حماية الحرية الفكرية وإتاحة النقاش للجميع

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2025-09-15 07:47

(الإسلام دين الحرية والعلم والمعرفة، وما من شيء فيه إلا ويتحدث عن العلم والمعرفة)

الإمام الشيرازي

تقترن عملية تطبيق الحقوق بمنظومة من القيم الصالحة، فإذا توفرت هذه القيم عند الأفراد والمجتمعات، سوف تكون حقوق الأقليات وجميع الناس في مأمن من التجاوز عليها، أو إلغائها، وهذا المبدأ يؤكد عليه الإسلام في النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة وفي الأحكام الشرعية التي تتعلق بهذا الجانب.

لذلك توصي التعاليم الدينية المسلمين على نحو خاص بحسن التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى تطبيق هذا المبدأ فيما بينهم، وتم التركيز على أهمية أن يفهم الجميع ما يرومه الدين وما يؤكد عليه، حتى يستطيع الإنسان المسلم أن يعكس الثقافة الإسلامية كما هي أصلا وحقيقة، وهذا الأمر يسهّل كثيرا من عملية إقبال الآخرين على الإسلام ودخولهم فيه.

كما أن حماية حقوق وحريات الأقليات أمر مفروغ منه في الإسلام، وتم التأكيد على هذا الجانب، مضافا إليه إظهار الشخصية الإيجابية عند المسلم حتى يكون نموذجا لغير المسلمين، فإذا لاحظ غير المسلمين هذه الحقيقة الأخلاقية السلوكية الإيجابية عند المسلم، فإنهم لا ريب لابد أن يفكروا ويقارنوا بين الإسلام وأديانهم، وحتما تكون لهم قدرة على تمييز الأفضل، فيكون هذا عاملا مشجّعا لهم كي يدخلوا في الإسلام.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (فقه السلم والسلام الجزء الثاني):

)أوجب الإسلام على المسلمين حسن التعامل مع الآخرين ليطلع هؤلاء على عقائد المسلمين وأعمالهم وشعائرهم وأخلاقهم، حتى يرغبوا في الإسلام عقيدة وعملاً، حيث أن الإسلام جميل في كل شؤونه، فإذا فهمه غير المسلم دفعهُ ذلك إلى المقارنة والمفاضلة بين الإسلام وما هو عليه من مبادئ وقيم فينجذب إليه ضمن مقتضيات حسن العلاقة بينهما).

الابتعاد عن الأهواء والمصالح الفردية

ولهذا ركز الإسلام على مسألة السلم والسلام، وأكدت تعاليمه على أهمية العلاقات السلمية بين بني الإنسان سواء كانوا دولا أو أمما أو أفرادا، فالسلام هو السبيل الوحيد الذي يجعل من الناس في حالة جميلة من الوئام والتعاون والاحترام، وسوف تقود العلاقات السلمية الناس إلى نوع من الانسجام والتقارب، يجعل العالم كله يعيش في أمن وأمان، بعيدا عن الإرهاب والعنف، مما يعني نشر السلم والسلام في ربوع الأرض.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله: 

(لقد جعل الإسلام علاقة المسلمين بغيرهم قائمة على أسس عقلية أخلاقية وعلى أكمل وجه، مبنية على السلم والسلام وبعيدة كل البعد عن العنف والإرهاب، وهذا ما يؤدي بالنتيجة إلى إحلال السلام وتأصيلـه).

هذا الأمر سوف يؤدي إلى شيوع الحريات واحترامها والعمل المشترك على حمايتها، ولا فرق في هذا الجانب بين القوي والضعيف، أو بين الأكثرية والأقلية، فالجميع يحتاجون إلى الحريات المهمة، التي لا يمكن لأي إنسان أن يتنازل أو يتخلى عنها، ولابد أن تقترن هذه الحريات وممارستها بالجانب الأخلاقي وبالفضائل، وعدم الإساءة للآخرين.

وهذا ما ينبغي أن يتحلى به الإنسان المسلم، لاسيما في قضية الابتعاد عن الأهواء والمصالح الشخصية، وكذلك يجب الامتناع التام عن إلحاق الأذى بالآخرين، وكل هذه لابد أن يكون ضمن دائرة أو إطار من الأخلاق التي تبعد الشخص عن الرياء وتفضيل النفس على الآخرين وتحميه من مرض الأنانية، وتجعله من أصحاب التقوى والإيمان العالي.

يقول الإمام الشيرازي:

(إن الحرية الإسلامية للجميع، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين من الأقليات أو غيرها، ومن الواضح أن تكون الحرية في إطار الأخلاق والفضيلة والتقوى وعدم الإضرار بالغير، وكما هو شأن المسلم، يكون بعيداً عن الهوى والرياء والتفاخر وحب الذات والأنانية والجاه والسلطان).

ومما يكفله الإسلام ضمن منطق الحريات، كل ما يتعلق بأداء الشعائر، وعدم إرغام الأقليات على ترك عقائدهم أو تغييرها أو الابتعاد عنها، فالجميع لهم حرية أداء الشعائر الخاصة بهم، بغض النظر عن كونهم أقلية أم أكثرية، لأن الإسلام ينظر إلى حرية الإنسان كحق مُصان لا يجب التجاوز عليه مطلقا، ولكن شرط أن يكون في إطار الأخلاق التي لا تسيء للناس.

كذلك لا يمكن أن تُرغَم الأقليات على تغيير أعمالها، وما تؤمن به، فالعقل له حرية اختيار الدين والعقيدة، ولا شرط في هذا الجانب إلا عدم الإساءة للآخرين، أما الجوانب الأخرى فهي مكفولة ومحمية، والإسلام قرّر التصدي لكل من يحاول التجاوز على حقوق وحريات الناس ومنهم بل وأولهم الأقليات بمختلف انتماءاتها.

هذا ما يشير إليه الإمام الشيرازي بوضوح حين يقول:  

(في الإسلام جميع المنتمين للأقليات لهم الحق في ممارسة شعائرهم بكل حرية وهم آمنون على عقائدهم، دون أن يجبرهم أحد على تبديل عقيدتهم إلى عقيدة أخرى، أو تبديل أعمالهم إلى أعمال أخرى كل في إطاره وموازينه).

أفضلية الحوار ونتائجه الإيجابية

بالإضافة إلى كل ما تقدَّم، توجد حماية تامة للحرية الفكرية، فجميع السنن والأحكام تدعو وتوصي إلى عدم المساس بالحرية الفكرية للإنسان، مهما كان انتماؤه، فمثلا غير المسلمين لهم حريتهم فيما يفكرون فيه، ويسعون إلى تبيانه أو الإيمان به، فهذه خياراتهم الفكرية وهم أحرار فيها.

والأمر نفسه ينطبق على حرية النقاش والجدال، فليس هناك منع عند الإسلام لأية قضية تدخل في مجال حرية الفكر، وحرية الثقافة، على أن تكون في (حدود العقل والمنطق)، وهو أمر صحيح ومقبول، لأن الخروج من منطقة العقل إلى نقيضها تقود الإنسان نحو متاهات لا حدود لها، واستنتاجات في غاية الغرابة والضياع.

لذلك حثَّ الإسلام المسلمين وكل من يستجيب لنداء العقل، على التمسك بالأخلاقيات المنقذة للإنسان، مع أهمية الابتعاد عن كل السلوكيات التي تتناقض مع المنطق والمقبول، حتى يكون الإنسان المسلم نموذجا يتمسك به الآخرون ويُجمعون على اكتماله الأخلاقي والإنساني كونه لا يسلك طرائق مناقضة للمنطق السليم.

حيث يقول الإمام الشيرازي:

(كذلك بالنسبة للحرية الفكرية والثقافية فقد أجازَ الإسلام الحرية الفكرية لغير المسلمين، كما في الحديث والحوار والمجادلة والمناقشة في حدود العقل والمنطق، مع حث المسلمين وغيرهم على التزام الأدب والأخلاق والبعد عن الممارسات التي يأباها المنطق السليم من الخشونة والعنف).

ولهذه الأسباب مجتمعة، فإن الإسلام يدعو ويحمي بشكل صريح حرية الحوار، والمناقشات التي تقود الناس إلى حلول منطقية، حتى لو كان هذا النقاش بين شخصين يعتنقان دينين، وكل له آراؤه ونظرته الفلسفية للأشياء والموجودات وللسوك والتكوين البشري، فالحوار الحر له قواعد معروفة، ولا يمنع الإسلام المتحاورين وإن كان الحوار بين مسلم وغير مسلم.

كذلك هناك امتناع إسلامي عن الإقرار بإلغاء الحرية الفكرية والثقافية، فلكل إنسان حريته في اختيار الفكر الذي يتطلع إليه، وهو حر في اختيار الثقافة التي ينتمي إليها، أيضا لا مصادرة لحق النقاش ولا منع للجدال الذي يخرج بنتائج في صالح المتجادلين.

حيث يقول الإمام الشيرازي:     

(إن الإسلام يعترف بشكل صريح واضح بحق الحوار والمناقشة بين المسلم وغير المسلم، ولا يقر واقعة إلغاء الحرية الفكرية والثقافية ومصادرة حق النقاش والجدال).

وهكذا نجد في الإسلام حاضنة للحريات كافة، وفي مقدمتها الحرية الفكرية، كما يحق للإنسان أن يختار الفكر الذي يؤمن به، كما أنه حر في فتح الحوار الذي يشاء مع من يشاء من الناس، والجدال المتبادل، لأن النقاش غاليا يقود إلى حلول مضيئة وراقية فيما لو اتفق المتناقشون والمتحاورون على التزام القواعد السليمة والصحيحة للحوار.

ذات صلة

فعالية القيادة بالتكلفة في الأسواقحول نهاية عملية العزم الصلب في العراقبعد الهجوم على قطر: نحو نظريَّة للأمن الإقليمي الشاملالعزلة الصامتة وكراهية الذاتاستغلال الظهور الإعلامي في التمهيد للترشيح الانتخابي