الإمام علي (ع) الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2016-06-27 03:09
في مثل هذه الأيام من سنة 40 الهجرية، عاش المسلمون حدثا جلل، تمثل باستشهاد الامام علي بن ابي طالب (ع)، فجر التاسع عشر من رمضان، وهو في محراب الصلاة، حيث تسلل الملعون بن ملجم، مثل أي خسيس غادر، وضرب رأس الامام الشريف وهو يؤدي فريضة صلاة الفجر، فاهتزت الارض، وسمع صوت جبرئيل عليه السلام وهو يتردد في ارجاء السماء، (تهدمت والله اركان الهدى.. قُتل علي المرتضى).
مضى أبو الحسن الى الدار الأخرى، تاركا وراءه ارثا اسلاميا انسانيا فريدا من نوعه على مستوى التعامل السياسي والاداري والاجتماعي والانساني، حيث يتحدث التاريخ والعالم الانساني اجمع عن وقائع الامام ومواقفه افكاره وسلوكه مع الأمة والرعية عموما والناس بمختلف مستوياتهم، حتى باتت هذه الأفكار وهذا السلوك مدرسة خالدة لمن يريد أن يغترف منها ويأخذ الدروس والعبر كي يستفيد منها، وهذا ما حدث بالفعل بالنسبة للقادة من الأمم الاخرى، حيث كان الامام علي عليه السلام ولا يزال هو النموذج القيادي الذي ينهلون منه افكارهم وسلوكهم في تعاملهم مع شعوبهم وادارتهم لدولهم.
عن استشهاد الامام علي (ع) جاء في كتاب الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (شهر رمضان): (في فجر التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 للهجرة ضرب ابن ملجم المرادي (لعنه الله) امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) على رأسه بالسيف أثناء الصلاة فهوى عليه السلام الى الارض مخضبا بدمه الطاهر وهو يقول فزت ورب الكعبة وسمع الناس صوت الأمين جبرئيل عليه السلام ينادي بين السماء والأرض هاتفا تهدمت والله اركان الهدى قتل علي المرتضى).
نعم لقد ظل يتردد صوت الامام منذ لحظة وقوع الجريمة والى الان في ارجاء السماء، فزتٌ ورب الكعبة، وقد كان مستعدا للالتحاق برسول الله (ص) حيث الرؤيا التي رآها الامام وقد اخبره فيها الرسول دنو رحيله إليهم ليكون الى جانب اخيه الرسول الأكرم (ص).
مفاتيح كنوز الأرض بيديك
ثمة سؤال يدور في اذهان كثير من المسلمين وغيرهم، لماذ لم يستفد قادة المسلمين من الامام علي (ع) كقائد نموذجي وانسان حكيم، وشخصية عظيمة تحلّت بالحكمة والرحمة والتوازن والحزم والشجاعة والرفق بالناس عموما، لماذا لم ينتهجوا تعامله مع ما يرضي الله تعالى وما يغضبه حتى في تناوله طعامه او ارتدائه لملابسه، لماذا قادة اليوم من المسلمين، وحتى بعضهم يعلن انه من أتباع الامام علي، لماذا يرتدون أفخر الملابس وأغلاها سعرا فيما البلد يغص بالفقراء، لماذا يأكلون ما لذ وطاب والجوع يضرب البؤساء، ألم يتعلموا درسا من الامام علي بن ابي طالب، غها هي ابنته ام كلثوم تقدم له مائدة طعام بسيطة بمفرداتها ولكنه (ع) يعترض على ابنته ويقول لها (ما كنت أتوقع منك أن تسيئي لي هكذا) كما نقرأ ذلك في كتاب الامام الشيرازي نفسه: (قالت ام كلثوم بنت أمير المؤمنين صلوات الله عليه، لما كانت ليلة تسع عشرة من شهر رمضان قدمت إليه عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير، وقصعة فيها لبن وملح جريش، فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره، فلما نظر إليه وتأمله حرك رأسه وبكى بكاءا شديدا عاليا وقال: يا بنية ما ظننت ان بنتا تسوء أباها كما قد أسأت أنت إلي. قالت وماذا يا أباه؟ قال: يا بنية أتقدمين الى أبيك إدامين في فرد طبق واحد، أتريدين أن يطول وقوفي غدا بين يديّ الله عزوجل يوم القيامة، أنا أريد أن اتبع أخي وابن عمي رسول الله (ص) ما قدم له إدامان في طبق واحد الى أن قبضه الله).
إن النبي (ص) رفض كنوز الارض ولم يتسلم مفاتيحها، لأن هنالك حساب وكتاب في الآخرة، وليست للنبي (ص) حاجة بها، فلماذا يتكالب قادة المسلمين اليوم على الصفقات المشبوهة وعلى الاختلاس، وعلى التجاوز المستمر على اموال الفقراء عبر الاختلاس والرشا وما شابه من اساليب باتت رائحتها منتشرة في مرافق الحكومة والدولة، لماذا لم يتشبه هؤلاء القادة الذي يعلنون وصلا بالامام (ع) وتأييدا له ولكنهم لا يعملون بمنهجه، إن الحاكم والانسان معرض هناك الى الحساب عما ارتكبت يداه، كما نقرأ ذلك في كتاب الامام الشيرازي: أضاف الإمام علي عليه السلام مخاطبا ابنته ام كلثوم: (يا بنية ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلا طال وقوفه بين يدي الله عزوجل يوم القيامة، يا بنية ان الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وقد اخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إن جبريل عليه السلام نزل إليه ومعه مفاتيح كنوز الأرض وقال: يا محمد، السلام يقرؤك السلام، ويقول لك: إن شئت صيرت معك جبال تهامة ذهبا وفضة، وخذ هذه مفاتيح كنوز الأرض، ولا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة).
يا أبا الحسن إنك قادم إلينا
إن الدنيا دار الغرور، هكذا يصفها امام الحق والعدل والمساواة، وهي فعلا دار غرور ودار هوان، لذلك لا ينبغي للانسان أن ينساق وراء ملذاتها، اما اذا كان قائدا او حاكما او مسؤولا فإن الامر سيكون اكثر خطورة والحساب يكون كبيرا يوم الحساب، لذا على الانسان أن يستعد لذاك اليوم ولذاك الحساب، وأن يقدم لذلك أفضل الأعمال وأكثرها رضوانا عند الله تعالى.
فقد ورد في كتاب الامام الشيرازي حول هذا الجانب أن الامام علي ع قال مخاطبا ابنته ام كلثوم: (يا بنية ان الدنيا دار غرور ودار هوان، فمن قدم شيئا وجده، يا بنية، والله لا آكل شيئا حتى ترفعين أحد الإدامين). هكذا يتعامل قائد المسلمين الأعلى الامام علي عليه مع زيادة بسيطة من الطعام وهي من ممتلكاته وجهده، ومع ذلك يرى أنها ليست من حقه ولا يجوز له ان يتناول من الطعام ما يكفي لشخص آخر معه، لذلك رفض هذا الطعام وإن كان من بيته وأمواله، وعاتب ابنته أشد العتب لأنها قدمت له طعاما فائضا (قرصان من خبز الشعير)، فأية زيادة هذه، عندما نقيسها مع الولائم والمآدب الضخمة التي يقيمها المسؤولون والقادة لبعضهم كما نرى في الصور المنشورة في الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
هل تنبّه قادة المسلمين، وهل درسوا شخصية الامام علي (ع) وهل قرأوا مواقفه وطريقة قيادته وتعامله مع أموال الأمة والشعب، وما هو مأكله ومشربه وملبسه، لماذا لم يكن الامام علي درسا لقادتنا الذين يتبجحون بالانتماء اليه وتأييده والسير في منهجه بالكلام فقط انا عندما نقارن ما يفعلونه في الواقع فإنهم لا علاقة لهم بعلي (ع) لا من بعيد ولا قريب، ولكن عليهم ان يستثمروا هذا الشهر الكريم، وهذه الذكرى الشريفة، وان يستفيدوا من هذه الشخصية العظيمة ومآثرها، حتى يلاقوا ربهم بوجه أبيض يوم تسودّ وجوه.
وهكذا نحن نعيش ذكرى استشهاد بطل الاسلام علي (ع) ومآثره ومواقفه وسياسته، لكي ينهل منها القادة السياسيون وجميع المسلمين الدروس التي تجعلهم في أمان يوم الحساب، وهكذا نقرأ في كتاب الامام الشيرازي عن رحيل امام الحق والعدالة علي بن ابي طالب (ع): (إني رأيت الساعة رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي، وهو يقول لي: يا أبا الحسن، انك قادم إلينا عن قريب، يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقى).