ما الهدف من زرع شريحة كمبيوتر بالدماغ؟: علاج ام تحكم

دلال العكيلي

2020-09-01 06:51

زرع شريحة كمبيوتر بالدماغ لعلاج بعض الأمراض العصبية هي إحدى أحدث تجارب رجل الأعمال والمهندس إيلون ماسك؛ إذ كشفت شركة Neuralink المتخصصة في علوم الأعصاب والتابعة للملياردير المعروف، عن زرع رقاقة كمبيوتر بحجم العملة المعدنية في دماغ خنزير طوال شهرين، في حدث اعتبرته الشركة بمثابة خطوة مبكرة نحو تطبيقه على الإنسان، بهدف علاج الأمراض العصبية التي تصيبه، لكن كيف يمكن ربط الدماغ بالكمبيوتر؟ وكيف يمكن أن تعالج أمراض عصبية مثل مرض الزهايمر والخرف وإصابات الحبل الشوكي وفقدان الذاكرة والسمع والاكتئاب والأرق، عن طريق زرع شريحة كمبيوتر بالدماغ؟ كما تقول الشركة التي أسسها رجل الأعمال الجنوب إفريقي-الكندي-الأمريكي في العام 2016.

الفكرة تقوم أساساً على زراعة جهاز يبلغ 8 ملليمترات تقريباً -أصغر من عقلة الإصبع- في الجمجمة، هذا الجهاز اللاسلكي (التحكم لاسلكي لكن للجهاز أسلاك دقيقة جداً أدق من شعر الإنسان) سيضم الجهاز آلاف الأقطاب الكهربائية في أكثر عضو بشري تعقيداً، إذ سيتم توصيله بأسلاك صغيرة إلى المخ، ثم بمساعدة روبوت متطور يتم زرع خيوط مرنة أو أسلاك في المناطق المسؤولة عن وظائف الحركة والإحساس في الدماغ، بينما يكون المتلقي تحت التخدير الموضعي فقط، هذا الجهاز الصغير سيسمح للأجهزة الذكية الخارجية مثل الكمبيوتر بالتفاعل والتواصل مع الدماغ، وذلك ليسهل التعامل مباشرةً مع بيانات الأجهزة العصبية في دماغ الإنسان.

علاج أم تحكم؟

قال خبراء علم الأعصاب إنه على الرغم من أن مهمة نيورالينك لقراءة وتحفيز نشاط الدماغ لدى البشر ممكنة، إلا أن الجدول الزمني للشركة يبدو مفرطًا في الطموح، وقال جرايم موفات، الباحث في علم الأعصاب بجامعة تورنتو "سينبهر جدا الجميع في هذا المجال إذا أظهرت (نيورالينك) بالفعل بيانات من جهاز مزروع في الإنسان"، وتم زرع أجهزة صغيرة تحفز الأعصاب ومناطق الدماغ إلكترونيا لعلاج ضعف السمع ومرض الشلل الرعاش في البشر منذ عشرات السنين.

وأجرى علماء الأعصاب أيضا تجارب زرع مخ على عدد صغير ممن فقدوا السيطرة على وظائف الجسم بسبب إصابات الحبل الشوكي أو حالات عصبية مثل الجلطات الدماغية ويمكن للبشر في تلك التجارب التحكم في الأشياء الصغيرة، مثل لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو مؤشر الماوس، ولكن لم يتمكنوا بعد من إكمال مهام أكثر تعقيدًا، ولاحظ العلماء أن معظم الأبحاث المتطورة الحالية في الوصلات بين الدماغ والكمبيوتر تُجرى على الحيوانات لأن تحديات السلامة وإجراءات الموافقة التنظيمية المطولة تمنع إجراء تجارب أكبر على البشر.

تشير بعض الإحصاءات إلى أن نحو 5000 مواطن سويدي قاموا بزراعة شرائح إلكترونية تحت الجلد لأسباب تتعلق بالعمل وتسهيل الحياة اليومية للأفراد، ويرى خبراء أن هذا التطور التكنولوجي يكشف عن تحديات ومخاطر تواجه الإنسان في المستقبل، أبرزها مخاوف الاختراق والتحكم في البشر عن طريق الشرائح الإلكترونية، وقد يتحول الإنسان إلى "روبوت" مسير، وقد يُقدم على ارتكاب جرائم وأمور تهدد سلامته ووجوده، كما قد يؤدي هذا إلى فرض رقابة متزايدة عليه، وتسهيل عمليات التجسس واختراق العقل البشري، والتحكم بأفكاره وأعضائه، وبرمجته إلكترونياً.

ستتمكن من التحكم بالكمبيوتر والهاتف عن بعد

هل تخيلت أنك ستتمكن يوما من التحكم في جهاز الكمبيوتر والقيام بعملك بمجرد التفكير فيه، ودون حاجة لليدين؟ هذا ما تخطط له شركة أمريكية عبر زراعة شريحة إلكترونية في المخ. فهل سينجح الأمر عند إجراء المحاولة على البشر؟

وفقا لموقع "أمريكان ساينس"، قامت الشركة بتجريب الفكرة على 3000 من حيوانات المختبر، وأتاحت ما توصلت له من نتائج للجميع عبر نشر ورقة بحث على شبكة الإنترنت، ويأمل مؤسس الشركة، إلن موسك، في أن تتيح الفكرة لمصابي الشلل الرباعي استخدام الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر دون الحاجة إلى تحريك اليدين، كما يحلم بأن يفتح ذلك الباب أمام تحويل فكرة التخاطر عن بعد مع الآخرين إلى حقيقة، كما أعلنت الشركة، التي تأسست عام 2016، عن استعداداها أخيرا للبدء في تجربة زرع الشريحة داخل دماغ بشري قبل نهاية العام الجاري، إلا أن الشركة لم تحصل بعد على موافقة السلطات الأمريكية المختصة لتنفيذ الفكرة، ولا تعد فكرة زرع شريحة إلكترونية في المخ أمرا غير مألوف، فالعديد من العلماء يعملون على تطوير تلك الفكرة لأغراض مختلفة، وبعض هذه الشرائح حصل على الموافقة من منظمة الأغذية والدواء الأمريكية حيث تستخدم لأغراض طبية مثل الحد من الارتجاف لدى مرضى الشلل الرعاش.

كيف يُمكن أن يساعد تحفيز الدماغ في علاج أمراض عصبية؟

زرع أجهزة صغيرة تحفز الأعصاب ومناطق الدماغ إلكترونياً، يمكنه أن يعالج ضعف السمع ومرض الشلل الرعاش في البشر، وهناك تجارب بدأها العلماء منذ عشرات السنين، شهدت الثمانينيات ابتكار التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، والذي وفقاً لموقع Mayo Clinic، يستخدم المجالات المغناطيسية لتحفيز الخلايا العصبية في الدماغ، ويمكن استخدامه لعلاج مرضى الاكتئاب.

كما أجرى علماء الأعصاب تجارب زرع مخ على عدد صغير ممن فقدوا السيطرة على وظائف الجسم، بسبب إصابات الحبل الشوكي والشلل الرباعي، أو حالات عصبية مثل الجلطات الدماغية، لكن في تلك التجارب كانت النتيجة أن تمكن المرضى من التحكم في الأشياء الصغيرة، مثل لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو مؤشر الماوس، ولكن لم يتمكنوا بعد من إكمال مهام أكثر تعقيداً، إذ أشار ستيفن تشيس، من معهد كارنيغي ميلون لعلم الأعصاب في حديثه مع موقع Recode إلى إجراء تجارب سريرية في الوقت الحالي، لزرع أقطاب كهربائية في أدمغة مرضى الشلل الرباعي، ويستخدمون تلك الأقطاب والنشاط العصبي المسجل على تلك الأقطاب الكهربائية للتحكم في الأجهزة الخارجية، مثل المؤشرات على شاشات الكمبيوتر.

أيضاً، في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، ظهر BrainGate، وهو جهاز تجريبي يستخدم مجموعة من الأقطاب الكهربائية لترجمة أوامر تحريك الأطراف من الدماغ إلى الجهاز، لكنه لا يزال قيد التجارب، فيما وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية في عام 2013 على نظام يسمى RNS Simulator، الذي يطلق إشارات كهربائية صغيرة في الدماغ لوقف النوبات لدى بعض مرضى الصرع، كذلك هناك عصابات رأس تدعي أنها تستخدم تخطيط كهربية الدماغ لقياس نشاط دماغك، ثم تستخدم تلك البيانات لفعل أي شيء، من تعزيز التأمل والتركيز، إلى قيادة طائرة بدون طيار.

ماسك ليس الوحيد الذي يفكر في دخول دماغ البشر!

ماسك وشركته Neuralink ليسا وحدهما المهتمين بواجهات الدماغ والآلة، فيسبوك على سبيل المثال تعمل بجد على أبحاث خاصة بواجهة الدماغ والآلة مع جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو، إذ تتطلع الشركة إلى إنشاء طريقة للتواصل مع أجهزة الكمبيوتر من دون استخدام اليدين، كما اشترت فيسبوك CTRL-Labs، وهي شركة ناشئة طورت تقنية تقيس نشاط الخلايا العصبية من خلال جهاز يمكن ارتداؤه على الذراع، من أجل التحكم في النشاط الرقمي.

لكن هناك فجوة كبيرة بين تخيل ماسك في أجهزة تنقل كماً كبيراً من المعلومات والبيانات من وإلى الدماغ وبين الواقع الموجود حالياً، إلا أن تيم مارلر، كبير مهندسي الأبحاث في مؤسسة RAND يعتقد أن فكرة إرسال الأفكار المعقدة لاسلكياً بعيدة عن حياتنا، لكنها ليست خيالاً علمياً، فقط هي تحتاج للكثير من الوقت والعمل، لكن في النهاية تظل قائمة التحديات طويلة، وأبسطها أن هذه التكنولوجيا لن يكون بإمكان أي أحد استخدامها، بل الأثرياء، والمشاكل القانونية والأخلاقية التي قد تفتحها هذ التقنية، مثل إمكانية قراءة الأفكار، واستغلال الحكومات الأجهزة الدقيقة في الاستجواب والتحقيقات، أو استخدام تلك التكنولوجيا في القرصنة والحروب.

........................................................................................................................
المصادر
- ساسة بوست
- بي بي سي
- الجزيرة
- DW
- صحيفة عاجل

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي