إطفاء نار الحرب
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2020-02-17 07:12
الحرب بمفهومها المباشر تعني الاقتتال، لكنّ هذا الاقتتال قد لا يتم بالسلاح، أو إلحاق الأذى المادي المباشر بالخصم، فهناك أنواع عديدة من الحروب منها مثلا، حرب الاستنزاف، والحرب الوقائية، والنفسية، والاقتصادية، والخارجية، والداخلية، وقد مرّ العالم في حقبة الحرب الباردة بين قطبين تحكّما بقيادة العالم والصراع البارد لتحقيق النفوذ والغلَبة وتأمين المصالح.
وتعرَّف الحرب بأنها نزاع مسلح تبادلي بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، حيث الهدف منها هو إعادة تنظيم الجغرافية السياسية للحصول على نتائج مرجوة ومصممة بشكل ذاتي. قال المنظر العسكري البروسي كارل فون كلاوزفيتز في كتابه عن الحرب: إنها "عمليات مستمرة من العلاقات السياسية، ولكنها تقوم على وسائل مختلفة." وتعدّ الحرب عبارة عن تفاعل بين اثنين أو أكثر من القوى المتعارضة والتي لديها "صراع في الرغبات" ويستخدم هذا المصطلح أيضا كرمز للصراع غير العسكري، مثل الحرب الطبقية.
للحرب كيانها الثقافي وممارستها ليست مرتبطة بنوع وحيد من التنظيم السياسي أو المجتمعي. بدلا من ذلك، كما تمت مناقشته من قبل جون كيغان في تأريخه للحرب، فإن الحرب هي ظاهرة عالمية، وشكلها ونطاقها يحددها المجتمع الذي يقوم بها. تمتد سير الحرب على طول سلسلة متصلة من الحروب القبلية شبه العالمية والتي بدأت قبل التاريخ المسجل للإنسان، ثم إلى حروب بين المدن أو الأمم أو الإمبراطوريات.
وفي كل الأحوال ينتج عن جميع أنواع الحروب التي تم ذكرها سابقا، أضرارا بعضها يصل إلى درجة السحق أو المحق وإزهاق الأرواح، وتدمير الضرع والزرع، ونشر الخوف والظلم والضغائن، لهذا حرّم الإسلام كل أشكال الحرب في تعليمات وضوابط جاءت في نصوص قرآنية وأحاديث وروايات شريفة كلها تدعو الإنسان والأمم كافة إلى الجنوح للسلم، ودرء مخاطر الحرب.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي، (رحمه الله) أسهب في تفصيل أنواع الحروب، والمضارّ التي تنشأ بسببها، وتوصّل بعد جهد جهيد إلى أن حفظ النسل البشري وإدامة الحياة يستوجبان نبذ الحرب وردع المسببين لها، ومحاصرة الأسباب التي تقود الأمم والأفراد إليها. لذلك جاء في كتابه القيّم (من فقه الزهراء ج3):
(يجب إطفاء نار الحرب، فقد قال تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها).
ردع الحرب مسؤولية الجميع
ولم تنحصر مهمة (إطفاء الحرب)، على أمة دون غيرها، أو على فرد دون سواه، فالجميع هنا معنيون بهذه المهمة، ومسؤولون عن مقارعة أسباب الحروب بكل أنواعها كونها تتناقض مع الهدف الأسمى للخالق والخلق، وقد يقول قائل: إنني غير قادر على إطفاء حرب كبيرة تقوم بين دول أو جماعات مختلفة، لكن هذا القول ليس صحيحا، فكل الحروب هي نتيجة لتراكم آراء وتوجهات سياسية وفكرية ومن ثم نتاج تجمّع طاقات مادية تنتهي إلى نوع من التصادم بين أمتين أو دولتين في حرب ضروس لا تبقي ولا تذر.
فالفرد مثلا عليه أن لا يشجع وسائل إدامة الحرب سواءً بالرأي أو القول، وعليه إيقاف جميع أشكال الدعم التي تصبّ الزيت فوق النار، وهو قادر على ذلك، فلا يجوز تأييد الحروب لاسيما الظالمة منها، وقد يكون مسموحاً بدعم الحرب الدفاعية، أو حرب التحرير، ما عدا ذلك لا يمكن أن تكون هناك مبرّرات مقنعة أو مقبولة أو عادلة لدعم الحروب.
بل إطفاء الحرب هو السلوك الصحيح والقاطع، كونه يقطع دابر الشر ويسهم بدرجة ما حتى لو كانت بسيطة أو قليلة تحد من قدرة صنّاع الحرب على إدامتها، لذلك لا أحد يُستثنى من المساهمة (بقد ما يستطيع) في وأد الحرب الباطلة بكل الأنواع التي تقود إلى إلحاق الظلم والأذى بالآخرين,
الإمام الشيرازي يقول في المصدر نفسه:
(إن المرء كلما تمكن من إطفاء نار الحرب الباطلة وجب عليه ذلك، سواء تمكن من الإطفاء كليا أو الإطفاء جزئيا وصولا إلى الإطفاء الكلي).
لذلك من غير المقبول لفرد أو جماعة التنصّل من واجبها في الإسهام بوقف الحرب، بالجهد الذي يتمكن منه، وليس مطلوبا منه كفرد أو جماعة، أن يطفئ الحرب بشكل كامل، لأن ذلك فوق قدراته وطاقاته، لكن في المقابل عليه أن لا يتخلى عن هذا الدور كليّا، ولا يصح له التذرّع بحجج ما كي يتهرّب من دوره حتى لو كان عبارة عن إسهام في الرأي أو سواه من الفعاليات الممكنة التي تكون مؤثرة في حالة الرفض التراكمي للحرب، فقد قال الإمام علي عليه السلام: (ما لا يدرك كله لا يترك كله).
دور المال والإعلام في ردع الحرب
ويبقى الإنسان محاسَب على قدر ما يمتلكه من ممكنات وقدرات وطاقات بغض النظر عن كونها فردية أو جمعية، قليلة أو كثيرة، المهم تكون له مشاركة في ردع مشعلي حرائق الحروب بقدر إمكاناته.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله: (إن كل إنسان مكلف بقدر إمكانه).
وليس هناك دعم محدد بنوع ما، ولا كمّ محدّد أيضا، بل قدرة الإنسان الفرد أو الجماعة هي التي تحدد هذا الإسهام في إطفاء الحرب، لاسيما أن عالم اليوم كله يغض بالاضطرابات والصراعات، بما فيها بلدان الشرق الأوسط، ومن بينها العراق الذي تدور فيه صراعات إقليمية ودولية لتجعل منه ساحة حرب (لا ناقة له فيها ولا جمل) يتصارع فيها أطراف أخرى من أجل مصالحهم.
نحن كمسلمين يجب أن نجنح إلى السلم تطبيقا لتعاليم الإسلام الذي يحثنا على مقارعة العنف وأشكاله، ومن بينها الحرب التي يقع علينا واجب إطفائها بكل ما هو متاح لنا، فالمهم هو العمل بالضد من إشعال حرائق الحروب في بلداننا، لاسيما أنه لا يوجد منتصر في الحرب، كما أننا من البلدان التي تأخرت كثيرا في مجال الصناعة والاقتصاد وبناء الدولة والنظام السياسي الرصين، لذا علينا الإسهام في نبذ الحرب وإطفاء نيرانها بأي شيء نمتلكه كي نردعها.
سماحة المرجع الشيرازي يقول:
(لا فرق بين أن يكون إطفاء الحرب بالإعلام أو المال أو السلاح أو غير ذلك من أقسام الإطفاء والردع).
وإذا كنّا بحاجة إلى رمز أو نموذج ننهل منه الفكر السليم الذي يشجعنا ويدفعنا لمقارعة الحروب، فإننا نمتلك ذخيرة كبيرة من هذا النوع، حيث يقول الإمام علي عليه السلام: (أنا مُخْمدُ نار الحرب).
وهذا دليل قاطع يدفع بنا كأفراد أو جماعات ومجتمعات، إلى إخماد نيران الحروب بأشكالها وأحجامها كافة.
وهذا ما يؤكّده الإمام الشيرازي أيضا في قوله: (لا يجوز التعلل بعدم التدخل لإطفاء الحرب). هنا يوجد تأكيد لا يقبل الشك، فالجميع تقع عليهم مسؤولية المشاركة في هذه المهمة، وليس هنالك تحديدات معينة، بل كلٌ بحسب قدراته، لأن المهم المساهمة بحسب القدرة، ومن تراكم القدرات يكون هنالك تأثيرا فعّال يصبّ في إلحاق الهزيمة بصنّاع الحروب والمروجين لها!.
لذلك يذكّر الإمام الشيرازي الجميع، وهم مكلّفين بإطفاء الحرب، ولا يستثنى منهم أحد، بأننا مسلمون: (وإن الأصل في الإسلام السلم لا الحرب، فإن شعار الإسلام: السلام).
أهمية ما تقدّم تأتي مما يدور اليوم في دول إسلامية وعربية كثيرة، فالحرب لا تكاد تتوقف في إحداها حتى تندلع نيرانها في أخرى، وهذا خلاف ما يدعونا له ديننا وكتاب الله الحكيم، يجب أن نعمل بكل ما نمتلك من قدرات ووسائل وأفكار على جعل منطقتنا ودولنا آمنة خالية من الحروب بكل أنواعها، وهذا لا يمكن أن يتحقق ما لم يكن لنا جميعا الإسهام الذي يتوافق مع حجم وخطورة هذه المهمة.