العزوف عن زيارة الطبيب النفسي: جهل بالفائدة أم خوف من وصمة اجتماعية؟
زهراء جبار الكناني
2017-05-13 06:56
ما زالت المواقف الخاطئة تقبع في غياهب الجهل لدى الكثير من الناس حول زيارة الطبيب النفسي حينما يحتاج المرء الى ذلك، فيسعى المريض جاهدا لأنكار زيارته للطبيب، خوفا لما يجر اعترافه من عواقب سلبية يمكن ان تؤثر على سمعته في المجتمع لينعتوه بالمجنون رغم ان حياتنا مكتظة بالمشاكل الوخيمة. لربما الكثير يعانون من ازمات نفسية لكنهم يرفضون الاعتراف بذلك لتجنب زيارة الطبيب الذي يعتبرونه بصمة عار اجتماعية فتزداد وطأت المرض ليصبح مستعصيا يصعب شفائه.
(شبكة النبأ المعلوماتية) التقت بعدد من المواطنين من المجتمع لتطلع على آرائهم حول زيارة الطبيب النفسي.
لحظة ضعف
ليتني عرضتها على الطبيب حينما احسست بأنها ليست على سجيتها قادني الكبرياء لتجاهل الامر وبأنها تتصنع المرض لأعدل عن قراري بالزواج الثاني لم اكترث حتى لقولها بأنها ستقتلنا جميعا! على غني مهندس 38 سنة تابع كلامه: من أصعب الامراض النفسية التي تصيب الانسان هو الشعور بالضعف من المواجهة وتقبل الواقع فيلجأ اما الى الانتحار او الادمان.
كنت قد غصت في نوم عميق في قيلولة الظهيرة افقت بعدها وانا في غرفة الانعاش لأعلم ان زوجتي قد احرقت البيت بما فيه بعدما اغرقته بسائل البانزين وقد مات احد ابنائي معها على اثر الحريق، ما كنت اتصور ان لحظة ضعف قد تقودها الى التخطيط والانتحار رغم اني لم اشعرها بأي نقص بعد زواجي الثاني"، كثر اللائمون وبأني المسوؤل عما حدث لازمني الارق وانطويت بأحزاني احسست بأني بحاجة الى استشارة نفسية، لأتخلص من هواجسي وقلة النوم التي رافقتني منذ يوم الحادث، وبعد مرور وقت قصير استعدت قدرتي على التواصل مع من حولي ومواجهة قلقي واحتويت ابنائي الذين نجوا من الحادث وواصلت حياتي، لربما هناك الكثير من يعانون من حالات نفسية واضحة الا انهم يرفضون الاعتراف بذلك تحت ذرائع ومبررات كثيرة، أظن ان من يدرك انه مصاب بأزمة نفسية لا يحتاج احيانا الى طبيب لانه ايقن ذلك بنفسه، فمقدوره ان يواجه مشاكله وحلها، ومن يعجز فعليه ان يلجأ الى الاستشارة النفسية، واغلب المرضى النفسيين لا يدركون مرضهم والمقابل يسخر منه وينتقص من شأنه بدل ان يقدم له يد العون.
فيما قالت فاطمة الموسوي محامية: بحكم اعراف مجتمعنا ان من يرتاد العيادة النفسية متخلفين عقليا، وهذا ما يجعل الكثير يستبعد فكرة زيارة الطبيب النفسي. انا لا ارى عيبا في زيارة الطبيب النفسي ان كان الامر يستدعي فهناك الكثير من الناس يمرون بضغوطات نفسية لربما يحتاجون الى من يستمع اليهم، لان اغلب المصابين بأزمات نفسية يجدون من الصعب جدا ان يفضوا مابداخلهم، الطبيب سيفهمهم اكثر ويساعدهم في تخطي مخاوفهم واخماد القلق الذي يعتريهم، فلا ارى داعي للسرية او الخجل من زيارة الطبيب.
ويشير سامي حسين طبيب اسنان بأن المجتمع رغم كل تحولاته صعب جدا، الامر الذي استدعى ان تطفوا الكثير من الامراض النفسية التي قد لا نكتشفها بداخلنا بأعتقادي انه مرض عضوي كباقي الامراض، والمؤلم ان المفهوم النفسي لايزال مشوشا عند الغالبية من المثقفين، ويكاد يكون معدوما عند بقية الناس، والمظلوم في هذه الحالة هو المريض، والمنتصر هو المرض الذي يستشري ويتفاقم بسرعة، ودائما تأتي زيارة الطبيب النفسي متأخرة لعدم المعرفة او الاحساس بالخجل. متابعا بالقول: والغريب بالامر ان الزيارة الاولى تتم في حجرات الدجالين والمشعوذين، بأعتقادي ان المرض النفسي مثل اي مرض عضوي له اسبابه واعراضه وعلاجه، كما اننا معرضون لأي مرض عضوي فأننا جميعا وبدون استثناء معرضون لأي مرض نفسي او عقلي.
ومن جهته قال محمد المسعودي طالب كلية فنون: التفكير كما يعرف المهتمون ينقسم الى اقسام منها التفكير العلمي والتفكير الخرافي والتفكير بعقول الاخرين، ولان مجتمعنا يشترك حتى في اسلوب التفكير والفهم، لذلك فأن ما ينتشر او يشاع عمن يذهبون الى الطبيب النفسي هم ذو خلل عقلي، ولا يفرق المجتمع بين الخلل النفسي والعقلي، وهذا ما ينتج عن التفكير بعقول الاخرين على اساس الانتشار، ولان مجتمعاتنا لا تخضع لكثير من الامور لمنظومة العقل بل تخضعها لمنظومة التقاليد والاعراف المجتمعية، ويعد علم النفس علم عريق ولد مع ولادة الانسان، وهناك الكثير من التجارب التي اثبتت صحة هذا العلم وفرضياته ونتائجه، واكد المسعودي ان الطبيب النفسي هو فيلسوف يحاكي الانفعال النفسي بطريقة تجعل من سلبية الضعف النفسي قوة اعتمادا على مدى وعي المجتمع وادراكه لحقيقة علم النفس وان شعرت بانني بحاجة لطبيب نفسي سأذهب لكن بالخفاء لان مجتمعنا متخلف وللاسف القليل جدا من يتقبل فكرة زيارة الطبيب النفسي.
تأنيب الضمير
ام فاطمة مديرة مدرسة قالت: كثيرا ما قادني تأنيب الضمير حول تدهور صحة ابنتي بسبب رفضي على عرضها على الاختصاصي النفسي، مررت بأيام يصعب عليه تذكرها، قبل سنين طوال عمدت لابنتي فاطمة ان تهتم بشقيقها وتراعه في غيابي لكثرة انشغالي حتى تعلقت به، وفي ذلك اليوم المشؤوم خرجت فاطمة لشراء بعض الحاجيات تاركتا خلفها اخيها باكيا وبينما كان يحاول اللحاق بها دهسته سيارة ففارق الحياة، بدء الكل بتأنيب فاطمة لتركها إياه، كونها لم تصطحبه معها، انعزلت فاطمة تماما عن المحيط الاجتماعي وتركت مدرستها، رحت ابحث عن امل يشفيها من انطوائها المباغت خلف ابواب الدجالين، ولم افكر عرضها على الطبيب النفسي خشيت ان يقال انها مجنونة، حتى تعتني وضعها وازدادت سوءا، وبعد ما تلقت جلسات بالصعقات الكهربائية في المستشفى قال الطبيب الذي زرته بعد اليأس ان خلايا الدماغ تلفت ولن تستجيب للعلاج لأنكم تأخرتم، عاشت فاطمة مع مرضها ماي ناهز 25 سنة، وبقى تأنيب الضمير يلازمني لأني كنت جزءا بسبب مرضها ولأني رفضت عرضها على الطبيب المختص آنذاك.
الاختصاصي النفسي
مناضل موسى الاختصاصي النفسي قال: لم تزل النظرة الاجتماعية المتوجسة من الطب النفسي قائمة، ولم يتخطى الكثير من الناس هذه المرحلة من الريبة لمراجعة الطبيب النفسي، رغم ان المرض النفسي اضطراب وظيفي في الشخصية يؤثر على سلوك الشخص فيعيق توافقه حيث يكون المرء بحاجة الى استشارة نفسية، لكن اكثر الناس تقبع في نظرة سلبية حول زيارة الطبيب النفسي وذلك نتيجة عوامل كثيرة اهمها ان الطب النفسي حديث النشؤ نسبيا ويتعامل مع امراض غير مرئية وغير مفهومة للأخرين وتتداخل مع الاعراف والمفاهيم الدينية وهذا الامر موجود في اغلب الدول، واكد ان نسبة 95% من الادوية النفسية ليس لها علاقة بالادمان اطلاقا وهي ادوية امينة وفعالة، وقد يحدث اختلال لدى البعض في انه لو ترك الدواء سيشعر انه ليس متوازنا نفسيا وهذا يحدث لدى مرضى القلق و كبار السن نتيجة التعود، والقلقين يفرزون هرمون القلق عند حدوث اي شيء على غير العادة ولذلك تحدث الاعراض، ان اغلب المرضى يصلون الى نسبة الشفاء التام ويتركون الادوية، وقد تلاشت تقريبا المعالجة بالصعقات الكهربائية حيث اصبح هذا النمط بالمعالجة نادر جدا و فقط في الحالات الخاصة، وقد يصيب الاطفال بالمرض النفسي حتى الرضع وذلك نتيجة ارتفاع هرمون القلق لديهم في الدم والادرار، البعض من الامراض النفسية التي تصيب المرء هو بسبب المشكلات الحياتية والافضل علاجها حتى يستطيع الشخص تحمل الظروف المحيطة التي ربما لاتتغير او تحتاج زمن طويل للتغير، واضاف ان الثلث من الامراض النفسية هي وراثة، والابحاث الحديثة تؤكد ان النسبة قد تكون اكبر، وهناك اسرة يصاب بها اكثر من فرد وذلك يعود الى الوراثة وظروف التربية والحياة كلها عوامل مشتركة للتتسبب بهذا المرض، اما دخول الدين مع طب النفس قد ينفع في تجنب بعض الامراض ولكن عند حصول المرض حتى وان كان بشدة متوسطة لا ينفع الا الطب بما فيه من ادوية وعلاج نفسي.