وباء الفيس بوك: كيف نحصن أنفسنا من الأخبار الكاذبة؟

مصطفى ملا هذال

2020-06-16 07:16

لم يقتصر الهدف من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي للتسلية والتواصل فقط، بل امتدت الى ابعد من ذلك وأصبحت من مصادر الأخبار المهمة بغض النظر عن مدى دقة هذه المعلومات وسلامتها، وانت تتجول في الفضاء الإلكتروني الافتراضي تصادفك المئات من الأخبار وبشتى المجالات، الى درجة فان بعض الاشخاص استغنى عن متابعة المحطات التلفزيونية، واعتمد على الشبكات الاجتماعية بصورة مطلقة دون البحث عن مصادر الأخبار والتحقق من صحتها ومعرفة فيما إذا كانت مزيفة ام لا.

بعض الجهات استثمرت موقع الفيس بوك استثمارا سلبيا واتخذته وعاءً لنشر الأخبار الكاذبة وتضليل الجمهور المستخدم تجاه قضية من القضايا الساخنة او المتعلقة بالشأن الداخلي لبلد معين، أكثر المجالات التي وضفت مواقع التواصل الاجتماعي هو المجال السياسي، بحيث باتت منصة لأطلاق الهجمات من جماعة او جبهة على اخرى، بالاعتماد على الصفحات المزيفة، والترويج لها من اجل الوصول الى هدف معين قد يكون كسب ود الجمهور والتعاطف مع مسألة مهمة.

ولاحظنا بعض المواقف التي تؤكد صحة الكلام السابق، وأقرب هذه الوقائع هو المظاهرات التي دعا اليها رجل الأعمال والفنان المصري محمد علي، فهي عندما لم تلق صدا واسعا من قبل الجمهور، قام عدد من المؤيدين بنشر مقاطع فيديوية غير حقيقة لتشويش الجماهير وكسب التعاطف معهم.

وفي هذه الحالة يكون التمييز من قبل الاشخاص صعب الى حد ويحتاج الى قوة ملاحظة ومتابعة شاملة ومعرفة حقيقة بحيثيات الامور، لكي لا تنطلي عليه هذه الحيل، ويقع في فخ الأخبار الكاذبة، وبعد هذه التوطئة لنا ان نتساءل، لماذا يذهب البعض لنشر مثل هذه الأخبار؟ ولماذا تصدق من قبل الكثير؟

عسير جدا ان نحدد الإجابة الدقيقة حول الأسئلة المطروحة، ولم يكن هذا هم أفراد بعينهم بل أصبح محط اهتمام من قبل الباحثين والمهتمين بالشأن، وقد اجريت العديد من الدراسات وتوصلت الى حقيقة مفادها ان الأخبار المزيفة تنتشر بصورة اسرع من الأخبار الحقيقة بنسبة ‎%‎70، ويتم مشاركتها من قبل أشخاص لا يعون مدى خطورة انتشار مثل هذا النوع من الأخبار ومدى تأثيرها على الرأي العام، لاسيما وان الكثير من الأفراد يفضل السير مع الجميع دون تكليف نفسه جهد البحث عن الحقيقة، وإشباع الفضول المتولد بداخله.

فعندما يتم نشر خبر معين يتلقفه بعض الاشخاص وكأنه وجبة شهية، يتناولها بنهم، ولم يوجه اهم الأسئلة الى نفسه، هل ما اقرأه حقيقيا ام مزيفا؟ لكن الذي يجعل الأفراد يلجؤون الى هذا الاسلوب في التعاطي مع الأخبار هو قد يكون ضيق الوقت وعدم توفره لإجراء اختبارات السلامة المتعلقة بالأخبار او المنشورات الأخرى.

عادة يتعامل الأفراد مع المعلومات المطروحة عبر المواقع الاجتماعية بناءً على خلفياتهم الثقافية ومرجعياتهم الفكرية، ووفق ذلك فان الفكرة المقدمة اذا كانت تتماشى وميوله فانها تُصدق رغم علاتها وما يحيط بها من شبهات.

في المقابل نجده يشكك ويحاول ان ينسف ما يتم نشره على الرغم من تمتعه بقدر كبير من الحقيقة، لكنه يخالف توجهاته وما مترسخ في ذهنه ازاء المواقف الحياتية، وفي الأثناء من غير الممكن ان يعترف بخطأ هذا المعتقد وضرورة العدول عنه.

وتعود هذه القناعة العمياء الى تدني نسبة الوعي لدى الأفراد، فكل ما ارتفعت هذه النسبة كلما انخفضت إمكانية تصديق الأخبار الكاذبة التي تصدرها جهات معلومة الهدف، ولا يمكن معالجة هذه الحالة لغاية الآن، اذ لا توجد آلية متبعة من قبل إدارة الفيس بوك لضمان عدم تضليل الجمهور واللعب بمقدراتهم، عن طريق فرز الأخبار الوهمية ومعاقبة ناشرها.

ويبقى امام القنوات التلفزيونية التقليدية مهمة قد تتسم بالصعوبة في بعض الاحيان هو جلب الأنظار نحوها وخطف اهتمام الجمهور بمواقع التواصل الاجتماعي اليها، ولكن هذا النحول لم يحصل الا اذا اتبعت منهجية قائمة على فضح الصفحات التي تقتات على نشر الإشاعات وتزييف الحقائق.

وكذلك القيام بإنشاء محتوى يخصص للنشر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ذلك لملء الفراغ وقطع الطريق امام الحسابات الوهمية، وما تنشره من سموم تنخر الكيان المجتمعي وتنال من قيمه وتقاليده، كونها تعمل على خلخلة منظومة الثقة والأمانة التي تشرب بها الأفراد منذ الطفولة.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي