تمكين الشباب: وقود التنمية لمجتمع ريادي
رؤى من أفكار الإمام الشيرازي
شبكة النبأ
2018-07-30 06:40
يخطئ من يهمل الشباب ويلقي بهم في هامش الحياة، لسبب معروف لكل ذي حكمة وبصيرة، فالشباب هم ربيع الحياة، وهم القوة الفاعلة الآملة في المجتمع، ومن يرمي بهم إلى حافة الإهمال فهذا يعني خسارة الحياة الحافلة بالتميز، لأن تجميد الشباب هو الاستغناء بغباء عن أهم الطاقات والمهارات والمواهب التي تصنع للمجتمع (ماركته) المتميزة عن الماركات التي يغص بها العالم، فحين تستغني عن الشباب كأنك تستغني عن الحياة، وعندئذ لا تجدي الأموال نفعا ولا الجاه ولا السلطة.
فما فائدة أن يكدّس السلطان الأموال في حياة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، وحين يهمل القائد والأب الشباب ستكون النتيجة إخراجه من دائرة الحياة خالي الوفاض، فالشباب هم الربيع والنماء وهم كل شيء جميل ومجدي في حياتنا، فكيف يجرؤ (الحكام، القادة، الآباء) وكل من يتصدر السلطة بأنواعها، على ترك الشباب وحدهم في مواجهة تيارات الحياة المعقدة، خصوصا في عالم لم تعد فيه حدود، فانكشف الكل للكل، ولم يبق أمام الإنسان لكي يتميز ويتقدم سوى الموهبة والعمل والذكاء والإقدام، وهذه كلها صفات شبابية من الغباء أن يستغني عنها القادة والمسؤولين.
يصف الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، الشباب بالوصف التالي الذي ورد بكتابه القيّم الموسوم بـ (الشباب):
(لكل شيء ربيع، وربيع الكون فصل الربيع، ربيع القلوب قراءة القرآن، ربيع العمر هو الشباب، والربيع علامة التفتح والبهجة والسرور، علامة التجدد والخضرة والزهور، علامة العطاء والنماء لكلّ شيء حتى الشعور، علامة الخير والحب والخصب عبر العصور).
كما أن التأكيد على أهمية الشباب يتأتى من الصفات والسمات الحيوية التي يتحلون بها، فمرحلة الشاب تتفتح فيها المواهب وتظهر فيها الإشارات المميزة للشخصية، كما أن هذه المرحلة تتضمن قمة الحماس والتوقّد في عمر الإنسان، فيندفع نحو أهدافه بكل قوة ورسوخ بعيدا عن التردد الذي قد يحدث للإنسان في مراحل أخرى من عمره، من هنا وجب استثمار الإنسان لطاقاته في هذه المرحلة، ويجب على القادة أن يستفيدوا من هذه الشريحة المتوقدة.
يقول الإمام الشيرازي:
(الشباب هو موسم التفتح وبروز المواهب والقابليات لدى الإنسان ذكراً وأنثى، فلذا يكون الشاب شعلة متوقدة من الحيوية والنشاط في كل اتجاه وفي كل مجال).
قلب الشاب وعقله أرض بِكْر
ومن الصفات المهمة التي تسِم الشاب أنه يكون كالصفحة البيضاء والقادة هم يكتبون ما يريدون فوق سطورها، والآباء أيضا يمكنهم توجيه الشباب كما يريدون ويؤمنون، لأن عقول الشباب وقلوبهم صافية نقية تستقبل كل الأفكار والتوجيهات برغبة عارمة، وما على القادة سوى الاستفادة القصوى من هذه الخواص التي لن يعثروا عليها في المراحل الأخرى من عمر الإنسان، لذلك غالبا ما نجد الشباب سريع الاندفاع نحو الأهداف التي يؤمن بها ويفهمها سريعا.
فحين يتم نقل الأفكار وضخها في ذهنية الشاب، فإنه يستقبلها بسرعة كبيرة خصوصا إذا اقتنع بها، ولأن عقله أرض بكر تستقبل كلما يصل إليه من أفكار فإن المسؤولين القادة والآباء يمكنهم الاستفادة من هذه الخاصية الشبابية ويوجهون الشباب نحو الخير والتنوير والإنتاج الأحسن كونهم يستقبلون هذه الأفكار أسرع من غيرهم بسبب نقاء عقولهم وصفاء أذهانهم وتوقد طاقاتهم.
حيث يؤكد الإمام الشيرازي ذلك قائلا:
(الشاب صافي الذهن، نقي القلب، مرهف الحس والشعور، يلتقط الفكرة مباشرة، ويسهل لك بان توجهه في أيّ اتجاه تريد، فتجعل منه ملاكاً إن وجهته إلى الخير والنور).
تُرى هل يسعى القادة في العراق إلى هذا المسعى، وهل فكروا بالكيفية التي يسعون فيها لاستثمار الشباب بالصورة المثلى، أم أن الإهمال كان من نصيبهم بسبب انشغال القادة بالطمع والجشع والمصالح الخاصة، حتى الآباء قد يهملون أبناءهم الشباب فيتركونهم وحدهم في مواجهة تيارات الحياة الصاخبة، فتجرفهم إلى ما لا يُحمَد عُقباه، وقد أكد الحكماء والمختصون على أن قلب وعقل الشباب كالأرض البكر التي يمكن للقادة والآباء أن يزرعوها بما يريدون ويرغبون بسبب نقائها واستقبالها لكل الأفكار والتوجيهات، لذلك ينبغي التنبه إلى إنبات الخير والجمال والحرية في عقول وقلوب الشباب، وعدم تركهم وحدهم تتلاعب بهم آفات الفراغ، والعولمة في جانبها الخبيث في ظل انفتاح الثقافات على بعضها بدون حماية، فيتعرض الشباب إلى خطر الذوبان وفقدان الهوية، في حال إهمالهم من قبل القادة والآباء.
يقول الإمام الشيرازي:
(إن مرحلة الشباب في غاية الأهمية لكل إنسان، وعلى المربي: أب، أو أم، أو معلم، أو أستاذ، أو شيخ، أو قائد، أن يدركوا هذا جيداً. وشبّه الحكماء ـ قديماً وحديثاً ـ قلب الشباب وعقله بالأرض البكر، فهي قابلة لكل زراعة، فأبذر بها بذور الخير والفضيلة لتعطي لك خيراً تاماً وفضيلة كاملة).
الفقر والبطالة تحاصر الشباب
إن المعادلة التي لا ينبغي نسيانها، ولا يصح التخلي عنها تقول بوضوح، كلما أولينا اهتماما صحيحا للشباب، كانت النتائج والثمار جيدة بل متميزة، فهل فعل القادة العراقيون بهذه القاعدة أو المعادلة، أم أنهم أهملوا الشباب وتركوهم يواجهون مصير الإهمال والتنكّر لطاقاتهم ومواهبهم؟ وباتوا في مواجهة المشاكل المعقدة وجها لوجه بعيدا عن أية مساندة أو معاونة من الكبار، بالطبع الواقع يقول أن شبابنا مهملين متروكين لا أحد يفكر بهم، وهو ما حدا بالشباب من أعمار مبكرة لإعلان رفضهم هذا الإهمال من خلال موجة الاحتجاجات التي انطلقت في كثير من المدن العراقية، وهذه رسائل في قمة الوضوح وجهها الشباب إلى القادة وحتى الآباء بوجوب الانتباه لهم، وانتشالهم من واقعهم المزري.
يقول الإمام الشيرازي:
(لقد تم إبعاد الشباب ـ بمختلف الوسائل ـ عن الله واليوم الآخر، فلا رقابة ذاتية ولا أبوية ولا غيرها، وبذلك أصبحوا في مواجهة واقع الحياة قبل أن تعرّكهم التجارب، فأصبح الكثير من القرارات التي اتخذوها لأنفسهم خاطئة).
وحين يُترَك الشباب لوحدهم في مواجهة عواصف الحياة، فهناك من يتربص بهم حتما، ويسعى لاستغلالهم أبشع استغلال، وهؤلاء هم الذين يتحينون الفرص للإطاحة بعقول الشباب وزجهم في الأفكار الخبيثة، فيذهبون بهم إلى فقدان الإيمان والثقة بأنفسهم والأشد خطرا حين يفقد الشباب الثقة بقادتهم وآبائهم، فيكونوا ضحية الضياع والتشتت والاكتئاب، ثم يصبحون فريسة سهلة للانحلال الخلقي والانحراف والفراغ والمخدرات، من ثم يصبحون أداة بيد الأعداء ضد شعوبهم نفسها وضد عقائدهم وتقاليدهم بسبب فقدانهم الثقة بانتمائهم.
هذه النقطة بالذات هي رد الفعل الذي يتخذه الشباب نتيجة لإهمالهم من قادتهم وآبائهم، لهذا فالمسؤولون والقادة والمربون هم من يتحمل العبء الأكبر من هذه المسؤولية، لأنهم أهملوا أبناءهم وتركوهم فريسة ولقمة سائغة بأفواه أعدائهم، خصوصا حين لا يجد الشباب الفقير فرصة عمل مناسبة يبني من خلالها حاضره ومستقبله ومجتمعه، نتيجة لسوء التخطيط والإدارة من قبل القادة، فيتركون هذه الشريحة الأهم من كل الشرائح الاجتماعية عرضة للبطالة والفقر، ومن ثم يصبحون مهيئين تماما للانحراف.
كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:
(لقد استغل جماعة من الصيادين ومن طلاّب المال والشهوات قدرة الشباب واخذوا بأزمّتهم فأوردوهم موارد الفساد والانحلال، وتبعاً لذلك حدثت الكثير من المشاكل التي غطت حياة الشباب، من البطالة والفقر والمرض والتسيّب والقلق وغير ذلك).