المواكب الحسينية في عاشوراء: خدمات مباركة ومراسيم مهيبة
مصطفى عبد زيد
2017-09-27 04:00
في كل عام وفي مثل هذه الأيام، يحل علينا شهر محرم الحرام ويليه شهر صفر. حيث يستذكر المسلمون عموما، والشيعة بوجه أخصّ، وقائع استشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) في كربلاء المقدسة، وما أن تلوح هذه الذكرى في مثل هذه الأيام حتى تبدأ الآلاف المؤلفة من أحباب الحسين (ع) وأتباعه ومريديه ومناصريه، بالتقاطر والتدفق من جميع أنحاء العالم، على أرض كربلاء المقدسة، فتغص الشوارع والساحات العامة والحسينيات والمواكب وبيوت الأهالي بالحشود المليونية لزوار أبي عبد الله الحسين (ع).
فيبدأ أهالي كربلاء المقدسة وسكان جميع المدن والمناطق التي يمر بها الزوار الكرام بتقديم الخدمات المختلفة التي يحتاجها هؤلاء الزوار، من مأكل ومشرب ومنام وراحة تامة، إضافة الى ذلك لابد أن تقوم المواكب الحسينية المشيّدة على امتداد الطرق بتقديم كل الخدمات التي يحتاجها الزوار ومنها ما يؤدي الى ترك مخلفات وفضلات وما شابه، في هذه الحالة يجب أن لا تقتصر مهمة أصحاب المواكب الحسينية على خدمة الزوار، وإنما تتعداها الى جمع المخلفات والفضلات التي يتركها الزوار الكرام بعد راحتهم وإقامتهم في المواكب.
كما ينبغي الحفاظ على البنية التحتية، لمدينة أبي الأحرار (ع) وجميع المناطق والمدن التي يمر بها زوار الإمام ، وهذه من مسؤولية أصحاب المواكب، وكذلك يمكن أن يتلطف الزائر ويقوم بجمع مخلفاته ورميها في الأماكن المخصصة لجمع النفايات، مع أهمية المحافظة على شبكات المجاري والمياه والأرصفة والشوارع العامة وجمالية الحدائق في المدن التي يمر بها زوار الإمام الحسين (ع) السلام، فتكون هذه المهمة (مهمة الحفاظ على البنية التحتية) من مسؤولية القائمين على المواكب الحسينية، بالإضافة الى إمكانية مشاركة الزوار الكرام في هذه المهمة.
المشاركة بمراسيم العزاء الحسيني
ولابد أن ترافق الخدمات المقدمة للزوار القادمين لإحياء مراسيم العزاء الحسيني، خدمات صحية أمنية وتنظيمية تقدمها مجالس المحافظات التي يمر بها الزوار المشاة، وكذلك توفير الكوادر الصحية ومشاركة دوائر البلدية بتقديم خدماتها للزائرين، والحفاظ على الأمن، وانتشار المفارز الطبية التي تقدم الأدوية التي يحتاجها الزوار الكرام، وسيارات الإسعاف للحالات الطارئة، كذلك من المستحسَن أن تخطط المواكب لتقديم الوعي الديني والثقافي للزوار من خلال القيام بالمجالس والمحاضرات الدينية، كي تقدم الموعظة والإرشاد إلى جموع الزائرين، وأهمية التمسك بالدين الإسلامي والتعاليم التي تحيي الشعائر الحسينية، وتقدم التوعية اللازمة للجميع، مع وجوب الاهتمام بالشباب فكريا وتربويا ودينيا وثقافيا.
ولغرض إلقاء الضوء على الأنشطة والفعاليات التي تقوم بها المواكب الحسينية، بادرت (شبكة النبأ المعلوماتية) بالتجوال في المواكب الحسينية في داخل كربلاء المقدسة لمعرفة مدى تطبيق ما تم ذكره في أعلاه، وبعد أن أشدنا بجهود وخدمات أصحاب هذه المواكب، توجهنا لأحد المشاركين في موكب (طرف المخيم/ أبو علي)، بالسؤال التالي: نظرا للزخم الكبير لزوار أبي عبد الله الحسين (ع) والجموع الغفيرة القادمة، فهي تحتاج الى خدمات كثيرة، فما هي طبيعة الخدمة التي يقدمها موكبكم المبارك للزوار، وهل هنالك خطة تنظيمية للحفاظ على البنية التحتية؟. فأجابنا قائلا:
زوار الحسين (ع) يأتون من بلدان بعيدة خارج العراق، أو من مدن العراق البعيدة، منهم من يأتي سائرا على قدميه، في شعيرة عمرها هو عمر الثورة الحسينية كلها، فمنذ مئات السنين يأتي إلينا زوار الإمام الحسين معززين مكرمين، ونقدم لهم كل ما يحتاجونه، ونبقى في خدمتهم ليل نهار، ونحرص أن لا ينقصهم أي خدمة كالطعام والمنام والرعاية الطبية التي تقدمها لهم مفارز طبية متخصصة وموجودة طوال ساعات النهار والليل، أما بالنسبة للمحافظة على النظافة والبنية التحتية، فإننا ملتزمين بهذا الشرط، وبلغنا الجميع من المشاركين بالموكب وخصوصا الشباب، المحافظة على نظافة الموكب والأماكن القريبة منه، ونعمل على حماية شبكة المجاري وتعبيد الأرصفة، وشبكات الماء والكهرباء، فمثلما نحرص على خدمة الزوار نحرص بنفس المستوى للحفاظ على النظافة والبنية التحتية.
من ناحيته قال الحاج (أبو كاظم) من النجف الأشرف (موكب السهلة)، نتشرف بخدمة جميع الزوار وليس فقط أهالي هذا الموكب، فنحن نقدم جميع الخدمات لكل من يحتاجها من الزائرين الكرام، حتى المنام متوفر والماء والأكل ثلاث وجبات، ونقوم بطبخ القيمة النجفية المعروفة بطعمها الخاص وطريقة طهيها. وعن عدد وجبات الطعام التي يقدمها الموكب قال: نقدم الفطور بعد صلاة الفجر مباشرة، ونبقى نقدم الشاي باستمرار، وبعد صلاة الظهر نقدم وجبة الغطاء داخل وخارج الموكب، التمن والقيمة النجفية مطلوبة من الجميع، وبعض الزوار يأتي بقدور فنملأها له ولعائلته، إنها بركات أبي عبد الله الحسين. وعن النظافة قال الحاج: تم توجيهنا من مسؤولي المواكب على هذه النقطة، ونحن أيضا تعلمناها من مواكب أخرى، لذلك جميعنا وخاصة الشباب نحافظ على الموكب والمناطق القريبة منه وخاصة جمع المخلفات بعد وجبات الطعام، ونحرص على نظافة فتحات المجاري، وترشيد استهلاك الماء، وكل ما يحتاجه زائر الحسين (ع) سيجده حاضرا قبل أن يطلبه، نحن نجد راحتنا في خدمة الزائرين الكرام.
فعاليات ثقافية وفنية متميزة
وأثناء التجوال في شوارع كربلاء المقدسة المكتظة بأجساد الزائرين، رأينا مجموعة شباب في موكب يشبه المسرح، ولاحظنا وجود جمهور من الشباب مع منصة وما يكرفون مع إلقاء قصائد حسينية كان يتفاعل معها الشباب بشدة، ويرددون أبياتها بتناغم جميل، وكانت مضامينها رائعة تدعو الى الخير والجمال والمحبة والالتزام بمبادئ أبي الأحرار عليه السلام، بعد قليل عرفنا من أحد الشباب المشاركين، أن هذا الموكب متخصص بالنشاطات الفنية والأدبية والثقافية، وجمهوره من الشباب يزداد ساعة بعد أخرى، وعندما سألنا عن أهداف هذا الموكب الحسيني الشبابي: أجابنا أحد الشباب القائمين على نشاطات الموكب، بأن المهم لدينا توعية الشباب خصوصا ما أراده الإمام الحسين من ثورته، وفضح يزيد الأموي الفاسق والحفاظ على الدين وتنمية قيم الخير والحفاظ عليها، وبعض القصائد طالبت المسؤولين بوجوب الاهتمام بفئة الشباب، من حيث التعليم وفرص العمل وقتل الفراغ والاستفادة من الطاقة الشبابية المتفوقة والكبيرة نسبيا في العراق.
في جولتنا هذه شاهدنا العديد من التكيات الحسينية، وهي تظهر بحلة ضوئية تسلب اللب وتسحر العين بجمالها، مع وجود التحف الفنية الصغيرة وترتيبها في رفوف بتصميم جميل جدا، وأحيانا نشاهد أطفالا يؤدون بعض الفعاليات الرائعة، كلها تشي بالإيمان ومحاولة تقديم مشهد من التشابيه، منها ما يذكرنا بالطفل الشهيد الرضيع (عبد الله بن الحسين) عليهما السلام، وذلك المنظر المؤلم لحرملة المجرم وهو يوجه سهمه الى عنق الطفل ودماء الطفولة المحمدية التي تتصاعد الى عنان السماء، إنها لوحات معبرة ومتنوعة تتحد كلها لتحكي للجميع قصة البطولة الحسينية، التي هزت عروش الطغيان على مر التاريخ.
كما أننا بالنتيجة نقف أمام مشهد لا يتكرر إلا بعد سنة، لذلك نلاحظ أن الزوار الكرام وهم يتطلعون الى المنائر والقبب المضيئة للمراقد المقدسة يفتحون عيونهم الى أكبر قدر ممكن وكأنهم يريدون الاحتفاظ بهذا المنظر المهيب الى الأبد، بعضها يبكي وبعضها لا ترمش عينه وهو يحتوي الأضرحة المقدسة، وفي جميع الأحول يعود الزائر الكريم الى أهله وبيته، وهو محمّل بعطر الحسين (ع) ومبادئه العظيمة لينثرها الجميع بذور خير ورحمة وسلام ومحبة وعدل يطول الجميع إذا التزموا بما جاء به الحسين (ع) وما أراده وهو معروف للقاصي والداني.