الشباب بين الثقب الأسود للفراغ وكابوس ضياع الفرص

مروة حسن الجبوري

2015-05-07 04:42

تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل في حياة الإنسان، فهي مرحلة الحماس والاندفاع والمثابرة، وتنعكس آثار هذه المرحلة بصورة واضحة على الانسان، وتترك له بصمة واضحة مدى العمر، كما أكد المشرع الإسلامي وعلماء النفس والتربية على العناية الخاصة في هذه المرحلة، حيث حاجة المجتمع لهم كبيرة، لأن القوة تكمن في الشباب، فينبغي استثمار هذه المرحلة بأقصى ما يمكن لصالح الدولة والمجتمع، فالشباب يعني الصحة والقوة والقدرات، ولا يصح أن تكون هذه القدرات تحت رحمة الفراغ فتقتلها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ).

لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله، يرعى الشباب رعاية خاصة في هذه المرحلة، فيراعي مشاعرهم ويقربهم إلى الدين الإسلامي ويجالسهم ويحدثهم وينمّي فيهم الشخصية القوية ويحملهم أعباء المسؤولية، فقد ظهر تأثير الرسول الكريم على الشباب في ذلك الوقت، وتخرج على يده الكريمة علماء وقادة جيش عظماء خلّدهم التاريخ الإسلامي، مثل عمار ابن ياسر والمقداد وابا ذر الغفاري وغيرهم.

وهكذا نال الشباب كل الرعاية والعناية وأحسن الفرص في عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وينبغي أن يمثل هذا الامر نموذجا للحكومات في الدول الاسلامية اليوم، حيث يعاني الشباب من أزمة الفراغ واهدار الفرص على نحو متواصل، مما يسبب اهدار أعظم الطاقات في الامة، بحيث لو تم استثمارها بصورة صحيحة سيكون المسلمون في صدارة الامم المتقدمة.

الشباب مصدر قوة للمجتمع

(شبكة النبأ المعلوماتية) رصدت هذه الظاهرة، التي باتت تهدد النسيج المجتمعي، من خلال إضعاف أهم شريحة في المجتمع ألا وهم الشباب، وقد لاحظنا كثيرا من المؤشرات التي تدل على عدم اعتناء المعنيين والمسؤولين بمعالجة هذه الازمة، بالإضافة الى ازدياد انتشار الأماكن التي يضطر فيها الشباب قتل اوقاتهم، بسبب ما يعانونه من زمن فائض تصنعه عوامل كثيرة اهمها البطالة، وعدم اهتمام المسؤولين، وغياب الخطط التي تعالج هذه الظاهرة.

الاستاذ عبد الرزاق فاضل الأسدي، متخصص في علم الاجتماع، يقول عن هذه الظاهرة ومضاعفاتها: تشكل فئة الشباب مصدر قوة للمجتمع، من هذا المنطلق ينبغي الاهتمام بهى الى أعلى حد ممكن، ويكون الاهتمام عن طريق امتصاص الفراغ بصورة علمية، فالشاب لديه طموحات يحلم بها لابد ان يساعده المعنيون والجهات الرسمية على بلوغها، حتى تتطور ذهنية الشاب، وتقوى مواهبه، ويصبح ثروة بشرية مهمة للبلد، ومن اكبر الاخطاء ان نترك الشباب في دوامة الفراغ، حيث ينحرف الكثير منهم تحت وطأة الاحساس بالضياع واللاجدوى، من هنا ليس امام المسؤولين والمنظمات المعنية والمؤسسات الخيرة، سوى مراجعة برامجها بما يتسق مع حاجات الشباب التي تضاعف مواهبهم وقدراتهم.

في متنزه كربلاء المقدسة، قرب ضريح (سيد جودة)، لاحظنا اعدادا من الشباب يتجمهرون قرب الباب، وعندما اقتربنا منهم، استطعنا ان نفهم بأنهم لا يستطيعون الدخول إلا مع عوائلهم، فيضطرون الى قتل اوقاتهم بالانتظار الممتزج مع الحيرة، ثم يبدأ بعد ذلك التسرب الى المقاهي واماكن الترفيه التي تزيد فراغهم فراغا واضرارا.

يقول (حسن 19 سنة): انه بسبب فشله في الدراسة تحت ظروف قاهرة، يجد انه يعاني من ساعات فراغ طويلة، ولا يوجد عمل مناسب، سوى (عمالة البناء)، وهو عمل متعب جدا لا استطيع المطاولة فيه، اذهب كثيرا الى المقاهي، لا اجد يد العون تمتد لي، اعيش عزلة ويأس من هذه الحياة!.

(احمد 25 سنة) مهندس مع وقف التنفيذ، هكذا وصف نفسه عندما سألناه عن عمله، ثم قال عن الفراغ: هو أسوأ مشكلة واجهتها في حياتي، لا احد يستطيع أن يعرف مساوئ الفراغ إلا من يعيشه فعلا ويعاني من عذابه، لو ان المسؤولين يعيشون معاناتنا اعتقد انهم سوف يجدون لنا حلا، انا لم افشل في دراستي، حصلت على البكلوريوس في الهندسة، ثم رمتني الكلية الى الرصيف والانتظار والفراغ، لا عمل ولا مشروع ولا امل يلوح في الأفق.

كابوس ملء الاستمارات

النساء لهنَّ حصة من معاناة الفراغ ايضا، فكثير من الخريجات اصبحن على مقاعد الانتظار، والفراغ يأكل أحلامهن واجسادهن: رؤى تجاوزت الرابعة والعشرين، حصلت على شهادة في ادارة الاعمال، تقول انها لا تعرف كيف تتخلص من لعنة الفراغ وانتظار بارقة الامل المتمثلة بالحصول على عمل مناسب، تقول رؤى، اصبحت متعلقة بالانترنيت ابحث عن مواقع الدوائر الرسمية والتعيينات، ملأت استمارات كثيرة لغرض الحصول على عمل، ففي كل مرة أملأ فيها استمارة اشعر أن الأمل بالقضاء على الفراغ بات وشيكا، ولكن يوم بعد يوم ينطفئ هذا الامل، واعود من جديد كي أملأ استمارة جديدة ويحدث الشيء نفسه، حتى صرت اعيش كابوس الاستمارات الوظيفية، وبدلا من ان تكون عونا لي، صارت كابوسا لا يفارقني.

الاستاذ (ع، م) طلب عدم ذكر اسمه، يعمل في احد المصارف، سألناه عن عدم استيعاب الخريجين في المحاسبة والادارة وما شابه، فأجاب وهو ينظر الى الاجساد الكثيرة لأعداد الموظفين في المصرف وقال: هل تلاحظون هذا العدد الكبير من الموظفين في المصرف؟، لو اردنا أن ندقق بالحاجة الفعلية لهم، لوجدنا أن نصفهم بالضبط فائضون، أي لا حاجة للمصرف بهم، ولكنها (البطالة المقنّعة) التي نعني منها، فليس هناك خطط مدروسة، ليس في المجال المالي المصرفي فحسب، إنما الاقتصاد برمته يعاني من مشكلة اسمها التخطيط، اضافة الى الاهمال (المقصود) للقطاع الخاص وقدرته على امتصاص طاقات الشباب ومواهبهم، وتخليصهم من مشكلة الفراغ.

إذاً المشكلة متعددة الجوانب، والجميع مسؤول عنها وعن معالجتها، ليس الحكومة وحدها، وإن كانت المسؤول الاول عن الحلول، نحن نحتاج الى حزمة من المعالجات الجوهرية، لكي نتخلص بالفعل، من مشكلة فراغ الشباب وغيرهم، وعلى المسؤولين تخليص الشباب من الفراغ، وتوفير قرص العمل المناسبة لهم.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا