكّلت بموجبه المحكمة. كما أنّه ليس من المصوّتين على مشروع القرار الأمميّ حينها لأسباب تتعلّق بالنظام السابق الذي كان يرأسه صدّام حسين وخوفه من المحاكمة الدوليّة، والمخاوف ذاتها موجودة لدى رؤوس النظام السياسيّ الحاليّ.
وقالت الباحثة في ملف العراق بمنظّمة "هيومن رايتس ووتش" بلقيس ويلي لـ"المونيتور": "لسوء الحظ، إنّ العراق ليس عضواً في نظام روما الأساسيّ. ولذا، من المحتمل أنّه لن يكون قادراً على توفير العدالة في الولايات الخاصّة بالمدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة".
أضافت: "يمكن للنشطاء العراقييّن تقديم التماس إلى مجلس حقوق الإنسان التّابع للأمم المتّحدة في العراق لعقد جلسة خاصّة حول الوضع في العراق، وربّما دفع مجلس حقوق الإنسان التّابع للأمم المتّحدة إلى إنشاء نوع من آليّات التحقيق في الانتهاكات بالعراق، وستكون هذه هي أفضل طريقة للعراقيّين لضمان أن يولي المجتمع الدوليّ الانتباه إلى الطريقة التي تتصرّف بها الحكومة".
أصدرت الأمم المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتّحدة الأميركيّة مواقف مناهضة للتصرّفات الحكوميّة المتّبعة تجاه المحتجّين، ودانت هذه الأطراف الثلاثة عمليّات القتل التي ما زالت مستمرّة بها الحكومة العراقيّة، وهذا مؤشّر خطر بالنّسبة إلى حكومة عبد المهدي، التي تتوقّع أن يكون هناك تحالف دوليّ حقوقيّ لمحاسبة قتلة المتظاهرين.
وبدأت نقابة المحامين العراقيّين، منذ 12 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، باستقبال شكاوى الأفراد الذين تعرّضوا لانتهاكات أثناء مشاركتهم في الاحتجاجات للبدء برفع دعاوى قضائيّة ضدّ القوّات الأمنيّة العراقيّة المسؤولة عن ارتكاب الانتهاكات وقتل المئات منهم.
وقالت المصادر الحقوقيّة، التي تسعى إلى محاكمات دوليّة لقتلة المتظاهرين: "أمامنا أبرز الطرق للوصول إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، من خلال أحد اختصاصات المحكمة الذي ينصّ على أنّه إذا كان المتّهم بارتكاب الجرم مواطناً لإحدى الدول الأعضاء أو إذا قبلت دولة المتّهم بمحاكمته. وهنا، يمكن الضغط على فرنسا لمحاكمة عادل عبد المهدي باعتباره مواطناً فرنسيّاً".
وبإمكان الساعين إلى المحاكمات الدوليّة إيجاد لوبيّات ضغط على مجلس الأمن الدوليّ لإحالة قضيّة قتلة المتظاهرين على المحكمة الجنائيّة الدوليّة، لكن هذا يحتاج إلى وقت وجهد كبير، لكنّه ليس مستحيلاً، فتجربة إحالة ملف الأوضاع في دارفور على المحكمة في آذار/مارس من عام 2005 دفعت بالمحكمة إلى التحقيق في القضيّة وإصدار أحكام بحق الرئيس السودانيّ السابق عمر البشير.
هذه هي المرّة الأولى التي يتّجه فيها نشطاء ومدافعون عن حقوق الإنسان في العراق لإيجاد لوبيات وتحالفات دوليّة لمحاسبة قتلة المتظاهرين، فمساعيهم تأتي بعد "الخذلان"، الذي تعرّضوا له بسبب التقرير الحكوميّ الذي لم يحدّد الجناة ولم يحاسبهم.
وفي المحصّلة، إنّ المساعي الرامية إلى محاسبة ولو بعض قتلة المتظاهرين، ستأتي بثمارها حتّى وإن أخذت بعض الوقت، فإضافة إلى التحرّك المؤسساتيّ المنظّم من قبل حقوقيّين ونشطاء في المجتمع المدنيّ، هناك أفراد من الجاليات العراقيّة في أوروبا يعملون على مقاضاة مسؤولين عراقيّين مسؤولين عن أعمال العنف ضدّ المحتجّين.
وأشارت الأستاذة المساعدة في جامعة "روتجرز" بنيوآرك زهراء علي خلال حديث لـ"المونيتور" إلى "أنّ مشاركة المجتمع الدوليّ ومؤسّسات حقوق الإنسان الدوليّة تبدو الحلّ الوحيد للعراقيّين لإجراء تحقيق عادل ومحاكمة مرتكبي هذه الجرائم".