صرخة يتيم
مروة حسن الجبوري
2015-11-14 01:05
بين خرائط العالم هناك بقعه يكثر فيها الضجيج والصراخ، أصوات الرصاص ورائحة البارود تفوح منها، ترى اطفالاً لا ذنب لهم سوى أنهم وُلِدوا في هذه البقعة، قبور تبنى وبيوت تهدم، والايتام على الارض يفترشون الطرقات والأرصفة بين متسول ومتشرد وبين متضرر لا احد يأويه، هجمات إرهابية هنا وهناك، خوف وفقر ودمار يجتاح المكان، وضحايا كثيرون، خلفهم الحرب، يرتدون العفة بدل الثياب، يرقعون ثيابهم بالصبر، يلتصقون بعضهم مع بعض قدر ما أمكن لهم ذلك، لعلهم يجدون ولو القليل من الدفء، يُضطرون في كل مره أن يستعطون قطرات من النفط وبعدها يبدأ العقاب الشديد، عقاب الجوع، لأنهم مقيدون بالفقر كما يُقيَّد السجين بالسلاسل، وقد تطول فتره تقييدهم حتى نهاية العمر، كم تحملت تلك الاجساد الضعيفة من الحرمان، وكم عانت من البرد والمرض، لا أب ولا وطن، ولا لقمة عيش.
عن اليتيم أكتب، أذكّر من يهمه الأمر، عسى أن تنفع الذكرى، ارتفعت نسبة الأرامل والأيتام في العراق نسبة كبيرة حسب الإحصائيات الأخيرة لحقوق الإنسان بسب الحروب والدمار .
(شبكة النبأ المعلوماتية) وكالعادة تعمل على نقل معاناة الناس، فهي تسعى لتكون صوتهم، بحثنا في المؤسسات الخيرية عن معاناة اليتيم العراقي ونقل معاناته، لمد يد العون وتقديم ما يحتاجه من كفالة ومدارس تعليمية خاصة بضمان اجتماعي يحمي حقوقهم من توفير العمل والعلاج والسكن. وفي سياق هذا الموضوع كانت جولتنا الأولى في مؤسسة فاطمة البتول (ع) الخيرية .
طرحنا بعض الاسئلة على أحد المشرفين والعاملين في مؤسسة فاطمة البتول (ع) وهو الشيخ ابراهيم السنجري الذي بدأ بالحديث قال النبي (ص): (من أنكر منكم قساوة قلبه، فليُدن يتيماً فيلاطفه وليمسح رأسه، يلين قلبه بإذن الله، إن لليتيم حقا..). سألنا الشيخ السنجري ما هو عمل المؤسسة الخيرية اتجاة الايتام؟ فأجاب:
بسمه تعالى، وردت احاديث كثيرة حول اليتيم وآيات قرآنية، وهناك حديث مشهور عن اليتم (انا وكافل اليتيم في الجنة)، مؤسسة فاطمة البتول مؤسسة خيرية جديدة العهد مر عام على عملها، نظام المؤسسة كفالة الايتام، تزويج الشباب، حوزة نسائية، رواتب شهرية للايتام ومن ضمن ما نقدمة هو تقديم المساعدات المادية والغذائية الى الايتام مع شراء التجهيزات المدرسية الكاملة لهم على نفقة المؤسسة، عدد الايتام في المؤسسة مايقارب 300 يتيما بأعمار مختلفة.
سألناه أيضا: كيف تكون الصورة المثالية لرعاية اليتيم برأيكم؟.
الشيخ السنجري: اليتيم بحاجة إلى معاملة معتدلة في المجتمع، خالية من المبالغة والشفقة الزائدة، التي تجعله يشعر بحالة النقص في نفسه والإحساس بالعجز، مما يجعله مهزوم معنويا ويحطم آماله، إذ يجب أن نكون حذرين في التعامل مع اليتيم كما اتعامل مع ولدي، ولو تعاملنا مع اليتيم كما نتعامل مع أبنائنا لما شعر بالخجل والصدقة.
بين الرعاية المالية والنفسية
سؤالنا التالي: أيهما تفضل الرعاية المالية، أم الرعاية النفسية برأيكم؟.
- الشيخ السنجري اجاب كثيرون هم أصحاب الكفالات الخيرية يشاركون في دفع المال إلى اليتيم، ولكن قليلون هم الذين يعطون أهمية الرعاية النفسية والصحية، والتي نؤكد عليها باستمرار. وهذا يحتاج منا ومنكم متابعة اليتيم، وتفقد أحواله والاستماع إلى همومه، والرعاية بصحته، والخروج معه، والمحادثة المستمرة دائماً، إذ لا تتحقق الكفالة فقط بدفع المال من دون زيارته.
سؤال أخير: هنالك من يقول أن اليتيم له سن محدد من العمر فعندما يبلغ (15) سنة يصبح أقل احتياجًا للرعاية المالية، ما تعليقكم؟.
- الشيخ السنجري: الاحتياج ليس له عمر، وهذا ما يجب أن يفهمه أصحاب الكفالات الخيرية، التي تجود أيديهم بالخير للطفل اليتيم، مهما بلغت قيمة الكفالة إلا انه يشعر بالفقدان. فعلاقة الكفيل باليتيم علاقة حب تعويضية عن أب أو أم كان من الطبيعي أن يكون وجودهما دائمًا في حياته.
فكان البيت يحتويه، من أب وأم، وفجأة غاب عنه الكافل والمعين، فالواجب علينا هو احتضانهم ومخالطتهم كما أمرنا الله تعالى في قرآنه العظيم يقول تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ).
من خلال استراحتنا في محطة الكفالة التقينا بالمعلمة الفاضلة فاطمة مهدي (السعدي) وهي معلمة في مدرسة للأيتام وناشطة في مؤسسة (الإغاثة والتنمية)، تقول عن أهم نشاطات المؤسسة وجود مدارس خاصة للأيتام وتقديم المساعدات المالية والغذائية، حيث يبلغ عدد ايتام المؤسسة إلى 250 طالبا وطالبة في المدرسة. كذلك نقدم لهم الزي المدرسي مجانا مع المواصلات ومتابعتهم من خلال الكادر التدريسي الخاص بالمدرسة وتقديمهم للعلاج اذا وجد.
سؤال شبكة النبأ: هل هذا كل ما يحتاجه اليتيم اليوم؟ أجابت السيدة فاطمة مهدي. يحتاج اليتيم إلى ما هو أكبر من ذلك هو دار سكن يحتويه ويحتضنه. رعاية واشراف خاص من الام اذا وجدت، فاليتيم اليوم بحاجة إلى الحب والمحبة، والى الرعاية الاجتماعية والصحية، بحاجة إلى التقدير الاجتماعي، وإلى الأمن،- يحتاج أن يلعب وتقع على المؤسسات الخيرية توفير ما يلزم اليتيم، وفي ختام حديثي اذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (انا وكافل اليتيم في الجنة).
في حوزة كربلاء المقدسة (حافظات القرآن الكريم) تحدثنا مع الاخت العلوية (خادمة الزهراء) أمينة مؤسسة ازدهار اليتيم. قالت بعد الصلاة على النبي محمد (ص) أبدأ حديثي بقول كلنا أيتام آل محمد .فاليتيم هو من فقد والديه أو أحدهما وتكون الحالة قاسية وصعبة عندما يحدث الفقدان في الصغر، حيث أن اليتيم في المراحل المبكرة من الحياة ينعكس سلباً لأن العاطفة التي يحتاجها الطفل تعتبر أساس من أساسيات النمو الطبيعي.
تزايد أعداد الأيتام
وفي وقتنا الحاضر نرى أشكالا متعددة لليتم، على سبيل المثال هناك أيتام فقدوا امامهم ونحن الآن يطلقون علينا أيتام آل محمد، وهنالك يتيم فقد والديه. وهذا ما تعمل مؤسسة الحوزة (ازدهار اليتيم) عليه من كفالات وتوزيع رواتب شهرية. أغلب هذه الكفالات هي من الخارج وشراء ما يحتاجونه من أجهزة كهربائية وبناء ما تهدم من بيوتهم، وأعمار الأيتام المتواجدين حالياً "مابين 6 سنوات إلى 15سنه"، البعض منهم يعانون من أمراض مزمنة والبعض يعاني من أمراض نفسية، فقدان الأب لا يعوضه احد.
عدد الكفالات ما يقارب 100 يتيم والعدد في ازدياد. يتم كل شهر توزيع الرواتب مع مجلس خاص بالايتام وتقديم ما كان مذخورا لهم عن طريق الأيادي الرحيمة، أقول لو كل إنسان يتعامل مع اليتيم مثل ما يتعامل مع اولاده ويصرف كما يصرفون لما كان هناك احتياج إلى أي مؤسسة ونسأل الله ان يتقبل عملنا ويوفقنا لخدمة الايتام وتقديم ما يستحقونه.
أما الدكتور حسين الجبوري المتخصص في علم النفس والاجتماع، فقد قال: وردت في القرآن الكريم آيات تتحدث عن اليتيم وآداب التعامل معه في اكثر من آية منها، بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ). ان كلمة يدع اليتيم هي أن يدفعه بعنف عن استيفاء حقوقه، وكلمة يدع استعملت لتدل على الإقصاء والإهمال والشدة والعنف والتي تعتبر من مظاهر الظلم الذي يلحق باليتيم فاعتبره تكذيب بالدين .
ورد أيضا في سورة الضحى(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)، من أهم ما يذكره القرآن هو يتم النبي محمد (ص) فعاش يتيماً لكي يكون قدوة يقتدى به في معاملة الأيتام وتوجيههم التوجيه السليم. لذلك ورد في الأحاديث النبوية عن أهمية كفالة اليتيم وجعلها بمنزله الجنة.
