دور الكفاءة والقدرة في تحقيق الإصلاح
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2015-09-07 09:32
الكفاءة كما يتفق معظم أصحاب الشأن، هي حسن الإدارة، حسبما متوفر من مقومات للنجاح، مع أهمية اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والابتعاد عن العشوائية والمزاج وما شابه، على أن تكون النتائج جيدة، كونها البرهان الوحيد على وجود الكفاءة لدى المسؤول، وتلتقي القدرة مع الكفاءة، كونها تشكل مجموعة المواهب التي يتميز بها صاحب الكفاءة، فتساعده على القيادة والإدارة الناجحة، وهذا يعني لا فائدة من الكفاءة من دون القدرة ويصح العكس أيضا.
الإصلاح مفردة تعني تغيير الأفراد والجماعات نحو الأفضل، وهو سعي الفرد والجماعة الى تنقية الذات من الشوائب الأخلاقية والتربوية والتعليمية والنفسية وما شابه، ويساعد الاصلاح على نقل المجتمع من وضع مزري تتخلله مشكلات في الادارة ومنظومة القيم وسواها، الى وضع متفوق يكون في الانسان متفوقا ومؤديا لدوره في المجتمع بصورة جيدة.
في المجتمعات الإسلامية، لم تُراعى شروط الكفاءة والقدرة، وفي الغالب لا يوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، وغالبا ما يتم محاربة أصحاب الكفاءات والقدرات، من لدن أناس هم أقل منهم شأنا في المؤهلات وما شابه، وهذا يحدث في منظومة الحكم في الدول الإسلامية والعربية، حيث المحسوبية والحزبية والمناطقية والولاء للسلطة بدلا من الدولة، هي التي تحكم توزيع المناصب والوظائف، حتى تلك الحساسة منها، وهذا يقود الى فشل في الإدارة والقدرة لينعكس على المجتمع كله.
يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم، الموسوم بـ (الاصلاح الاجتماعي)، حول هذا الجانب: (الكفاءة والقدرة هي من مقومات الإصلاح الاجتماعي، وما نراه اليوم من كثرة المشاكل في بلاد المسلمين فإن من أسبابها عدم القدرة والكفاءة القيادية).
إذاً الكفاءة هي شرط التقدم، وهي لا تعني الادّعاء، أو رفع الشعارات، بل تعني حسن التطبيق، لعناصر القوة المتوافرة، وهذا يعني تنمية المواهب لدى الكفاءات، لذلك يؤكد الامام الراحل هذا الجانب عندما يقول سماحته في الكتاب نفسه عن هذا الأمر: (ليس المقصود بالكفاءة مجرد الادعاء بالكفاءة والأهلية، أو إطلاق الشعارات الخالية من المضمون، بل هي الحالة الواقعية للكفاءة التي يلزم أن نوجهها وننميها على مستوى الأفراد وعلى مستوى الجماعة، بل على مستوى الأمة؛ لأنه لا فرق في الحاجة إلى ذلك كله، أي إلى كفاءة الفرد وكفاءة المجتمع، حيث يعتبر أحدهما مكملاً للآخر).
اقتران القدرة بالإنجاز
ما هو المعيار الصحيح الذي تُقاس في ضوئه كفاءة الفرد وقدرته على الأداء السليم والمتميز؟، لا شك أن المعيار الأهم لاكتشاف ذلك، هو درجة الانجاز ومستوى النجاح الذي يحققه الفرد في المهمة التي يتم إسنادها له، وهو أسرع و أوضح مقياس نتمكن من خلاله معرفة صاحب الكفاءة والقدرة ومدى نجاحه في ذلك.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه المذكور نفسه: (من الواضح أن وجود المؤهلات وعدمها في الفرد أو الأمة، يتضح من خلال أداء وإنجاز الأعمال الموكلة للفرد أو للأمة، ودرجة النجاح أو الفشل فيهما).
ويؤكد الامام الشيرازي استنادا الى الأحداث التاريخية، ووفقا لحالة التخلف التي عاشها ولا يزال يعيشها المسلمون الى الآن، أن هناك نتائج غير موفقة للمسلمين في قيادة العالم، باستثناء ما تم في حكومتي الرسول الكريم (ص)، والإمام علي (ع)، حتى أثبتت هاتان الحكومتان ريادتها للمجتمع الدولي آنذاك، ولكن في المراحل التالية فشل المسلمون في البقاء في موقع الريادة، بل فشلوا حتى في ادارة شؤونهم وأنفسهم.
كما نلاحظ ذلك في قول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: (نحن المسلمين ـ وخاصة في القرن الأخير ـ خرجنا من الامتحان بنتائج غير موفقة، قابلها العالم بردود فعل معاكسة، وكان ذلك بطبيعة الحال مؤشراً واضحاً على عدم أهلية وقدرة المسلمين على أداء الدور الريادي الذي خلفه لهم الرسول الأعظم (ص) وإمام المتقين علي بن أبي طالب (ع) في إدارة الأمة).
لذلك ليس أمام المسلمين في العصر الراهن، سوى التغيير، وهذا لن يتحقق بطبيعة الحال إلا من خلال الإصلاح الحقيقي، والأخير لا يمكن أن يتم ما لم تُعطى الكفاءات الفرصة الكافية لنقل الأمة من حالات التردي والفشل التي تتربص بها، الى حالات الارتقاء والتطور وفق أسس وخطط علمية عملية يتم وضعها من لدن متخصصين، ويتم تنفيذها بمهنية عالية، بعد أن تقوم الجهات المعنية برعاية الكفاءات وتنمية قدراتها، ومنحها الفرص التامة لأداء دورها على أفضل وجه.
وهذا يستدعي سعيا متواصلا، وعلمية في التخطيط، وإرادة عالية للإصلاح، مع الابتعاد التام عن وضع العقبات أمام ذوي الكفاءات والقدرات، لأننا كمسلمين اذا أردنا أن نقطف الثمار المطلوبة والصحيحة لذوي الكفاءات، علينا أن نمنحهم كل العوامل التي تساعدهم على أداء دورهم بأفضل ما يمكن.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله الواضح: (يلزم السعي الجاد والمتواصل من أجل تنمية الكفاءات للحصول على ثمراتها بالشكل الأفضل والمطلوب).
لِنكنْ مثل آبائِنا وأجدادنا
هل هناك فرصة للعودة الى صدارة العالم، كما كان المسلمون في عصر آبائهم وأجدادهم؟، سؤال يمكن أن يطرحه كثيرون، بانتظار الإجابة الدقيقة، علما أن الآباء والأجداد حملوا مشاعل النور والعلم، وقدموا للبشرية اجمع أهم حلقات التطور والارتقاء عندما كان الظلام يسود الأرض، وهذا الكلام يعترف به الآخرون قبل المسلمين، ولكن هل كان الأبناء بمستوى المسؤولية؟؟ وهل حملوا الأمانة بنفس مقدرة الآباء والأجداد؟؟.
لنقرأ معا جانبا من الإجابة عن هذا السؤال، في قول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع: (بعد أن حمل آباؤنا وأجدادنا مشاعل العلم والنور والحياة الحرة إلى العالم، أصبحنا اليوم ـ بالإضافة إلى كوننا غير قادرين على أداء مهماتنا الأساسية ـ نهدم ما بناه السابقون من مجد وشموخ).
نعم للأسف واقعنا فضلا عن التاريخ الحديث، يعلن لنا أن المسلمين تخلوا عن دورهم في ريادة العالم، ومع فقدان موقع الصدارة، تعرض المسلمون لخسائر معنوية ومادية كبيرة، وفقدوا جانبا من كرامتهم وعزتهم وقدراتهم، وهذه القدرات هي التي تؤهلهم للعودة الى مكانهم الطبيعي في الصدارة.
ولكن هذا الهدف الكبير يستدعي رحلة طويلة وشاقة للأبناء على خطى الآباء والأجداد، فهل يمكن أن يعودوا الى سابق عهدهم، وقبل ذلك كيف يتحقق لهم هذا الهدف العظيم، نعم هناك فرصة لتحقيق هذا الهدف، ولكن هناك شرط مهم وكبير يضعه الامام الشيرازي أمام المسلمين كي يستعيدوا موقعهم، وهذا الشرط يتمثل بتحقيق الإصلاح.
نعم ليس هناك طريق أمام المسلمين لاستعادة موقع الصدارة، وتقدم الركب العالمي إلا من خلال الإصلاح، وهو هدف ليس سهلا قط، وينبغي أن يبدأ بالنفس أولا، فقادة الإصلاح ينبغي أن يصلحوا أنفسهم أولا، وكل فرد يريد السعي لخدمة المسلمين والارتقاء بهم مجددا، عليه أن يسعى أولا لإصلاح نفسه، ثم الشروع بعمليات كبرى للإصلاح تشمل الجميع من دون استثناء.
كما يؤكد ذلك الامام الشيرازي في قوله التالي: (على المسلمين إن أرادوا الحصول على ما فقدوه من الكرامة والعزة والقدرات والإمكانات التي تؤهلهم لتحمل المسؤولية بالشكل المطلوب، أن يهتموا بالإصلاح، وهو يشمل إصلاح النفس أولاً، ثم إصلاح المجتمع).