أربع مقوّمات لتطوّر الفرد والمجتمع

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ

2019-07-22 07:40

بات التخطيط المسبق، من أهم وأولى الخطوات التي تقود الإنسان إلى أهدافه الآنية والمستقبلة، ويجب أن يرتكز التخطيط على مقومات يتقنها الجميع، بدءاً من الفرد، صعودا إلى المجتمع بكل مكوناته الرسمية والمدنية، ومن دون هذه المقومات الأربع سيغدو السعي نحو الأهداف جزافياً مهلْهَلاً، متخبطا في حالة من الضعف والتيه وعدم الوصول إلى ما يبتغيه الإنسان.

بمعنى أنّ على الإنسان، في أي موقع كان، لاسيما ذوي المراكز المتقدمة أو النخب بمختلف مسمياتها، أن يعْتَبِر مما يطلع عليه من صفحات التاريخ الموثوق بها، ومما يمر به من تجارب شخصية أو ذات طابع جمعي، فالعِبْرة هي دليل الإنسان ومصباحه الأهم الذي يقوده نحو أهدافه.

فكيف نعتبر؟، قال تعالى: (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبابِ). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: فتفكروا أيها الناس وتبصروا واعتبروا واتعظوا وتزودوا للآخرة تسعدوا).

ويقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيّم الموسوم بـ (العِبْرة سبيل النجاة):

(لابد للمرء إذا أراد التقدم والخير لنفسه وللآخرين، أن يتأمل ويحقق في أربعة مقوّمات مهمة، وعندها يعرف ماذا ينبغي له أن يصنع؟ وماذا يترك؟ وكيف يستفيد من التجارب الماضية؟).

ولكن هناك من لا يعنيه التاريخ بشيء، ولا تعنيه العِبْرة أصلا، فما هي أسباب ذلك، ولماذا لا يضع الفرد أو المجتمع ونخبهِ في حسبانهم شرط الاعتبار، والاستناد إلى مقومات التغيير والتطور، الأسباب كثيرة، منها ما يعود للبيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، ومنها ما يعود إلى تدخلات خارجية لمنع المسلمين من العودة إلى مكانتهم في صدارة الأمم، وأغرب الأسباب هي التي تتمثل بكسل المسلمين، وعدم انشغالهم الجاد بهدف التطور وتهيئة مقوماته.

فمن يروم التطوّر عليه أن يفقهَ ويُلِمُّ بتلك المقومات، حتى يتسنى له العبور من مرحلة أدنى إلى أخرى أعلى وأفضل وأهم، ومن دون التنبّه لهذه المقومات وهضمها وسبر أغوارها، لا يمكن للإنسان الفرد والمجتمع، أن يسمو ويعلو شأنه، ويدخل في دائرة التنافس الإنساني في المجالات كافة.

ماهي نتائج التلكّؤ في مواكبة العالم؟

أما نتائج التلكّؤ في مواكبة التطور العالمي، فهي ذات طابع كارثي، حيث يتقدم عليك من كان يحبو وراء خطواتك، ويستشيرك في كل شيء، أما بعد أن تلكّأ المسلمون، حكومات ودول ومجتمعات، في الالتزام بمقومات التقدم، فقد أدى ذلك إلى واقع مزرٍ يعيشه المسلمون اليوم، نعم هناك مخططات مشبوهة ومحاولات خبيثة مخطط لها خارجيا، ولديها أذرع لتنفيذها حرفيا لكبح تقدّم المسلمين، ولكن علينا أن لا ننكر بأن المسلمين أنفسهم كانوا سببا في تأخرهم أيضا.

كيف يمكن تجاوز هذه المشكلات الذاتية الداخلية كي ينهض المسلمون، وكيف يمكنهم ردع التدخلات الخارجية وتحييد تأثيراتها على تطورهم وتقدمهم، هناك حلول كثيرة، لكنها مرتبطة في معايير منتظمة، ينبغي أن يتمسك بها المسلمون، (الدول الإسلامية، والمسلمون المقيمون في الغرب أو المهجر بشكل عام)، على أن يستتبع هذا التمسك خطط عملية للتنفيذ المبرمج والعلمي.

الإمام الشيرازي وضع حلولا ومقترحات واضحة، وممكنة التطبيق، جاءت في كتابه القيّم (العٍبرة سبيل النجاة)، وقد حرص سماحته على الوضوح والسلاسة وسهولة الفهم، وحتى إمكانيات تطبيق هذه المقومات متوافرة عند المسلمين، وما يتبقى هو تنفيذها بعقول ذكية وحريصة، وإرادة حاسمة لا تكلّ ولا تزلّ، فمعرفة هذه الخطوات لا تكفي لانتشال العالم الإسلامي من كبوته، إذ يجب إقران هذه المعرفة والاستيعاب النظر، بالعمل المخطَّط القويم.

وفي إطار الحلول والمقترحات التي يقدمها الإمام الشيرازي لأمة الإسلام، حكومات ودول ومجتمعات، للانتقال من القنوط والتردّي إلى المنافسة الجادة مع أمم العالم الأخرى، يبيّن الإمام الشيرازي مقومات واضحة الدلائل، وما على ذوي القرار والنخب كافة، ومن يهمه أمر المسلمين تقدما وتطوراً، ومواكبةً لما يجري في العالم من تسابق مضطر نحو التغيير والتطوّر، إلا الأخذ بهذه المقترحات والحلول التي وردت في إطار مقوّمات واضحة المعالم.

يقول الإمام الشيرازي: توجد أربع مقومات يجب أن يركّز عليها الفرد والمجتمع حتى يتسنى له تحقيق ما يصبو إليه في إطار التنافس مع الآخرين، وهذه المقومات هي:

(أولا: متابعة التاريخ، حيث يجب متابعة التاريخ بالتحليل والتدقيق الصحيحين، حتى نعرف الأسباب والمسببات، والخلفيات والدوافع؛ وعندها سوف تنكشف علل سقوط الأشخاص والدول، وعلل سمو ونجاح البعض الآخر، وتنكشف عوامل الضعف والقوة عند الأمم والأفراد).

معرفة وتحليل الأحداث المعاصرة

هذا هو المقترَح المقوِّم الأول، ولكن هناك من ينظر إلى التاريخ كعبء على المسلمين، ومن ينظر للتراث بعين الريبة والاستصغار، وهذه عقبة كبيرة جدا تقف بوجه المسلمين وتحد من خياراتهم نحو التغيير، والمصيبة حين يأتي رفض التاريخ والتراث من عقول وشخصيات تُحسَب على النخب الفكرية المتقدمة.

أما المقوِّم الثاني فهو يتمثل بتوظيف التجارب الشخصية من أجل التقدم، إذ يرى الإمام الشيرازي بوجوب الاستفادة منها:

(حيث يمر الإنسان في حياته العملية بمجموعة من التجارب والأعمال، وهذه التجارب سوف تزوِّد صاحبها بالوعي والبصيرة في المستقبل. قال أمير المؤمنين عليه السلام: من حفظ التجارب أصابت أفعاله). فالإنسان العاقل هو الذي يستفيد من أخطائه ونقاط الضعف التي مرت بحياته، لكي لا يقع بها ثانية ولا يصاب بمثلها في المستقبل.

المقوِّم الثالث في إطار الحلول التي قدمها الإمام الشيرازي لإحداث القفزة النوعي في مجالات المنافسة العالمية تتجسد بمتابعة ومعرفة الأحداث المعاصرة، إذ يقول سماحتهُ في كتابه المذكور سابقاً:

(يجب دراسة الأحداث المعاصرة والتأمل في كيفية جريانها، وذلك من خلال نظرة الإنسان إليها، كي يرى ما هي مقدمات نشوء الحدث؟ وكيفية السيطرة عليه واحتوائه واستثماره؟ ومقارنته مع العِبَر والحوادث السابقة، والاستفادة من الماضي في معرفة الحدث المعاصر، ووضع الاحتمالات المتوقعة، ووضع الحلول والبرامج لهذه الاحتمالات والنتائج).

يتّضح بجلاء عمق رؤية الإمام الشيرازي في وضع إطار وفحوى مزدوج (نظري / عملي)، يمكن من خلاله للمسلمين أن يعبروا حواجز التخلف واحدا تلو الآخر، إذا ما خططوا بذكاء ووعي وإرادة لتهيئة مقومات التغيير.

المقوِّم الرابع الذي وضعه الإمام الشيرازي كنوع من المقترحات والحلول المُتاحة للمسلمين للتطوّر، هو قراءة المستقبل أيضا، فلا يصحّ الاعتماد على المقومات الثلاث التي مرّت في أعلاه، أي أننا لا يمكن أن نحقق التطور في اعتماد (فهم التاريخ ودراسته، ولا في الإفادة من التجارب الشخصية، ولا في فهم الأحداث المعاصرة)، فهناك مقوِّم رابع يجب أن يعتمدهُ المسلمون كحلّ ومقترحٍ مكمّل للحلول والمقومات الثلاث السابقة، هذا المقوم الرابع هو دراسة المستقبل.

يقول الإمام الشيرازي في المقترح أو الحل أو المقوِّم الرابع: (يجب أن تتم ملاحظة الأثر المترتب على النتائج. فمثلاً، إذا كان أحد الأشخاص يسرق أموال الآخرين فالمحتمل وفق المنظور العقلي، وقوعه بيد السلطة القضائية، ومن ثم السجن. أما إذا كان الإنسان ينفع الآخرين، ويجيد الخطابة وتعليم الناس، فإن المحتمل العقلي له أنه سيكون في موقع احترام وتقدير الآخرين).

هذا المثال الفردي ينطبق على المجتمع أيضا، فهو بمجموعه ينبغي أن يذهب إلى الخير والصلاح، وأن يصنع من مقدمات أفكاره وأفعاله، نتائج تخدم الإنسان على نحو العموم، فإذا تصرّف المسلمون في مشاريعهم الفكرية والعملية وفق منطق الإمام الشيرازي الذي يدعوهم فيه إلى العمل الجيد والمفيد لهم وللبشرية جمعاء، فإن النتائج المرتجاة ستكون في صالح المسلمين وتنقلهم إلى دائرة التنافس مع الأمم الأخرى الساعية إلى التطور والتقدم والسلام.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي