واقع البحث العلمي في العراق وأسباب تخلفه؟
وصال الاسدي
2019-02-13 04:20
في الوقت الذي تعتمد الدول بصورة رئيسة على الشباب في دعم مخططات التطوير الاجتماعي والعمراني والسياسي، يبقى العراقي في ذيل قائمة الاولويات بالنسبة للقوى المسيطرة على الحكم، فبدل ان تصنع من افكارهم سلما للصعود الى القمة، وتنسج من مقترحاتهم حبالا متينة لانتشال العراق من سوء التخطيط والتنفيذ الى قيادة نموذجية الاداء والعطاء.
ترى اليوم الالاف من الابحاث مطمورة تحت غبار الاهمال، ودراسات تملئ المكاتب دون اية جدوى من وجودها، مشاريع تخرج في اختصاصات متنوعة ورغم المؤشرات التي تدل على حاجتنا الماسة اليها، الا اننا لازلنا في دوامة التنظير، فالعلم في سباق محموم للحصول على أكبر قدر ممكن من المعرفة الدقيقة المستمدة من العلوم التي تكفل الراحة والرفاهية للإنسان وتضمن له التفوق على غيره.
يمكن ان نعدها طوق النجاة لجميع ما يواجهنا من مشكلات، الا اننا وللاسف اصابنا وباء النمطية في التعامل والامبالاة والاتكالية على الاستيراد حتى في الافكار والخطط والمشاريع وقيادة البلد.
مجرد روتين
يحمل الكثير منا اساتذة الجامعات جزء من مسؤولية الاخفاق في استثمار البحوث العلمية، الا انني وفي حديثي بعض منهم وجدت حسرة كبيرة تملئ قلوبهم تجاه الموضوع، بأختصار شديد يجيب مدير مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية جامعة كربلاء الدكتور خالد العرداوي قائلا "مجرد روتين واحيانا تجرى مسابقة لاختيار افضل بحث ولكن نتائج المسابقة روتينية ايضا ولا يوجد مركز بحثي او جهة بحثية تستفيد من هذه البحوث".
على ما يبدوا أن المسؤولية تأتي تبعا للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل مجتمع، ويضيف مدير الاستشارات جامعة مؤتة الدكتور اياد المجالي ان "تعزيز دور الشباب ومشاركتهم في صنع القرار و دمجهم في برامج التنمية و بناء قدراتهم المعرفية التطبيقية والعملية، بما يلامس حاجاتهم بحزم مكثفة من البرامج التوعوية التي تنسجم ونتاج البحوث العلمية وإدارة الإمكانات المتاحة بإطار رعاية الدولة لهذه الفئة من شأنه ان يرفع من مستويات العطاء والانتاج".
ما كانت الدول الكبرى التي تزهو وتتفاخر ولم تقم لها قائمة لولا أنها اتخذت من البحث العلمي منصة للانطلاق نحو تحقيق كل ما ترغب فيه، ويؤكد المجالي "تأتي تلك المرحلة من بين ما يحُدثه البحث العلمي بعد الانتهاء من سد الاحتياجات الرئيسة، فنجد كثيرًا من الدول وصلت إلى اكتشاف وسائل نقل ذات سرعات هائلة، ولقد وصل الأمر إلى وجود تقنيات تستطيع أن تقرأ بصمة الصوت من أجل تصنيع الأطعمة".
الوظيفة الاساسية
تقديم المعرفة من أجل توفير ظروف أفضل لبقاء الإنسان وأمنه ورفاهيته، والبحث بمناهجه وإجراءاته من الضروريات في أي من حقول المعرفة، تلك الوظيفة الاساسية له، اذ أصبح الإلمام بالقواعد الواجب إتباعها بدءاً من تحديد مشكلة البحث العلمي ووصفها إجرائياً مروراً باختيار منهجية محددة لجمع البيانات المتعلقة بها وانتهاء بتحليل البيانات واستخلاص النتائج من الأمور الهامة في كل العلوم النظرية والتطبيقية."
ويكمل المجالي حديثة "قد تبرز أهمية دور المؤسسات التعليمية في تفعيل هذا النشاط العقلي المعرفي من خلال ازدياد اعتمادها على هذا التراكم المعرفي والتطبيقي، الى جانب أهميته النظرية فان الجانب العملي منه يتصل بوعي وإدراك صانع القرار في ان البحث العلمي هو الوسيلة نحو تحقيق التقدم والتطور الحضاري واستمراريته.
فلابد من التسليم لهذا الكم الهائل من المعلومات بانها الخيار الوحيد الذي ينمي ويطور ويستنبط الوسائل والطرق التي تعالج المشكلات والقضايا التي يعاني منها المجتمع بقطاعاته كافة، التطبيق يحقق بشكل دقيق وموضوعي في متطلبات التنمية، ويسهم في فهم الواقع لأغلب مراحل التطور والاثار والتداعيات التي تعرض المجتمع".
ويبين المجالي ان "تبرز اهميته في القدرة على تحليل الظواهر السلبية التي تمثل حجرة عثرة في سبيل تطور الامة وتقدمها، وعن طريقه تدرس بأسلوب منظم، ووضع أفضل الحلول، وبأقل تكلفة".
بالاضافة الى حل الإشكاليات المستعصية عن طريق إجراء التجارب والاختبارات العلمية وفقًا لطرق وأساليب دراسية محددة، فلم يكن أحد يعتقد في القرن الماضي أن هناك من سيصل إلى أعماق الكون الواسع... إلى ما غير ذلك من مكتشفات".
رؤوية استشرافية
تكمن اهميتها في تطوير المهارات وزيادة الثقافة العامة للمجتمعات ويمكن تقسيم هذه الأهمية إلى جانبين الجانب الاول: يتعلق بالباحث، اذا ان عملية كتابة بحث تزيد من الثقافة والمعرفة وذلك خلال جمع البيانات والوثائق المتعددة حول الموضوع، وهذه العملية تزيد الطالب تفوقا أكثر كما أنها تساعد الطالب على إثبات الحقائق وتفسيرها إن كانت له شكوك حول موضوعه.
واضافت التدريسية في جامعة اهل البيت زهراء الحداد ان الاتجاه الثاني يتعلق "بضرورته للمجتمع تكمن اذ يساعد في خلق ثقافة عامة، كما ان الابحاث تساهم في تقديم صورة واضحة عن المستقبل"، بالتزامن مع الرؤية الاستشرافية يعود الدكتور اياد المجالي ليؤكد ان "البحوث الجامعية اذا ما تم التعامل معها لاهميتها من قبل صانع القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي و الاستراتيجيات الوطنية، فأنها بمثابة خارطة الطريق نحو الوصول الى الأهداف بسهولة والمجال مفتوح للإبداع، ويجب أن لا يوقفنا في ذلك إمكانيات، فالعقول هي رأس المال الحقيقي، والجهد والمثابرة هما عماد البحث العلمي الحقيقي، علاوة على ما يحقق منه من منافع للمجتمع الانساني بشكل عام".
اسقاط فرض
الحداد بينت من مجال العمل وملازمتها للطلبة في اعداد مشاريع تخرجهم انه "للأسف بعض الطلبة يعد البحث العلمي اسقاط فرض ربما لأنهم يجهلون تماما هذه الأهمية ويعدونه مادة لابد من النجاح بها وبأي طريقة، فوجدت الحداد من الضروري "إقامة ندوات او محاضرات توعوية لتزويدهم بمعلومات عن مدى اهمية البحث العلمي في تطوير ذاته ومجتمعه.
إنشاء مراكز للدراسات والابحاث في كل الجامعات لاحتواء هذا الكم الهائل من المعلومات وإنشاء مجلات علمية تضم بحوث الطلبة الرصينة لتشجيع الآخرين على الكتابة والبحث والخوض في التفاصيل وإجراء مسابقات وتحديد مكافآت لأفضل بحث علمي لخلق روح التنافس بين الطلبة وبالتالي وفق هذه الحلول ممكن ان نغير وجهة نظر الطلاب عن عمل مشاريع رصينة تزيد مهاراته وبالتالي تزيد ثقافة المجتمع".
من التنظير الى العمل
بحوث التخرج لطلبة البكلوريوس هي النتاج الختامي لهم، تعد اللمسة العلمية والابداعية ضمن اختصاصاتهم، اذ انها تمثل التحول البحثي الفكري عن طريق ترجمة التنظير الى واقع عملي ملموس وهو الهدف الاسمى للتعليم.
وغالبا ما تتم اكتشافات كبيرة في الجامعات العالمية من طريق هذه الفئة الطلابية لاسيما في تلك تحتل الصدارة في الجودة بالتعليم في العالم، الدكتور سعدي الابراهيم العلوم السياسية في جامعة بغداد يكاد يكون متفقا مع الدكتور اسماعيل موسى حميدي الجامعة المستنصرية ولربما مع بقة الاساتذة في قطاع التعليم بالعراق.
يذكر جملة من الاسباب اهمها " ان المشاكل هي نفسها تتكرر منذ عدة سنوات، وبالتالي فأن صانع القرار او الجهات ذات العلاقة لديها كافة الحلول، لكنها لا تعرف كيف تطبق الحلول على ارض الواقع، لذلك هي لا تلتفت الى بحوث تكرر نفس المعلومة، كما ان اغلبها لا تنجز بشكل حقيقي، او لنقل هي لا تهدف الى وضع حل لمشكلة عامة، بل ان جل هدفها هو اما الحصول على شهادة او ترقية او اي شيء شخصي اخر".
وياتي الاصرار من الاحزاب الحاكمة بعدم اعتماد الكفائة والخبرة والاختصاص في وضع الاشخاص في مواقعهم الصحيحة ليفاقم المشكلة، يوضح ذلك الابراهيم بقوله "صانع القرار نفسه، في مختلف مؤسسات الدولة، لا يعتمد في عمله على الاسس العلمية، بل ان المؤسسات تدار بشكل روتيني وعشوائي، وبالتالي هو لا يحتاج الى ان يرجع الى بحوث الطلبة، كونها لا تتفق مع طريقة ادارته او مع ما ورثه من طرق تقليدية في العمل".
الا ان حميدي اشار الى "يمتاز العقل الشرقي عموما بالعاطفة، وبالتالي فان بعضها لا تكون حيادية ولا علمية، بل تعكس توجه الباحث مذهبه – قوميته، بمعنى لا يمكن الاعتماد عليها في حل المشاكل لأنها غير حيادية".
النوعي محدود
ويجمع اهل الاختصاص ان الحلول لهذه المشكلة التي جعلت من التعليم العراقي في ذيل قوائم الدول الافضل في قطاع التعليم، والخدمات والابتكار بالرغم من وجود محاولات فردية وبجهود ذاتي لاستخدام الابحاث في قطاع الهندسة والنفط والمعالجات الطبية الا انها تبقى محدودة، مقترحات عدة قدمها الابراهيم منها "تشكيل هيئة مشتركة من مجلس الوزراء و وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، هدفها انتقاء البحوث المهمة التي تتضمن حلول واقعية، وايصالها الى الجهات المعنية.
اضافة الى تنظيم جائزة وطنية سنوية للبحوث الافضل على صعيد العراق، وبمختلف التخصصات، الغرض منها الحث على الابداع وتشجيع البحث العلمي".
فيما يرى الحميدي ان "الفائدة من تلك البحوث قد تأتي بعد ان تتكفل الجامعة بطباعة ونشر البحوث الرصينة الهادفة ، وان يكون تنسيق بين وزارات الدولة المختلفة والجامعات، بحيث تقدم الوزارات قائمة بالمشاكل التي تحتاج ان يتم البحث فيها، ويكلف الطلبة بهذا الامر".
فيما جائت اراء الطلبة بين اهمية البحوث وضياعها في غيابت الجب كما قال حسن الهاشمي طالب صحافة "في الميدان المؤسساتي لم اوجد استفادة من هذه البحوث ، اذ اصبحت مجرد وسيلة للنجاح ونيل شهادة البكلوريوس، خاصة بعد ظهور مكاتب واشخاص متخصصين بكتابة البحوث الجامعية، حيث تتراوح اسعار بحوث التخرج من 75 - 250 الف دينار .
فيما عد كل من مريم العوادي وحسين الاسدي تخرجوا حديثا من احدى الجامعات ان الاهمية الحقيقية لها عندما تتحول مشاريع التخرج الى خطوات فعلية لحل المشاكل من خلال الجمع بين الملاحظات والمعرفة والبيانات، وابتكارات جديدة واستنتاجات واقعية، مما يؤدي تحويل التنظير الى نتائج ذات فائدة للبلد والمجتمع.