وباء الفيس بوك!!!
عبد الهادي الحمراني
2015-11-14 12:53
مليار وأربعمائة واربعون مليوناً هو عدد مستخدمي الفيس بوك في العالم لغاية الربع الاخير من عام 2014 بعدما كان العدد لا يتجاوز المليون في عام 2004 حسب ما اعلنه مارك زاكربيرغ المؤسس والمسؤول التنفيذي لشبكة فيس بوك، هذا التطور السريع والكثيف في عدد المستخدمين وخلال فترة قياسية يستنتج منه عظم أهميته في حياة الناس من خلال مايوفره من مساحة واسعة في التواصل مع الآخرين والتعرف على ثقافاتهم والتعبير عن ذواتهم بطريقة تفوق المألوف في وسائل الإعلام الأخرى.
وتزداد الاستفادة منه كلما كان للثقافة حضوراً مجتمعيا فمن خلاله تنتقل هذه الثقافة الى فضاء اوسع والنتيجة معكوسة في المجتمعات التي تعاني من نقص المناعة الثقافية والحصانة الاخلاقية نجد ان تلك الوسيلة (الفيس بوك) تتحول الى معول هدم من خلال تفشي الأوبئة التي تسيطر عليه والتي يكون الفيس بوك وسط ناقل لها فتنتشر فيه بسرعة فائقة بسبب اللامحدودية في التواصل وتجاوز الابعاد الزمانية والمكانية خلاف ما هو على الارض والذي يمكن تحديده وتحجيمه، فتنتقل الامراض المجتمعية المتمثلة بالعصبية القبلية والحزبية والشخصية والتزمت بالرأي وعدم الاعتراف بالخطأ وعدم قبول الاخر التي سرعان ما تتحول إلى ثقافة السب والشتم والتهديد والطعن بالأعراض والتسقيط الممنهج للأفراد والجماعات دون وجه حق والاستقواء عليهم من خلال تشكيل فرق الكترونية تنشر السموم والأكاذيب والصور المزيفة والفيديوهات المفبركة والتسجيلات المجتزأة المضللة وخلق الفتن من خلال انشاء صفحات بأسماء جهات معينة للطعن بجهات أخرى.
فوصل الامر الى حد غير مقبول ولا معقول في التجاوز على علية القوم المتمثلة بمراجع الدين ونخب المجتمع فنالت من شخوصهم وأسرهم ولوثت تاريخهم ومنجزاتهم الى الدرجة التي لا تبقي اي قدسية او احترام او قبول لأي رمزية معينة بغض النظر عن حجمها وتأثيرها في المجتمع، وهو نفس السبب الذي جعل الحسين عليه السلام مخاطباً اعداءه ((يا امة السوء انكم بقتلي لاتتهيبون قتل اي شخص بعدي))، كل مايفعله هؤلاء من اجل الظهور بمظهر المنتصر بغض النظر عن الوسيلة فتبنوا المعايير الميكافيلية الدخيلة وتركوا مدرسة امير المؤمنين علي عليه السلام التي ترفض النصر بالجور كما اعلن مراراً، فلجأوا الى كل ماهو قبيح من اجل نصر وهمي غير حقيقي ترسمه لهم مخيلاتهم المريضة بدلاً من الاعتماد على الحوار الانساني للوصول إلى الحقيقة، حتى اصبح الخطأ شائعا والصحيح مهجور فارتفعت قيم البداوة والتصحر على التمدن وطغت الموروثات الجاهلية على القيم الاسلامية النبيلة.
ان هذا الانتشار السريع للإشاعات والأكاذيب وتبنيها من قبل متلقيها دون استخدام العقل في تدقيقيها وتمحيصها وتحليلها وتغييبه تماماً كان عنصراً مهماً في نمو هذه الأوبئة التي تفتك بالمجتمع وتسيطر على عقله الجمعي بل تلغيه وتجعله محكوما وليس حاكماً وتقتل فيه كل ما هو نبيل وتزرع فيه عدم الثقة بالقيادات الحقيقية وتبعدها عن مراتبها وتبرز قيادات بديلة غير حقيقية، يمكن تشبيه هذا المرض بالأمراض الفتاكة التي تصيب جسد الانسان وتهلكه كالسارس وانفلونزا الطيور والانفلونزا الاسبانية وغيرها، الا ان احدهما تسبب بموت الانسان وتفسخ جسده والاخرى تؤدي الى موت الضمير وتفسخ الاخلاق واندثار العقل، فالأمراض الموجودة في المجتمع تظهر جلية وواضحة في الفيس بوك وتنعكس وتنتشر فيه بسرعة اكبر.
فهي تعبر عنه تعبير حقيقي وتبين مستوى ثقافته واخلاقه وتفاعله مع بقية افراد المجتمع حتى وصل الامر ببعض شركات التوظيف في العالم الدخول الى صفحة الشخصية للمتقدم للوظيفة لمعرفة حقيقة شخصيته وسلوكه وثقافته واصدقاءه وعلاقاته بالآخرين وقدتم رفض الكثير منهم بسبب ماينشروه في صفحاتهم من حماقات وتفاهات.
فالعلاج يتطلب مشاركة الجميع لتضامن المسؤولية والاجراءات يجب ان تكون بحجم الخطر المشخص، فتبدأ بالأسرة ومتابعتها لأفرادها في الحد من هذه الامراض مروراً بالمساجد ووعظها وارشادها، ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الاعلام والكتاب والمثقفين ودورها بالتثقيف على قبول الاخر واحترام اراءه وعدم جواز التعدي عليه واعتماد لغة الحوار من اجل الوصول إلى الحقيقة وليس من اجل النصر على الاخر، وصولاً إلى المشرع فما عليه الا الاسراع بتشريع قانون جرائم المعلوماتية لاسيما في اطار السب والشتم والطعن بالآخرين وتزوير الوثائق وفبركة الصور والفيديوهات وليس المقصود منه تقييد حرية الرأي والتعبير وانما وضع حد لسوء استخدامها كي لا يبقى الوضع منفلتا.
من كل ذلك يتضح ان العلاقة بين المجتمع وشبكة الفيس بوك هي علاقة طردية فكلما كان المجتمع يعاني من عقد وامراض نفسية وموروثات سلبية كبيره كان الفيس بوك وسطا ناقلا لها وبصورة اكبر واسرع وكلما كان المجتمع صحيحاً معافى ذو ثقافة كان الفيس بوك وسطا ناقلا لتلك الثقافة بصورة اوسع.