بعد فشل الانفصال: لمن صوت أكراد العراق في الانتخابات؟
وكالات
2018-05-14 06:33
(رويترز): قبل نحو ستة أشهر، كان أكراد العراق يعتقدون أنه لن يكون عليهم أبدا المشاركة مجددا في انتخابات عامة، وذلك بعد أن كانوا قد صوتوا لتوهم لصالح حلم يعود إلى قرن من الزمان بإقامة دولة مستقلة، لكنهم سيتوجهون يوم السبت إلى مراكز الاقتراع بعد أن خاب أملهم في النخبة السياسية التي قادت مساعيهم الفاشلة للاستقلال.
وقد يقوض التصويت القبضة التي يحكمها الحزبان الحاكمان في منطقة كردستان العراق على السلطة في الإقليم شبه المستقل منذ قرابة 27 عاما، ويواجه الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني أول تحد جاد لهما من أحزاب جديدة في الانتخابات التي ستجرى يوم السبت في أنحاء البلاد لاختيار رئيس جديد للوزراء.
وبرغم أن رئيس الوزراء حيدر العبادي يتصدر السباق المحتدم بفارق طفيف على ما يبدو، تأمل الأحزاب الكردية في استغلال الاستياء الذي تنامي في منطقتهم منذ أن تبدد حلم الاستقلال، وقال محمد عبد الحميد (32 عاما) وهو بائع خضروات كردي في كركوك ”كان عندنا كل شي، والآن عندنا ولا شيء“، وأضاف ”أخذونا علي هذا الطريق ... ليش أصوت لهم مرة ثانية؟"، وفي الوقت الذي يتوارى فيه الجيل الأقدم وبينما تجعل الأزمة الاقتصادية الدعوة إلى التغيير أكثر إلحاحا، تنحسر سلطة المؤسسة السياسية على قواعد دعمها العشائرية.
وتوفي جلال الطالباني الزعيم المخضرم لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي كان رئيسا للعراق، العام الماضي بينما ضعف موقف مسعود برزاني زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ الاستفتاء الفاشل الذي كان يدعمه، وتسعى أحزاب جديدة لملء الفراغ، ومن أبرزها تحالف الديمقراطية والعدالة بزعامة رئيس وزراء إقليم كردستان السابق برهم صالح. وترك صالح، وهو تلميذ الطالباني، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني العام الماضي ويخوض حملة مناهضة للفساد وهي قضية تحظى باهتمام كبير من كثير من الناخبين الأكراد، وقال صالح لرويترز ”هناك أزمة عميقة في إقليم كردستان“. وأضاف ”هذه الأزمة نتيجة منظومة حكم فاشلة تعتمد الحزبية والمحسوبية في إدارة شؤون البلد“.
حزب معارض
من المتوقع أن ينتزع صالح مقاعد من الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني وأيضا من حزب جوران المعارض الذي انشق عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في 2009، ويسعى أيضا حزب ”حركة الجيل الجديد“ الوليد بقيادة شاسوار عبد الواحد وهو حديث العهد بالسياسة، لكسب مقاعد من مرشحين راسخين غير أنه لا يعد منافسا قويا، وقال يوسف محمد الرئيس السابق لبرلمان إقليم كردستان والذي يقود حاليا قائمة حزب جوران في السليمانية ”هنالك ضعف لحملات الحزبين الحاكمين. ليس لديهم أي شيء يقولونه إلى ناخبيهم“، وتتابع الأحزاب بقلق انتخابات يوم السبت، نظرا لأن النتائج ستعطي مؤشرا قويا على قاعدة الدعم لها في فترة ما بعد الاستفتاء.
وينظر إلى ذلك باعتباره اختبارا واقعيا حقيقيا قبيل الانتخابات الإقليمية المقررة في 30 من سبتمبر أيلول. وإذا أبلت الأحزاب الجديدة بلاء حسنا يوم السبت، يتوقع الكثيرون أن يتغير توازن القوى الداخلي في إقليم كردستان في الخريف.
ويهيمن الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني على البرلمان الإقليمي كما أن أغلبية أعضاء البرلمان الأكراد الذين دخلوا البرلمان الوطني العراقي كانوا من الحزبين، وتبددت مظاهر البهجة قصيرة الأجل عقب تصويت العام الماضي على الانفصال عن العراق عندما فرضت الحكومة المركزية إجراءات عقابية سريعة واستعادت السيطرة على مدينة كركوك النفطية، التي ظلت تحت سيطرة الأكراد لثلاث سنوات.
أما اليوم، فقد توارى الفرح باستفتاء الاستقلال ليحل محله اعتقاد مؤلم بأن قادة أكراد العراق قامروا بالحكم الذاتي الذي خاضوا من أجله حربا ضارية والذي تمتعت به منطقتهم منذ حرب الخليج في عام 1991.
إحباط
أظهرت مقابلات مع عشرات الناخبين الأكراد أنهم يشعرون بالإحباط بعد فشل مسعاهم للاستقلال وقال بعضهم إنهم لن يشاركوا في التصويت، وتقول جولالة جابر عبد الله (38 عاما) وهي معلمة في السليمانية ”لا أرغب في المشاركة في هذه الانتخابات... لم نر أي شيء يذكر من الحزبين في الحكومة على مدى 27 عاما“.
وليس هناك الكثير من الحماس للانتخابات بين الأكراد. لكن في مدينة كركوك مختلطة الأعراق تحتدم الحملة الانتخابية في كل مكان وتهيمن لافتات المرشحين على كل المساحات العامة المتاحة. ويتنافس في محافظة كركوك 458 مرشحا على 13 مقعدا فقط مما يوضح أهمية الانتخابات فيها.
ومهما كانت نتائج الانتخابات التي ستجرى السبت فستقع على عاتق النواب الأكراد الذين سيذهبون إلى بغداد مهمة ثقيلة وهي إصلاح العلاقات المتدهورة مع الحكومة الاتحادية بعد أزمة استفتاء الاستقلال.
وعاد الدفء إلى حد ما للعلاقات مع بغداد في مارس آذار عندما رفع العبادي حظرا على الرحلات الدولية إلى كردستان العراق ودفع قسما من مخصصات رواتب الموظفين الحكوميين، لكن المفاوضات حول صادرات النفط واقتسام العائدات توقفت منذ ذلك الحين مما أدى إلى تفاقم مشكلات الديون الكردية ونقص التمويل لدفع الرواتب بعد ثلاث سنوات من حجب حصة الإقليم في الميزانية الاتحادية بسبب خلاف على مبيعات النفط، وكان الأكراد أكثر تفهما للإجراءات التقشفية عندما كانت توصف بأنها خطوة ضرورية على طريق الاستقلال. وعندما انهار هذا المسعى تزايد الشعور العام بالاستياء.
وقال ضابط في الجمارك بإقليم كردستان ”في كل عام نخسر رواتب بضعة أشهر“. ويحاول الضابط الحصول على عائد إضافي من خلال مساعدة والده في متجر للأحذية في السوق الرئيسية في أربيل وأضاف ”الحياة صعبة جدا“، وفي مارس آذار، تظاهر الآلاف من الموظفين الحكوميين احتجاجا على خفض الرواتب شملت للمرة الأولى احتجاجات في أربيل ودهوك وهما من معاقل الحزب الديمقراطي الكردستاني. وقوبلت الاحتجاجات بحملات أمنية عنيفة قتل فيها خمسة أشخاص.
وقال أبو غايب وهو من المؤيدين منذ زمن طويل للحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل ”الديموقراطية تمشي بكل العالم إلا هنا“. وقال إنه غاضب من القيادة الكردية لدرجة تمنعه من التصويت لهم مجددا، وأضاف أبو غايب وهو ضابط شرطة متقاعد يكمل على نقود تقاعده الشهرية الزهيدة ببيع حلي بسيطة على جانب الطريق ”نبقى فقراء... لكن يصبحون أكثر غنى. كيف إذا مو بالفساد؟“.
تحول للناخبين
من المرجح أن يستغل تحالف الديمقراطية والعدالة بزعامة صالح هذه الموجة من الاستياء. وتؤكد رسالته الانتخابية على التطهير من الفساد الذي يلطخ الحزبين الحاكمين، وفيما يحتفظ الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بتأييد واسع قال العديد من الناخبين لرويترز إنهم سيغيرون انتماءاتهم الحزبية هذا العام بعد أن استمالتهم الرسالة التي يؤكد عليها صالح، وقال نعيم محمد عزيز (36 عاما) وهو سائق سيارة أجرة في أربيل كان ينتمي للجماعة الإسلامية في كردستان ”الدكتور برهم شخص صالح ويحترم الجميع... لم تعد الحكومة تهتم بنا.. نحتاج إلى شخص جديد“، وفي معاقل الحزب الديمقراطي الكردستاني تتعرض لافتات صالح للتمزيق بعد ساعات من تعليقها وهو ما يعتبره مؤيدوه أمرا إيجابيا.
وقال وزير التجارة السابق في حكومة كردستان محمد رؤوف محمد وهو مدير حملة صالح في أربيل ”هذا يعني أن الحزبين الحاكمين يشعران بتهديد“، وهزت حركة الجيل الجديد أيضا المؤسسة. وتعرض مرشحها الرئيسي رابون معروف للضرب أثناء مؤتمر في حملته الانتخابية في أربيل هذا الأسبوع، وحشد الحزب بعض المؤيدين خاصة من الشبان المتحمسين لرسالته التي تدعو للتغيير.
وقال أراس أنور (20 عاما) وهو متطوع في الحملة ”نحن الشبان الأكراد نريد أن نؤيد هذه الحركة لمساعدة بناء كردستان من جديد“، لكن آخرين نفد صبرهم. وقالت جولالة المعلمة من السليمانية ”لا أستطيع أن أنتظر 10 سنوات من أجل التغيير“. وأضافت ”لا يهم سواء شاركنا في الانتخابات أو لا ... أصواتنا لن تشكل فارقا“.
كركوك كلمة السر
يرسم تقاطع طرق في مدينة كركوك بشمال العراق صورة حية للتحول السريع في حظوظ الأكراد. فالتمثال الشاهق لمقاتل دائما ما كان يمسك بالعلم الكردي الذي تزينه الشمس الساطعة بات الآن يمسك بعلم العراق بألوانه الأحمر والأبيض والأسود.
وعلى الجهة المقابلة، تحول الآن مقر حصين سابق للحزب الحاكم في إقليم كردستان شبه المستقل إلى قاعدة للقوات العراقية التي قادت الحملة السريعة لاستعادة السيطرة على كركوك في أكتوبر تشرين الأول، فيما بدد آمال الأكراد في الاستقلال.
ويتوق كثير من أكراد العراق إلى أن تكون كركوك في نهاية المطاف عاصمة لدولتهم، ومع هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق في العام الماضي باتت المدينة الغنية بالثروة النفطية أقرب منها في أي وقت مضى إلى أن تصبح مركزا دائما للسلطة الكردية، غير أن هذا الصعود قصير الأجل مني بانتكاسة، وتلاشت الآمال في أن تكون كركوك كردية قبل انتخابات عامة عراقية مقررة غدا السبت ومن المتوقع أن تضعف الأحزاب الكردية الرئيسية هناك، وقال مريوان علي (28 عاما) وهو مقاتل سابق في قوات البشمركة الكردية ويعمل حاليا طاهيا في كركوك ”كانت لدينا أحلام كثيرة من أجل كردستان لكنها تبددت، خسرناها كلها“، وأضاف أنه سيقاطع الانتخابات. وقال ”أرفض التصويت في أي انتخابات عراقية، لأي أحد يمثل جزءا من دولة العراق“.
وساعد علي ورفاقه في طرد تنظيم الدولة الإسلامية من كركوك بعدما فرت قوات الحكومة العراقية أمام زحف خاطف للمتشددين في عام 2014، وبذلك سيطر الأكراد، الذين تعرضوا للاضطهاد لعقود في ظل حكم صدام حسين، على كركوك لأول مرة ونصبت حكومة إقليم كردستان في ذلك الحين تمثال المقاتل الكردي.
وتحالفت البشمركة مع الجيش العراقي وفصائل شيعية مسلحة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في 2017. لكن بعد هزيمة عدوهم المشترك، برزت على السطح الخصومة القديمة بين حكومة الإقليم وبغداد ولاسيما في كركوك.
وحسم قرار بضم كركوك إلى الاستفتاء المثير للجدل الذي نظمه الأكراد، وصوتوا فيه بأغلبية ساحقة في سبتمبر أيلول لصالح الاستقلال، مصير المدينة. ففي غضون أسابيع، تقدمت قوات الحكومة العراقية صوب المدينة وسيطرت عليها في غضون أيام، والآن لا يسمح برفع أي علم بخلاف العلم العراقي.
وشكلت سيطرة الحكومة المركزية على المدينة ضربة مدمرة، إذ أنها أخذت معها جزءا كبيرا من إيرادات الإقليم النفطية كما مثلت خسارة رمزية يقول الأكراد إنها تركتهم في وضع مهين دفعهم للتفكير في المغادرة مرة أخرى.
وقال علي ماجد (67 عاما)، وهو أيضا مقاتل سابق تطوع بعد تقاعده لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، متحدثا في مطعمه ”لا أتحمل رؤية علم كردي آخر يتم تمزيقه أمام عيني، الموت أهون علي من ذلك“.
وأضاف ”من المهين أن تكون كرديا هنا الآن في كركوك. تتعرض للمضايقة عند نقاط التفتيش، وتم نزع ملصق علم كردي من على سيارتي. تخلصت أيضا من البندقية التي كنت أحتفظ بها في بيتي، بعد عمليات تفتيش متكررة قامت بها الميليشيات الشيعية“.
وكان ماجد ضمن قلة من الأكراد لا يزالون يستخدمون اللباس الكردي التقليدي، واختفت أيضا مظاهر أخرى تعبر عن القومية الكردية. وفي مدرسة استخدمت كمركز اقتراع في استفتاء سبتمبر أيلول ورقص الأكراد عندها في ذلك الحين، تدفق أفراد الشرطة الاتحادية العراقية يوم الخميس من أجل التصويت المبكر في الانتخابات.
قومية مكتومة
قال ماجد إنه سيغادر كركوك إذا أضعفت نتيجة الانتخابات وضع الأكراد، ويتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع يوم السبت، لأول مرة منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، في انتخابات ستحدد شكل المساعي التي ستبذل لعلاج الانقسامات العميقة في البلاد وربما تحدث تحولا في توازنات القوى الإقليمية.
وتخوض الجماعات الطائفية والعرقية الثلاث الرئيسية في العراق، وهي الأغلبية الشيعية العربية والأقلية السنية العربية والأكراد، صراعا منذ عشرات السنين، وفي كركوك، موطن كثير من الأقليات العراقية بمن فيهم الأكراد والتركمان والعرب السنة والمسيحيون الأشوريون، من غير المتوقع أن يتغير توزيع المقاعد على أساس العرق أو الدين.
وواجه الأكراد، المنتشرون في العراق وإيران وتركيا وسوريا، مصيرا وحشيا للغاية في ظل حكم صدام حسين الذي استخدم الغاز السام ضدهم ودفنهم في مقابر جماعية وأعطى أرضهم لعرب، وبعد أن خاب أمل الكثيرين من الأكراد في النخبة السياسية التي قادت مساعيهم الفاشلة للاستقلال، قد يقوض التصويت القبضة التي يحكمها الحزبان الحاكمان في منطقة كردستان العراق على السلطة في الإقليم شبه المستقل منذ عام 1991.
وحملات الأكراد الانتخابية في كركوك خافتة. ونظم أنصار مرشحي التركمان والعرب السنة مواكب في مركز المدينة يوم الخميس، وأطلقوا العنان لأبواق سياراتهم ولوحوا بالأعلام، لكن لم تكن مثل هذه الضجة ملحوظة في الأحياء الكردية التي كانت أهدأ، ويقول كثيرون من أبناء الأقليات الأخرى في كركوك إنهم سعداء بالعودة إلى سلطة حكومة بغداد.
وقال بشار عارف (45 عاما) وهو عامل تركماني في قطاع النفط بينما كان في مركز للتسوق ”الأمور أفضل الآن، الوضع أكثر نظاما. نفضل سيطرة الدولة العراقية هنا، ذلك لأنها حكومة شرعية... كان الوضع متوترا قبل أكتوبر“.
وتبدو عودة السيطرة الكردية أقل احتمالا منها في أي وقت مضى. وتقول وسائل إعلام كردية محلية إن قوات الأمن الكردية قد يكون لها دور في المستقبل في حفظ الأمن بالمنطقة وهو ما نفاه مسؤولون في الجيش العراقي، وقال اللواء معن السعدي المسؤول بجهاز مكافحة الإرهاب في مكتبه بالمقر السابق للحزب الديمقراطي الكردستاني إنه لم ترد إليهم أي أوامر تقول إن البشمركة ستعود إلى كركوك، وأضاف أن المدينة تحت السيطرة وأكثر استقرارا مما كانت عليه في ظل البشمركة.