استطلاع رأي: من يسيطر على الإعلام العراقي؟
القوانين العراقية عاجزة عن ردع التدخلات الخارجية ونفوذ المال السياسي بوسائل الإعلام
عامر الشيباني
2022-04-07 06:28
للإعلام تأثير كبير على المجتمعات في مجال خلق الرأي العام وما يبثه من رسائل ضمنية -عبر من يتحكم فيه من ممولين أو متنفذين أو عامل خارجي- تؤثر على المجتمع بشكل مباشر، وللإعلام دور فاعل في المجتمع، إذ له السلطة الكاملة في تغيير مسار الأمور عبر قلب أنظمة أو توجيه الرأي العام نحو قضية ما، لذلك أصبح مطمع السياسيين والمتنفذين وكذلك الأجندات الخارجية، خصوصا في بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية غير مستقرة مثل العراق.
داخل مضطرب
من المعروف أن الإعلام يمثل نقطة الانطلاق لأجندات الدول عندما تتدخل بشؤون دول أخرى، وقد استثمرت دول خارجية وضع العراق المضطرب في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003 لشراء ذمم وسائل إعلام وإعلاميين، والبدء بمحاولة التدخل في الشأن العراقي، كما يقول أستاذ الإعلام والصحافة بالجامعة العراقية فاضل البدراني، ويرى أنها "نجحت للأسف بتمرير أجنداتها"، ويؤكد البدراني أن "الوضع العراقي الداخلي أصبح بعد عام 2003 يطلق عليه المنطقة الرخوة في تقبل دخول الأجندات الخارجية والمس بسيادته".
وأشار إلى أن "المحتل الأميركي عمل على تمزيق العراقيين بين هويات فرعية عدة، منها مذاهب وأديان وقوميات وأحزاب ومناطقيات وغيرها.. وكانت الغاية فسح المجال للتدخلات الخارجية"، وشدد على أن المال والنفوذ السياسي والعامل الخارجي أمور كان لها الأثر في توظيف بعض وسائل الإعلام للعمل لصالح المحتل -خلافا للثوابت الإعلامية في كشف الحقائق والرقابة- للتأثير في الرأي العام مستغلين بذلك ضعف القانون ولتغطية عمل الفاسدين.
ويقول رئيس النقابة الوطنية للصحفيين العراقيين ياسر السالم "للأسف ليس عندنا إعلام مستقل، وعدد المؤسسات الإعلامية المستقلة محدود لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة"، ويؤكد أن جميع المؤسسات الإعلامية تعمل وفق أجندات سياسية وتهيمن عليها أحزاب وكتل سياسية وتمول من المال السياسي ولا سيما المال الفاسد".
هذه المؤسسات هي من تعمل على خلق رأي عام، وتعمل على تغيير المخيلة السياسية العامة للمواطنين، وهذا أثّر كثيرًا على مستوى الشارع العراقي وحتى على مسار التحول الديمقراطي في العراق، بحسب السالم في حديثه.
ويضيف أن "الخطاب الطائفي الذي استحوذ على عقول العراقيين كان بفعل وتأثير الخطاب السياسي الذي مررته القوى السياسية الطائفية من خلال وسائل إعلامها إلى الجمهور"، ويقول البدراني إن الإعلام بات يرتبط بتوفر المال فلا إعلام من دون مال، وتسويق الأفكار يحتاج إلى المال لشراء ذمم وسائل الإعلام، والمال السياسي وظف لتحقيق ذلك عبر خانة الأحزاب التي امتلكت الإعلام الذي نسميه "الإعلام الحزبي"، مؤكدا أنه من أخطر العمليات التي سمحت لتدخل الأجندات الخارجية وخلق رأي عام فوضوي يستهدف وحدة العراق وتشظي نسيجه الاجتماعي.
العامل الخارجي
تقاس قوة وسائل الإعلام في قدرتها على تشكيل الرأي العام والتأثير عليه لتبني مواقف معينة إزاء مختلف القضايا، ويمكن ملاحظة ذلك في نوع السلوك السياسي الذي يسلكه أفراد المجتمع استجابة لما تطرحه هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، كما يوضح رئيس قسم الإعلام في كلية الفارابي الجامعة الدكتور عبد النبي خزعل.
ويقول خزعل "ما زالت العديد من الدول ولا سيما الكبرى منها تتخذ من وسائل الإعلام الدولية أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية، إضافة إلى ما تمتلكه من أدوات ضغط أخرى سياسية واقتصادية وعسكرية".
وعن أهداف ومصالح العامل الخارجي في التأثير في الداخل العراقي، يرى خزعل أن تلك الدول تحرص على تحديث تقنيات وأساليب إذاعاتها وفضائياتها الموجهة إلى مناطق مختلفة من العالم، ومنها العراق الذي تتوجه له اليوم الكثير من وسائل الإعلام الدولية بأجندات تحمل مشاريع سياسية واقتصادية وثقافية تعبر عن مصالح وأهداف دولها.
ويضيف أن امتدادات أذرع أو موجات الإعلام الدولي تغزو الفضاء العربي بكل ما تحمله من أفكار ووجهات نظر وأيديولوجيات ودعايات أو أضاليل أو ترويج لقيم وثقافات بمقاصد مختلفة تخدم تلك الدول.
ويشخص الخزعلي القوى الكبرى -بخاصة الولايات المتحدة في عملية التدخل وبقوة في صنع إعلام داخلي موجه- حيث يقول إنها لا تكتفي بوسائل إعلامها الموجهة من أراضيها، بل تموّل من وراء الستار الكثير من وسائل الإعلام المحلية الحزبية أو الخاصة التي يسير أصحابها في ركاب أو فلك السياسة الأميركية.
وبدوره، يقول ياسر السالم إن الأجندات الخارجية تفعل فعلها في كل القطاعات، وفي مقدمتها الإعلام الذي تحاول الأجندات الخارجية أو العامل الخارجي التأثير فيه من أجل تمرير سياساتها، وبالتالي كل ما ترغب في تنفيذه من أجندات.
ويؤكد أنه من أجل هذا أنشئت عشرات القنوات الفضائية ووكالات الأنباء والصحف التي تمول من مؤسسات خارجية وحتى من أجهزة المخابرات للتأثير في الرأي العام لتنفيذ أجندات ومصالح تلك الدول.
ورغم مضي 19 عاما على الغزو الأميركي للبلاد، فإن الناشط والصحفي يرى أنه على مدى السنوات التي هيمن خلالها حزب البعث المنحل كان هناك تعتيم للثقافة وبناء الوعي العراقي، وبالتالي مستوى الجهل كان متراكما في العراق، ولذلك كان الجهل خامة جيدة لزراعة الأجندات الخارجية والقوى السياسية التي لديها أجندات داخلية وتسعى إلى تنفيذ خطط خارجية، متهما إياها بأنها وجدت في الجهل مادة لصناعة وعي زائف لا يؤدي بالضرورة إلى تحسن أوضاع البلاد.
ومن جانبه يوضح الكاتب والصحفي مسلم عباس أن "خضوع الإعلام للتدخلات الخارجية يعتمد على نوع الحزب الذي تمثله الوسيلة الإعلامية، وبما أن الغالبية العظمى من وسائل الإعلام تابعة للأحزاب، وبما أن الأحزاب ممولة في أغلبها من الخارج وتمثل واجهات لدول خارجية، فإن وسائل الإعلام تخضع من تلقاء نفسها لهذا التدخل الخارجي صعودا ونزولا".
توظيف الإعلام
ووسائل الإعلام في العراق لها خصوصية في العمل، فهي ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة والأحزاب المتنفذة، كما يقول عباس، منوها إلى أن العراق به قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية متعددة، لكن كل مجموعة منها تتبع جهة سياسية معينة، وتتبنى خطًا تحريريا سياسيا في المقام الأول.
ويشير عباس إلى أنه "قد يتفق الجميع على أن الحياد في وسائل الإعلام أسطورة، لكن في العراق كل خبر يجب أن يوظف سياسيا من أجل إرضاء الممول الذي يكون حزبا سياسيا، ولذلك فإن وسائل الإعلام هنا تمثل أجنحة سياسية أكثر من كونها وسائل لنشر المعلومات وكشف القضايا الغامضة للجمهور".
ويضيف عباس أنه حتى وسائل الإعلام دخلت في أدق تفاصيل الصراعات السياسية كمحور سياسي، وتكررت عمليات الحرق لمقرات بعض القنوات الفضائية، وإغلاق بعضها الآخر أو طرد العاملين فيها سواء من قبل الحكومة أو الجماعات المسلحة أو المتظاهرين.
ويعتقد عباس أن القوانين العراقية تقف عاجزة عن ردع التدخلات الخارجية ونفوذ المال السياسي بوسائل الإعلام العراقية، معربا عن أسفه لعدم تفعيل القوانين ولا سيما تلك الموجهة لوقف التحريض، لردع عمليات تسييس وسائل الإعلام واستخدامها في الصراعات الداخلية والخارجية، مشددا على أن وسائل الإعلام أصبحت منابر للتحريض وزيادة منسوب الصراع.
ويذهب السالم بعيدا بقوله إنه "لا توجد نصوص واضحة تجرم التدخل في شؤون وسائل الإعلام المحلية، خاصة مع تعدد المنصات الإعلامية، إذ إن القوانين العراقية تختص فقط بما ينشر في وسائل الإعلام من مواد سيئة ومن مواد تحاول تخريب عقول الناس وتحاول بث الإشاعة أو تزييف الأخبار، ولكن للأسف القانون العراقي لا يطبق بسبب تدخل المؤسسات السياسية التي تعمل على مراقبة الإعلام".
ويختم البدراني القول بأن القانون العراقي على الرغم من صلابته في مواجهة التحديات والتدخلات عبر خانة النفوذ الخارجي بشراء ذمم ضعفاء الولاء الوطني، فإنه يواجه كمًا كبيرا من التدخلات والفساد السياسي، ومع ذلك فالمعركة قائمة بين الحق والباطل الذي أساسه الأجندات الخارجية برعاية أميركية.