التوحد: ماذا تعرف عن الداء الأكثر غموضاً؟

مروة الاسدي

2016-10-30 05:33

يتصف مرض التوحد بوجود تأخر في اكتساب اللغة لدى الطفل وضعف العلاقات الاجتماعية مع من حوله أيضا، ويكون للطفل حركات متكررة او اهتمامات محددة، ويعد التوحد من الامراض المحيرة والتي لازالت قيد البحث والدراسة ومراجعة الطرق التشخيصية والعلاجية، وان عدد الحالات المشخصة من هذا الاضطراب تزداد باضطراد، على الدوام، ومن غير المعروف، حتى الان، ما اذا كان هذا الازدياد هو نتيجة للكشف والتبليغ الافضل نجاعة عن الحالات، ام هو ازدياد فعلي وحقيقي في عدد مصابي مرض التوحد، ام نتيجة هذين العاملين سوية، اذ تبلغ نسبة التوحد فى الذكور اكثر من الاناث بنسبة 4 الى 1.

تظهر الاعراض عادة اما واضحة في ضعف التواصل الاجتماعي واللغوي منذ السنة الأولى من عمر الطفل ويستمر مدى الحياة، اما في حالات اخرى فيكون الطفل قد مر بمرحلة تطور طبيعية، ولكن حصل له تراجع ففقد المهارات اللغوية او الاجتماعية بعد بلوغه السنة والنصف او السنتين، رغم أن تشخيص الحالة يمكن أن يحدث بعد هذا العمر أحياناً.

فيعاني الاطفال صغيرو السن من صعوبات عندما يطلب منهم مشاركة تجاربهم مع الاخرين، وعند قراءة قصة لهم، على سبيل المثال، لا يستطيعون التأشير بأصبعهم على الصور في الكتاب، هذه المهارة الاجتماعية التي تتطور في سن مبكرة جدا ضرورية لتطوير مهارات لغوية واجتماعية في مرحلة لاحقة من النمو.

الى الان لا يوجد علاج لهذا الاضطراب، ولكن يمكن مساعدة هذه الشريحة من الأطفال وآبائهم من خلال العلاج بالكلام واللغة والعلاج المهني والدعم التعليمي، بالإضافة إلى عدد من التدخلات الأخرى، لان العلاج المكثف والمبكر، قدر الامكان، يمكنه ان يحدث تغييرا ملحوظا وجديا في حياة الاطفال المصابين بهذا الاضطراب.

الاكتئاب والحمل

دراسة كندية واسعة النطاق نشرت نتائجها في الولايات المتحدة أن تناول مضادات الاكتئاب خلال فترة الحمل من شأنه زيادة خطر اصابة الطفل بالتوحد بنسبة 87 %، وتكتسي خلاصات هذا البحث اهمية خاصة نظرا الى ان 6 الى 10 % من النساء الحوامل يتناولن عقاقير للمعالجة من الاكتئاب بحسب الباحثين الذين حللوا بيانات طبية تتناول 145 الفا و456 حالة حمل في مقاطعة كيبيك الكندية ونشرت نتائج الدراسة في مجلة "جورنال اوف ذي اميريكن ميديكل اسوسييشن بيدياتريكس". بحسب فرانس برس.

وأوضحت المشرفة الرئيسية على هذه الدراسة البروفسور أنيك بيرار من جامعة مونتريـال ومركز سانت جوستين الاستشفائي الجامعي أن "الاسباب المختلفة للتوحد لا تزال غامضة الا ان بحوثا اظهرت أن الوراثة والبيئة قد تكونان من عوامل الخطر"، وأضافت "سمح البحث الذي اجريناه باكتشاف أن تناول مضادات الاكتئاب، خصوصا تلك التي تؤثر على السيروتونين (ناقل عصبي) خلال الربعين الثاني والثالث من الحمل، يؤدي الى زيادة خطر اصابة الطفل بالتوحد بما يقارب الضعف".

وحللت بيرار وفريقها حالات 145 الفا و456 طفلا منذ المرحلة الجنينية وحتى بلوغهم سن العاشرة، اضافة الى بيانات تتعلق بتناول امهاتهم مضادات للاكتئاب خلال فترة الحمل، كذلك تطرقت الدراسة الى جملة عوامل اخرى من شأنها التأثير في الاصابة بالتوحد، ولدى بعض الأشخاص استعداد وراثي للاصابة بهذا الاضطراب في حال وجود حالات مشابهة لدى افراد العائلة، كما أن سن الوالدة والاكتئاب هما من العوامل التي قد تكون مرتبطة بالاصابة بالتوحد، فضلا عن بعض العوامل الاقتصادية الاجتماعية مثل الفقر.

وأشارت بيرار الى "أننا حددنا التعرض لمضادات الاكتئاب على أنه وصفة طبية واحدة على الاقل لامرأة حامل خلال الربع الثاني أو الثالث من فترة الحمل"، ولفتت إلى أن الخيار وقع على هذه المرحلة لأنها تشهد اهم محطات نمو دماغ الجنين، ومن بين الاطفال الذين شملتهم الدراسة، ركز الباحثون اعمالهم على اولئك الذين تم تشخيص أحد انواع التوحد لديهم عبر التحقق من الملفات الطبية لأمهاتهم.

وفي هذا البحث، تم تشخيص اصابة 1054 طفلا بالمرض في سن 4,5 سنوات في المعدل، أي 0,72 % من العينة التي شملتها الدراسة، وارتفعت نسبة الاصابة بالتوحد لدى الاطفال من 4 لكل 10 الاف طفل سنة 1966 الى 100 لكل 10 الاف حاليا، وقد تكون هذه الزيادة عائدة الى تحسين القدرة على كشف الاصابة بالتوحد اضافة الى توسيع العوامل المرتبطة بالتشخيص، الا ان الباحثين يعتبرون أن العوامل البيئية تؤدي دورا في هذا الموضوع ايضا.

وقالت أنيك بيرار "على الصعيد البيولوجي، من الممكن أن تكون مضادات الاكتئاب من العوامل المسببة للتوحد في حال استخدامها خلال فترة نمو الدماغ لدى الجنين بما أن السيروتونين تؤدي دورا في عمليات عدة متصلة بالنمو قبل الولادة وبعدها، بما في ذلك الإنقسام الخلوي"، وأوضحت أن "بعض مجموعات مضادات الاكتئاب تعمل عبر عرقلة انتاج السيروتونين ما يعيق قدرة الدماغ على النمو الكامل في الرحم"، وخلصت أنيك بيرار الى ان "احاطة تبعات هذه الادوية على نحو أفضل يمثل اولوية على صعيد الصحة العامة نظرا الى انتشار استخدامها".

البدانة والسكري

خلصت دراسة أمريكية إلى أن بدانة الحوامل تؤدي إلى مضاعفة خطر إصابة الطفل بالتوحد مقارنة بمن لا تعانين من تلك المشكلة، وذكر الباحثون في مجلة (بيدياتريكس) الطبية أنه عندما تكون الحوامل بدينات ومصابات بالسكري فإن خطر إصابة الطفل بالتوحد يزيد أربعة أمثال على الأقل، وقال كبير الباحثين شياو بين وانغ وهو باحث في الصحة العامة وطب الأطفال بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور "بالنسبة للخطر بشكل عام ومقارنة مع أمراض الطفل الشائعة كالبدانة والربو فإن معدل الإصابة باضطراب طيف التوحد بين الأمريكيين متدني نسبيا لكن التأثير الشخصي والأسري والاجتماعي لاضطراب طيف التوحد هائل". بحسب رويترز.

وتقول المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها إن من بين كل 68 طفلا هناك مصابا باضطراب طيف التوحد الذي يشمل متلازمة أسبرجر واضطرابات النمو الشائعة الأخرى، ويمثل هذا نحو 1.5 بالمئة من الأطفال الأمريكيين، وتشير نتائج الدراسة إلى أن الخطر يزداد إلى ثلاثة بالمئة لأطفال النساء البدينات أو المصابات بالسكري وأنه يقترب من خمسة إلى ستة بالمئة بين الأمهات البدينات المصابات بالسكري، وأخضع وانغ وزملاؤه بيانات 2734 أما وطفلا للدراسة وتابع مركز بوسطن الطبي الحالات بين عامي 1998 و2014.

وبدانة الحامل وحدها تزيد مخاطر الإصابة بالتوحد بنسبة 92 في المئة فيما يسفر تشخيص إصابة المرأة بالسكري قبل الحمل عن مضاعفة الخطر إلى أكثر من ثلاث مرات، وعندما تكون الحوامل مصابات بالسكري وبدينات يزيد خطر إصابة الطفل بالتوحد إلى أربعة أمثاله إذا ما تم تشخيص الإصابة بالسكري أثناء الحمل وإلى قرابة خمسة أمثاله إذا كانت المرأة مصابة بالسكري قبل الحمل.

مرضى التوحد "يموتون أصغر"

حذرت منظمة خيرية بريطانية من أن المصابين بالتوحد يموتون أصغر من غيرهم، وعادة متأثرين بالصرع أو الانتحار، واستشهدت منظمة "أوتيستيكا" إلى دراسة بهذا الشأن أجريت مؤخرا بالسويد، وذكرت الدراسة، التي نشرت في دورية (British Journal of Psychiatry) أن أولئك الذين يعانون التوحد يموتون أصغر من غيرهم بـ16 عاما في المتوسط، وتسعى المنظمة الخيرية إلى جمع تبرعات تصل إلى 10 ملايين جنيه إسترليني من أجل إجراء المزيد من البحوث حول هذا الموضوع، ويقدر عدد المصابين بالتوحد في بريطانيا بنحو 700 ألف شخص، وهو مرض يسبب صعوبات في الاتصال والتواصل مع الآخرين.

الصرع والانتحار، وفحصت الدراسة السويدية السجلات الصحية لـ 27 ألف مريض بالتوحد من البالغين، وتوصل البحث، الذي أجراه معهد كارولينسكا، إلى أن المصابين بالتوحد وصعوبات التعلم المرتبطة به، قد يموتون أصغر بـ30 عاما وهم يموتون عند متوسط العمر 39 سنة،

وقد كان الصرع سبب الوفاة الرئيسي، ولم يستطع العلماء حتى الآن أن يوضحوا سبب العلاقة بين التوحد والصرع، ولعل ذلك أحد الأسباب التي تدفع المنظمة الخيرية لجمع التبرعات خلال السنوات الخمس المقبلة لإجراء المزيد من البحوث، وذكرت الدراسة أيضا أن أولئك الذين يعانون التوحد، ولا يعانون صعوبات في التعلم، يموتون عند عمر 58 عاما بدلا من 70.

وبعد الأزمات القلبية، يأتي الانتحار كأكثر الأسباب شيوعا للوفاة بين هذه المجموعة، وكانت بحوث سابقة قد ذكرت أن النساء اللائي يعانين من التوحد أكثر عرضة للانتحار من الرجال وأن النصف فقط ممن يعانون من التوحد تم تصنيفهم كمرضى اكتئاب – رغم أن هذه المشكلة الأخيرة ربما تعود لمعوقات التواصل في التشخيص، وهذا البحث، الذي نشر على الانترنت في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أجرته الدكتورة تاتيا هيرفيكوسكي، التي وصفت نتائج دراستها بـ" الصادمة والمحبطة "، وقالت إن هناك " حاجة ملحة للمزيد من المعلومات".

وقال جون سبيرز المدير التنفيذي لمنظمة أوتيستيكا الخيرية لبي بي سي إن عدد الوفيات بين البالغين الذين يعانون التوحد يمثل " أزمة مخفية هائلة"، ويتحدث ربع من يعاني من التوحد بكلمات قليلة أو لا يتحدث مطلقا، فيما تشير الإحصائيات إلى أن 15 بالمئة فقط من مرضى التوحد يحصلون على عمل بدوام كامل، وتريد أوتيستيكا أيضا من الحكومة القيام بمراجعة على مستوى الدولة للوفيات بين مرضى التوحد، وتقول جيل آكرس، والدة إيلي (19 عاما) التي تعاني من التوحد: "رؤية طفلتك تعاني انقباضا أمر صادم ومؤلم بما فيه الكفاية"، وأضافت "معرفة أن الشخص الذي يعاني التوحد قد يموت مبكرا متأثرا بالصرع، يمثل ضربة مزدوجة".

علاقة التوحد بلقاح الحصبة

قرر القائمون على مهرجان تريبيكا السينمائي في الولايات المتحدة عدم عرض فيلم فاكسيد Vaxxed المثير للجدل، والذي يتناول لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية MMR vaccine، وقال الممثل الأمريكي ومؤسس المهرجان روبرت دي نيرو "تساورنا مخاوف بشأن بعض الأمور في الفيلم"، يأتي هذا بعدما أبدى دي نيرو تمسكه بقرار عرض الفيلم في المهرجان المقرر الشهر المقبل في نيويورك.

ويشير الفيلم، الذي أخرجه وشارك في كتابته ناشط بريطاني ضد التطعيم يُدعى أندرو واكفيلد، إلى وجود علاقة بين اللقاح ومرض التوحد، وتعرض هذا لتشكيك على نطاق واسع، وأوضح دي نيرو، الذي يعاني أحد أبنائه من التوحد، أنه كان يأمل أن يفتح الفيلم الباب أمام مناقشة هذه القضية، لكن عقب مراجعة الفيلم مع مُنظّمي المهرجان وعلماء، قال "لا نعتقد أنه يساهم أو يعزز المناقشة التي كنت أصبو إليها"، وكان مخرج الفيلم واكفيلد قد وصفه بأنه "وثائقي كاشف (عن أمر خاطئ)".

وبعد قرار الامتناع عن عرض الفيلم، قال في بيان مشترك مع منتج الفيلم دل بغتري "شاهدنا للتو دليلا آخر على سطوة مصالح الشركات في الرقابة على حرية التعبير والفن والحقيقة"، ورأس الطبيب البريطاني فريقا أعدّ دراسة، نُشرت في عام 1998، أثارت جدلا واسعا وأشارت إلى احتمال وجود علاقة بين اللقاح ومرض التوحد ومرض الأمعاء، ودعا واكفيلد الآباء إلى منح أطفالهم لقاحات منفصلة لكل مرض على حدة سواء الحصبة أو النكاف أو الحصبة الألمانية، بدلا من اللقاح الواحد المخصص للأمراض الثلاثة.

وأدت تعليقاته - وكذلك الضجة الإعلامية التي أثارتها - إلى تراجع حاد في عدد الأطفال الذين حصلوا على لقاحات ضد هذه الأمراض، وفي وقت لاحق، سحبت دورية لانسيت الطبية الدراسة التي كانت أول من نشرها، وأدان المجلس الطبي البريطاني العام واكفيلد بالاحتيال وشُطب من سجلات الأطباء.

نظارة جوجل الجديدة تساعد الأطفال المُصابين بالتوحّد على فهم تعبيرات الوجه

لدى جوليان براون صعوبة في قراءة المشاعر على وجوه الناس، وتُعدُ تِلك أكبر التحديات بالنسبة للأشخاص المُصابين بهذا الاضطراب العصبي، لكن جوليان البالغ من العمر 10 سنوات، بمدينة سان جوزيه بولاية كاليفورنيا الأميركية، يتلقى الآن مُساعدة من "نظارة التوحد"، وهو جهاز قيد التجريب يقوم بتُسجيل وتفسير الوجوه في نفس الوقت، ويُنبه الطفل إلى العواطف التي يعبرون عنها.

وتعمل نظارة جوجل الجديدة المُطورة من قِبل جامعة ستانفورد، بواسطة برمجية التعرف على الوجه، وهي عبارة عن سماعة مزوّدة بكاميرا أمامية، وشاشة دقيقة فوق العين اليُمنى، أما جوليان فهو واحد من حوالي 100 طفل يُشاركون بالدراسة التي تُجريها جامعة ستافورد لبحث ما إذا كان بمقدور "نظارة التوحّد" تحسين قدرتهم على تفسير تعبيرات الوجه.

يقول جوليان: "هذه ليست آلة بإمكانها قراءة عقلك، لكنها تُساعدك فيما يتعلق بالعواطف، إذ تتعرف عليها"، ويرتدي جوليان الجهاز كل يوم لثلاث جلسات تستغرق كل منهما 20 دقيقة، يتواصل فيها مع أفراد أسرته وجهاً لوجه، يتحدثون، يلعبون، ويتناولون وجباتهم، ويعمل البرنامج على هاتف ذكي يُسجل تلك الجلسات، فعندما تكتشف كاميرا الجهاز شعوراً مثل السعادة أو الحزن، يرى جوليان كلمة "سعيد" أو "حزين" أو يظهر رمزٌ تعبيريٌ مماثلٌ للحالة على شاشة النظارة.

يقول دينيس وول، من المُختبر الذي تُجرى فيه الدراسة: "إن المقصد من برنامج النظارة هو تعليم الأطفال المُصابين بالتوحد كيفية فهم ما تُخبرهم به الوجوه، ونعتقد أنه عندما يحدث ذلك سيصبحون أكثر اندماجاً في المجتمع"، وقد طوّر الطالب بجامعة ستانفورد كاتالين فوس، والباحث نك هاربر تكنولوجيا لتتبع الوجوه والكشف عن المشاعر بعدد كبير من الإعدادات وعلى عدد كبير من الناس.

يقول فوس الذي استلهم الفكرة جُزئياً من خلال ابن عمّه المُصاب بالتوحُّد: "لقد كانت الفكرة لدينا في الأساس في خلق مساعد من شأنه التعرف على التعبيرات والوجوه، ويقدم لك تلميحاً بها وفق ذلك"، وقد أبدى المُدافعون عن مرضى التوحد شغفهم بتطوير تكنولوجيات من شأنها مُساعدة ما يُقدر بنحو طفل مُصاب بالتوحد من بين كل 68 طفلاً أميركياً.

وقد أمدت شركة جوجل جامعة ستانفورد بحوالي 35 نظارة من إصداراتها، ومع ذلك لم تقم بالتدخل في المشروع، وكانت الشركة العملاقة في وادي السيلكون قد توقفت عن إنتاج السماعات في العام الماضي إثر الإخقاق في تحقيق نجاح ملموس، ولكن الجهاز وجد طريقه للحياة مرّة أُخرى، وتطور شركة Brain Power الناشئة في كامبردج أيضاً نظارة جوجل بناءً على تطبيقات من شأنها مساعدة الأطفال المُصابين بالتوحد على تحسين مهاراتهم الاجتماعية وامكانية قراءة الوجوه عندهم.

يقول روبرت رينغ، مدير المكتب العلمي بمنظمة Autism Speaks المعنية بمرضى التوحد: "إن النظارات والتكنولوجيا القابلة للارتداء هي المُستقبل، إذ ستلعب دوراً محورياً في كيفية فهمنا وتعاملنا وتشخيصنا لاضطرابات التوحد"، وفي الوقت الراهن يتعلم العديد من الأطفال المُتوحدين قراءة التعبيرات الوجهية بالعمل مع مُعالجين يستخدمون بطاقات تعليمية تبين مشاعر مُختلفة، ويأمل فريق جامعة ستانفرد أن تتمكن نظارة التوحد من توفير علاجٍ مُريحٍ وفي المُتناول بإمكان العائلات استخدامه في المنزل.

إن الأطفال المُصابين بالتوحّد لا ينالون الاهتمام الكافي الذي يحتاجونه طالما احتاجوا إليه، ومن الضروري أن نحل هذه المُشكلة، وإذا أظهرت الدراسة نتائج إيجابية فإن هذه التكنولوجيا قد تصبح مُتاحة تجارياً خلال عامين، أي شيء بإمكانه مُساعدة هؤلاء الأشخاص هو محل ترحيب وهام للغاية، ولكن حتى أفضل تكنولوجيا لن تكون كافية، لأننا نتعامل مع أفراد عادة ما تكون لديهم احتياجات عميقة جداً جداً، هكذا يقول جيل إيستشر، رئيس جمعية التوحد في سان فرانسيسكو.

وعلى الرغم من أن الدراسة لازالت في مراحلها الأولى، يقول وول إن الأطفال المُشاركين قد أبدوا تحسناً في قدراتهم على قراءة الوجوه، كما أن ردود الفعل من قِبل الأسر جاءت مُشجعة، وتقول كرستين براون، والدة جوليان: "لقد ساعد ذلك ابني على التواصل مع العائلة أكثر من السابق، أعتقد أن تلك النظارات تُعتبر طريقة إيجابية لتشجيع الطفل على النظر إلى وجه شخص آخر"، أبدى جوليان كذلك رأيه في الجهاز، قائلاً: "أنا حقاً أعتقد أنه سيساعد الأشخاص المُصابين بالتوحد كثيراً".

مرض التوحد قد يصبح ثروة في قطاع الالكترونيات والمعلوماتية

قد لا يكون كوري ويس ماهرا في التعامل مع المجتمع، لكن تركيزه على التفاصيل يجعل منه اشبه بخبير لدى مؤسسة "مايند سبايس" الالكترونية التي تستفيد من مقدراته ومقدرات امثاله من المصابين بالتوحد وتؤمن لهم العمل والتقدير الاجتماعي، ويقول هذا الشاب البالغ من العمر 27 عاما والذي شخصت اصابته بالتوحد منذ طفولته "استطيع ان ارى اشياء لا يراها الآخرون، وهذا الامر يدفعني لادقق اكثر في التفاصيل واكون اكثر تركيزا"، وبحسب منظمة "اوتيسم" الاميركية المعنية بمرضى التوحد، فان 1 % من سكان العالم مصابون بهذا الاضطراب الذي يمكن ان يظهر بدرجات مختلفة. بحسب فرانس برس.

فالمصابون به بشكل حاد يتجنبون النظر في العيون ويقلون من الكلام، ومنهم من يحسنون الكلام لكنهم يعجزون عن فهم المعايير الاجتماعية، وتركز شركة "مايند سبارك" على النوع الثاني من غير المصابين بتأخر عقلي كبير، فاهتمام هؤلاء المرضى بالتفاصيل وقدرتهم العالية على التركيز هي ثروة في قطاع المعلوماتية، بحسب شاد هان احد مؤسسي الشركة الناشئة.

وتوظف الشركة حاليا 27 مصابا بالتوحد كخبراء، منهم خمسة يعملون بدوام كامل، ويتقاضى البعض منهم 35 الف دولار سنويا، حتى ان اكثرهم مهارة يصل راتبه السنوي الى خمسين الف دولار، وحسنت الشركة منذ تأسيسها قبل ثلاث سنوات عملها وآلية التوظيف المتبعة، ووسعت تدريجا قائمة الشركات التي تجري لها اختبارات على اجهزتها الالكترونية، فأصبحت القائمة تضم "فوكس نتوورك" وشركة التأمين "ليبرتي ميوتشوال". وفي الايام القليلة الماضية بدأت تعرض خدماتها على الصعيد الدولي.

ويرى شاد هان ان ما تقوم به شركته يشكل "مثالا جيدا لاحداث تغير اجتماعي" وان الشركات التجارية يمكنها ان تنجح في اعمالها وفي تحقيق مكاسب اجتماعية في الوقت نفسه، وتقول ديزيريه كاميكا المسؤولة في "اوتيسم فاندويشن" انه "من المهم جدا ان تنشئ شركات التكنولوجيا بيئة تلحظ احتياجات المصابين بالتوحد، فمعظمهم غير قادرين على الحصول على عمل رغم انهم قد يرغبون بذلك".

وتشير تقديرات لمجموعة "مايكروسوفت" ان 80 % من المصابين بالتوحد عاطلون عن العمل رغم ان كثيرين منهم يتمتعون بمواهب خارقة في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا، وهي اطلقت العام الماضي برنامجا تجريبيا لتوظيف اشخاص منهم في دوام كامل، وهي تعاونت في ذلك مع مؤسسة دنماركية متخصصة تعاونت معها ايضا مجموعة "ساب" الالمانية العملاقة حين قررت في العام 2013 توظيف مئات المتوحدين في العالم.

واذا كانت الشركات تتكبد عناء اعداد بيئة مناسبة للمتوحدين، الا انها تحظى بالمقابل بموظفين مهرة مخلصين في عملهم يقاربون المسائل بشكل مختلف عن باقي زملائهم، وتقول يان جونستون تايلر مؤسسة شركة "ايفوليبري" الاستشارية التي تساعد المتوحدين "لدينا اشخاص كفء في الوقت الذي يشكو قطاع التكنولوجيا الاميركي في سيليكون فالي من نقص المهارات، لكنهم للاسف ما زالوا يرفضون توظيف المصابين بالتوحد فقط لانهم اشخاص مختلفون"، لكنها تؤكد ان عددا كبير من الشركات توظف المصابين بالتوحد في مهن تتصل بالمعلوماتية، آملة ان يتسع الامر لتفتح لهم وظائف على المدى الطويل وليس مجرد مهمات محددة.

التربية المميزة تساعد مرضى التوحد

توصلت دراسة طويلة المدى إلى أن تعليم الأباء والأمهات مهارات، لكي يصبحوا "أباءا متميزين"، يمكن أن يحسِّن بدرجة كبيرة من حالة أطفالهم المصابين بمرض التوحد، وخلال تدريب، شاهد الأباء والأمهات أفلاما لأنفسهم وهم يلعبون مع أطفالهم، بينما أعطاهم الأطباء نصائح دقيقة لمساعدة أطفالهم على التواصل، وتقول لويزا هاريسون، التي رأت تحسنا كبيرا طرأ على ابنها فرانك: "لقد رأينا نتيجة واضحة". بحسب البي بي سي.

وقال خبراء إن الدراسة، التي نشرت نتائجها في دورية لانسيت الطبية، "مبشرة للغاية"، وتركزت الدراسة على الأطفال المصابين بدرجة حادة من مرض التوحد، الذين لا يمكنهم التواصل مع عائلاتهم، وبالنسبة إلى فرانك ابن لويزا، كانت أعمدة الإنارة علامة على تقدم حالته باستخدام هذه الطريقة من العلاج، وقالت لويزا، وهي من شيشاير: "فرانك يحب مشاهدة أعمدة الإنارة تضاء في شارعنا، ولذلك فإن فصل الخريف هو الوقت المفضل بالنسبة لنا"، وقالت لويزا: "لسنوات طويلة مضت كان تفاعله صامتا، لكن الآن أصبح يتحدث ويقول: أمي أمي انظري إنها تضيئ بطريقة مختلفة"، وتضيف لويزا: "إذا قلت لي منذ أربع سنوات إنه نطق بجملة مثل هذه كنت سأصيح فرحا".

أفضل كثيرا، لقد كانت فكرة الباحثين بسيطة، وهي تحسين مهارات التربية عند الأسرة بهدف تحسين المهارات الاجتماعية عند الأطفال، وأكدت الدكتورة كاثرين ألدريد، استشارية علاج التخاطب واللغة في مؤسسة ستوكبورت تراست التابعة لهيئة التأمين الصحي البريطانية، إنها لا تلقي باللوم على الأباء، وتقول: "نحن نأخذ طريقة تعامل الأباء مع الطفل ونرتقي بها، لأن هؤلاء الأطفال يحتاجون أكثر من المتطلبات العادية، يحتاجون شيئا استثنائيا".

وهذا الشيئ الاستثنائي عمل شاق. حيث سجل الأباء مع أطفالهم الذين ربما كانوا يجلسون أو يلعبون لوحدهم، لكن الأباء والأمهات عرض عليهم عدة دقائق من التسجيلات، تظهر تحرك أبنائهم بمهارة للعب مع والديهم، ثم عمل متخصصون في التواصل مع الأباء والأمهات، لإكسابهم مهارات لزيادة مثل هذه الدقائق القليلة، وقالت لويزا لبي بي سي: "أنت تلاحظ أشياء لم تكن لتلاحظها في الواقع. أشياء مثل الانتظار وإعطاء فرانك فسحة من الوقت لكي يتواصل ويعلق، بدلا من توجيه الأسئلة إليه، التي تمثل مزيدا من الضغط عليه لكي يستجيب"، وأضافت: "أنت تشعر وكأنك اكتسبت مهارات من جانب هؤلاء المتخصصين، الذين وثقوا في تقييمك للأشياء التي تجعل طفلك يتحدث".

توحد خفيف، بدأت التجربة مع 152 عائلة، بعد وقت قصير من تشخيص إصابة أطفالهم بمرض التوحد، عند عمر ثلاث سنوات تقريبا، وفي الأحوال الطبيعية تتفاقم أعراض التوحد لدى الأطفال مع كبر سنهم، وأعطي نصف عدد هذه العائلات علاجات عادية، وكانت حالة نحو 50 في المئة من الأطفال هي التوحد الحاد في بداية الأمر، ومن المتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى 63 في المئة بعد عمر 6 سنوات، لكن عكس ذلك هو ما حدث مع العائلات التي أعطيت هذا التدريب المكثف.

ومن بين هؤلاء كان نحو 55 في المئة من الأطفال مصابين بدرجة حادة من التوحد في بداية الأمر، بينما انخفض هذا العدد إلى نحو 46 في المئة عند عمر 6 سنوات، وقال البروفيسور جوناثان غرين، وهو المشرف على الدراسة من جامعة مانشستر، إن نتائج الدراسة "رائعة".

وأضاف: "ليس شفاءا، بمعنى أن الأطفال الذين شهدت حالاتهم تحسنا سيظلون يعانون من أعراض المرض"، لكن البروفيسور غرين أشار في تصريحات لبي بي سي راديو 4 إلى أن العمل مع الأسر يمكن أن يؤدي إلى تحسنات طويلة المدى.

وأضاف: "الدراسة تشير إلى أن التحسنات التي استطاع الوالدان إدخالها على حالة الطفل استمرت، حتى بعد انتهاء العلاج، وهو أمر مشجع للغاية"، وشاركت أدوميا، وهي أم الطفل كوفي الذي يبلغ من العمر 12 عاما، في الدراسة، وقالت لبي بي سي: "الأمر الأقوى في طريقة العلاج هذه هو أنها تمتد إلى ما بعد الساعة التي نقضيها داخل مكتب المعالجين، لأنها تنفذ في المنزل".

وأضافت: "وكما قال البروفيسور غرين إنها تصبح جزءا من حياة العائلة، ومن الطريقة التي تتواصل بها مع طفلك، ومن خلال ما تتعلمه من هذا يمكن أن تقول للمدرسة التي تلحق بها طفلك: هذه الطريقة ناجحة، جربوها"، ويصاب واحد من بين كل 100 طفل بدرجة ما من مرض التوحد، لكن مع عدم وجود علاج بالأدوية، تلجأ العائلات إلى علاجات الدجالين.

ويقول الدكتور جيمس كوساك، مدير إدارة العلوم في مؤسسة أوتيستيكا الخيرية: "الأباء والأمهات يخبروننا عادة بأنهم يعانون من أجل تشخيص المرض، لكن حينما يشخصونه في النهاية لا يجدون له علاجا، وكذلك لا يجدون سوى معلومات قليلة أو دعم ضئيل متاح لهم"، ويضيف: "في الغالب الأعم، تقع الأسر ضحايا لمزاعم المشعوذين الذين يستغلون العائلات البائسة"، وأتبع: "تبدو النتائج واعدة بالنسبة لآلاف الأسر، التي ترغب في التدخل المبكر في حالات أطفالهم بناء على أساس علمي"، ويقول الدكتور ماكس ديفي، من الكلية الملكية لطب الأطفال: "تمثل نتائج الدراسة رسالة مبشرة للغاية للأسر، التي قد يولد لها أطفال مصابون بالتوحد".

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي