الاحزاب

من قاموس الامام الشيرازي

حيدر الجراح

2015-01-21 07:23

لا حياة سياسية سليمة بدون احزاب تتنافس على السلطة.. تلك احدى حقائق الواقع السياسي للكثير من بلدان العالم، وهي ايضا كونها حقيقة افتراضية في مباحث العلوم السياسية، يسعى الفاعلون السياسيون لتجسيدها على ارض الواقع في البلدان الديمقراطية.

للأحزاب السياسية اهمية كبيرة متفق عليها وهي أنه لا ديمقراطية دون أحزاب سياسية فهي أساس كل حياة ديمقراطية في الدولة في الوقت الحاضر إذ عن طريقها يتم التعبير عن مختلف الاتجاهات السياسية في الدولة وبفضلها يتم تكوين الرأي العام الذي يؤدي إلى مشاركة المواطنين في الشؤون العامة. فهي ضرورة لا بد منها في النظام الديمقراطي النيابي بالخصوص بل أصبحت سمة من سمات الديمقراطية الحقيقية هو وجود تعددية حزبية في الدولة. وبالنسبة لأهمية الاحزاب السياسية في المجتمعات نجد هناك من يرى في وجودها ضرورة على أنها قد تكون عامل وحدة واستقرار ودعم للحكومات والأنظمة السياسية وهناك من يرى انها قد تكون عامل شقاق وصراع قومي وعدم استقرار.

يعرف جون بونوا الحزب السياسي بأنه تجمع منظم بقصد المساهمة في تسيير المؤسسات أو الوصول إلى السلطة السياسية العليا في الدولة لتطبيق برنامجه وتحقيق مصالح أعضائه.

وفي كل الاحوال فأن هدف كل حزب سياسي هو الوصول الى السلطة أو على الأقل التأثير في قرارات السلطة الحاكمة. واذا لم يكن يسعى الوصول الى السلطة او التأثير فيها فلا يمكن ان نطلق عليه حزبا سياسيا.

وللأحزاب السياسية علاقة بالدولة كسلطة مركزية وتمثيلها في البرلمان ولا تكون العلاقة هذه بمستوى واحد فهي تتوزع باتجاهات منها أحزاب مهيمنة على العملية السياسية، واخرى أحزاب مشاركة في السلطة، واحزاب مهمشة في عملية صنع القرار، وأحزاب معارضة للعملية السياسية ومقاومة للسلطة.

للأحزاب عدد من الخصائص يمكن اجمالها بالتالي:

1.الديمومة والاستمرار.

2.التنظيم الوطني.

3.السعي للوصول إلى السلطة وبهذا تميز عن مؤسسات المجتمع المدني كون الاخيرة لا تسعى اليها، وهذا ما يميزها ايضا عن جماعات الضغط والمصالح فهذه الجماعات تسعى الى تحقيق اهدافها بشتى الطرق والاساليب ولكنها لا تسعى للوصول اليها.

4.السعي للحصول على الدعم الشعبي.

5.ان تكون للحزب رؤية سياسية-اجتماعية-اقتصادية تحدد هوية الحزب وطبيعة تكوينه المجتمعي و الاهداف الاجتماعية والسياسية التي يسعى الحزب لتحقيقها عند وصوله للسلطة.

اما وظائف الاحزاب فهي:

1-تنشيط الحياة السياسية: من خلال تنافسها السياسي، وطرحها لبرامجها وافكارها، ومحاولاتها كسب تأييد الراي العام، للفوز في الانتخابات والبقاء في السلطة.

2-تكوين الراي العام: من خلال توجيه الحزب للمواطنين وتوعيتهم بالمشكلات السياسية ومقترحاته لحلها، وتشجعهم على المشاركة في الشؤون العامة وبلورة آرائهم في اتجاه معين.

3-تكوين القيادات السياسية: اذ يقوم الحزب بتدريب اعضائه على ممارسة العمل السياسي وممارسة السلطة وترشيحهم الى الانتخابات العامة ومن ثم تولي المناصب العامة.

4-تحقيق الاستقرار السياسي: من خلال قيادتها لاتجاهات الراي العام في ضبط وتنظيم تطلعات المواطنين والمساهمة في حل مشكلاتها.

في ما يتعلق بأنواع النظم الحزبية فقد اعتمد اكثر المختصين التقسيم الثلاثي عند دراسة انواع النظم السياسية، أي الاحادي والثنائي والتعددي، وكما يأتي:

1-نظام الحزب الواحد: وهو نظام غير تنافسي يجعل الحزب الواحد محتكرا للعمل السياسي، وقد ابتدعته الماركسية والنازية والفاشية،وانتشر الى بلدان العالم الثالث، ولكن هجرته الكثير من تلك الدول انسجاما مع التطورات الديمقراطية التي حصلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

2- نظام الثنائية الحزبية: يقوم على اساس وجود حزبين كبيرين في الدولة يتنافسان على الحكم، فيفوز احدهما ويكون الاخر في المعارضة البناءة.

3- نظام التعددية الحزبية: يقوم هذا النظام على وجود ثلاث احزاب او اكثر في الدولة تتنافس من اجل الوصول الى السلطة.

لوعيه بأهمية الاحزاب السياسية ودورها في حياة المجتمع، فقد كتب الامام محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) عن هذا الموضوع في اكثر من كتاب من كتبه..

في كتابه الشورى في الاسلام والصادر بطبعته العاشرة في العام 1999 يتحدث عن هذا الموضوع بادئا بتعريف الحزب والذي يرى انه (كلمة عربية تعني: فريقاً أو مجموعة من الناس الذين لهم تفكيرٌ واحد وهدف واحدٌ). ثم يعمد الى تعريف الحزب السياسي بقوله:

(الحزب السياسي هو عبارة عن الشريحة لطبقة اجتماعية تكافح نظاماً معيناً مـن أجل تأمين المصلحة حسب ما تراها واستلام السلطة وتطبيق مسلكها العقائدي وزعامة الطبقة الخاصـة التي يمثلها هذا الحزب على ساحة الصراع الاجتماعي).

وهو اذ يكتب عن الاحزاب، يعقد مقارنة بين الحياة السياسية في الغرب وفي عالمنا العربي والاسلامي، ويرى (إن قوة الأحزاب في البلدان الغربية هي في إطِراد نظراً لإقبال الناس على هذا النوع من المدارس السياسية، حتى باتت الحكومات غير قادرة على البقاء في السلطة أو في سعيها للسلطة دون دعم ومساندة من الأحزاب، فالحكومات التي جاءت إلى السلطة بدون دعم حزبي لم تدم طويلاً فسقطت في مواجهتها لأقل مانع أو مشكلة، وقد وصل الأمر إلى حد أن الأحزاب السياسية أصبحت في المجتمعات الغربية من مستلزمات الديمقراطية، فأكثر الرجالات السياسية في عالمنا اليوم هم زعماء أو ممثلون لحزبٍ ما، أو كانوا في الماضي يتزعمون حزباً ما).

وفي معرض تقسيمه للأحزاب السياسية يرى الامام الراحل انها (تُقسم إلى صنفين أحدهما ينشط خارج البرلمانات والآخر داخلها). ولا ينسى ان يقارن بين هذين الصنفين من حيث مشروعيتهما (فالأحزاب الناشطة خارج البرلمانات لها تمركزٌ وتماسكٌ اكثر من تلك الأحزاب الـتي تعمل داخل البرلمانات، نظراً لأن تكامل مثل هـذه الأحزاب ـ أي الأحزاب العاملة داخل البرلمانات ـ يبدأ مـن الأعلـى، بينما سائر الأحزاب تتشكل بدايةً من الوسط الشعبي، أي أنها تقوم من أعماق جماهير الشعب).

ويعتقد الامام الراحل، ان (المصلحة المشتركة لجمعٍ من الأفراد كانت ولا تزال تشكل عامل تكتلٍ وتجمعٍ بين هؤلاء الأفراد، ولكن وجود مصلحةٍ مشتركةٍ بين عددٍ أو فئة من الأشخاص لا يكفي لأن يشملَ المصلحة العامة أيضاً).

يعمد الامام الراحل الى تقسيم الاحزاب تبعا لتوجهاتها وبرامجها الى:

1- الأحزاب الراديكالية (أو التقدمية المتشددة): وتتألف من مجموعات اجتماعية مُعارضة وساخطة ترمي إلى تغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع بأي ثمنٍ كان.

2- الأحزاب التقدمية المعتدلة (أو الأحرار): وتتألف من مجموعات اجتماعية لا تُبدي امتعاضاً وسُخطاً تجاه الظروف السائدة داخل المجتمع، لكنها في الوقت نفسه هي على استعداد لأي تغيير في الوضع بصورة هادئة غير متسرعة.

3- المحافظون، هم مجموعات تبدي ارتياحاً حيال الوضع الراهن ولا ترغب في أي تغيير بالرغم من أنهم يزعمون أنهم يسعون إلى تحسين الحالة السائدة فـي المجتمع.

4- الرجعيون، هم مجموعة من الناس الذين يبدون رضاءهم حيال الوضع الراهن داخل المجتمع ولا يرضون لأي تحسين أو تغيير في هذا الوضع.

وهذه التقسيمات يراها الامام الراحل غير ثابتة بالنسبة لاختيارات الناس تبعا لأعمارهم، (اذ إن الناس في سني عمرهم المختلفة يُغيرون أساليبهم، ففي سني الشباب يميلون إلى الاتجاه التقدمي المتشدد، وكلما تقدموا في العُمر غيروا اتجاهَهم حتى يصل بهم المطافُ في سني الشيخوخة إلى الاتجاه الرجعي، ونادراً ما حَصَل أن غيَر فردٌ اتجاهَه إلى الاتجاه الُمناهِض فجأةً من دُون التدرج في الاتجاهات المختلفة).

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي