وباء يحاصر المراهقين ويفتك بالمجتمع

اخلاص داود

2017-04-19 07:35

جالساً القرفصاء يسند ظهره الى خزان الماء في سطح الدار، ينفثُ دخان سيجارته كمدخن عتيق، ويتلفت حذرا يمينا ويسارا، هكذا وصفت صديقتي ابن الجيران (سجاد) وهو طفل لم يتجاوز عمره سبع سنوات، تقول صديقتي: ان المضحك المبكي في الأمر ان سذاجته وبراءته جعلته يتخذ مكانا فوق السطح، متوقعا انه المخبأ الذي لن يراه فيه احد وهو يدخن، بينما كان يراه جيرانه وكل من يمر في الشارع.

هذا مشهد من مشاهد اخذت بالتزايد لتتحول مع مرور الوقت الى ظاهرة ربما البعض استساغ فكرتها وتقبلها على مضض، ولكن نحن والكثير ممن هم في تساؤلات دائمة لماذا وكيف وما هو الحل لظاهرة تدخين صغار السن، من هذه التساؤلات اِرتأت (شبكة النبأ المعلوماتية) أن تتوغل في هذه الظاهرة من حيث الأسباب والحلول، للتقليل منها أو منعها بعد أن أنهكت اجساد اولادنا وأهدرت اموالنا.

إرث الآباء للأبناء

كيف تعلمت التدخين؟ كان هذا سؤالنا للصبي (حمزة البالغ من العمر 13 سنة) بعد ان ركبنا معه في (الستوتة) التي يعمل عليها في أحد الأسواق الشعبية، قال: وانا صغير كان اخي الاكبر يرسلني لسرقة السجائر من جيب والدي وكنت انظر له كيف يدخنها ويستمتع بها، مما أدى الى وفاته بسرطان الدم، وفي ليلة وفاته حزنت كثيرا وسرقت ما يقارب خمس سجائر من والدي ودخنتها كلها، ويومها تعبت وأحسست ان قلبي (عطَّب) وفمي تيبس وشيئا ما كتم انفاسي، لكن لم يهتم بي احد فالكل مشغول بوفاة اخي، ومن يومها وانا أدخن.

وأردف قائلا: التدخين وراثة وعادة تنتقل من الاباء الى الابناء فوالدي دخن السجائر وعمره خمسة وعشرون عاما وقتها كان الحذر والاحترام والخوف من الاهل كبيرا، وكذلك سابقا كان الشاب يخجل من جيرانه والمجتمع ان ينظروا له نظرة استخفاف واحتقار، هكذا قال لي والدي، واليوم اختلف كل شيء فانا دخنتها وعمري احد عشرة سنة وانا ومن هم في عمري نمسك السيجارة ونتمشى في الشارع متباهين بها لنعلم الجميع اننا اصبحنا (زلم) ولا يهمنا انتقاد الاخرين .

دخن عليها تنجلي

الدكتورة فاطمة بهجت اخصائية امراض الجهاز التنفسي قالت متنهدة: اكثر ما يحزنني حين يكون المريض شابا وقد اتلفت مادة الكربون المؤكسد والنيكوتين السام الموجودة في التبغ جهازه التنفسي، فمنهم قد تسبب له التدخين بسرطان الرئة او الحنجرة او بانتشار الفيروسات في جهازه التنفسي او اسهمت بضعف الرئة مما يؤدي الى عجزها عن القيام بوظائفها، ومع كل المخاطر الصحية التي تصاحب التدخين نرى تزايد الشباب المدمنين عليها، فهم يطبقون المثل الشعبي القائل (دخن عليها تنجلي) بحذافيره، اما عبارة التدخين مضر بالصحة الموجودة في الاماكن العامة وفوق علب التبغ باتت لا تشكل اي اهمية ولا تسبب اي دافع للخوف من التدخين.

وأضافت قائلة: في سنة 2006 أجرت وزارة الصحة احصائية لعدد المدخنين في العراق وتبين ان عددهم يبلغ نحو مليونين ونصف المليون مدخن، اما اليوم فقد تضاعف العدد ليصل نحو سبعة ملايين مدخن حسب التقرير السنوي الذي اعلنته منظمة الصحة العالمية بالاضافة الى ان ما يقارب المليار علبة سجائر تستهلك سنويا، وهذه الارقام كارثية ومحطمة للصحة والاقتصاد والبيئة وتحتاج لتكاتف جهود الجميع سواء كان الحكومة او المجتمع او الاهل للوقوف بوجه هذا السيل الهادم .

القانون حبر على ورق

القانوني والناشط في حقوق الانسان مسار فالح قال: في سنة 2012 استبشرنا خيرا عندما شرع قانون مكافحة التدخين وصوت علية مجلس النواب، وتضمن القانون عقوبات بحق المخالفين وكان من بنوده ما يخص الشباب والاطفال، وقد جاء في هذا القانون:

1- يمنع الصغير والحدث من التدخين او ممارسة مهنة بيع وشراء التبغ ومشتقاته.

2- تضمين المناهج الدراسية والبرامج التعليمية والتربوية بمواد تبين مجمل الأضرار المترتبة على التدخين وخطورته على المدخنين وغير المدخنين.

3- اقامة البرامج التثقيفية وبرامج التوعية الدورية في المؤسسات التعليمية والتربوية ودور العبادة، والمؤسسات الصحية والثقافية وفي وسائل الإعلام المختلفة عن اضرار التدخين في اطار خطة وطنية سنوية.

4- طبع وتوزيع ملصقات منع التدخين والتحذير من أضراره في الاماكن العامة المحظور فيها التدخين، وعلى المحلات التي تمارس بيع السجائر او التبغ ووضع لوحات تتضمن التحذير الصحي في مكان بارز.

ويمنع صنع وتداول واستيراد شعارات منتجات التبغ ومشتقاته على منتجات اخرى كالقبعات والقمصان واكياس النايلون والمظلات والاشارات المرورية واللافتات الدعائية بمختلف انواعها، وهذه البنود لو تم تطبقها فعلا، لتراجعت هذه الظاهرة على نحو كبير، وتضاءلت نسبة المدخنين كثيرا، لكنها قوانين تشبه نظيراتها فهي تبقى حبر على ورق لتبين إهمال وضعف الدولة وعجزها عن تطبيق القوانين بمختلف أنواعها.

المحاسبة لها الدور الأكبر

المدرس المتقاعد طارق كاظم يقول: في السابق كان من النادر ضبط احد الطلاب وهو يدخن، لكن الان اصبح الاساتذة يضبطون بشكل شبه يومي طلابا يدخنون رغم ان الاجراءت القانونية الرادعة التي تطبقها المدارس كانت ومازالت نفسها، فنحن نقوم بخصم من درجات سلوك الطالب ونقوم باستدعاء ولي امره، والحق يقال ان هذا لا يكفي فنحن بحاجة الى اجراءات صارمة ورادعة تتماشى مع العصر الذي نعيشه وارتفاع نسبة المدخنين المراهقين.

كذلك نحن بحاجة الى جولة دروس توعية تتبناها منظمات انسانية والمجتمع المدني وتساندها الحكومة لكافة المدارس، وتبين من خلالها مخاطر التدخين معنويا وجسديا وماديا، وتكون بشكل دوري ومستمر لغرس المعلومات الصحيحة عن مضار التدخين، مع المراقبة الشديدة من قبل الأساتذة على طلابهم.

من جهته قال الاستاذ حسين طالب عن هذا الموضوع: كان بحث تخرجي من كلية الإدارة والاقتصاد جامعة كربلاء عن ظاهرة التدخين عند المراهقين، وخلال بحثي حصلت على معلومات ربما لم اذكرها في بحث تخرجي لكنها مهمة:

أولا: ان نسبة المراهقين والأطفال الذين يدخنون في الأحياء الفقيرة يفوقون أقرانهم في الأحياء الغنية.

ثانيا: المراهقون الذين يعملون مع آبائهم في المحلات او المعامل وغيرها، هم اقل نسبة ممن يعملون وتكون اعين الاهل بعيدة عنهم.

ثالثا: الاولاد الذين يعملون في سن مبكر اكثر عرضة للتدخين.

والسبب في هذه الظاهرة هو اهمال الاهل في النصح والارشاد والمتابعة لتجنب الاولاد مخاطر هذه الآفة الضارة، وكذلك الدور الكبير والاساسي من تقليل انتشارها هي السياسة الفاعلة الصارمة والرادعة التي تطبقها الحكومة.

ختاما ان الادمان على التدخين ينهش اجساد اولادنا وتعد هذه الظاهرة سيئة حيث تنذر بالخطر الذي يحيق بحاضر ومستقبل شبابنا، لذا الأمر يتطلب من الجميع الوقوف على اسباب انتشارها، حيث تعتبر محاصرة الدّولة بمؤسّساتها لتلك الآفة من خلال القانون الذي شرع وصدق من قبل مجلس النواب هي الخطوة الفعالة لتقويض انتشار التدخين وحماية المراهقين وصغار السن في حال تطبيقه، ولهذا نحن نناشد الحكومة بتفعيل هذا القانون، مع وضع قانون يلزم اصحاب المحال بعدم بيع السجائر للاعمار دون سن الثامنة عشر ومعاقبة المخالفين، وهذا اجراء تقوم به اغلب دول العالم ومنها الدول العربية.

وعلى الأهل أولا: إرسال رسائل عامة (مشفرة) ومكررة بشكل دائم في جلساتهم الأسرية، تناشد غرور وتفاخر اولادهم بجمالهم وصحتهم وكيف سيشوه التدخين أجسادهم فتصيبهم التجاعيد وجفاف البشرة، وزرقة في الشفاه، ويترك رائحة كريهة في الفم والثياب وتسوس الأسنان وغيرها الكثير لتثير الخوف والاشمئزاز منها.

ثانيا: طرح أسئلة دائة عن رأيه بالتدخين في مثل عمره، وبذلك ستعرف اذا كان الأمر نوع من التمرد او التقليد او اثبات الذات، وينبغي مناقشة الابن بالامر واذا كان من الرافضين للتدخين يجب تشجيعه على موقفه والثناء على كلامه وموقفه.

ثالثا: اذا كنت ايها الاب تدخن لا تترك السجائر في مكان يتمكن ابنك من الوصول إليها، وأوضح له مدى الضرر الذي اصابك منها وشعورك الدائم بالأسف على إدمانها.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي