الإمارات في اليمن: تقلّص قوّاتها وتعزّز نفوذ حلفائها
المونيتور
2019-08-15 07:06
بقلم: عمار الاشول
تسعى الإمارات من خلال تقليص قوّاتها في اليمن إلى التملّص من التبعات الماديّة والمسؤوليّات الإنسانيّة والأخلاقيّة أمام المجتمع الدوليّ، معتمدة في تنفيذ أجندتها في اليمن على وكلائها المحليّين.
بعد إعلان أبوظبي في 28 يونيو/حزيران، خفض قوّاتها العسكريّة في اليمن ضمن خطّة إعادة انتشار لأسباب قالت إنّها استراتيجيّة وتكتيكيّة، نفّذت ذلك على الأرض، فبعد انسحابها الكامل من مأرب شمال شرقيّ اليمن في 4 تمّوز/يوليو الماضي، سلّمت جزيرة زُقر في الساحل الغربيّ إلى قوّات محليّة موالية لها، وفي ميناء عدن قامت بتقليص قوّاتها. ولقد قامت الإمارات العربيّة المتّحدة، بالتزامن مع خفض قوّاتها، بتوحيد القوّات المحليّة الموالية لها التي يصل عددها إلى 90 ألف جنديّ تحت قيادات موحّدة، سواء في جبهة الساحل الغربيّ التي أوعزت قيادتها إلى قائد حرّاس الجمهوريّة العميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، أو في جنوب اليمن حيث تدعم المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ لقيادة كلّ الأحزمة الأمنيّة والنخب العسكريّة، وكلاهما (المجلس الانتقاليّ وحرّاس الجمهوريّة) مدعومان من الإمارات، ولا يعترفان بشرعيّة حكومة الرئيس عبدربّه منصور هادي.
تدخلت الإمارات في اليمن ضمن التحالف العربي بهدف استعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب الحوثي، لكنها على الأرض تعمل على تنفيذ أهداف غير معلنة، أبرزها تقويض الحكومة الشرعية، من خلال تأسيس ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي والتشكيلات العسكرية التي ترعى مصالحها في المناطق الحيوية في اليمن، لتقديم نفسها للعالم لاعباً اقليمياً مهماً، فضلاً عن المصالح الاقتصادية التي يأتي أهمها تعطيل الموانئ اليمنية مقابل انتعاش موانئها.
ويأتي سعي أبوظبي إلى توحيد كلّ الفصائل والألوية الموالية لها، كي تضمن استمرار نفوذها في اليمن بعد تقليص قوّاتها، فضلاً عن سحب البساط من الحكومة الشرعيّة في المناطق المحرّرة لصالح وكلائها المحليّين، الذين بدورهم سيعملون على تنفيذ أجندتها وتحقيق مصالحها، من دون أن تتحمّل هي أيّ نوع من المسؤوليّة.
وفي المقابل، هناك قوى محليّة كثيرة ستتأثّر إيجاباً بالقرار الإماراتيّ، وبلا شكّ، فإنّ الحوثيّين هم أكبر الرابحين، لكنّهم ليسوا الوحيدين، فإلى جانبهم، سيتنفّس حزب الإصلاح (إخوان اليمن) الصعداء، كونه ملاحقاً من قبل الإمارات، ومصنّفاً لديها ضمن الجماعات الإرهابيّة، فضلاً عن أنّ حاجة السعوديّة إلى حزب الإصلاح ستتعاظم، كونه الورقة الوحيدة المتبقية بيدها لمواجهة الحوثيين في الشمال، والانفصاليين المدعومين من الإمارات في الجنوب.
هذا على المستوى المحليّ، أمّا على المستوى الإقليميّ، فإنّ الإمارات تسعى من خلال خفض قوّاتها إلى التملّص من الكثير من التبعات الماديّة والمسؤوليّات الإنسانيّة والأخلاقيّة، الأمر الذي سينعكس على تحسين سمعتها إقليميّاً ودوليّاً، فيما ستتحمّل السعوديّة وحدها تبعات هذه الحرب أمام المنظّمات الإنسانيّة والمجتمع الدوليّ.
أمّا سلطنة عمان، فإنّ الانسحاب الإماراتيّ سيمثّل بالنسبة إليها خروج أحد خصومها من اللعبة، إذ لم يبق أمامها سوى مواجهة السعوديّة في محافظة المهرة - شرقيّ اليمن، ففي حين تتواجد الرياض بقوّات عسكريّة في المهرة التي تعتبرها مسقط نافذتها الوحيدة إلى اليمن، تعتمد عمان اعتماداً كاملاً على الأذرع المحليّة اليمنيّة لرفض التواجد السعوديّ.
هذه التطوّرات من الجانب الإماراتيّ تأتي، بالتزامن مع توقيع اتفاقيّة أمنيّة في 1 آب/أغسطس بين أبوظبي وطهران، فضلاً عن تقارب حوثيّ - إماراتيّ وصل إلى حدّ اللقاءات المباشرة، بحسب ما كشفه نائب الأمين العام لـ"حزب الله" اللبنانيّ الشيخ نعيم قاسم، في 22 تموز/يوليو لقناة الميادين، وهي المرّة الأولى منذ اندلاع الحرب في 26 آذار/مارس من عام 2015 التي يُعلن فيها عن لقاء يجمع بين الطرفين.
وفي هذا السياق، يشار إلى أنّ أبوظبي سبق أن أبرمت اتفاقاً مع الحوثيّين قضى بعدم استهدافها بالطيران المسيّر والصواريخ الباليستيّة الحوثيّة، مقابل عدم تصعيدها في الساحل الغربيّ، بحسب ما كشف لـ"المونيتور" في تمّوز/يوليو الماضي، رئيس صحيفة الجيش التابعة للحوثيّين العقيد عبد الغني الزبيدي، وهذا الانسحاب الأخير من المناطق الشماليّة لا يعدو كونه خلاصة للاتفاق السابق.
ونتذكّر هنا، أنّه مع انسحاب الإماراتيّين من مأرب في 4 تمّوز/يوليو، استهدف الحوثيّون منزل محافظ المحافظة اللواء سلطان العرادة بصاروخ باليستيّ. وعند تقليص قوّاتهم من عدن، استهدف الحوثيّون في 1 آب/أغسطس عرضاً عسكريّاً في معسكر الجلاء بعدن بصاروخ باليستيّ وطائرة مسيّرة، الأمر الذي أسفر عن مقتل قائد اللواء الأوّل في قوّات الحزام الأمنيّ منير اليافعي المعروف بأبو اليمامة و36 عسكريّاً آخرين. وكذلك، انفجرت سيّارة مفخّخة قبل ساعة من حادث الجلاء، استهدفت مبنى شرطة مدينة الشيخ عثمان بعدن موقعة 3 قتلى و30 جريحاً.
من الواضح أنّ أهداف الإمارات في اليمن تختلف عن السعوديّة، فبينما تسعى الأخيرة إلى إسقاط الحوثيّين أو على الأقلّ الحدّ من نفوذهم في حدودها الجنوبيّة، تركّز أبوظبي اهتمامها على جنوب اليمن والشريط الساحليّ، خصوصاً مضيق باب المندب. ولذلك، من المرجّح أن تعمل وفق برغماتيّة تضمن لها البقاء في هذه المناطق الحيويّة، مع الانسحاب الكامل من المناطق الشماليّة التي يعتبرها الحوثيّ ضمن مناطق نفوذه، والتي تتميّز أيضاً بتضاريس جغرافيّة صعبة وتركيبة قبليّة معقّدة.
وقال المدير التنفيذيّ لـ"مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجيّة" ماجد المذحجي في حديث لـ"المونيتور": "إنّ الإمارات ليست فاعلا عابرا في اليمن، وانسحابها لن ينهي دورها".
أضاف: "على مدى الخمس سنوات، رسّخت الإمارات نفسها كلاعب إقليميّ أساسيّ في اليمن، ولم يقتصر تواجدها فقط على التواجد العسكريّ المباشر، الأمر الذي جعلها تستثمر مباشرة في العديد من القوى، من بينها المجلس الانتقاليّ الجنوبيّ، وفي الساحل الغربيّ عبر قوّات حرّاس الجمهوريّة والمقاومة التهاميّة وقوّات العمالقة".
وخلص ماجد المذحجي إلى أنّ "هذا الاستثمار مع قوى تقف في خصومة مع الحوثيّين سيكفل لأبوظبي أن تظلّ في قلب كلّ التغيّرات في اليمن".
من جهتهم، أعلن المسؤولون الإماراتيّون أنّ بلادهم لن تنسحب من اليمن، إنّما هي في صدد خفض أعداد جنودها وإعادة تموضع قوّاتها، لافتين إلى أنّ مكافحة الإرهاب أولويّة بالنسبة إليهم. ليأتي الردّ من زعيم جماعة الحوثيّين عبد الملك بدر الدين الحوثيّ، على الانسحاب الذي توجّه بكلمة متلفزة بـ"نصح دولة الإمارات"، مطالباً إيّاها بأن "تصدق وتكون جادّة في إعلان الانسحاب من اليمن لمصلحتها على المستوى الاقتصاديّ وكلّ المستويات".
وحذّر عبد الملك الحوثيّ أنّه "إذا ما استمرّت الإمارات في العدوان وفي احتلال اليمن، فإنّ ذلك يشكّل خطورة عليها، وهي تتحمّل مسؤوليّة ذلك".
لا شكّ في أنّ الحوثيّين، في هذه المرحلة على الأقلّ، غير مكترثين بالسيطرة على جنوب اليمن، فهم يسعون بكلّ جهد إلى تثبيت سلطتهم في الشمال، ثمّ سيكون لهم موعد آخر مع الجنوب، بعكس الإمارات التي وجدت مصالحها المرحليّة في الجنوب. ولذلك، تقوم بدعم الانفصاليّين الجنوبيّين على كلّ المستويات السياسيّة والعسكريّة والإعلاميّة، متخلّية عن هدف تدخّلها في اليمن ضمن التّحالف العربيّ، المتمثّل باستعادة الحكومة الشرعيّة.