كيف نغلقُ أبواب التخلّف؟

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2022-06-06 07:34

(من الضروري على أصحاب المال أن يفكروا مليا، ويتقدموا نحو الإنفاق)

الإمام الشيرازي

للتخلف أسبابه الكثيرة، وهي في معظمها معروفة لصنّاع القرار من الساسة، لكن المشكلة تتعلق بجوانب ليست سياسية، ومنها وعلى رأسها ثقافة المجتمع، والعادات والتقاليد التي تنظم النشاطات والتعاملات الاجتماعية، فإذا كانت الثقافة الاجتماعية تقوم على التعاون المتبادَل للمجتمع، فإنها سوف تهيّئ الظروف المطلوبة لاستقرار وتقدم المجتمع.

هل هناك علاقة بين التخلف والمال؟، يتساءل كثيرون عن إجابة ناجعة، فيجيب أهل الشأن، نعم هناك صلة وثيقة بين التخلف وانعدام الأموال أو شحتها، فإذا كان الأثرياء يعرفون أهمية الأموال في القضاء على التخلف، ويؤمنون بأنهم مسؤولون عن معالجة تأخّر المجتمع، فإن وفرة المال عن طريق التبرعات، أو دفع المستحقات الشرعية أو أية طريقة أخرى، تساعد على وفرة المال، فإن القضاء على التخلف يكون ممكنا بالتخطيط.

إذاً هنالك دور كبير جدا لوفرة الأموال في طرد التخلف ومظاهره، وتحويل الفردج والمجتمع من الأزمات وانتهاك الحقوق والفوضى إلى مجتمع منظَّم متعاون، الغني فيه يساعد الفقير، فتسود ثقافة التعاون والتبرع والأعمال الخيرية المجدية.

الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقدم مقترحات عملية رائعة للقضاء على التخلف، ويمكن استخلاص الخطوات العملية لتذليل عقبات التأخّر من الاطّلاع علي ما ورد في كتاب (أنفقوا كي تتقدموا) للإمام الشيرازي الذي قال فيه:

(هناك مسؤولية كبرى على المال، فبهِ يمكن أن يُعمَل كل شيء، والمال موجود عند أهل الثروة، فهم المسؤولون، وقد قرَّر الله في أموالهم حقا معلوما، للسائل والمحروم).

إذا تقع على الأثرياء مسؤولية كبيرة، وبإمكانهم من خلال نشر ثقافة التبرعات الخيرية، وإقامة المشاريع التطويرية أن يغيّروا المجتمع، وأن تسود ثقافة التعاون والتآزر والتماسك بين الجميع، لأن المال يذلل المشكلات الكبيرة التي يمكن معالجتها بوفرة المال والتخطيط، لذلك يمكن للأغنياء أن ينقذوا المجتمع، وأن يساهموا في تطوير البلد.

غياب دور الأثرياء

صحيح أن قضية تقدم الناس واستقرارهم وتنظيم حياتهم المعيشية وعلاقاتهم، من مسؤولية الحكومة والدولة، ولكن لا ينبغي أن يغيب دور الأغنياء في تطوير الناس اجتماعيا، وتعزيز علاقاتهم المتبادلة، وتوفير فرص التقدم لهم عبر الأموال الكبيرة التي يمتلكها الأثرياء، ويمكن ذلك من خلال تأسيس وإطلاق المشاريع الانتاجية التطويرية ذات الطابع الخيري، حيث يتم عبر هذه المشاريع إنقاذ الكثير من الناس والعائلات من الفقر والحاجة.

إن الغني الذي يصرف أمواله على المشاريع الخيرية سوف يسهم بإنقاذ المجتمع، لاسيما المحتاجين والفقراء، من خلال تعليمهم المهارات وتوفير فرص العمل المناسبة لهم، وهناك تجارب عالمية ناجحة في هذا المجال، منها تجربة القروض الميسرة في بنغلادش والتي أنعشت الاقتصاد، وأنقذت الملايين من الفقر، وفي نفس الوقت تحققت وفرة مالية كبيرة لصاحب المشروع، وكان له الفضل بتطوير المجتمع والدولة وساعد الشباب على التقدم.

لهذا يرى الإمام الشيرازي أنه (في غياب المال يحدث التأخّر، لذا من الضروري على أصحاب المال أن يفكروا مليا، ثم يتقدموا إلى الإنفاق، إنهم بالإنفاق يحرّرون بلادهم، وينقذون شبابهم من السقوط، ويحفظون كيانهم من الخطر، ويمتصون نقمة الناس عليهم، بالإضافة إلى انهم يخدمون دينهم ومبادئهم، ويؤدّون أمانتهم، ويفكّون رقابهم من النار، فهل من مفكِّر أو متذكِّر؟).

إن من ينفق أمواله بمشاريع تساعد الناس، وتيسر لهم سبل العيش الكريم، سوف يُكتب في ميزان حسنات الإنسان، فهو بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية الكبيرة التي يحصل عليها بسبب وقوفه إلى جانب الفقراء، فإنه سوف يجد ثوابه بانتظاره في الآخرة، ويكون عمله في الدنيا والآخرة في صالحه، وهناك أمثلة ناجحة لمواقف الأثرياء مع أهلهم ومجتمعاتهم.

بعض الأثرياء يتساءلون لماذا ذلك البلد الغربي متقدم ومتطور أكثر من بلادنا، وهذا سؤال نسمعه كثيرا ويتكرر على أفواه الناس، لكنهم لا يبحثون عن أسباب تقدم ذلك البلد، ولا يعنيهم أن أغنياءه يساهمون بشكل فعال في فتح ودعم مشاريع تنموية كبيرة ومتنوعة، يخدمون فيها شعبهم، فيما يحجم الأثرياء في بلداننا عن القيام بمثل هذه الخطوات الخيرية الفعالة والمفيدة والمنقذة للناس.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:

(إنهم يتساءلون: لماذا تقدم البلد الفلاني في الغرب؟، فليعلموا: أن ثرياً واحداً في الغرب أسس ــ هو وحده ــ أربعمائة مكتبة، في جملة من المشاريع الكثيرة، وأن فرع لشركة واحدة في الغرب، تبرع بمائتين وخمسين سيارة للتبشير في عاصمة إسلامية، وأن امرأة منهم تبرعت للكنيسة بستين مليون دولار.. فهل هناك نسبة بين ما نعمل وبين ما يعملون؟).

مبادرات داعمة للأعمال الخيرية

إن أثرياء الغرب يتبرعون ويدعمون المشاريع الغربية من دون أن يلزمهم دينهم بمثل هذه الأفعال، وإنما هي ثقافتهم الاجتماعية التي تحثّهم على القيام بمثل هذه المبادرات الكبيرة، بمعنى تُغرَس ثقافة التبرع في الطفل منذ نعومة أظفاره، وينمو ويكبر وتكبر معه هذه الثقافة، ولا يتوانى عن التبرع بجزء من أمواله لكي يُطلق هذا المشروع التنموي أو ذاك.

أما نحن فلا يبادر أغلب الأغنياء بمثل هذه الخطوات البناء، والسبب قلة ثقافة، وتردد، وقلة إيثار، بل هناك أنانية واحتكار للأموال، وإحجام تام عن المساهمة في تطوير المجتمع، على اعتبار أن الأثرياء ليس من واجبهم النهوض بالمجتمع وحياته وثقافته، وإنما هي مسؤولية الحكومة، وهذا تبرير خاطئ تماما، لأن المال يمكنه أن يحل الكثير من مشاكل الناس.

الإمام الشيرازي يقول حول هذه النقطة:

(من الغريب ليس في دينهم فرائض مالية يجب عليهم أدائها، أما ديننا ففيه الخمس، والزكوات، والصدقات، والهبات، والحق المعلوم للسائل والمحروم، وفيه وجوب الجهاد بالمال، ومع ذلك: فإنّا كالجبل الصامد، لا يؤثر فينا كل ما يهب من الرياح، ولا نفكر لغد (الدنيا)، ولا لبعد غد (الآخرة)!!

لهذه الأسباب وغيرها أيضا، نلاحظ أن بون التقدم واسعا بيننا وبين الغرب، إنهم يتنافسون اليوم على كشف أسرار الفضاء واقتحموا الكواكب الأخرى، فيما لا نزال نراوح في أماكننا، من حيث الصناعة وحتى الزراعة، وهناك أمثلة نعيشها اليوم عن قلة الانتاج وانتشار التخلف كما يحدث في العراق اليوم، حيث الزراعة بلغت أدنى مستوياتها في (أرض السواد)، والصناعة توقفت تماما، وصرنا شعبا مستهلكا يبيع النفط ليشتري الطعام والشراب والملبس، شعب مستهلك تماما.

لكن إذا تنبّه الأثرياء وبادروا بوضع الحلول الممكنة، فإننا يمكن أن نبدأ خطوة الألف ميل، لكي نلتحق بالركب العالمي الذي يتبارى كي يكتشف الفضاء بأدق تفاصيله، لذا لابد أن تنتشر بيننا ثقافة التبرع، وإطلاق المشاريع الخيرية التنموية للنهوض بمجتمعاتنا وتطويرها وتقدمها.

يقول الإمام الشيرازي:

(إن بعض الشعوب وصلوا إلى القمر، وبعض الشعوب الإسلامية لا يصنعون حتى الإبرة، فكم الفاصل بيننا وبينهم؟، إن الأثرياء منا إذا بذلوا بسخاء، وأهل القوة سهروا وخدموا بسخاء، فلعلنا نتلافى بعض ما نعانيه من تأخّر).

وأخيرا، كما نلاحظ أن للتخلف أبواب كثيرة في مجتمعاتنا، وأن الحل معروف، فهناك مسؤولية على المال وعلى أصحابه، ولابد من الإنفاق من الثروات الطائلة التي تتوافر بأيدي الأغنياء، ومن الأفضل أن تسود وتنتشر ثقافة التبرع بين الجميع، لكي ننهض ونطور مجتمعنا ودولتنا، فهو واجب ديني وإنساني وأخلاقي واجتماعي لابد من التصدي له اليوم قبل الغد.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي