قلق متزايد وتفاؤل مشروط.. كيف ينظر الأمريكيون إلى الذكاء الاصطناعي؟
شبكة النبأ
2025-09-22 04:35
مقدمة: تنامي الوعي وميزان القلق
في الوقت الذي أصبحت فيه أدوات الذكاء الاصطناعي (AI) تلعب دوراً متزايداً في جوانب متعددة من الحياة والمجتمع، تشمل السياسة والفنون والعمل، يعبر البالغون الأمريكيون عن مزيج من الانفتاح على فوائدها المحتملة والقلق العميق إزاء تأثيرها على القدرات البشرية الأساسية. وتأتي هذه النتائج من دراسة شاملة أجراها مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center)، وهو مؤسسة غير حزبية ومحايدة تسعى لإعلام الجمهور حول القضايا والاتجاهات التي تشكل العالم. وقد شملت هذه الدراسة، التي أجريت بين 9 و 15 يونيو 2025، مسح 5,023 بالغاً أمريكياً، جميعهم أعضاء في لجنة الاتجاهات الأمريكية (ATP)، التي تم تجنيدها لتمثيل السكان البالغين في الولايات المتحدة.
أحد أبرز النتائج الرئيسية هو أن الأمريكيين أصبحوا أكثر قلقاً بكثير من كونهم متحمسين لزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية. ففي عام 2025، قال 50% من البالغين إنهم يشعرون بالقلق أكثر من الحماس بشأن الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي، وهي نسبة ارتفعت بشكل ملحوظ من 37% في عام 2021. وفي المقابل، أعرب 10% فقط عن حماسهم أكثر من قلقهم، بينما قال 38% إنهم متحمسون وقلقون بالتساوي.
على الرغم من هذا القلق العام، يظل الأمريكيون منفتحين على السماح للذكاء الاصطناعي بمساعدتهم في المهام اليومية؛ حيث قال ما يقرب من ثلاثة أرباع البالغين (73%) إنهم مستعدون للسماح للذكاء الاصطناعي بمساعدتهم ولو قليلاً في المهام والأنشطة اليومية. ومع ذلك، فإن 13% فقط على استعداد للسماح للذكاء الاصطناعي بالمساعدة "كثيراً".
تنامي الوعي والفجوات الديموغرافية
أكدت الدراسة على النمو المستمر في وعي الجمهور بالذكاء الاصطناعي. ويقول 95% تقريباً من البالغين الأمريكيين إنهم سمعوا "على الأقل قليلاً" عن الذكاء الاصطناعي. وقد شهدت حصة من قالوا إنهم سمعوا أو قرأوا "الكثير" عن الذكاء الاصطناعي زيادة كبيرة، حيث ارتفعت من 26% في عام 2022 إلى 47% في عام 2025، بزيادة قدرها 7 نقاط مئوية في العام الأخير وحده.
الوعي والتفاعل حسب الفئات الديموغرافية
توجد فجوات كبيرة في الوعي والتفاعل مع الذكاء الاصطناعي بناءً على العمر والتعليم والجنس والعرق.
1. العمر: الشباب هم الأكثر وعياً وتفاعلاً. قال 62% من البالغين تحت سن 30 عاماً إنهم سمعوا أو قرأوا الكثير عن الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ 32% فقط ممن هم في سن 65 عاماً فما فوق. وقد ازدادت هذه الفجوة الوعي بشكل كبير منذ عام 2022، حيث ارتفعت نسبة الشباب الواعين بالذكاء الاصطناعي بـ 29 نقطة مئوية.
فيما يتعلق بالتفاعل اليومي، قال ثلث البالغين تحت سن 30 عاماً إنهم يتفاعلون مع الذكاء الاصطناعي عدة مرات في اليوم على الأقل. وفي المقابل، قال 54% ممن تبلغ أعمارهم 65 عاماً فما فوق إنهم يتفاعلون مع الذكاء الاصطناعي "أقل من عدة مرات في الأسبوع".
2. التعليم: يرتبط مستوى التعليم العالي بزيادة الوعي. قال ستة من كل عشرة بالغين حاصلين على درجات دراسات عليا (60%) إنهم سمعوا الكثير عن الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ 38% ممن لديهم شهادة الثانوية العامة أو أقل.
كما أن الأمريكيين الحاصلين على درجات دراسات عليا (46%) أكثر عرضة للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي عدة مرات في اليوم على الأقل، مقارنة بـ 20% ممن لديهم شهادة الثانوية أو أقل.
3. الجنس والعرق: الرجال أكثر احتمالاً من النساء للقول إنهم سمعوا الكثير عن الذكاء الاصطناعي (53% مقابل 41%). وبالنسبة للعرق، قال حوالي ثلثي الأمريكيين الآسيويين (65%) إنهم سمعوا الكثير عن الذكاء الاصطناعي، وهي نسبة أعلى من الأمريكيين البيض (45%) والسود (49%) واللاتينيين (47%).
الحاجة للتحكم وتقييم المخاطر
بسبب تزايد قلق الجمهور، هناك إجماع على الرغبة في مزيد من التحكم.
- الرغبة في التحكم والسيطرة الشخصية
يرغب حوالي ستة من كل عشرة أمريكيين (61%) في مزيد من السيطرة على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في حياتهم، وهي نسبة ارتفعت بـ 6 نقاط منذ عام 2024. وفي المقابل، فإن 17% فقط مرتاحون بمستوى سيطرتهم الحالية.
وهذا القلق مدعوم بإدراك عام للسيطرة الشخصية القليلة؛ حيث يعتقد 13% فقط من الأمريكيين أن لديهم قدراً كبيراً أو لا بأس به من السيطرة على ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يُستخدم في حياتهم، بينما ترى غالبية الأمريكيين (57%) أن لديهم سيطرة "ليست كبيرة جداً أو لا سيطرة على الإطلاق" على استخدام الذكاء الاصطناعي في حياتهم.
- المخاطر مقابل الفوائد: تقييمات متباينة
عندما سُئل الأمريكيون عن تقييمهم المنفصل لمخاطر وفوائد الذكاء الاصطناعي للمجتمع ككل، كانت التقييمات تميل بشكل كبير نحو المخاطر.
المخاطر العالية: صنف غالبية البالغين الأمريكيين (57%) مخاطر الذكاء الاصطناعي على المجتمع بأنها "عالية أو عالية جداً".
الفوائد العالية: ربع الأمريكيين فقط (25%) صنفوا فوائد الذكاء الاصطناعي للمجتمع بأنها "عالية أو عالية جداً".
هذا التقييم السلبي المرتفع للمخاطر دفع مركز بيو للبحث في الأسباب الكامنة وراء هذه التقييمات، بالاعتماد على الردود المفتوحة للمستجيبين.
الأسباب الرئيسية للمخاطر العالية (57%)
كان السبب الأكثر شيوعاً للقلق هو تآكل القدرات والروابط البشرية، مثل جعل الناس كسالى أو أقل قدرة على التفكير النقدي أو الإبداعي، وقد ذكره 27% ممن صنفوا المخاطر بأنها عالية.
علّقت إحدى المشاركات (امرأة، 30-39 عاماً): "أعتقد أن جزءاً كبيراً من الإنسانية يميل إلى البحث عن طريق المقاومة الأقل. بقدر ما تكون المصاعب والعقبات مزعجة ومضطربة، أعتقد أن تجربة مواجهة هذه الأشياء والتغلب عليها أمر ضروري لتشكيل شخصيتنا". وأشارت معلمة (امرأة، 40-49 عاماً) إلى أن الذكاء الاصطناعي "يستولي ببطء" على صفات بشرية مثل الفضول ومهارات حل المشكلات والتفكير النقدي والإبداع لدى الأطفال.
وشملت المخاوف الشائعة الأخرى:
* التأثير السلبي على دقة المعلومات: (ذكره 18%)، مثل جعل التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي أكثر صعوبة.
* صعوبة السيطرة والتحكم: (ذكره 17%)، حيث يعتقد المستجيبون أن التكنولوجيا ستتقدم بسرعة تفوق قدرة المجتمع على التنظيم والتشريع.
* الاستخدام للأغراض الشائنة: (ذكره 11%)، مثل استخدام الذكاء الاصطناعي لتزييف شكل وصوت الناس، مما يهدد سرقة الهوية.
الأسباب الرئيسية للفوائد العالية (25%)
بالنسبة لأولئك الذين رأوا فوائد عالية، كان السبب الأكثر شيوعاً هو مكاسب الكفاءة (41%)، والتي من شأنها أن تحرر الناس لاستخدام وقتهم بطرق أفضل.
كما أشار 23% إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يوسع القدرات البشرية والتقنية، مثل تسريع التطورات العلمية والطبية أو زيادة الوصول إلى المعلومات. فعلى سبيل المثال، ركزت إحدى المستجيبات (امرأة، 60-69 عاماً) على إمكانية تحسين الرعاية الصحية، قائلة: "يمكن أن يسرع استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كبير تشخيص المشكلات الطبية. نحن نعتمد الآن على قدرة أي طبيب على معرفة حالات معينة. [هذه] مشكلة حقيقية خاصة في المناطق الريفية".
تأثير الذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية
يعبر الأمريكيون عن نظرة سلبية شاملة لتأثير الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي على القدرات البشرية الأساسية.
- تآكل الإبداع والعلاقات
يرى عدد أكبر بكثير من الأمريكيين أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على تآكل القدرات البشرية بدلاً من تحسينها.
* التفكير الإبداعي: يعتقد 53% أن الذكاء الاصطناعي سيزيد من سوء قدرة الناس على التفكير الإبداعي. في المقابل، قال 16% فقط إنه سيحسن هذه القدرة.
* الفجوة العمرية: هذا التشاؤم أكثر وضوحاً بين الشباب، حيث قال 61% ممن هم تحت سن 30 عاماً إن الذكاء الاصطناعي سيجعل الناس أسوأ في التفكير الإبداعي، مقارنة بـ 42% ممن هم في سن 65 عاماً فما فوق.
* تكوين علاقات هادفة: قال 50% إن الذكاء الاصطناعي سيزيد من سوء قدرة الناس على تكوين علاقات هادفة مع الآخرين. وفي المقابل، 5% فقط يعتقدون أنه سيحسن هذه القدرة.
* الفجوة العمرية: قال 58% من الشباب تحت سن 30 عاماً إن الذكاء الاصطناعي سيجعل الناس أسوأ في تكوين علاقات هادفة، مقارنة بـ 40% من كبار السن.
- حل المشكلات واتخاذ القرارات
* اتخاذ القرارات الصعبة: يعتقد 40% من الأمريكيين أن الذكاء الاصطناعي سيجعل الناس أسوأ في اتخاذ القرارات الصعبة، مقابل 19% يقولون إنه سيحسنها.
* حل المشكلات: على الرغم من أن الآراء أكثر توازناً، إلا أن 38% يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيجعل الناس أسوأ في حل المشكلات، مقابل 29% يرون أنه سيحسنها.
- أهمية الفهم والقدرة على الكشف
يشعر الأمريكيون بقوة بأهمية القدرة على اكتشاف المحتوى الذي أنشأه الذكاء الاصطناعي.
* أهمية الكشف: يرى غالبية ساحقة من الأمريكيين (76%) أنه من المهم للغاية أو المهم جداً أن يكونوا قادرين على معرفة ما إذا كانت الصور ومقاطع الفيديو والنصوص قد صُنعت بواسطة الذكاء الاصطناعي أو البشر.
* قلة الثقة في الكشف: على الرغم من ذلك، فإن 53% من الأمريكيين "ليسوا واثقين على الإطلاق أو ليسوا واثقين جداً" في قدرتهم على اكتشاف ما إذا كان المحتوى من صنع الذكاء الاصطناعي أو الإنسان.
* أهمية الفهم العام: يرى ما يقرب من ثلاثة أرباع الأمريكيين (73%) أنه من "المهم للغاية أو المهم جداً" للناس أن يفهموا ماهية الذكاء الاصطناعي. وهذا الرأي أقوى بين الحاصلين على درجات دراسات عليا (86%) مقارنة بمن لديهم شهادة الثانوية أو أقل (63%).
تحديد دور الذكاء الاصطناعي في المجتمع
يظهر الاستطلاع قبولاً مشروطاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مهام التحليل المكثفة، ورفضاً قاطعاً لتدخله في الشؤون الشخصية أو الروحية.
- مجالات القبول (التحليل والبيانات)
أعربت الأغلبية عن دعمها لدور (صغير أو كبير على الأقل) للذكاء الاصطناعي في المجالات التي تتطلب معالجة كميات كبيرة من البيانات.
* توقع الطقس: 74% يرون أنه يجب أن يلعب دوراً (على الأقل دوراً صغيراً).
* البحث عن الجرائم المالية: 70% يدعمون دوره.
* البحث عن الاحتيال في مطالبات الاستحقاقات الحكومية: 70% يدعمون دوره.
* تطوير أدوية جديدة: 66% يدعمون دوره.
ملاحظة هامة: لا يرى أكثر من ثلث الأمريكيين (حوالي 35% في أعلى تقدير) أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يلعب "دوراً كبيراً" في أي من المجالات التي سُئلوا عنها.
- مجالات الرفض (الشؤون الشخصية والحكومية)
يرفض الأمريكيون بشكل قاطع دور الذكاء الاصطناعي في الأمور الشخصية والروحانية العميقة.
* تقديم المشورة بشأن الإيمان بالله: قال 73% إن الذكاء الاصطناعي يجب أن يلعب "لا دور على الإطلاق".
* الحكم على إمكانية وقوع شخصين في الحب (المطابقة): قال 66% إنه لا يجب أن يلعب دوراً.
* اتخاذ قرارات حول كيفية حكم البلاد: قال 60% إنه لا يجب أن يلعب دوراً.
* اختيار من يجب أن يخدم في هيئة المحلفين: قال 47% إنه لا يجب أن يلعب دوراً، مقابل 33% قالوا يجب أن يلعب دوراً صغيراً أو كبيراً.
أما فيما يتعلق بالرعاية الصحية، فهناك انفتاح نسبي؛ حيث يرى 46% من الأمريكيين أنه يجب أن يلعب دوراً (صغيراً على الأقل) في تقديم الدعم للصحة العقلية للناس.
خاتمة: التوترات الأساسية
تُظهر دراسة مركز بيو للأبحاث لعام 2025 أن الأمريكيين يعيشون حالة من التوتر بين واقع تغلغل الذكاء الاصطناعي في حياتهم وتوقعاتهم المتشائمة حول تبعاته. فبينما يرتفع الوعي بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير، خاصة بين الشباب والمثقفين، إلا أن هذا الوعي يرافقه قلق متزايد (50% أكثر قلقاً من الحماس).
إن الرغبة في التحكم (61% يريدون مزيداً من السيطرة)، والتشاؤم بشأن تدهور المهارات البشرية (53% يرون تدهوراً في الإبداع)، والرفض القاطع لتدخل الذكاء الاصطناعي في الشؤون الشخصية والدينية، كل ذلك يشير إلى أن الجمهور الأمريكي يدعو إلى نهج حذر ومقيد تجاه تبني هذه التكنولوجيا، ويركز على استخدامها كأداة لزيادة الكفاءة والتحليل في المجالات العلمية والمالية، بدلاً من السماح لها بالتأثير على الروابط والقدرات الجوهرية التي تعرف البشرية. وتؤكد هذه النتائج على الحاجة الملحة لتعزيز محو الأمية بالذكاء الاصطناعي وقدرة الجمهور على كشف المحتوى المُنشأ آلياً (76% يرون أن هذا مهم، لكن 53% يفتقرون للثقة في قدرتهم على الكشف).