زيارة الأربعين: تظاهرة سلمية لإصلاح القوانين
قراءة في محاضرة صوتية لسماحة الامام السيد محمد الشيرازي –طاب ثراه-
محمد علي جواد تقي
2018-10-24 06:00
مقدمة:
عندما نتحدث عن اهداف الامام الحسين، عليه السلام، في نهضته وملحمته العاشورائية، بإحياء قيم الدين وأحكامه، وايضاً الإصلاح في الامة، فان هذا بحاجة الى أدوات للتطبيق العملي، وإلا تبقى نظريات في الكتب احاديث يتداولها اصحاب المنابر، وتكون من باب التذكير باهداف الامام من وراء نهضته وتضحياته، ولكن؛ ماذا عن علاقة تلك الاهداف والتضحيات بالواقع الذي يعيشه الشعب العراقي – مثلاً- او أي شعب مسلم آخر في العالم؟
إنه القانون الذي من شأنه تنظيم حياة الناس وتحديد الضوابط والاحكام لمختلف شؤون الحياة، وايضاً من شأنه ان يعضد تلك القيم الدينية ويصنع لها مصاديق عملية، وهو ما اشارة اليه العلماء والباحثين بان لو لم تكن عاشوراء، لتحول الدين الاسلامي الى طقوس عبادية لا روح فيها، ومن دون محتوى، اشبه ما تكون بالطقوس الدينية لدى المسيحيين، ولعل الامام الحسين، عليه السلام، أحدق الخطر بالشريعة عندما وجد يزيد، وهو يتربع على قمة السلطة، يستظل بغطاء "الخلافة الاسلامية"، على وشك أن يدفع بالدين والتدين نحو الهاوية، عندما جاهر بشرب الخمر وارتكاب الزنا والموبقات دون حرج او خوف من أحد، مما يستوجب تفعيل القوانين الاسلامية التي جاء بها النبي الأكرم، والامة حديثة العهد به آنذاك، وتذكير الناس بها لايقاف يزيد عند حدّه، وردع كل منحرف او متجاوز على الحقوق والحرمات من مغبة انتهاك القوانين التي أنزلها الله –تعالى- اساساً؛ لسعادة الانسان والبشرية.
فاذا كنا نستذكر مصاب الامام الحسين، عليه السلام، وما اقترفه الامويون، وتحديداً جيش عمر بن سعد، بالامام واهل بيته، علينا ان نتذكر ايضاً العوامل التي سمحت لهؤلاء لارتكاب هذه الجرائم، ومواطن الانحراف في النظام السياسي آنذاك، والتي تصدّى لها الامام، عليه السلام، وهو الانحراف الذي ما نزال نجد آثاره في معظم الانظمة السياسية في بلادنا –إن لم نقل جميعها- ، وهذا ما يشير اليه سماحة الامام الشيرازي في هذا المقطع الصوتي، وهو يثير قضية في غاية الاهمية ترتبط بالنهضة الحسينية، كما ترتبط ايضاً بالواقع السيئ لبلادنا الاسلامية.
لنقرأ ما يقوله الامام الراحل- طاب ثراه-:
الامام الحسين قُتل حتى يثبت القوانين الاسلامية
في شهر محرم الحرام، طبعت كتب، ورُقيت منابر، وسمعنا خطب، و كلها حسن، وجزى الله العاملين خير الجزاء، بيد اننا بحاجة الى نتيجة من كل هذه الاعمال، لان ما ذكرناه يمثل الطريق والوسيلة، ولابد من ان تكون ثمة نتيجة وهدف من وراء كل ذلك، والهدف؛ تطبيق مبادئ الامام الحسين، عليه السلام، وإلا هل كانت تضحية الامام، عليه السلام، بدمه ودماء اهل بيته، بحد ذاتها هدفاً؟ كلا؛ انما ثمة اهداف عليا يتطلع اليها من وراء ملحمة عاشوراء.
أما كيف نطبق مبادئ الامام الحسين، عليه السلام، فيكون على جزئين:
الاول: أداء الفرائض الدينية، من صلاة وخمس وصوم وحج وزكاة، وايضاً؛ قيم اخلاقية مثل؛ الصدق والامانة وغيرها، كلها تسود المجتمع، وإن كانت بدرجات ونسب متفاوتة، بل ان التطبيق ليس بالشكل المطلوب، لا كماً ولا كيفاً، مع ذلك؛ فانه جزء موجود.
الثاني: أما الجزء غير الموجود، فهي القوانين الاسلامية، وتحكيم الانظمة الاسلامية في الحياة، والتي نفتقدها –على الاغلب- في معظم بلادنا الاسلامية، لذا علينا العمل لتفعيل هذا الجزء، الى جانب العمل على تكريس الجزء الاول من مبادئ النهضة الحسينية.
أينما يممت وجهك في الوقت الحاضر نحو المشاكل الموجودة؛ من مشاكل اجتماعية او اقتصادية او سياسية، تجد آثار هدم القوانين الاسلامية فيها. إن الحسين قُتل حتى يثبت قوانين الاسلام.
لقد صنعنا المنابر، والكتب، والمجالس، وبذلنا الاموالن وبكينا، وفعلنا كل شيء لإحياء النهضة الحسينية، ولكن؛ اين كل هذا من الشيء الذي من اجله قتل الامام الحسين؟ لذا علينا؛ وبعد أداء كل هذه الشعائر الحسينية، العمل على إرجاع قوانين الاسلام الى بلادنا.
المنابر الحسينية تتناول مختلف قضايا عاشوراء، من مواقف الامام وخطبه وبطولاته، وايضاً ظلم الامويين وطغيانهم، وايضاً تطرح مواضيع عن الحجاب والاخلاق والفرائض الدينية، وكلها مواضيع جيدة ومطلوبة، ولكن؛ هل سمعنا من يتطرق الى كشف زيف القوانين الوضعية وضرورة تحكيم القوانين الاسلامية؟ وإن كانت ثمة مبادرات من هذا النوع فهو قليل.
المشي وإمكانية الإصلاح
مفردة التظاهرة تستدعي في الذهن الفعل السياسي لمجموعة من افراد المجتمع يخرجون في مجموعات منظمة للمطالبة بحقوق او للاعتراض على سياسات الدولة، بيد ان السائرين على الاقدام من كل مكان في العراق والعالم صوب كربلاء لأداء زيارة الاربعين، انما يجدون انفسهم في معرض المسائلة أمام النهضة الحسينية، وما اذا كانوا خلال ايام السنة، قد طبقوا القيم والمبادئ التي من اجلها استشهد الامام الحسين، أم لا؟ ومحاولة زيادة النسبة وتقديم المزيد.
ولكن؛ المشكلة ان هؤلاء يجدون انفسهم –وهم يسعون للحاق بركب النهضة الحسينية- مكبلون بسلسلة من القوانين اللااسلامية في بلادهم، وربما يشعرون بأجواء روحانية خاصة هذه الايام، وهم يطوون المسافات البعيدة سيراً على الاقدام، بعيداً عن الضغوطات والمنغّصات في بلادهم، وما أن يعودوا الى بلادهم، يدخلون ثانية دوامة القوانين الفاشلة، سواءً فيما يتعلق بالحريات الفردية والحريات الجماعية، من حرية السفر والتجارة والبناء، والأهم؛ حرية الرأي والعقيدة، ثم القوانين المتعلقة بالاحوال الشخصية والضريبة والمشاركة في صنع القرار السياسي وغيرها كثير.
ولعل العمل على إحياء القوانين الاسلامية او تفعيلها –إن وجدت في بعض الدساتير- يُعد احد النتائج الملموسة لزيارة الاربعين المليونية، لان ابناء الامة سيكونون مطمئنين على الجزء الاول من مبادئ الامام الحسين، وهي إقامة الفرائض والالتزام بالقيم الدينية والاخلاقية، وحمايته من التضعيف والتهميش، وإلا فان عديد البلاد الاسلامية تسمح بإقامة الصلاة في المساجد، وهي مساجد ضخمة وفاخرة تسر الناظرين في عواصم ومدن اسلامية، ولكن؛ الى جانب هذه المساجد ربما تجد محل بيع الخمور، او من يرفع صوت الاغاني والموسيقى ويعلق صور عارضات الازياء والممثلات، ونجد عديد الحكومات تعطي حرية العمل والتجارة ثم تقيدها بضرائب مجحفة تثقل كاهل التاجر كما تثقل كاهل المواطن العادي الذي سيصطدم بالاسعار الباهظة المرتفعة بسبب ارتفاع الضرائب والرسوم.
الامام الحسين، عليه السلام، دافع عن الحرية والكرامة الانسانية وضحى بدمه من اجل هذا المبدأ العظيم، بيد ان وضع النقاط على الحروف قبل ان يصل الى ساحة المواجهة في كربلاء، وهو بعدُ في مدينة جده رسول الله، عندما أعلنها للعالم بأن "...أسير على سيرة جدّي رسول الله، وسيرة أبي أمير المؤمنين". فماذا كان في هاتين السيرتين؟ هل الصلاة والصيام والحج والزواج والتجارة وكسب المال فقط، أم أن هنالك قواعد ونظم من شأنها تأسيس نظام متكامل لحياة آمنة ومستقرة، مثل؛ قانون "لا ضر ولا ضرار في الاسلام"، أو قانون "إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"، فأين نحن من هذه القوانين؟
ان الدعوة الى إحياء القوانين الاسلامية مهمة كل انسان يسير الى زيارة الامام الحسين، عليه السلام، في اربعين استشهاده، لاسيما من يمتلكون اسباب التأثير قولاً او كلمة او موقفاً سياسياً او عملاً ثقافياً او أي خطوة اخرى، وهذا لا يتم خلال أيام المشي الى كربلاء قطعاً، انما يحتاج الأمر لفترات طويلة يخوض فيها المسلمون والمحبون للإمام الحسين في كل مكان، تجربة التغيير الحقيقي في بلادهم.