الأهداف الثلاثة للتحول نحو الذكاء الاصطناعي
انسياد
2019-06-03 03:45
بقلم: جيسون ديفس
إذا كانت البيانات الضخمة هي الوقود الذي يشعل الاقتصاد الرقمي، فإن الذكاء الاصطناعي هو العربة. فهو ينقل الشركات من النموذج القديم القائم على الأصول المادية إلى حد كبير، إلى آخر قائم على المعلومات، بحيث تذهب الميزة التنافسية لأولئك الذي يستخلصون أكبر قيمة من البيانات بأقل وقت ممكن.
سيتوجب على أصحاب المناصب القيادية الذين يحاولون تجنب التغيرات الجذرية وعلى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تهدف إلى النمو، تعلم قيادة الذكاء الاصطناعي أو البقاء تحت رحمة شركات التكنولوجيا التي تحتكر السوق حالياً.
الأخذ بزمام المبادرة نحو الذكاء الاصطناعي لا يعني فقط دمج التكنولوجيا، بل التأكد من أنها تخلق قيمة للمؤسسة والمجتمع. وينطوي ذلك على ثلاثة تحديات: شرح الذكاء الاصطناعي بحيث يتقبله الموظفون والمدراء، تحديد الوقت المناسب والآلية المثلى لتطبيقه، وتوضيح الحدود الأخلاقية.
أشرفت مؤخراً على منتدى Digital@INSEAD للذكاء الاصطناعي الذي استضافته إنسياد، والذي عقد في سنغافورة وضم العشرات من المتحدثين (زملاء بكلية إنسياد، ورواد أعمال حول العالم)، لمشاركة أفكارهم ورؤيتهم وخبراتهم المتعلقة بتحديات تبني الذكاء الاصطناعي.
شرح الذكاء الاصطناعي
يميل الناس إلى مقاومة التكنولوجيا التي يجدونها صعبة. وقد يشكل ذلك عائقاً كبيراً أمام الذكاء الاصطناعي كونه ليس مفهوماً بالنسبة للمدراء، خاصة الأكبر سناً. ولكن بحسب فيل باركر، أستاذ كرسي في العلوم الإدارية بكلية إنسياد، لا يجب أن ننظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه أمر جديد وغير مألوف. وقد أشار في بداية المنتدى إلى انبهار العالم بالألة الحاسبة "كمثال عن الذكاء الاصطناعي" في بداياتها، ولكنها أصبحت مع مرور الوقت من الأمور المسلم بها. يقول باركر "خلال عشرون سنة، قد ننظر إلى السيارات الذاتية القيادة على أنها مجرد سيارة، وليست بالأمر المهم، كما هو الحال مع الآلة الحاسبة ".
قد يحاول المديرون الذين لديهم رؤية مشوشة حول الذكاء الاصطناعي تفادي التعامل معه بشكل مباشر، ولكن يحذر باركر أن ذلك سيكون خياراً خاطئاً. "آخر شيء تفعله هو بناء مركز بيانات. قم بمراجعة شاملة، واعلم ماذا تريد وأين تكمن القيمة المادية. "
من المثير، كيف يشجع باركر جميع العاملين بقطاع الأعمال على محاولة تعلم لغة الترميز. فمن خلال استخدام تلك الأدوات المجانية المتاحة على الشبكة – بما في ذلك فيديوهات التعليم على يوتيوب- وتعلم الترميز على GitHub، يستطيع المبتدئين تعلم المبادئ الأساسية والبدء ببناء آلة تعلم بدائية وحلول الذكاء الاصطناعي.
في نقاش آخر حول كيفية تسريع عملية فهم هذه المجالات، يخبر باركر الحاضرين أن هدفهم يجب أن يتمحور حول تعلم المزيد من لغة الترميز وبذلك يصبح بإمكانكهم فعل أي شي آخر. فمع لغات برمجة مثل Python، قد تشكل الكلمات الكبيرة والطنانة عبئاً. يعمل باركر حالياً على هذه المشكلة من خلال تصميم وتقديم فصول دراسية صغيرة (كجزء من برنامج إنسياد العالمي لإدارة الأعمال للتنفيذيين "المبادئء الأساسية للترميز للانتقال إلى المستوى التالي". بعد دورة مكثفة في الترميز تمتد لبضعة ساعات أو أكثر، يقول باركر "يندهش الحاضرون كونهم لم يدركوا من قبل أنه بإمكانهم الوصول لذلك. تم إطلاق اثنتين من الشركات الناشئة مباشرة بعد ذلك.
تحديد آلية التطبيق
بمجرد أن يتخطوا كرههم له، يجب أن يقرر القادة والمديرون أين بإمكانهم تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي في مؤسساتهم.
ناقش فانيش بورانام، أستاذ كرسي في الاستراتيجية وتصميم المؤسسات من رولاند يبرجير، إمكانية استخدام الخوارزميات في مساعدة المؤسسات على إيجاد أفضل الطرق للعمل. على سبيل المثال، قد تبني الشركات "التوأم الرقمي" أو نموذج حاسوبي لشبكاتهم الاجتماعية ومواقف اللاعبين المهمين. بإمكانهم تجربتها قبل اتخاذ أي خطوة لقياس فرص نجاحها.
عند تحويل تركيزه من المستوى التنظيمي إلى المستوى الإداري، يشير بورانام، والذي يشغل منصب مدير برنامج إنسياد للذكاء الاصطناعي، إلى أن كل من الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي تعمل للتعرف على الأنماط. القدرة على اكتشاف واستغلال الأنماط الموجودة وسط مجموعة بيانات واسعة، هي التي سمحت لبرمجية ألفاغو من التفوق على لي-سي-دول بطل العالم في لعبة غو عام 2016. ولكن لا يعني ذلك أن الذكاء الاصطناعي قادر على فعل كل شيء بشكل أفضل. يوجد اليوم العديد من المهام التي يستطيع الإنسان القيام بها على نحو جيد، ومهام أخرى يشترك فيها البشر مع الخوارزميات ليتفوقوا بها. يقول بورانام: "يمكن أن يتنبأ الإنسان الذكي أو الآلة الذكية بأمور صحيحة، وقد يكون كلاهما مخطئين. ولكن طالما كانوا مخطئين بطرق مختلفة، فإن النتيجة الوسط هي الأقرب إلى النتائج الفعلية".
ثم وضع بورانام قائمة بالمجالات التي تكون فيها الخوارزميات ذات قيمة أكبر. قد يعني ذلك اختيار المشكلات بحيث زيادة هامش الدقة فيها ينجم عنه فوائد كبيرة، أو تلك التي تكون فيها البيانات الدقيقة والموثوقة موجودة بالفعل. فيما يتعلق بالأخيرة، يشير بورانام إلى انه بالرغم من أن ذلك يبدو واضحاً، يكون ذلك العائق الأول. تمتلك الشركات من الناحية النظرية العديد من البيانات، لكنها ليست في مكان واحد، ولا يعلم أحد فائدتها. الدمج بمثابة كابوس.
تحديد الحدود بشكل صحيح
الذكاء الاصطناعى مثله مثل أي تكنولوجيا جديدة، فهو عبارة عن أداة (وإن كانت قوية لحد كبير) صممت لخدمة احتياجات الإنسان. ولكن تنشأ المشاكل الأخلاقية عندما تهدد الأتمتة أسلوب حياة الإنسان، وعندما يتعارض تجميع البيانات مع الحرية الشخصية، أو عندما تدخل التحيزات الموجودة وعدم المساواة في الخوارزميات. ناقشت سانيتا كانان، مديرة في أكسنتشر، ما أشارت إليه بالركائز الثلاثة لمسؤولية الذكاء الاصطناعي: الإنسان في المركز، الالتزام باللوائح، والتصميم الأخلاقي.
قد تؤثر الخروقات الأخلاقية المفترضة في نمط حياة المستهلكين، وقد تؤثر سلباً على الشركات. شارك كلاوس ويرتنبروخ، أستاذ كرسي في الإدارة والبيئة من نوفارتيس، أبحاثه حول الكيفية التي يهدد بها الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة شعور العملاء بالاستقلالية. ويرى أنه يوجد مفارقة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في قطاع الأعمال: يعشق الأشخاص الخوارزميات إلى أن تنتهك الخط الفاصل بينها وبين حريتهم الشخصية. فإذا ما شعروا بأن الروبوتات تساوم على قوتهم الفردية، قد يتراجع المستهلكون حتى وإن كان ذلك لا يصب في مصلحتهم.
وجدت إحدى الدراسات التي قام بها ويرتنبروخ أنه عندما يعتقد العملاء أن خياراتهم المستقبلية يمكن التكهن بها بناءً على الأنماط السابقة، يبتعدون عن خيارهم المفضل ويذهبون إلى خيار آخر. بمعنى آخر، يتخلى العملاء عن تفضيلاتهم في سبيل إعادة إحساسهم بالاستقلالية. ولكن عندما تستبدل اللغة المتبعة بإشارات ذات اتساق، لن يشعر العملاء بأنهم مجبرين. بالرغم من أن التكهن والاتساق تفضي بنفس المعنى في سياق البحث الذي أجراه ويرتنبروخ، إلا أن الأخيرة تؤكد على استقلالية العميل والفردية، وبالتالي تصبح أمراً مقبولاً.
قد يكون من المغري أن تستخدم الشركات جميع البيانات الموجودة لجعل عروضها أكثر جاذبية للعملاء. على سبيل المثال، في دراسة أجرتها PNAS عام 2017، استخدمت بيانات صممت للربط بين الإعجابات مع ملفات التعريف الشخصية، تم تصنيف ما يقارب ثلاثة ملايين مستخدم على أنهم انطوائيين أو منفتحين بناءً على "الإعجاب" فقط الذي شاركوه على صفحات معروفة. باستخدام هذا التصنيف، نفذ الباحثون الإعلانات المستهدفة التي ساهمت برفع نسبة التحويلات بنحو 50 في المئة (0.01 ٪ مقابل 0.015 ٪).
يجب أن تكون المشقات التي واجهت فيسبوك بمثابة تنبه. وظفت شركة (كامبريج أناليتيكا) بشكل سري بيانات أصحاب الحساب من السوشال ميديا، بهدف إنشاء إعلانات موجهة ربما ساعدت في التلاعب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016، لصالح دونالد ترامب. خسرت فيسبوك ما يقارب 40 مليار دولار من قيمتها السوقية يوم الفضيحة.
يقول ويرتنبروش: "نصيحتي أن تخطو بحذر وأن تبتعد عن التهور. تستطيع الشركات تحقيق أقصى قدر من الأرباح على المدى الطويل من خلال تمكين نفسها من الناحية الأخلاقية، فعلاً وليس قولاً".