في هذه الآيات الكريمة. أفضل علاج نفسي ذكره القرآن الكريم، لأنها تحث على توفير المأوى والأمان لكل يتيم، ومساعدتهم وعدم قهرهم، وبالإحسان إليهم ومعاملتهم معاملة طيبة حتى انه ركز على ماله إن كان لديه مال ـ إلا للإنفاق عليه منه وعدم أخذ الأجر المادي من اليتيم إلا بالتي هي أحسن كما ورد في قوله تعالى:
(وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) هذه مكانة اليتيم في الإسلام لا تقل عن أي شخص بل جعله مميزا من حيث العناية والاهتمام. فلو كان العكس من ذلك في المجتمع الأيتام ينعزلون، المتوقع حدوثه هو أنهم يشعرون أنهم مختلفون عن بقية المجتمع، وهذا يولد لديهم شعورا بالكراهية والنقص مما يصيبهم بالقهر والحقد على الأسرة والمجتمع.
وطرحت هذا السؤال على الدكتور أيضا: تفضلت بأن القرآن الكريم والإسلام أعطى حق الأيتام وأوصى المجتمع بعنايته وكفالته فمن هو المسؤول عن دع اليتيم برأيكم؟.
أجاب دكتور حسين: عندما نرى يتيما، يخطر في أذهاننا الحرمان من الاب او الأم او كلاهما، فلا نكاد ننطق بحرف ونسأله عن اسمه الثلاثي حتى لا يتوجع قلبه وهو يذكر اسم ابيه واحيانا يخطر في الاذهان طفل يتيم ذليل يشعر بالحرمان العاطفي وحرمانه من قول بابا كبقية الأطفال، وهذه الصورة للأسف الشديد في أغلب الأحيان تكون صحيحة. فلا شيء يمكن أن يعوض فقدان الأب أو الأم أو كليهما، المطلوب من المجتمع هو تقديم أب لكل يتيم ولو بشكل صوري.
وأماً تنوب عن أمه ولو بالعطف والحنان أو الكلمة الطيبة سواء كانت معلمه أو مربية أو حتى عامله، أرفقوا بحالهم لأنه لا يعرف اليتم إلا من كتبه الله عليه في ختام حديثه اوصي بفتح مستشفى خاص لمعالجة الأيتام وتقديم العلاج مجاناً وهذا رد لجميلهم عنا.
في خروجي من المؤسسة.. أوقفني أحد الأيتام يبلغ من العمر خمس سنوات في أحد المؤسسات. وطلب مني أن أكتب رسالة إلى أبيه الذي رحل إلى ساحات المعركة في جرف النصر قال لي قولي لأبي انني لم اعد أؤذيه، اسمع كلامه، اطلبي منه أن يرجع .
ويتيما آخرا حدثته ودموعه لا تتوقف وتنهمر بشدة، قال: أبي استشهد في منطقة بيجي منذ خمسة أشهر، نحن خمسة أطفال انا أكبرهم عمري 13 اعمل صباحا في غسل السيارات بمكان والدي، أمي حائرة ما بين الإيجار ومصروف اخوتي، المؤسسات لا تقدم ما يكفي، فأختي الصغيرة تعاني من مرض الضمور في المخ وعلاجها مكلف.
أقول حسبي الله ونعم الوكيل. يحق للعين ان تدمع، ايتام كأنهم زهور ذابلة في حدائق الفقر والحرمان.
سؤال يطرح ما هو حق اليتيم علينا؟؟ حقه الاجتماعي هو ان يكون طالبا ويدخل الى المدارس، وحقه ان يلعب مع أقرانه الأطفال. وحقه ان يأكل كما تأكل انت. وان يشتري الاشياء كما تشتري انت. هل نستطيع ان نعطيه حقه، ان نحفظ كرامته وماء وجه، لا ننظر إليه بنظرة الضعف والفقر، قد يكون غنيا باخلاقة وبفكره. لا تقهره ولا تدعه. هل نعطي حق اليتم؟ اما حقه في المال فهو كما ذكر.
عدم اخذ ماله ورعايته له الى ان يبلغ الحلم وان هذا المال أمانه في أعناق من يكفلون هذا اليتيم، ويجب علينا عدم التصرف فيه بغير حق او أكل مال اليتيم.
التحذير من أكل مال اليتيم
فلقد قال الله جل وعلا: "إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً" [النساء:10]. وختاما .
قال الاعلامي رحيم الربيعي: شاءت ارادة الله ان تحرمكم من الام والاب وحكمة الله ليس لها بديل، وانها تجري على كل الخلق، (فعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)، كل الشرفاء بعد الله عونكم واعلموا ان الله جعل لكم منزلة ومكانة اذ عاش رسول الله محنتكم، ومر بها فهذا شرف عظيم والله ورسوله خير مكافئ ومثيب، انهلوا من العلم وكونوا لضميركم رقيبا وحسيبا وعونا لكل من احتضن وقبل رؤوسكم المباركة، انتم بناة المستقبل وانتم من يمسح جراحات الوطن وبكم نزرع الامل بغدٍ افضل.