مكانة بوتين كالوسيط الأفضل بين إسرائيل وإيران
المونيتور
2018-05-17 05:37
ربّما أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إشعارًا مسبقًا للرئيس الروسي بشأن الهجوم في سوريا؛ الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان يصف الولايات المتّحدة بالخاسرة في قرار الانسحاب من الاتّفاق النووي الإيراني.
الدبلوماسية الروسيّة تنتقل إلى أعلى مستوياتها
بعد قرار إدارة ترامب الانسحاب من خطّة العمل الشاملة المشتركة، قد يشكّل الرّئيس الروسي فلاديمير بوتين الرهان الأفضل، أو الشخص الأخير المتبقّي الذي يقدّم مخرجًا دبلوماسيًا لإسرائيل وإيران من أجل تفادي الحرب.
قبل أسبوعين، لحظ هذا العمود أنّ روسيا قد تكون في موقع يخوّلها تـأدية دور الوسيط بين إيران وإسرائيل، وهو توجّه تابعه المونيتور منذ أكثر من أربع سنوات. يضع هذا الدور بوتين على حبل مشدود، فهو يحاول موازنة دعم روسيا الكامل للحكومة السوريّة، مع مواجهة حدود علاقات موسكو المضطربة لكن المهمّة مع كلّ من إيران وإسرائيل، والتعامل مع التدهور المتواصل في العلاقات الأميركيّة الرّوسيّة. ويزداد تعقيد الصورة الإقليميّة نتيجة القرار الأميركي بنقل سفارة الولايات المتّحدة إلى القدس، والتظاهرات الفلسطينيّة في قطاع غزة، وغياب مسار دبلوماسي إسرائيلي –فلسطيني وفوز حزب الله في الانتخابات اللبنانيّة.
تعكس أحداث الأسبوع الفائت هذا التوجّه الجديد والإلحاح في نهج بوتين إزاء المنطقة. في 8 أيار/مايو، انتقد وزير الخارجيّة الرّوسي بشدّة قرار ترامب بشأن خطّة العمل الشاملة المشتركة باعتبارها "تأكيدًا جديدًا على تعنّت واشنطن. وتظهِر الأحداث أيضًا أنّ اعتراضات الولايات المتّحدة على نشاط إيران النووي الشرعي تمامًا ليست إلا غطاء لتسوية الحسابات السياسية مع إيران"، مضيفًا أنّ "روسيا منفتحة على مزيد من التعاون مع الأطراف الأخرى في خطّة العمل الشاملة المشتركة وستواصل تطوير التعاون الثنائي والحوار السياسي بشكل فاعل مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة". وفي اليوم التالي، انتقدت موسكو العقوبات الأميركيّة الجديدة على روسيا "بحجّة انتهاكها قانون إيران وكوريا الشمالية وسوريا لمنع انتشار الأسلحة النووية، والذي لا صلة له بروسيا. والواقع أنّ هذا القرار الأميركي قد عجّلت به رغبة تافهة في الانتقام من روسيا على خلفيّة الهجوم الصاروخي الفاشل على سوريا الذي شنّته الولايات المتّحدة وبريطانيا وفرنسا في 14 نيسان/أبريل منتهكة القانون الدولي".
وربّما أكثر ما يشير إلى تحوّل بوتين الدبلوماسي كانت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو في 9 أيار/مايو. جلس نتنياهو على منصّة الشرف بمناسبة عيد النصر الذي يحيي ذكرى انتصار الاتّحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالميّة الثانية. وقد أدلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بشهادة مؤثّرة عن تضحيات الجنود الروس في تحرير معسكر أوشفيتز للاعتقال والإبادة.
أكّد نتنياهو أنّه نجح في إقناع بوتين بتأجيل عمليّة بيع أسلحة متقدّمة لسوريا، منها صواريخ أس-300. والجدير بالذكر أنّه في اليوم التالي، في 10 أيار/مايو، هاجمت الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة أهدافًا عسكريّة إيرانيّة داخل سوريا، ما يوحي بأنّ نتنياهو ربّما يكون قد أشعر بوتين مسبقًا بالهجوم. أتت ردّة الفعل الروسيّة صامتة على الحادثة مع تسليط الضوء على الوساطة الروسيّة. وقال وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف، "في خلال اتّصالاتنا بالقادة الإيرانيّين والإسرائيليّين، بما في ذلك اجتماع 9 أيار/مايو بين الرّئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أشرنا مرارًا وتكرارًا إلى ضرورة أن يتفادى الطرفان أيّ تحرّكات من شأنها استفزاز الآخر. ويؤكّد لنا كلّ من إيران وإسرائيل غياب أيّ نوايا مماثلة لدى أيّ منهما، لكن كما تعلمون، تقع الحوادث رغم كلّ شيء. لكن أكثر ما يثير القلق هو أنّها تقع على الرغم من أنّنا جميعًا أكّدنا التزامنا باحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها".
في 10 أيار/مايو أيضًا، التقى نائب وزير الخارجيّة الروسي سيرغي ريابكوف مساعد وزير الخارجيّة الإيراني للشؤون السياسية، عباس عراقجي، في طهران. وأجرى بوتين بنفسه اتّصالاته، متحدّثًا مع الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان والمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل.
يوضح مكسيم سوخوف أنّ "نتنياهو يدرك عجزه عن إقناع روسيا بالعدول عن معارضتها لخروج الولايات المتّحدة من خطّة العمل الشاملة المشتركة. لذلك، سعى نتنياهو أثناء وجوده مع ترامب إلى تسليح الرّئيس الأميركي بالحجج التي تبرّر خروجه من خطّة العمل الشاملة المشتركة، لكن مع بوتين، هو يسعى إلى فضح خبث النظام الإيراني وبالتالي إضفاء الشرعيّة على الجهود الإسرائيليّة المضادّة لهذا النظام. يصعب تحقيق هذا الهدف الأخير مع الكرملين، لكنّ نتنياهو يأمل بأنّ استماع روسيا إلى جوهر المخاوف الإسرائيليّة ربّما يجعل بوتين، أوّلاً، أكثر إقناعًا مع إيران بشأن تحرّكاتها في سوريا، وثانيًا، أكثر تسامحًا تجاه أفعال إسرائيل في سوريا، وربّما ضدّ حزب الله في لبنان".
ويشير سوخوف إلى وجود "خطّ ساخن" لفكّ الاشتباك بين قاعدة حميميم الجويّة الروسيّة ومركز قيادة كيريا الإسرائيلي في تل أبيب، ويختتم بقوله إنّ "كلّ الأطراف ما زالت تسعى إلى جذب موسكو نحو معسكرها الخاصّ، لكنّها تدرك شيئًا فشيئًا أنّ موقع روسيا كجهة فضلى ووحيدة في مسائل الحياة والموت الثنائيّة ربّما يعود بالنفع عليهم جميعهم. لذلك، وفي حين قد يتعاطف بوتين بصدق مع مخاوف نتنياهو ويقدّر مبادراته الرمزيّة، سيبقى مهتمًا بالاستماع إلى المعسكر المعارض وبقياس الحالة المزاجيّة الراهنة في دمشق وطهران. وفي هذا الصدد، لا ينبغي أن يتفاجأ المرء برؤية زائر رفيع المستوى أو أكثر من سوريا أو إيران في روسيا قريبًا".
القرار الأميركي بشأن خطّة العمل الشاملة المشتركة خاطئ
قال أردوغان إنّ الولايات المتّحدة ستكون هي الخاسرة نتيجة قرار إدارة ترامب بالانسحاب من خطّة العمل الشاملة المشتركة مؤكّدًا لنظيره الإيراني حسن روحاني أنّ القرار الأميركي "خاطئ". وقال المتحدّث باسم الرّئاسة التركيّة ابراهيم كالين، "نتمنّى ألا يتأثّر الشعب الإيراني بشكل سلبي بهذه العقوبات ونحن لن نتردّد في القيام بدورنا في حال كنا قادرين على القيام بأيّ شيء في هذا الصّدد".
كتبت أمبرين زمان أنّ "توقيت الانسحاب الأميركي [من خطّة العمل الشاملة المشتركة] عزّز أكثر على الأرجح نظريّة المؤامرة في تركيا".
وتشرح زمان أنّ "إيران واحدة من أكبر مورّدي النفط والغاز الطبيعي إلى تركيا وهي تشكّل جسرًا برّيًا حيويًا لسائقي الشاحنات التركية الذين ينقلون السلع إلى آسيا الوسطى؛ فهؤلاء يعجزون عن الوصول إلى المنطقة عبر أرمينيا المجاورة، مع أنّ طريقها أقصر بكثير، بسبب رفض أنقرة فتح حدودها مع الجمهورية السوفيتيّة السابقة تضامنًا مع أذربيجان، ألد أعداء أرمينيا. يتشارك الخصمان الإقليميّان القديمان حدودًا جبليّة يسهل اختراقها وخوفًا من الانفصاليّين الأكراد الناشطين على الجانبين. وإنّ الخوف من المكاسب الكرديّة التي تشرف عليها القوّات الأميركيّة في شمال سوريا دفعت بإيران وتركيا إلى تشكيل تحالف مع روسيا بعد وضع خلافاتهما المتعلّقة بالنظام السوري جانبًا وكذلك مزاعم كلّ منهما بشأن زعامته للمسلمين الشيعة والسنة".
وما يفاقم نظريّة المؤامرة في تركيا هو أنّ "القرار صدر في وقت تستعدّ فيه محكمة فدراليّة في مانهاتن لإصدار حكمها على محمد حقان أتيلا، وهو مصرفي تركي متّهم بالتورّط في مخطّط بيزنطي قام بموجبه بنك خلق المملوك للحكومة التركية بالتآمر مع تاجر الذهب الإيراني التركي المسجون حاليًا رضا ضراب، بهدف غسل مئات ملايين الدولارات عبر النظام المالي الأميركي بالنيابة عن إيران. لطالما أكّد أردوغان ومسؤولون أتراك متنوّعون أنّ القضيّة جزء من مؤامرة عالميّة لتقويض تركيا. وفي غضون ذلك، ينتظر رجال الأعمال الأتراك بقلق حجم الغرامة المتوقّع فرضها على بنك خلق من قبل وزارة الخزانة الأميركيّة وتداعياتها المحتملة على ماليّة تركيا المتقلّبة".
إنّ تظاهر أردوغان بالشجاعة قد يحجب القلق إزاء التداعيات المحتملة على تركيا نتيجة تجديد العقوبات الأميركيّة الثانويّة على إيران. يفيد فهيم تشتكين، "مع أنّ بعض المحلّلين يعتقدون أنّ العقوبات الجديدة لن تؤثّر على التجارة مع إيران، يتوقّع البعض أنّ أيامًا أقسى بكثير تنتظرنا. وإنّ تركيا، التي استفادت في وقت سابق من التسامح الذي أبدته الولايات المتحدة إلى حدّ ما، تخضع هذه المرّة لرقابة صارمة، بعد اتّهامها بخرق العقوبات الأصليّة عبر بنك خلق المملوك للدولة التركيّة".
ويضيف تشتكين أنّ "العلاقات السياسة التركيّة الأميركيّة أصبحت أكثر تعقيدًا بكثير. قد ينفد صبر الولايات المتّحدة بسرعة الآن بعد أن وافقت تركيا على شراء منظومات الدفاع الصاروخي أس-400 من روسيا على الرّغم من تحفّظات حلف الناتو. وكذلك الكونغرس الأميركي غير راضٍ عن أنقرة بسبب عدم إفراج تركيا عن المبشّر الأميركي أندرو برونسون. وحتّى لو طلب ترامب إعفاء تركيا من العقوبات الثانويّة، قد لا ينجح بالحصول على موافقة الكونغرس على ذلك".
ويكمل تشتكين بقوله إنّ "مجموعة في حزب العدالة والتنمية تريد أن تعود أنقرة إلى المحور الأميركي-الإسرائيلي بسبب التهديدات الاقتصاديّة التي تواجهها تركيا، في حين تطالب مجموعة أخرى بـمقاومة الولايات المتّحدة؛ لكنّ الرّأي السائد هو أنّ الحكومة التركيّة قد لا تدعم إيران هذه المرّة".
قد يرتبط ذلك جزئيًا بقيمة أوراقهم النقديّة. يختتم تشتكين بالقول إنّ "الطرفين يجب أن يكونا مستعدّين الآن لخيبة الأمل في ما يتعلّق باستخدام العملة المحليّة في تجارتهما، إذ إنّ الليرة التركية وكذلك الريال الإيراني يضعفان مقابل الدولار، ولن يجد عالم الأعمال حكمة في استعمالهما في معاملاته التجاريّة. تواجه تركيا الآن فترة صعبة، والمسار الذي ستسلكه علاقاتها بإيران سيعتمد على القائمة الجديدة من الإعفاءات الأميركيّة وعلى ما إذا كانت أنقرة قادرة على المحافظة على موقفها الداعم لطهران".