حكاية بطل عراقي

شذى الشبيبي

2016-03-12 08:20

}إنهم رجال آمنوا بوطنهم وأحبّوا شعبهم فاختاروا أن يسيروا جنبا الى جنب مع الموت في مرحلة هي أشد مراحل التاريخ ظلاما وشراسة في العراق بل في العالم أجمع .. دونما خوف ودونما تردد وبكل عزيمة أعادوا كتابة التاريخ بأرواحهم ودمائهم .. شبكة النبأ تفتح صفحة حكايات عن معاناة وبطولات تفوق الخيال يرويها لنا المقاتلون بأنفسهم أو يرويها عنهم ذووهم أو رفاقهم .. إنهم أبطال الحشد الشعبي والجيش العراقي الباسل{.

المجاهد (أبو غالب) شاب يافع من سكنة احدى مدن العراق التي عرف أهلها بكرم اخلاقهم وطيب معشرهم وعراقة انسابهم استقبلنا مشكورا بكل حفاوة وأبدى ترحيبه وتعاونه من اجل توثيق مااختزنته الذاكرة من رحلته البطولية في الدفاع عن العراق البلد الأم وها نحن نضع هذه الصفحة بعددها الاول في متناول قرائنا الأكارم مطرزة باسم البطل العراقي (ابو غالب) حيث تحدث لنا قائلا :

بتاريخ 14/6/2014 حالما دعت المرجعية الرشيدة الى الجهاد الكفائي تركت كل شيء وسارعت لتلبية النداء المقدس من أجل تحرير الارض وحماية المقدسات من دنس الارهاب الداعشي التكفيري ، وكانت رحلتي محملة ومطعمة بروائح الجنة .. ذهبت فورا لتسجيل اسمي والالتحاق في صفوف المجاهدين وفي صباح اليوم التالي انطلقنا في رتل مكون من 1600 مجاهد من أهالي الديوانية متوجهين الى احد معسكرات العاصمة بغداد لاستكمال الاجراءات والاستعدادات وبعد توثيق الاسماء تحركنا باتجاه عامرية الفلوجة حيث تم تأمين الطريق لنا الى الصقلاوية التي كانت بيد داعش .. وبعد انتظار يومين انطلقنا الى الرمادي حيث تعرض الرتل الى هجوم في منطقة الصقلاوية وجرح عدد من المجاهدين وبعدها وصلنا الى معسكر (....) في قلب مدينة الرمادي والتقينا هناك بعدد من قادة الجيش العراقي الباسل الذين رحبوا بنا وكانت سعادتنا لاتوصف بمجرد احساسنا بأن وجودنا بجانب اخوتنا في الجيش العراقي ساهم في رفع معنوياتهم وكان ذلك واضحا على وجوه الجنود العراقيين البواسل ، خاصة بعد ان تم دمجنا مع قيادة الفرقة العاشرة وخضعنا الى تدريب سريع لمدة 8 ايام لأن الوضع كان محرج وصعب جدا فقد كانت داعش في ذلك الوقت تحاصر المعسكر الذي تدربنا فيه وبعدها انطلقنا الى منطقة الملعب التي كانت بيد داعش شاركنا في معارك التحرير وقاتلنا ضمن صفوف الجيش العراقي البطل ومع ابطال الفرقة الذهبية في شارع 60 وفي حي البكر .. كانت ايام صعبة وقاسية جدا ، محملة بالمخاطر وانباء الموت والفقدان في كل لحظة .. كان يجب علينا ان نتعود غلى الفراق والفقدان، لم يكن لدينا الوقت للتفكير بأنفسنا وأهلنا كان علينا ان نعتاد على طرق اخرى للحياة واشكال اخرى للعلاقات واكتشفنا منذ ايامنا الاولى على ارض المعركة مدى نبل المشاعر الحميمة الصادقة التي تربطنا ببعضنا ، وما اقسى تلك اللحظات التي فقدنا فيها الرفاق والاصدقاء .. نعم لقد احتضنت الكثير من الشهداء الاكرمين ممن عايشتهم وكانوا من أعز الاصدقاء وهذا كان شرف عظيم لي ولن انسى صديقي المجاهد البطل (غالب) وهو من اهالي الناصرية من سكنة الاسكان الصناعي والذي كان مثالا للبطولة الحقيقية واستشهد في منطقة البو عيثة في الرمادي .. غالب لفظ انفاسه الاخيرة امام عيني، قبل ان يودع الحياة تمتم بكلمات لم افهمها في حينها .. ولكن فهمتها فيما بعد من خلال ابتسامته التي ارتسمت على وجهه .. ابتسامة جميلة كانت للشهيد (غالب) .. لا انسى ذلك اليوم الحزين جدا الذي فارقت فيه أعز اصدقائي وقد صادف يوم استشهاد غالب عيد الفطر المبارك ... ازددت عزما وإصرارا في القتال والمعارك كلما طال الوقت وكلما فقدت المزيد من الاصدقاء ، وهكذا استمرينا في الدفاع عن ارض العراق وشاركت في معارك كثيرة الى جانب الجيش العراقي في مدينة الرمادي وضواحيها .

ويستطرد المجاهد (ابو غالب) متحدثا : بعد رحلتي هذه انضممت الى كتائب سيد الشهداء باعتبارها مقاومة اسلامية تحتضن مجاهدي الحشد الشعبي المقدس فشاركت معهم في منطقة (سور شناس) الذي يبعد (12) كيلومترا عن الامامين العسكريين ، أشهد انها كانت معركة لامثيل لها بالمقارنة مع المعارك الاخرى التي خضناها ضد داعش ، فقد كبدناهم خسائر فادحة وقد أثبت فيها الجندي والمقاتل العراقي بأن صفات الرجولة والشجاعة تليق به ، فقد كانت معركة حامية ومواجهة وجها لوجه مع العدو الذي استخدم كعادته الانتحاريين وهذه افعال الجبناء لكنهم فروا منا هاربين ولم يتمكنوا من التقدم شبرا واحدا حيث لم يمنحهم المجاهدون بعزمهم واصرارهم فرصة التقدم رغم قوتهم وشراسة هجومهم ومع ذلك تمكنا والحمد لله من ردعهم وهزيمتهم شر هزيمة . وبعد تحرير منطقة سور شناس بدأت حملة تحرير تكريت لاجلاء واخراج جثث المغدورين من شهداء سبايكر .. القوة الحيدرية تقدمت جميعها لهذا الواجب المقدس وتكاتفت فصائل المقاومة فانظلقت مع ابطال كتائب سيد الشهداء ، وكان محورنا منطقة البو حسان التي اصطدنا فيها الكثير من الدواعش .. استمرت رحلتنا هذه (3) ايام طهرنا خلالها تكريت بالكامل واخرجنا جثث المغدورين من شهداء سبايكر وواصلنا طريقنا لتحرير ماتبقى من مناطق تكريت وتعرضنا في تلك الأثناء الى هجوم صهريج مفخخ كان يقوده انتحاري فجر نفسه لكن والحمد لله لم نتضرر بشيء سوى اصابات طفيفة بالنسبة لنا كانت وستبقى أوسمة شرف ..

استمرينا مع كتائب سيد الشهداء 7 اشهر وبعدها ذهبت مع كتائب حزب الله الى سوريا ، واعتبر رحلتي الى سوريا مهمة في حياتي باعتبار الغاية منها شرفا لي وهي الدفاع عن ضريح ومرقد غرة الاسلام ووجهه الناصع السيدة زينب عليها السلام ، وكذلك انقاذ اخوتنا واهلنا السوريين المحاصرين من قبل داعش ... في سوريا لم تكن معركة واحدة بل كات معارك ملتهبة ، معارك تقودها دول لكننا قاتلنا بصمود وتحدي وايمان بقضيتنا باننا نقاتل اعداء محمد وال محمد (ص) قاتلنا احفاد يزيد ، وانا اعتبرمشاركتي في معارك سوريا أعظم شرف لي لأنني دافعت عن بيضة الاسلام السيدة زينب (ع) أخت سيد الشهداء وابي الاحرار الحسين (ع) .

في سوريا قاتلنا في ريف حلب (منطقة الحاضر) و(منطقة الفوعة) وشاركت في عدة معارك منها معركة تحرير (تل العيس) و(تل عزان) ومعركة بانص ..

كان حديث المجاهد (ابو غالب) مشبعا بالغيرة والحماسة وهو يشرح الاسباب التي دفعته للذهاب الى سوريا مستنكرا تساؤل بعض الناس وانتقادهم لمن يتطوع للجهاد في سوريا واصفا مشاعره وماالذي دفعه حقيقة لذلك قائلا : والله عندما دخلت الى الحرم الشريف بكيت من كل قلبي وكأنني التقيت بأعز ناسي بعد فراق طويل وكأنني أسمع صوت بداخلي يناديني ويقول الا من ناصر ينصرنا .. تذكرت ابا عبد الله الحسين (ع) وانا في حرم اخته زينب الحوراء عليها السلام ، وهذا لم يكن شعوري لوحدي بل أغلب المجاهدين الذين كانوا معي في الحضرة الزينبية المطهرة ، حيث سألت المجاهد ابو زهراء وهو من أهالي البصرة فأجابني بنفس الشعور قائلا كأنني التقيت بعزيز كنت قد فارقته منذ زمن .. كانت هذه أول زيارتنا للسيدة زينب (ع) ، ومنها انطلقنا لتحرير المناطق التي ذكرتها والتي كانت محاصرة من قبل جبهة النصرة ، وقد تمكنا بعون الله وقدرته من تحريرها وانقاذ العوائل المحاصرة خاصة الاطفال والنساء الذين كان الفرح ينطق في عيونهم وقد استبشروا خيرا بقدومنا وكنا فخورين بذلك . وكل معركة كنا نخرج منها اشد عزيمة واقوى رغم الجراح والفقدان ، فالشعور بالنصر على العدو له طعم ومذاق آخر لايشبهه اي شعور في الكون .. دائما كان الله معنا وفي كل معركة كان درعي الحصين هو آية الكرسي كنت أقرؤها وأتوكل على الله والحمد لله كنت اخرج سالما من كل معركة وحتى حينما جرحت كانت جروحي طفيفة .

وفي ختام حديثه أكد المجاهد البطل (ابو غالب) على عزمه واصراره في الاستمرار والسير على طريق الحق والدفاع عن الأرض والعرض والمبادىء التي أوصى بها ديننا الحنيف ونبينا المصطفى (ص) وأن من دواعي فخره واعتزازه تمسكه بنهج إمام المتقين ورمز العدالة الانسانية الامام علي ابن ابي طالب (ع).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي