التكتّل السّنّي بقيادة السعوديّة يتداعى بالفعل في أعقاب زيارة ترامب
المونيتور
2017-06-06 06:39
بروس ريدل
إنّ تكتّل الدّول الإسلاميّة السنيّة بقيادة السّعوديّة الذي جرى الاحتفاء به أثناء زيارة الرّئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض يتداعى بعد أقلّ من أسبوعين على انتهاء القمة. نجد انزعاجًا متزايدًا من العداء الشّديد الذي ظهر في القمّة تجاه إيران، ومخاوف متزايدة من أنّ السّعوديّين يشعلون نار الانقسام المذهبي بين السّنّة والشّيعة؛ وكذلك مشاكل ترامب الدّاخليّة تثير الشّكوك في ما إذا كان بإمكانهم وضع ثقتهم بواشنطن.
نجد الانقسام الأكثر حدّة داخل مجلس التّعاون الخليجي الذي عقد قمّته الخاصّة مع الرّئيس. ويُزعَم أنّ الأمير القطري قال لجمع من الحضور في بلاده مباشرة بعد القمّة إنّ السّعوديّين يضعون ثقتهم أكثر ممّا ينبغي في رئيس يواجه مشاكل سياسيّة كبيرة في بلاده. وانتقد أيضًا الخطاب القاسي ضدّ إيران في القمّة. وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني علنًا إنّ دول الخليج عليها إشراك طهران لا عزلها؛ واتّصل بالرّئيس الإيراني حسن روحاني لتهنئته على فوزه لدورة ثانية في الانتخابات. وردًا على ذلك، قام السعوديّون والإماراتيّون بحجب قناة الجزيرة القطريّة. قال القطريّون من جهتهم إنّ التّصريحات التي نُسِبت إلى أميرهم زيّفتها مصادر غير معروفة وأسيئ تفسيرها، لكنّهم لم يقدّموا أدلّة كافية لدعم حجّتهم.
صعّد السّعوديّون بعدها النّزاع مع قطر بشكل كبير. فأفاد الإعلام السّعودي يوم 28 أيار/مايو بشأن رسالة مفتوحة من أسرة آل شيخ المتحدّرة من نسب محمد بن عبد الوهاب. وقد وقّع على الرّسالة جميع الذّكور المتحدّرين من سلالة مؤسّس الوهابية في المملكة، والبالغ عددهم 200. وتجدر الإشارة إلى أنّ أفراد أسرة آل شيخ هم شركاء آل سعود الأساسيّون في الحكم بالمملكة وهم يعطون الحكم الشّرعيّة الدّينيّة. وقد وقّع كلّ من وزير الشّؤون الإسلاميّة والمفتي `العام على الرّسالة.
تتّهم الرّسالة أمير دولة خليجيّة غير محدّدة بالادّعاء زورًا بأنّه يعود بنسبه إلى الوهاب. وهذا الادّعاء الزّائف ليس "باطلاً" فحسب، بل يجري استعماله أيضًا لتشويه نهجهم الإسلامي. تطالب الرّسالة الأمير غير الصّادق بتغيير اسم المسجد الأكبر في بلاده، الذي يطلق عليه حاليًا اسم مسجد الشيخ محمد بن عبد الوهاب. (أكبر مسجد في الدوحة بقطر، موجود في الدولة الوهابية الوحيدة غير السعوديّة).
صدرت الرّسالة عن قلب المؤسّسة الدّينيّة في المملكة العربيّة السّعوديّة وتشكّل إدانة لشرعيّة الأسرة الحاكمة القطريّة. ومن غير المسبوق في سياسة مجلس التّعاون الخليجي أن تقوم دولة بالطّعن في شرعية عائلة مالكة أخرى، فضلاً عن كون المسألة خلافًا داخل الوهابية.
بالإضافة إلى ذلك، اتّهمت وسائل الإعلام السّعوديّة وزير الخارجيّة القطري باللّقاء سرًّا مع قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق للتّعاون ضدّ المصالح الأميركيّة والسّعوديّة في العراق؛ لكن ما من عمليّة تحقيق مستقلّة في هذه المعلومة.
إنّ الخلاف مع قطر واضح للغاية وقد جرى سابقًا، فهو أداء متكرّر لقيام القطريّين "المغرورين" بتحدّي شقيقهم البكر. أمّا عمان فأبعدت نفسها أيضًا، لكن بهدوء أكبر، عن التكتّل السّعودي، فلم يشارك السلطان قابوس في قمّة الرياض ولم يعقد ممثّله اجتماعًا ثنائيًا قصيرًا مع ترامب، كما فعل جميع ممثّلي مجلس التّعاون الخليجي الآخرين. هذا وبقيت عمان خارج الحرب السّعوديّة في اليمن وأبقت علاقاتها مفتوحة مع إيران.
يرتبط كلّ من قطر وعمان بعلاقات اقتصاديّة مع إيران وهذه العلاقات تقيّد مقاربتهما تجاه طهران. لكنّ الأمير والسّلطان قلقان كثيرًا في الوقت عينه من التوتّرات المذهبيّة المتزايدة في كافة أنحاء العالم الإسلامي.
برزت شكوك أيضًا في باكستان التي تشترك بحدود طويلة مع إيران وتوجد فيها أقليّة شيعيّة كبيرة. تلقّى رئيس الوزراء نواز شريف اعتذارًا من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لعدم ترتيب اجتماع ثنائي مع الرّئيس أو إعطاء شريف وغيره من القادة المسلمين فرصة التحدّث بعد أن توجّه إليهم ترامب بالحديث عن الإسلام.
ونشير إلى أنّ علاقات السّعوديّة بباكستان اضطربت منذ بدء الحرب في اليمن التي رفضت باكستان الانضمام إليها بشكل حاسم على الرّغم من طلبات السّعودية المتكرّرة، حتّى إنّ البرلمان الباكستاني صوّت بالإجماع على البقاء خارجها. وتجدر الإشارة إلى أنّ باكستان تُعتبَر أكبر قوّة عسكريّة في العالم الإسلامي والبلد المسلم الوحيد الذي يمتلك أسلحة نوويّة.
وينتقد الإعلام الباكستاني الآن قمّة الرياض باستمرار لمفاقمتها التوتّرات المذهبيّة. وصف أحد المعلّقين التّحالف الذي تقوده السّعوديّة بـ"الخطِر" في حين انتقد آخر "تهديدات" ترامب. وقامت الصّحيفة الأبرز في البلاد بتصنيف قمّة الرياض كـ"مسرح العبث"، في وقت تزداد فيه الدّعوات إلى عودة القائد الباكستاني للتّحالف العسكري الإسلامي في السّعوديّة وقائد الجيش السّابق الجنرال راحيل شريف إلى دياره، وترك عمله كقائدٍ لما يسمّى بالناتو العربي.
إن السّخاء السّعودي سيضمن ألّا يتفكّك التّحالف السّنّي بالكامل. هناك مجموعة أساسيّة من الدّول تشاطر كراهية الرياض للإيرانيّين أو مستعدّة لمجاراة الرياض، ولكنّ عددًا كبيرًا من الدّول حريص على تجنّب تأجيج الانقسام المذهبي، وهم يلومون كلّاً من الرياض وطهران على إثارة التوتّرات. وبالنّسبة إليهم جميعًا، تتفوّق مصالحهم الوطنيّة الخاصّة على الوحدة الإسلاميّة أو السّنيّة.