هل سينهار اقتصاد إيران؟
المونيتور
2018-06-30 07:13
بقلم بیژن خواجه پور
تعزيز الشفافيّة والتركيز على الحلول التكنوقراطيّة هي العلاج الأفضل أمام إيران لحلّ أزمتها الاقتصاديّة.
إنّ الاضطرابات التي عصفت بأسواق النقد الأجنبي وأسواق الذهب في إيران في الأشهر القليلة الماضية وكذلك فشل الحكومة في إدارة الأسعار الخارجة عن السيطرة أجبرت بعض الاقتصاديين على البدء باستخدام مصطلح "اقتصاد الفقاعة".
وقد شرح مقال نشره المونيتور في 14 حزيران/يونيو الترابط بين الأسواق المختلفة في اقتصاد البلاد. لكننا سنركّز في هذا المقال على الأسباب الجذريّة وتعقيدات سلوكيّات اللاعبين الاقتصاديّين. وبغضّ النظر عما إذا كانت تلك الأفعال مدفوعة بعوامل اقتصاديّة، أو نفسيّة أو سياسيّة، هي مضرّة بالاقتصاد ككلّ وتفاقم تحدّيات الحكومة في إدارة الاقتصاد. في الوقت عينه، من الواضح أنّ الاستمرار بالظروف الحاليّة سيزيد من احتمال حدوث أزمة اقتصاديّة تترتّب عنها تداعيات اجتماعيّة وسياسيّة غير مسبوقة. تُعتبَر الموجة الحاليّة من الإضرابات والتظاهرات التي يقوم بها التجار وغيرهم من الجهات الفاعلة الاقتصادية مثالاً على الطريقة التي ستتضخّم بها المشكلة في حال لم تطوّر السلطات استجابات مناسبة.
لا يخفى أنّ اقتصاد البلاد قوّضته باستمرار في العقود القليلة الماضية عوامل داخليّة كسوء الإدارة والفساد والشكوك الخارجيّة المتمثّلة بالعقوبات، وخطر الحرب وانعدام الأمن الإقليمي. لكنّ حدّة الأحداث الأخيرة تفوق انهيار الريال الإيراني في العام 2012، عندما برزت مجموعة مماثلة من التحديّات الداخليّة والخارجيّة في عهد إدارة محمود أحمدي نجاد، بما فيها خطر الحرب في أعقاب فشل المفاوضات النوويّة آنذاك. وفي محاولة لشرح ارتفاع الأسعار، أشار المسؤولون الإيرانيّون أيضًا إلى "الفقاعات" إلى حدّ كبير وذكروا أنّ تطوّر الأسعار لا يمكن تفسيره عن طريق الأسس الاقتصاديّة.
تنشأ عادة الفقاعة الاقتصاديّة لدى الشعور بتفاؤل بشأن القيمة المستقبليّة لسلعة محدّدة كالعقارات، أو الذهب، أو النفط إلخ. لكن في حالة إيران، يشكّل اجتماع عوامل مختلفة القوّة الدافعة لعدد من الفقاعات في الاقتصاد، ويشمل ذلك التضخّم المستبق، وممارسات التمويل غير المستدامة وسياسات الحكومة غير المدروسة. أفضل وصف للوضع الحالي هو أنّ الاقتصاد يمرّ في حالة من عدم اليقين، وقد يؤكّد البعض أنّ البلاد بكاملها تعيش حالة من عدم اليقين أكبر من تلك التي عاشتها في العام 2012. وهذا مضرّ للغاية ومربك للمجتمع على نطاق واسع، ولا سيّما اللاعبين الاقتصاديّين.
توضح الإجراءات الأخيرة التي اتّخذها البنك المركزي الإيراني سبب انعدام ثقة الأطراف المعنيّة الرئيسيّة بالبنك المركزي الإيراني وبالسلطات المعنيّة الأخرى. فردًّا على انخفاض قيمة الريال في السوق المفتوحة في شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل، أعلن البنك المركزي الإيراني عن توحيد أسعار الصرف وفرض قيود على مكاتب صرف العملات الأجنبيّة، لكنّه فشل بعد ذلك في تأمين العملة الصعبة اللازمة لتلبية احتياجات السوق. في غضون ذلك، ينشأ نظام ثلاثي لسعر الصرف، وهي نتيجة مخزية نظرًا إلى أنّ العمليّة بدأت كمسار لتوحيد النظام المزدوج السابق.
وفي حين تركّز دومًا التحاليل الاقتصاديّة على الأسواق المرئيّة، كالعملة الصّعبة، أو الذهب أو سوق الأوراق الماليّة، يكمن موطن ضعف الاقتصاد الإيراني في عدم وجود سوق مناسب لرأس المال، ما يجبر اللاعبين الاقتصاديّين على استخدام أساليب التمويل التي تضرّ بالاقتصاد ككلّ. على سبيل المثال، يقوم المطوّرون العقاريّون ببيع وحداتهم السكنيّة مسبقًا، ويسبّبون تضخّمًا متوقّعًا في سعر البيع المسبق. ويحدث النهج عينه في سوق السيارات مع قيام الشركات باستيعاب السيولة من مصادر غير مصرفيّة. بالإضافة إلى ذلك، تتمثّل إحدى الطّرق المعتمدة لتمويل التجارة الداخلية بالدفعات المتأخّرة عن طريق الشيكات المصرفيّة - التي تستحقّ في بعض الأحيان بعد 10 إلى 12 شهرًا - مع تضخّم كامن هنا أيضًا. ثم يتم التحوّط ضدّ فجوات التمويل هذه من خلال المضاربة في أسواق العملة الصعبة والذهب. في غضون ذلك، يجري استثمار السيولة المصرفيّة في أسواق أخرى، ما يدفع بالأسعار صعودًا. بعبارات أخرى، نجد بين اللاعبين الاقتصاديّين سلسلة من الترابط غير المنظّم التي قد تنهار إذا ما تعرّض الاقتصاد لمستويات عالية من التقلّب.
يعتقد الخبير الاقتصادي ألبرت باغزيان أنّ البنك المركزي الإيراني يتحمّل المسؤوليّة الكبرى عن الاختلالات الحاليّة في الأسواق، ويقول إنّه طالما يشعر المجتمع الإيراني بأنّه واقع في أزمة، سنرى اندفاعًا نحو الأسواق الموازية.
في الوقت عينه، تعجز الحكومة أيضًا عن إدارة الشكوك والتقلّبات. وبدلاً من تحمّل المسؤوليّة والاضطلاع بدور تنظيمي لتهدئة الجهات الفاعلة الرئيسيّة، تلقي الحكومة باللوم على السلطات الأخرى والشبكات الفاسدة، في الوقت الذي تُتّهَم فيه بحماية المحسوبين عليها. وكذلك المؤسّسات الأخرى، كالجهاز القضائي وجهاز الاستخبارات، لا توظّف أيّ مبادرات لتهدئة الوضع بل تشارك في لعبة إلقاء اللوم الفئويّة والمؤسّسيّة. وإذا اطّلعنا على قضيّة تهريب 5,000 سيارة باهظة الثمن مؤخّرًا إلى البلاد، يمكن أن نرى كيف يتصرّف اللاعبون المختلفون وكيف أدّت الممارسات الفاسدة إلى اختلال هياكل الحوكمة وفشلها. في هذه الحالة، اعترف المدّعي العام بوجود شبكات فاسدة وأعلن أنّ الأشخاص المسؤولين ستجري محاكمتهم. لكن المجموعة الكبيرة من الوعود المماثلة التي قُطِعَت في السابق وعدم تحرّك السّلطات قضى حتّى على أدنى مستويات الثقة بهياكل الدولة.
ومع أنّ المرء قادر على تحديد أسباب كثيرة للعلل الاقتصاديّة الحاليّة في البلاد، يجوز القول إنّ انعدام الاستقرار السياسي وما يترتّب عليه من قصر المدى في صنع القرار الاقتصادي هي من المشاكل الرّئيسيّة. وإنّ الدّفع لتحقيق مكاسب سريعة فضلاً عن الدورات الاقتصادية القصيرة المدى تخلق فقاعات في الأسواق المختلفة ولا تسمح باستقرار اقتصادي على المدى المتوسّط إلى البعيد. وهذه حلقة مفرغة لم تنجح أيّ من الحكومات في معالجتها بفاعليّة. ويلقي بعض الخبراء اللوم على الحكومة، لكنّ الجذور أعمق وربما تكون متأصّلة في عقليّة الفوز السائدة في الثقافة الإيرانية التي تؤدّي إلى توتّرات في المجالين السياسي والاقتصادي.
من الواضح أنّ العلاج الأفضل لمثل هذه الأزمات الاقتصاديّة يكمن في تعزيز الشفافيّة والتركيز على الحلول التكنوقراطيّة. وهذا يعني أنّ الحكومة والبنك المركزي الإيراني عليهما البدء بفضح العناصر والشبكات التي تستفيد من تطوّرات السعر المصطنعة والممارسات الفاسدة. على سبيل المثال، أعلنت وزارة الاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات يوم 24 حزيران/يونيو عن أسماء الهيئات التي استوردت هواتف محمولة بسعر الصرف الرسمي، على افتراض أنّ معظمها باع السلع بسعر السوق الحرّ غير الرسمي. وهذا هو نوع الربح المفاجئ الذي موّل عددًا من الشبكات الفاسدة في إيران.
فضلاً عن ذلك، يتعيّن على النظام ككلّ أن يوقف سلبيّته ويلاحق المصالح الفاسدة. وقد أصاب المراجع المالي البارز عباس هوشي عندما قال مؤخّرًا إنّ السبيل الوحيد لإصلاح الأزمة الاقتصاديّة هو محاربة الاقتصاد السّرّي الخارج عن سيطرة الحكومة، وإعطاء البنك المركزي الإيراني استقلاليّة حقيقيّة.
تزداد أيضًا الضغوط على الرئيس حسن روحاني لإعادة تشكيل فريقه الاقتصادي، إلا أنّ التجارب السابقة أظهرت أنّ مثل هذه التعديلات لن تعالج المشكلة الأساسيّة. وإذا أردنا الحؤول دون الانهيار الاقتصادي، لا بدّ أن تتوقّف الحكومة عن تأدية دور الضحية وتبدأ في تنظيم الأسواق المختلفة بالاستناد إلى مذهب اقتصادي واضح على أساس الأحكام الواردة في وثائق استراتيجيّة الدولة المختلفة، بما في ذلك رؤية 2025 وخطة التطوير الخمسيّة السادسة.