كيف نستثمر الطاقة المهدوية؟
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2022-03-14 05:29
(معرفة إمام الزمان (عج) شرط لقبول الأعمال) الإمام الشيرازي
في شهر شعبان الخير والبركات، يستذكر المسلمون ذكرى الولادة المباركة للإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، ليستظلوا ببركاته وخيراته وأنواره، وليجعلوا من بركات وفوائد الإمام المهدي (عج)، برنامج عمل لتطوير حياتهم، وتكريس قيم الخير والرحمة والتكافل والإيمان بين جميع الناس، ومعرفة الفوائد الكثيرة التي أسبغها الإمام (عج) على شيعة جدّه أمير المؤمنين (ع)، وعلى المسلمين والبشرية جمعاء.
الإمام المهدي هو أمل الجميع في نشر العدالة وكل قيم الخير، والقصاص ممن عاث فسادا في الدنيا، فمع ظهوره سيندحر الشر والظلم، وسوف يُهزم أعداء الخير والمساواة والعدل، ولذلك تربو عيون وقلوب المؤمنين إلى جيئته المنتظَرة كمن ينتظر الغيث على أحرّ من الجمر، فالمظلمون كثيرون والمستضعفون أكثر، وهم يدعون ليل نهار بتعجيل ظهور الحجة المنتظَر (عج) ساعة قبل أخرى ويوما بعد آخر، لاسيما أن الناس ضاقت بها الأرض بما وسعت، بسبب الظلم والقمع والطغيان والفساد وانتهاك الحقوق.
هؤلاء جميعا بانتظار الإمام المهدي (عج)، وهم بانتظار دفء العدالة، ونور العلم، وهيبة المساواة، ودحر القمع بكل أشكاله، وإلحاق الهزيمة بالقامعين والفاسدين والمرائين، فظهور الإمام المهدي (عج) ظهور للخير والسعادة والأمل بملء الأرض قسطا وعدلا، أما فوائده فهي لا تعد ولا تحصى وهي متاحة للناس وبين أيديهم.
الأمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه الموسوم بـ (الأئمة الـ أربعة عشر عليهم السلام):
إن (فوائد الإمام الحجة (عجل الله فرجه) كثيرة للأنام لا تكاد تحصى أو تعدّ، لكن كثيراً من الناس لا يعرفون هذه الفوائد مع وضوحها، فهي كالشمس التي هي مصدر الإشعاع والدفء وكل خير).
هذه الفوائد الكبيرة والكثيرة لا تتحقق إلا من خلال سعي الناس إلى معرفة الإمام الحجة (عج)، من خلال الدراسة والاطلاع والمتابعة الدقيقة للكتب والمجلدات الكثيرة التي تبحث في سيرة الإمام (عج)، وتستغور بواطن وفوائد هذه السيرة المخلّدة، وعلى الإنسان الذي يفوز بمعرفة الإمام (عج) أن لا يكتفي بهذا الإنجاز المهم والكبير والحتمي، وإنما عليه أن ينقل هذه المعرفة إلى الناس الآخرين الذين هم بأمسّ الحاجة لهذه المعرفة.
لماذا هذا الوجوب الذي يقع على العارف بالإمام المهدي (عج)؟، الجواب لأن قبول الأعمال لن يتحقق ما لم يكن الإنسان ملما وعارفا بالإمام المهدي (عج)، فهذه المعرفة باتت ملزِمة حتى تُقبل أعمال الإنسان التي لا يمكن قبولها، إلا بهذا الشرط الذي يتعلق بمعرفة الإمام المهدي (عج)، والمعرفة هنا بمثابة المنقذ للإنسان لأنها تضيء له السبل التي تؤدي به إلى النور والعلم الصحيح، والقيم الكريم، وبالتالي تقوده إلى سعادة الدارين.
لهذا يؤكد الإمام الشيرازي قائلا:
إن (معرفة إمام الزمان (عج) شرط لقبول الأعمال، بل شرط الإيمان، فمن لم يعرف إمام زمانه كان كالجاهليين).
بكم يهبط الغيث مدرارا
كلنا في حاجة دائمة ومستمرة لبركات الإمام المعصوم، هذه البركات تفتح لنا طرق الاستقامة، وتنعش القيم الأصيلة، وتحمي المجتمعات من الانحدار نحو الرذائل، وتدفع بهم إلى سلوك الجادة الصواب، لذلك ترتبط هذه البركات وهبوطها ببركة الإمام (عج) وجميع الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، لأنهم سبب النماء الأعظم.
بالأئمة المعصومين تنبت الأرض أشجارها، وتمنح الناس ثمارها، ويهبط الغيث مدرارا، ويُكشَف الكرب، وتُدحَر الأحزان، وفي هذه الواحة الوارفة من الخيرات يعيش الإنسان، مباركا سعيدا راضيا متنورا، وهذه بعض الفوائد العظيمة التي يسبغها الإمام الحجة (عج) بشفاعته وقيمته ومنزلته الكبيرة عند الله جلَّ وعلا.
لهذا يذكر الإمام الشيرازي أن (البركات الإلهية تهبط إلى الخلق ببركة المعصوم (عليه السلام) ففي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام): بكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج الأشجار أثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها، وبكم يكشف الله الكرب، وبكم ينزل الله الغيث).
وهناك فوائد أخرى كثيرة ما أحوج الناس لها، وما أحرى بهم للغوص في سيرة الإمام المهدي (عج) كي يفوزوا بها جميعا، ومن بينها (دفع البلاء)، فكثيرا ما يتعرض الإنسان إلى بلاء لم يكن في حسبانه، يفاجئه بغتة، ويقلب حياته رأسا على عقب، وقد يدمّر حاضره ومستقبله، لكنه يستطيع أن يتجنب هذا البلاء بالإمام الحجة (عج) وبركاته ودعائه لشيعته دونما توقّف، وهو دعاء لا يُرَدّ حتما.
من فوائد الإمام الحجة (عج) كما يقول الإمام الشيرازي: (دفع البلاء وما أكثر البلاء النازل، ولولا الحجة (عج) لساخت الأرض بأهلها، فإن أصل وجود الإمام (عج) مظهر للرحمة الربانية وموجب لدفع البلاء، هذا مضافاً إلى دعاء الإمام (عج) لشيعته في كل يوم، ودعاؤه مستجاب قطعاً وهو يوجب رفع البلاء عنهم).
قصص مهدوية غصت بها المجالس
أما القصص الكثيرة التي عاشها المؤمنون بأنفسهم، وتلوها على غيرهم من الناس فهي كثيرة، لا يمكن حصرها، بيد أن الكتب غصّت بها، والمجالس بكل أنواعها شهدت مثل هذه القصص التي تقص فوائد ومواقف الإمام المهدي (عج) مع الناس الذين يفوزون برضاه ولقائه، وهي قصص من صلب واقع الناس ومن حياتهم الواقعية.
يقول الإمام الشيرازي حول قضاء الحوائج
(كثيرون هم الذين نالوا حوائجهم وحصلوا على مرادهم ببركة التوسل بإمام الزمان (عج)، ويشهد لذلك القصص الكثيرة التي لا يخلو منها زمان ما).
وهنالك أيضا الشفاء من المرض ببركة الإمام الحجة (عج)، فكم من المرضى حصلوا على هذه البركة، ومنهم من كان مرضه مستعصيا على الطب بأنواعه، الطب الكيمياوي، وطب الأعشاب وغيرهما، لكن الشفاء ببركة الإمام المهدي (عج) من النوع الربّاني الذي لا يحتاج إلى دواء مادي، بل هو دواء الإيمان والرحمة والشفاعة المتأتية من المكانة العظيمة للإمام الحجة (عج) عند الله سبحانه وتعالى.
لذلك يقول الإمام الشيرازي: (ما أكثر المرضى الذين نالوا شفاءهم ببركة الإمام الحجة (عج) وبإذن الله تعالى، بل إنه (عج) يعنيه مرض الموالين ويدعو لهم).
ومن أعظم الفوائد تلك الهداية التي ينالها كل من استشفع بالإمام المهدي المنتظر (عج)، فحين يتيه العقل ويضعف، وحين تُغلَق أبواب الرحمة، وحين يصبح الرأي السديد في عداد المفقودات، هناك رحمة (الإمام الحجة (عج)، ينثرها على أتباعه وأحبائه والمؤمنين به والمنتظرين له، أفضل الانتظار والاستعداد.
الإمام الشيرازي يؤكد ذلك فيقول:
(الإمام الحجة (عج) كآبائه الطاهرين سُبل هداية العباد، وهذا المعنى ظاهر في دعاء الافتتاح لكل ليلة من شهر رمضان المبارك، حيث ورد عنه (عج): واهدنا به لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم).
أما الفائدة الأخرى وليست الأخيرة، فهي (سعة الرزق)، وهذا ما لمسه محبو الإمام (عج) والمؤمنون به، والمنتظرون لظهوره، فهم (عج) يسبغ الخيرات والأرزاق على كل من يُخلِص في انتظاره، ويتوغل في معرفته، ويجدّ في تعريف الآخرين بالإمام الحجة (عجل)، فهذه كلها تقود الإنسان إلى الفوز ببركات ومرضاة الإمام (عج) التي هي طريقه إلى مرضاة الله تعالى.
الإمام الشيرازي يقول:
(من بركات الإمام الحجة (عج) هي سعة الرزق، وهذا ما تفيده العبارة التالية من دعاء الندبة الشريف: واجعل أرزاقنا به مبسوطة).
ونحن نعيش هذه الأيام المباركة قرب ولادة الإمام المهدي (عجل)، حري بنا أن نبحث عن المعرفة الحقيقية التي تقودنا إليه، ومن ثم ننشرها لمن لا يعرفها، وبهذه الطريقة نكون قد فزنا بشفاعته وقبوله (عج)، وتلك ما هي إلا هدفا مصيريا عظيما من الأهداف التي يجب أن يكدّ ويسعى إليها الناس ليل نهار.