المظاهرات تتّسع في جنوب العراق
وسط محاولات حكوميّة لتهدئة الشارع...
المونيتور
2018-07-18 03:57
بقلم علی معموري
تتصاعد موجة الاحتجاجات في محافظة بصرة الجنوبية في العراق، وسط محاولات حكومية لتهدئة الشارع بتقديم وعود لتحسين وضع المحافظة.
تستمرّ الاحتجاجات في مناطق مختلفة من محافظة البصرة بجنوب العراق لليوم السادس، من دون أن تنجح الحكومة المحليّة والمركزيّة في تقديم حلول واقعيّة لتهدئة الشارع.
ووصل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الجمعة إلى محافظة البصرة جنوبي البلاد، عائدا من سفرة الى بروكسل، حيث كان يشارك في اجتماع قادة دول التحالف ضد داعش، سعيا إلى تهدئة الاحتجاجات القائمة منذ بداية الأسبوع. وكان ذلك أحد مطالب المتظاهرين أن يروا العبادي في محافظتهم كي يناقشوا معه مطالبهم وجها لوجه.
ولقد نشر مزاحم التميمي، وهو شيخ عشيرة بني تميم أكبر العشائر القاطنة في البصرة، والتي تشارك أبناءها في الاحتجاجات القائمة، منشوراً في صفحته على "فيسبوك"، مطالباً حيدر العبادي بـ"أن يعود فوراً (من بروكسل) ويخاطب أهل البصرة بشكل مباشر... ويقوم بدعوة شركات عملاقة للقيام بمشاريع كبرى وإنشاء محطّة كبرى للكهرباء وتحلية المياه، وهي في الوقت ذاته فرصة للقضاء على جزء من البطالة والإسراع في إحالة مصفى البصرة الاستثماريّ في الفاو... وهذا من شأنه حلّ أزمة البطالة في البصرة بشكل كامل، وكذلك أزمة المشتقّات النفطيّة التي نحن بحاجة إليها... وبوضع سقف زمنيّ قريب يمكن أن يعدّل الوضع ليس في البصرة فحسب، وإنّما في العراق كلّه".
وأشار مزاحم التميمي إلى أنّ المحتجّين عندما يرون الجدّ من قبل الحكومة، فسيركنون إلى الهدوء والسكينة. ولحد الآن لم يظهر هناك أي علامة لهدوء الشارع، بل أن الاحتجاجات تنتشر في المحافظات الجنوبية بسرعة. فقد اقتحم عدد من المتظاهرين مطار النجف يوم الجمعة، وآخرون حاصروا منزل المحافظ في مدينة الناصرية جنوب البلاد.
في بيان أصدره في 12 تمّوز/يوليو، دعا رئيس الجمهوريّة فؤاد معصوم الحكومة المحليّة في المحافظة والحكومة الاتحاديّة إلى العمل الجادّ والفوريّ للاستجابة إلى مطالب المتظاهرين المشروعة، مطالباً المتظاهرين بتغليب الهدوء والالتزام بالقانون وضبط النفس وعدم إلحاق الضرر بالممتلكات الحكوميّة ومقرّات الشركات النفطيّة.
وطالب المتظاهرون الحكومة بتحسين الخدمات والاهتمام بموضوع تفاقم أزمة ملوحة المياه وشحّها وكثرة انقطاع التيّار الكهربائيّ، فضلاً عن معالجة ظاهرة البطالة وأزمة السكن.
وتصاعدت موجة التظاهرات خلال الأيّام الماضية، وقام المئات من أهالي قضاء شطّ العرب في محافظة البصرة بقطع الطرق المؤدية إلى منفذ الشلامجة الحدوديّ مع إيران في 12 تمّوز/يوليو. وكذلك، اقتحم عشرات المتظاهرين شركة نفط الجنوب في البصرة أمس في 12 تمّوز/يوليو، قبل أن تتمّ السيطرة عليها من قبل القوّات الأمنيّة في الليلة نفسها. ويقوم المتظاهرون حاليّاً بغلق الطرق المؤدّية إلى مصافي النفط، بعدما نصبوا خيامهم في الشوارع الرئيسيّة قرب الحقول النفطيّة.
ووصلت قوة خاصة من جهاز مكافحة الارهاب الى البصرة يوم 13 جولاي لحماية المنشآت النفطية والشركات العاملة هناك.
ولقد تمّت سرقة معدّات عدّة من الحقول النفطيّة خلال الاحتجاجات القائمة، ولكن تمكّن المحتجّون من إلقاء القبض على 8 من المعتدين وتسليمهم إلى القوّات الأمنيّة الأربعاء، في مبادرة لتبادل الثقة بين المحتجّين والقوّات الأمنيّة. وتشهد مناطق عدّة من محافظة البصرة مظاهر عنيفة للاحتجاج، منها إغلاق الطرق وحرق الإطارات. وتصاعدت وتيرة الاحتجاجات، بعد مقتل متظاهر وإصابة آخرين الأحد الماضي قرب حقل غرب القرنة النفطيّ. وإثر الاحتجاجات المستمرّة، قامت الشركات الأجنبيّة العاملة في مجال النفط بترحيل موظّفيها الأجانب من محافظة البصرة، تجنّباً لحدوث أيّ اعتداءات ضدّهم. ونقلت وسائل إعلام محليّة أنّ طائرات مروحيّة قامت بنقل الموظّفين من مقرّ شركة "لوك أويل" في حقل القرنة الثاني الخميس في 12 تمّوز/يوليو، بينما كثّفت القوّات الأمنيّة تواجدها في المنطقة، وذلك بعد أن تعرّضت إحدى نقاط التفتيش التابعة لها لحرق من قبل المتظاهرين.
وبعد تصاعد موجة الاحتجاجات، كلّف رئيس الوزراء حيدر العبادي في 11 تمّوز/يوليو لجنة تضمّ 5 وزراء زيارة مدينة البصرة والاستماع إلى مطالب المتظاهرين وحلّ مشاكلهم، بينما هو يقضي زيارة رسميّة لبروكسل لحضور اجتماع الدول المشاركة في التحالف ضدّ "داعش" في 12 تمّوز/يوليو.
ووصلت اللجنة الوزاريّة إلى محافظة البصرة في 11 يوليو/ تمّوز للبحث في الحلول العمليّة والسريعة لتلبية حاجات المحافظة. وعقدت اللجنة أيضاً اجتماعات عدّة مع الحكومة المحليّة ووجهاء المحافظة وشيوخها للنظر إلى حاجاتهم ومطالبهم. وأعلنت اللجنة الوزاريّة تخصيص 10 آلاف فرصة عمل وتنفيذ خطط قصيرة ومتوسّطة وبعيدة الأمد لمشاريع خدميّة.
ويترأس اللجنة الوزاريّة وزير النفط جبّار علي اللعيبي، الذي أكّد في بيان بـ12 تمّوز/يوليو "حرص الحكومة العراقيّة على الارتقاء بمستوى الخدمات المقدّمة إلى المواطنين في محافظة البصرة والنهوض بالواقع الاقتصاديّ والزراعيّ والصناعيّ، وجاء ذلك بعد الانتهاء من سلسلة الاجتماعات التي عقدتها اللجنة الوزاريّة مع رئيس مجلس محافظة البصرة وأعضائه".
أضاف جبّار علي اللعيبي: "تمت مناقشة كلّ مشاكل المحافظة وحاجاتها الرئيسيّة، إضافة إلى ورقة العمل المقدّمة من المجلس إلى اللجنة الوزاريّة، والتي تتعلّق بمحاور الخدمات"، على أن تتمّ ضمن "3 خطط: خطّة عاجلة الأمد تنفّذ خلال أسبوعين إلى شهر واحد تتعلّق بمحاور الخدمات (المياه والكهرباء والصحّة والخدمات العامّة والأمن)، خطّة متوسّطة الأمد تتراوح فترة تنفيذها بين 3 و6 أشهر، وخطّة بعيدة الأمد لا تتجاوز السنتين".
وقرّرت اللجنة منح "دائرة ماء البصرة ملياريّ دولار لتحسين قطاع المياه الصالحة للشرب وتطويره وتزويد المواطنين وتجهيزهم بالمياه الصالحة بكميّات إضافيّة" وأن تتمّ "زيادة ساعات تجهيز الكهرباء (في المحافظة) بعد استئناف العمل بالخطّ الإيرانيّ خلال أيّام".
كما أنّ اللجنة وعدت بتخصيص "10 آلاف فرصة عمل لأبناء المحافظة (البصرة) سيتمّ تقسيمها بحسب الكثافة السكانيّة للأقضية والنواحي المشمولة بالتعيينات".
وأخيراً، لا يبدو أنّ هناك حلولاً واقعيّة للأزمة الحاليّة، في ظلّ الظروف السياسيّة والاقتصاديّة الحاليّة، إذ أنّ الحكومة الجديدة لم تشكّل بعد، ولن تتمكّن من القيام بمشاريع اقتصاديّة كبيرة بسبب بنيتها الضعيفة المبنيّة على المحاصصة الطائفيّة. وينذر هذا بتكرار مظاهر الاحتجاج وارتفاع موجة الغضب فيها، الأمر الذي قد يؤدّي بالبلد إلى نتائج لا تحمد عقباها.